التحولات الدلالية في الشعر 3
التحولات الدلالية في الشعر
د. محمد دخيسي - وجدة المغرب
-3 التحول الدلالي: بين القصد والجمالية
ما معنى أن يكون النص المقروء حاملا للمعنى وغيره؟
ما أساس القول الشائع بتعدد القراءات في النص، خاصة منه الشعري؟
هل فعلا إن التعدد في الدلالة قصدٌ من طرف المبدع، أم مجرد تأويلات تصدر عن المتلقي الذي يفطن إلى الأسس الجمالية المحملة داخل النص؟
ما السبيل إلى فك ألغاز النص الشعري إن كان القصد والنية ثابتين في ذهن المرسِل؟
هذه الأسئلة إلى جانب أخرى سبق طرحها تشكل اللبنة الأولى التي يمكننا من خلالها أن نثبت أو ننفي صحة الأصول النظرية لعلم الدلالة.
3- 1- التجربة الشعرية بين البلاغة التقليدية والتحولات في المعنى
إن اللغة مهما تماهت والسبل المعروفة في السياقات المتداولة، فإنها تلزم تخطي هذه الأولوية للوصول إلى بعض التجارب. فالشاعر بمحاولاته عدم التنسيق بين المعنى المعجمي والمعنى الثاني المقصود من طرفه: " يقول ما يرغب فيه، وبذلك فهو لا يشبه أحداً، ولكن إذا كان ما يقوله يظل خاصا به شخصيا فإن طريقة التعبير ليست خاصة به، إنها تظل كيفيا طريقة تعبير جنس معين، وكميا طريقة تعبير خاصة بعصر ما، لا يوجد لسان شعري إذا كنا نقصد بكلمة لسان مجموعة الكلمات، ولكن توجد لغة شعرية إذا كان المقصود بلغة تأليف الكلمات فيما بينها أي تركيبها في جمل، نحن هنا أمام جملة شعرية ليس بفضل مضمونها لكن بفضل بنيتها." [1]
هذه الدلالة هي التي جعلت البلاغة تؤكد ضرورة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، لذا كانت البلاغة في دورها الأول تركز على المتكلم أكثر. وفي السياق الدلالي نفسه عمدت البلاغة الرسمية محاكمة المرسِل على درجة توافقه والحالات العادية.
ونرى في هذا المجال ضرورة النظر في أفق انتظار المتلقي وتوقعاته؛ وكذا السبيل الأوحد إلى مخاطبة المرسَل إليه بتبني موقف اعتمال الذهن للوصول إلى المبتغى.
والتجربة الشعرية في هذا السياق هي إحدى مستويات الاختراق، اختراق الأساس النظري تجاه حقيقة الخطاب، من حيث مستوياته المعرفية والجمالية والإيديولوجية. كما تجدر الإشارة - ما دمنا نؤطر التحول الدلالي- إلى أن البلاغة العربية كانت سباقة إلى تحديد المفارقة الحاصلة بين المعنى الأولي والمعنى الثاني. وقد سبقت الإشارة إلى بعضها في إطار البحث عن علاقة اللفظ والمعنى عند القدامى. وتقصي القصد من وراء ركوب خاصية التحول الدلالي في الشعر، سواء في صيغته التقليدية أم الحديثة.
لن نطرح هنا أيضا سؤال الأسبقية في الظهور، لأن لكل بلاغة خصوصيات مرتبطة بطبيعة اللغة الأصل. لذلك نرى أن التحول الدلالي إن كان منشأه البلاغة بمستوياتها البيانية فذلك لتشديد الرؤية وتبسيط الإطار العام الذي نبحث فيه. وسؤال التحول مرتبط ببنية اللغة وخصوصياتها. كما نجد علاقة المعنى والمنطق اللغوي الذي يتحكم في سيرورته. والأصل في الشعر كما في سائر الكلام الذي يراد منه إعمال ذهن المتلقي أن تكون للفظة والعبارة فيه أبعاد غير متوقعة، لأن القصيدة كما يقول عز الدين إسماعيل- وهو الرأي الشائع والصائب-:" من حيث هي عمل فني ليست إلا تشكيلا خاصا بمجموعة من ألفاظ اللغة. وهو تشكيل خاص لأن كل عبارة لغوية سواء أكانت شعرية أم غير شعرية، تعد تشكيلا لمجموعة من الألفاظ. لكن خصوصية التشكيل هي التي تجعل للتغيير الشعري طابعه الخاص.