عشاريات محي الدين عطية في ديوانه "صلاة الفجر"
عشاريات محي الدين عطية
في ديوانه "صلاة الفجر"
عبد الله الطنطاوي
مدخل:
"صلاة الفجر" هو المجموعة الشعرية السادسة للشاعر الإسلامي المبدع: محي الدين عطية، وقد سبقته خمس مجموعات شعرية أخرى هي: نزيف قلم – دموع على الطريق – قسماً- مجموعة أناشيد المقاومة- من الأعماق.
وقارئ تلك الدواوين يخرج بانطباع حزين ثائر، لأنه يقرأ الأبيات والكلمات والمقطّعات والقصائد وظلالها وموحياتها، ويغوص في أعماقها وأغوارها البعيدة، فيحسّ لفح أفيائها، من خلال نفس تتلظى وهي تستعيد ذكريات الليالي الخوالي، وهي –في أكثرها- ليالٍ عوابس دوامس مترعة بالأنين، مغلّفة بالآلام والأحزان، احتوشتها تجارب مريرة، سوف تبقى حديث الناس إلى أجيال وأجيال.. حديث النفوس المسحوقة التي طالما عانت من أوشاب الناس وطغامهم، وهي مصرة على مواقفها البطولية الجهادية، لا تضعضعها الأهوال، ولا يفلّ من عزائمها طغيان المتألهين المتجبرين العابثين.
وشاعرنا واحد من أولئك الصيد الذين لقوا الألاقي فصبروا وصمدوا صمود الأطواد الشوامخ في وجه الزعازع والهزاهز والأعاصير.. وليس هذا بمستغرب ممّنْ رضع لبان الرجولة مع تعاليم الإسلام ومبادئه وعقيدته، فكان يأرز إلى إيمانه بالله وقضائه وقدره، كلما حزبته الأمور، وعصفت به العواصف الهوج من الهمج والسفلة وسفلة السفلة.. والإيمان يصنع الأعاجيب من رجولة الرجال..
الديوان
وهذه المجموعة الشعرية تنبئ عن شاعرية فذّة، تملّكها صاحبنا منذ أن انضوى تحت راية الإسلام، وعبّ من ينابيعه الثرة فكراً صافياً، وثقافة عميقة، وبُعداً في النظر، ونقاء في السريرة، وقد أخصب كلَّ ذلك بما عانى من أنماط القهر وغنى التجارب التي أَثْرَتْ عواطفَه، وقد انعكس كلُّ ذلك على شعره، ليجعل منه شاعراً متميزاً، على الرغم من أنه شاعر مقلٌّ –فيما يبدو- لتشعُّب أعماله واهتمامه، ولكن الغزارة في الإنتاج ليست شيئاً ذا بال، ما لم يواكبها إبداع، وإقلال في إبداع، خيرٌ ألفَ مرة من إكثار في غثاثة.. ولهذا فإن (ديوان العرب) قد ضم بين أجنحته شاعراً يعتزّ به، وشعراً فيه روعة وجمال، وليست فرحة الشعر الإسلامي بأقل من فرحة الشعر العربي بهذا الشاعر وبما شعر..
يتألف الديوان من ست وثلاثين قصيدة عشارية –فإذا كان الشعر العربي قد عرف- فيما مضى وفيما حضر- الرباعيات والخماسيات والثنائيات، فإن شاعرنا قد ابتدع (العشاريات) فكل قصيدة من قصائد هذا الديوان تتألف من عشرة أبيات، سوى قصيدة (إسراء) فإنها تتألف من تسعة أبيات، وأحسب أن البيت العاشر قد سقط سهواً أو قسراً.
وقصائد الديوان تنطلق من منطلقات إسلامية، في محورها الإسلامي العبادي، وفي محورها السياسي، وفي محورها الاجتماعي، فقد تمكن الشاعر من صهر هذه المحاور في بوتقة الإسلام العظيم الذي يعيشه الشاعر ويحياه.
وقد استخدم الشاعر مختلف البحور الشعرية، كالطويل والبسيط والمديد والمجتث والوافر ومجزوئه، معتمداً في سائره على عمود الشعر –بمعناه الحديث وليس بمعناه الجاهلي أو الأموي- مبتعداً عن شعر التفعيلة.
والشاعر سلس الأسلوب، عذب الكلمات، يتحدث إلى قارئه في شعره حديث الصديق للصديق، في توءدة وحب وأنس، فيه رقة ونعومة وصدق وبُعدٌ عن التقعّر في اللفظ والمعنى معاً، مما جعل موسيقاه هادئة محببة تتسلل إلى النفس لتنقل أحاسيس الشاعر فيما تعجّ به بعض القصائد من تنوّع العواطف والمشاعر والأحاسيس، والحزينة منها بخاصة.
صورة
وصوره لا تقل عذوبة وجمالاً عن أسلوبه وموسيقاه، كهذه اللوحة البديعة التي رسمتها ريشة صناع:
إذا ما الفضة انتشرت خيوطاً في لياليـنا
تراقبهـا مآذننـــا .. فتصدحُ كي تنادينا
نلبّيهـا فيهـرب مـا تثاقـلَ مـن مآقينـا
ونلقـى النسـمةَ العـذراءَ نرشفُها وتُرْوينا
تعـانقُنـا، تقبّلُنـا، وتوقـظُ خيرَ ما فينـا
وفي قصيدته (جريح من هرات) مجموعة من الصور الحيّة المعبّرة كهذه:
تمازُحنى كأنك يومُ عُـرْسٍ وجُرحك وجهُ عذراءٍ مليـحُ
وبضحك في ندى عينيك طفلٌ فتضحك دمعتي، ولها فحيحُ
وجُرْحُك أحمرُ الشفتين يشـدو بأغنيةٍ لها كالمسـك ريح
واقرأ معي في قصيدته (نشوة) وتأمل هذه الصور البديعة:
إذا ما استحمّتْ عيون السماء بضوء القمرْ
هنالك يُدعى اليراعُ الوفيُّ لبعض السّهرْ
وتتلو القوافي مع الكائنات دعاءَ السَّحَرْ
هنا يسبحُ المرءُ في نشوةٍ من نسيج القدر
صلاة الفجر
وإذا أردنا أن نقف أمام بعض قصائد الديوان، فسوف نطرب لمعانيها، طَرَبنا لمبانيها، فنحن نطالع في (صلاة الفجر) الإحساس الصادق، والأسلوب الشاعري، والصور الجميلة، تتدفق فيها المشاعر عبر الكلمات والصور التي تتنفس في جوّ إيماني.. وتتنسّم من عبيره نسائم تحمل المرء على أجنحة شفيفة إلى أجواء المؤمنين الصادقين، والملائكة الأطهار المكرمين.. فالخيط الأبيض من الفجر هو من خيوط فضية ترقبها المآذن في شوق ولهفة. وحالما تراها تصدح بالأذان، فتوقظ الوسنان الذي يخفّ إلى بيوت الله، والنسمات المندّاة تستقبله، تعانقه، تقبّله، وتبعث فيه خير ما فيه، والمؤمن كله خير، تحفّ به ملائكة الرحمن، وهي تزفّه إلى المسجد، حيث المؤمنون صافّون أقدامهم للصلاة، للعطاء والخير، وترقّ الأرواح وهي تصيخ إلى قرآن الفجر الذي ينقّيها من أدران المادية، فتهتف أشواقها داعية مبتهلة، وتتجاوب الأطيار والأشجار وما حوى ملكوت الله، فتهتف مؤمّنةً: آمين آمين..
كل هذا الجمال يتودد إليك بلا حشو ولا إقحام معنى أو تكلّف صورة، أو تعسّف معنى أو قسر كلمة، ويجعلك تصرخ: أين كان شاعرنا؟ أم أنَّ ليل المحنة الطويل الطويل، الثقيل الثقيل، قد آده وضعضع نفسه الرقيقة فصرفها عن قول الشعر حيناً من الزمن؟ أم هو تقصير النقاد الإسلاميين الزاهدين بنتاج المبدعين من إخوانهم؟
المسجد
وفي (المسجد) عبّر الشاعر عن مفهوم العبادة في الإسلام.. فالمسلم العابد ليس من يرتاد المساجد وحسب، بل هو الذي يتعلق قلبه بالمساجد، ويحمل فأسه ويعمل في حقله ويتحمل مشاقّ العمل، وهو الذي يسعى على عياله ويرعى والديه ولا يؤذي جاره، ولا يقطع رحمه، ويبثّ الحياة في قلوب العجزة، ويذكي الهمم ويستنهض العزائم، وهو الذي يجاهد بقلمه، والذي إذا عمل عملاً أتقنه ليكون –أبداً- في سباق مع العلماء والمخترعين، والذي لا يكتم علماً.. هؤلاء هم العبّاد، فالمؤمن يتعبد ربه في سائر أحواله، وقد جُعلت له الأرض مسجداً وطهوراً.
إنها أطايب الإسلام، قدّمها إلينا الشاعر على طبق شهيّ من لذيذ الشعر..
الزائر الأخير
و"الزائر الأخير" هو الموت، وقد وصفه وصفاً دقيقاً، في أسلوب تقريري، غير أنه ينبض بشتى المشاعر التي تنتاب مستقبِلَ هذا الزائر الذي لابدّ من استقباله ولا مفرّ.. وفي الختام: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره:
فإنْ خيراً هنا، فهناك خيرٌ وهل يخشى من اللُّقيا حبيب؟
العطاء
وفي (العطاء) يخرج الشاعر عن مألوف أصحاب النظرة المادية والتفسير المادي للأمور، أولئك الذين يرون في المال درعاً وكافلاً وأمناً، وأن الجود يفقر، فالمال –في نظر الشاعر وفي نظرنا- عارية مستردّة، وهبه الله عباده ليتصرفوا به فيما يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالخير، لا ليكونوا عبيداً له، واصرفْ ما في الجيب، يأت ما في الغيب، والسعادة الحقيقية إنما تكون في البذل والعطاء، وقاتل الله البخل والأشحاء.
وفي (الخضاب) رمز لكفّ العامل الذي يكدّ ويشقى ليسعد الناس، يتعب وهو يسعى على عياله.. هذه الكف التي يحبها الله ورسوله، لا نكاد نجدها في صورتها المناسبة في محيطنا الزاخر بالعجز عن الأداء الكامل في كثير من الميادين، حتى صرنا في مؤخرة الركب.. فلا منظر النحلة العاملة، ولا منظر العنكبوت المبدع، ولا سواها من الطيور، ولا قطرة الماء، مما يلفت انتباهنا إلى ضرورة السعي كما أمرنا الله ورسوله: "وقل اعملوا.." فماذا ترانا نفعل؟ وبماذا نسوّغ ما نحن فيه؟
أيُّ سرٍّ في الأكفّ اللواتي تزرع التاريخ بالمكرُمات؟
أيُّ رمزٍ في يدٍ خضّبتْهـا قُبلةٌ من سـيّد الكائنـات؟
وفي (الناموس) يأبى الشاعر حياة الذل والمسكنة، وما يتبعهما من بكاء واستبكاء، وحياة الدعة والتمجّد والزهو في فراغ نفسي وخواء روحي، والغد المأمول مظلوم بين هذا وذاك، لما ينتابنا من عجز أو سوء تخطيط أو تعثّر إدراك، وما لم نتدارك الأمر بالأخذ بأسباب الحياة كما شرعها الله ورسوله: التزاماً بهذا الدين وما يدعو إليه من الجهاد بالسيف والقلم والعلم، فناموس العدالة الربانية لنا بالمرصاد:
لعمري لئن لم يدرك الأمـرَ أهلُـه شبابٌ بسيف العصر دوماً مدجَّجُ
وشيبٌ بمحراب الرسـول قلوبُهـم وألبابُهم في موكب العلم هـودجُ
فإنَّ الرحى لن يخطئ الحَبَّ طَحْنُها ولله نامـوسٌ من العـدل أبلـجُ
وفي (الرغيف) نطالع التباين والفوارق الكبيرة بين (دولنا) التي أطلق عليها الشاعر اسم القرية –وهو محقّ- فهذه جدباء أكلها القحط، وتلك مخصبة، ولكنها تكفر بأنعم الله، حيث الكسل والبلادة والإسراف ومنع الزكاة والسرقة والربا واستيراد ثمرات كل شيء.. ثم يتساءل مستنكراً:
تُرى.. هل أصلُ حاجتنا رغيفٌ؟ أم الإيمان والعقل الرشيد؟
وينعى الشاعر في (حواء) ما آلت إليه حال المرأة عندنا، بعد التغريب الذي حلّ بمجتمعاتنا، فلم تعد في نظر الشرق والغرب سوى سلع رخيصة، وغابت (حواء) الأم والزوجة والأخت والبنت وصانعة الأبطال من حياتنا، فصرنا إلى ما صرنا إليه من هوان.
ويعالج في (الرأي الآخر) مشكلة الحرية وأزمة الرأي والرأي الآخر في حياتنا التي يفتك بها الاستبداد السياسي، ويتحكم فيها الطواغيت، ويعمّ الإرهاب الفكري، فلا رأي إلا لصاحب الأمر والنهي، يسحق من يشاء، ويقتل ويسجن ويمتهن الكرامات.. وهذا من أهم أسباب تخلُّفنا الذي يرهق إحساس الشاعر، ويقضُّ مضجعه، فيعالجه معالجة شاعرية، ولكنها ذات كثافة وثقل على الواقع المعيش فيقول:
واطلـب الرأي البديل فـإنّـا كم جنينا من حصاد الغرور
أبلـهٌ مَنْ ظـنَّ أنّ اللـيـالي بعده ما أنجـبتْ من بُـدور
والتمسْ في القول عذراً لخصمٍ صادقٍ، فالظنُّ بعضُ النفور
هل تُـرانا نعبُـرُ النهـر إلا أن نرى ما بيننا من جسور؟
وفي (الأصنام) متابعة للواقع السياسي المرير القائم على الظلم والاستبداد، ولكنه –هنا- ينعى على الشعراء والعلماء الذين أقاموا الأصنام والأوثان من لحم ودم، وليس من حجر، كما كان المشركون الوثنيون يفعلون في القديم:
هُرعْنا نصنع الأوثان لحـماً وكانت عندهم حجراً وطينا
نؤلّه كلَّ سـلطـانٍ منيـعٍ تربَّعَ فوق هامتنـا سـنينا
وليس العيب في الأصنام إنّا أقمناها ، فكنّـا الظالمينـا
وصار لكـل إنسـانٍ إلـهٌ بداخله يقود له السـفيـنا
وفي (الصكوك) صورة عن بهلوانات العصر الذين يهرفون بما لا يعرفون..
ولعل ذلك الواقع السياسي جعله يقدم إلينا في (الانتحار) تلك الصورة المشينة لحال أبنائنا في هذه الأيام. فهذا الجيل لا يكاد يتزوّد بغير الجهل، وتصبح الرؤوس والنفوس خاوية خالية يتمكن منها أيّ فكر يصادفها، ويكون البأس وانطفاء جذوة الأمل فيهم، ويكون الانتحار، ونحن المسؤولون عن ضياع هذا الجيل، والمناهج التي نقدّمها إليهم مسؤولة:
وينتحر الشباب على يدينا زرعنا.. ثم باؤوا بالحصاد
وهكذا القصائد تأتي تترى في نقد واقعنا السياسي..
بناء القصيدة على حديث:
وهناك نمط آخر من هذه العشاريات، يتناول الشاعر في كلّ واحدة منها حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففي (المظلة) يتحدث عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظلّه..
وفي (الاستمرار) يحكي حديث رسول الله:
"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
وفي (السؤال) يتحدث عن حديث الرسول العظيم الذي يخبّر عما يُسأل عنه المرء يوم القيامة: عن عمره فيم أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله: من أين اكتسبه وكيف أنفقه..
و(الظافر) هو الذي يظفر بالفتاة المتدينة "فاظفر بذات الدين تربت يداك".
وفي (ألوان من الصدقة) نطالع حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن الفقراء من أهل الصفة الذين جاؤوا رسول الله شاكين في أروع مظاهرة عرفها التاريخ، لأن أهل الدثور (الأموال) ذهبوا بالأجور، يصلّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم.
ونطالع حديث رسول الله في (المنافقون):
أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منها كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: "إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمن غدر، وإذا خاصم فجر"..
و(الحبّ الأكبر) شرح شاعري لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه".
وفي "التغيير":
من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
وفي (نهر البر): احفظ ودّ أبيك..
وفي (اللقيمات): ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه..
وفي (أدب الهجر): لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.
ومن (حق الطريق): غضّ البصر..
وهكذا يمضي الشاعر في تقديم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في شاعرية وفهم ووعي لما يريد ويجب تقديمه إلى ناس هذا الزمان الذين هم في مسيس الحاجة إلى مثل هذه التعاليم التي تسعدهم في دنياهم، وتنجيهم في أخراهم..
يطيب للشاعر أن يتنقل بين الموضوعات، وعينه دائماً على هذا الواقع التعيس.. ولعل أتعس ما فيه (أقلام الفتنة) التي لا ترعى حقاً ولا ذمة ولا صدقاً فيما تكتب، بل تسعى لتشبّ نيران الفتنة بين الإخوة، يقودها شيطان رجيم، ولو أن أصحابها وعوا دروس التاريخ، وعمر الإيمان قلوبهم، لكان لهم ولأقلامهم مسار آخر في هذه الحياة:
يا جامعي حطب التاريخ في قلمٍ لا تحرقون سوى الأيدي بلا حذر
هلاّ وعيتم دروس الأمس دامية هلاّ استجبتم لضمّ القوس للوتـر
فالقلب إن يعزف الإيمانُ نبضته كان الجناحان ملء السمع والبصر
وهكذا يكون (الحريق).. يلتهم شرقنا وأمجادنا وتاريخنا، يوقد نيران الفتنة فيه طواغيت لا يقرّ لكراسيّهم قرار إلا فوق الأشلاء، والرسول الحكيم يقول:
"إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار:
المسلمان إذا سيفاهما التقيا كلاهما من عُرى الإسلام ينعتق
وأخيراً..
يبدو للقارئ المتأمل في هذا الديوان وأشقائه الدواوين الأخر، أن الشاعر حكيم، قد بلا الحياةَ والناس، وعركته التجارب، وامتحن الدهر، ثم جاء بنظراته وتأملاته هذه في هينة ولين، لا صخب ولا قعقعة، بل تنساب في رقة وعمق، يقرّبان الشاعر منك، ويقرّبانك منه، فكأنه يهمس في أذنك، وهو ملتاع لالتياعك، حزين لأحزانك، عاملٌ على استنهاض الهمة فيك في تحبب وتودّد وأنس. وأرجو أن يكون شاعرنا ممن نفعه الله بما وهبه وعلّمه ومنحه من شاعرية فيّاضة، لينتفع بها المؤمنون الذين ستكون لهم بمثابة الصُّوى في دروب الحياة، كي لا يضلّ العمي عن الحقيقة..
كما أدعو إلى أن نعلم أبناءنا ونحفظهم هذا القصائد لتكون من ضمن ديوان العرب الذي نحرص على أن يكون في صدورهم وعقولهم.. ونحاول أن نقنع من نستطيع إقناعه لتكون ضمن المناهج، تعلم أبناءنا أمور دينهم، وتحببهم بأخلاق الإسلام، وتقودهم إلى رضا المليك الديّان.