العائد أخيراً

المؤلف: فوزي صالح

يحيى بشير حاج يحيى

عضو رابطة أدباء الشام

[email protected]

تحاول هذه الرواية فضح التهاون والاستسلام والانشغالات الوهمية المعيقة للتقدم العلمي والفكر باتجاهاته الصحيحة التي حث عليها القرآن الكريم في آيات كثيرة!

تبدأ بوصف واقعي – بلغة شعرية- للقرية المصرية، وما يعانيه الفلاح البسيط من فقر ومهانة واستلاب، ثم تداخلات ما بين الرمز والحقيقة تواسيها وقائع تاريخية من غريب برز بشكل مفاجئ (محمد الصالح) ولعله يشير إلى محمد علي، ليتزوج من (هنومة) أرملة لقتيل ولعلها (مصر) في ذاك الوقت، كان يحلم بها الكثيرون ويتشهونها!

وأما محمد الثاني الذي جاء خلفاً لأبيه، والذي شكك الناس إن كان ابناً حقيقياً للراحل، فقد انشغل الناس عنه بالتطاحن على المناصب وقد مهد لمحمد الثالث الذي لم يستطع أن يوازن بين العلم والسلطة، وبرز جهله بأصغر الحقائق واضحاً مضحكاً، وقد أخفق في إظهار نفسه أمام الناس على غير حقيقتها!

وفي عهد محمد الرابع تضرب الفوضى أطنابها حين انفتحت الأبواب على مصاريعها، وابتدأ النهب المقنن بالدخول في عصر الرخاء المزعوم، (الانفتاح) وطغت ظاهرة القطط السمان، وارتفع من لم يحلم برفعة.. وحين أراد بعضهم أن يعترض على الديمقراطية ذات المخالب، كان السجن الصغير له بالمرصاد، بعد أن تم شل إرادته في السجن الكبير.. ومع مضي محمد الرابع وشعار العلم والإيمان بقيت الأمور كما هي، فالعالم يمور بكل جديد، ويخرج من جعبته أشياء عجيبة لا زالت تستقبل بفتور يسبقه رفض، ثم تنقلب العملية فجأة إلى شبق استهلاكي مخيف يخترق الجيوب والعقول ويستنزفها لتزداد الفجوة الحضارية الهائلة التي تفصل بيننا وبين الآخر؟! وفي خضم هذه الحالة ينعدم الحوار المثمر، وتحل محله قذائف الشعارات والاتهامات..

تركز في الجزء الأخير من الرواية رصد لظاهرة التحولات الطبقية في القرية المصرية خلال عقد السبعينيات من القرن العشرين وهذه الظاهرة كان من نتائجها الملموسة والمعروفة تركز رؤوس الأموال في أيدي أناس انجرفوا بها وجرفوا في طريهم الآخرين!!

وقد ركزت الرواية على بعض السلوكيات المرضية التي رافقت هذه التحولات دون الخوض في التفصيلات الصغيرة، شأن الأعمال الأدبية التي تنحو المنحى نفسه، واكتفت بما لا يتعارض مع فنية الرواية، تاركة للقارئ فسحة من المشاركة..

تجربة هذه الرواية جديدة، إذ تحوي في بنيتها أشكالاً أدبية وغير أدبية تنصهر كلها في العمل مكونة نسيجاً مغايراً للعادي المتعارف عليه! ولذا فالتعامل معها لا يكون بمنظور نقدي تقليدي!!

وقد حاولت الرواية أن تضع يدها على الخلل وتشير إليه فأضافت إلى مشكلة تركز الأموال بيد القطط الجاهلة السمينة، والسلطة بيد المغامرين الجهلة وتوريثها لمن بعدهم! ملكية أو جبرية عسكرية، مشكلة النظم التربوية غير المخططة التي أنتجت أجيالاً هشة لا تصلح أساساً كقاعدة لتطور ما قوي؟! وأكدت على ضرورة مراجعة المناهج الدراسية من الابتدائية وحتى العليا، لصياغة العقول من خلال مناهج تعلي قيمة الإنسان والعقل، للمشاركة في القضايا الجادة آنية ومصيرية، ويلغي الدوران في الحلقة التي رسمها محمد علي (الأول) ودار فيها من بعده، وصولاً إلى محمد الرابع بشعارات دولة العلم والإيمان التي يراد لها أن تتعايش مع: لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين.