رسالة مفتوحة إلى الفتاة المسلمة في عصر العولمة

دراسة نقدية لكتاب :

لمؤلفه الأستاذ الدكتور: ماجد عرسان الكيلاني

د. ماجد عرسان الكيلاني

[email protected]

خولة أكرم جراح

[email protected]

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد. لقد قامت الباحثة بقراءة كتاب رسالة مفتوحة إلى الفتاة المسلمة في عصر العولمة للكاتب ماجد الكيلاني وبعد التمحيص والتدقيق في الكتاب قامت الباحثة خولة جراح بتلخيص أفكاره ثم التعليق على بعض الجوانب فيه.إن إثارة موضوع كهذا الموضوع من قبل الكاتب شيء مهم جدا في مجتمعنا وفي حياة كل فرد في المجتمع وخاصة النساء منه. إذ أن مثل هذا الموضوع يهم الجميع ويساعد المرأة للنهوض بنفسها وتخليصها مما علق في ذهنها من أفكار منحرفة وسلوك غير محتشم ويوجهها إلى تنمية وتغذية السلوك المحتشم الأصيل الفاضل لإخراج جيلا قويا كجيل صلاح الدين الأيوبي وإلى الأمام يا ماجد يا عالم الوقت الحاضر والماضي والمستقبل فهذا الكتاب ينطبق عليه قول الشاعر:

الأم مدرسة إذا أعددتها   أعددت شعبا طيب الأعراق

لقد قامت الباحثة بتلخيص أفكار الكتاب أعجبت بقانون الزوجية في حياة الرجل والمرأة حيث شبه علاقتهما بالتيار الكهربائي أثار الباحثة في كيفية عرضه للقانون في تكافل فكر ومشاعر وتطلعات كل من الرجل والمرأة ثم اطلعت على نماذج المرأة الأربعة التي عرضها والتي تبدأ بالمرأة القوية الفاضلة وهن نساء الرسل والأنبياء وحاضنات الرسالات ومن سمات هذه المرأة والإحاطة بعلوم غايات الحياة ووسائلها.وإحكام المزج بين المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي.تعشق المثل الأعلى الذي يطرحه القرآن والسنة وتجنب المثل السوء.

في رأيي أن كتابة الكاتب بهذا الشكل على هذه المرأة وطرحه لهذه الأمثلة من النساء يؤكد غنى الكاتب الفكري والعلمي والثقافي وسعة اطلاعه فلقد حرك فينا الشجاعة والقوة وحب التضحية وأمدنا بشحنات كبيرة من أجل مواجهة الحياة فشكرا له.

ثم انتقل لنموذج المرأة القوية غير الفاضلة: ومن صفات هذه المرأة العلم بوسائل الحياة والغياب عن غاياتها والانحسار داخل دائرة الدنيا ونسيان الآخرة وغلبة الاهتمام بالذوق الجمالي والغفلة عن المبدأ الأخلاقي.حصر الفضائل بالمتع الحسية وحصر العلم بعلوم الدنيا وثقافة الاستهلاك والترف.

ثم تناول المرأة الفاضلة الضعيفة: ومن صفات هذا النموذج سطحية العلم بغايات الحياة ووسائلها.التقليد والاحتكام إلى ما يقوله الناس والاستشهاد بالأمثال الشعبية السائدة.التكيف مع متطلبات البيئة المحيطة وشدة التأثر بتياراتها سلبا أو إيجابا.

وأخيراً نموذج المرأة المستضعفة غير الفاضلة: وينقسم إلى قسمان:

القسم الأول يتصف بخداع الذات وانتفاخ الشخصية وتقلصها أمثال نجوم الفن وملكات الجمال.

القسم الثاني يتصف بالبهرجة والزخرفة أمثال النساء اللاتي ينخرطن في خدمة مؤسسات السياحة الترفيهية وإدارة الفنادق وغيرها والسمة الرئيسية لهذا القسم هو انتقاص الذات بسبب المعاملة اللاإنسانية.

أما عن خلاصة هذه النماذج الأربعة أن الأسرة السليمة لا تبني ولا النهضات تقوم إلا إذا تكاملت جهود الرجل القوي الفاضل مع المرأة القوية الفاضلة وهذا أفضل النماذج.إخراج النموذج القرآني للمرأة الموصوفة بالقوة والفضل أصبح هدفا تربويا عاما ومطلبا اصطلاحيا في مجتمعات العالم كله.

فقام الكاتب بعرض الفرق بين الحضارة الحديثة والنظرة الإسلامية لكل من العمل وساعاته ومكانه وبيئته ففي حين أن الحضارة الحديثة تنظر للعمل على أنه كل جهد يبذله الإنسان ويجلب مالا دون النظر في مضاعفاته الاجتماعية  فالمال هو الهدف في الحياة وحول المال تتمحور قيم العدل.فبالمقابل الإسلام ينظر للعمل على أنه كل جهد يسهم في سلامة النوع البشري ورقيه فالإنسان هو الهدف وحوله تتمحور قيم العمل وما المال إلا معين على بقاء النوع الإنساني.أما عن ساعات العمل ففي الحضارة الحديثة: جعلت النهار كله عمل وأحيانا أضافت إليه الليل ولم تترك للوالدين ساعة واحدة للاشتغال بإعداد الإنسان ورعاية الأسرة.أما الإسلام قسم ساعات العمل إلى قسمين أحدهما في الدوائر والمصانع والأخر في البيت لصناعة الإنسان ورعاية الأسرة.أما عن موقع العمل وبيئته:

فالحضارة الحديثة: تتعمد في إخراج المرأة للعمل في سوق الاقتصاد العالمي ويهملون العمل في البيئة المحلية.

أما الأقطار العربية الإسلامية: يهملون تنمية إنسان المنطقة ويهملون تنمية الموارد المحلية خاصة الزراعة ويوجه الإعلام لإفراز بيئة ينتفي منها الاحتشام وتفرز المرأة القوية غير الفاضلة

أما عن باب الفتاة المسلمة وريادة تحرير المرأة في عصر العولمة فبعد أن قرأت هذا الباب أيقنت أنه لا تحرير للمرأة إلا بالرجوع لكتاب الله وسنة نبيه الكريم وجميع الادعاءات بهذا الخصوص باطلة ومزيفة وتقود المرأة والمجتمع إلى الهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم أكد المؤلف على أهمية الاحتشام والسلوك الفاضل القوي وأنه رسالة عالمية وعطاء حضاري:

ويتلخص كلامه بالوقوف على أهمية الاحتشام وفضيلته وبيان مضاعفات العري وعدم الاحتشام والعياذ بالله.

وقد عرف السلوك المحتشم بأنه محصلة التفاعل بين الفرد أو الجماعة والبيئة المحيطة في لحظة معينه ويحكم على صواب السلوك أو سوءه بالمقارنة مع سنن الله في الكون والمنشأ.

ثم تطرق إلى أهمية تنميته من قبل مؤسسات التنشئة والتربية والتوجيه عن طريق الغذاء الذي تنمو من خلاله حلقات هذا السلوك وتشتد أو تمرض وتضعف.وتكامل هذه المؤسسات والتنسيق بين أعملها لتوفير بيئات العافية.

وهناك آلية لتقديم الغذاء للسلوك المحتشم في التربية الإسلامية تختلف عن الآلية في التربية الحديثة ففي حين أن التربية الإسلامية تدعوا إلى ذكر الله ذكرا كثيرا والتسبيح بحمده بكرة وأصيلا والحض على سماع القرآن وتلاوته والنهي عن فحش القول وسماعه هدفها تنمية حلقة الخاطرة الخيرة إلى درجة التقوى.تدبر آيات الله والبحث في آيات الأفاق والأنفس هدفها تنمية حلقة الفكرة إلى درجة اليقين.أداء الصلاة والصوم والحج هدفه تنمية حلقة الإرادة إلى درجة العزم.علوم اللغة العربية والأدب الملتزم هدفها تغذية حلقة التعبير إلى درجة البيان.تغذية الجسد بالحلال دون الحرام وتدريبه على مهارات الكسب المشروع هدفها تنمية حلقة الممارسة إلى درجة القدوة والتمكين ثم تكون المحصلة النهائية بروز ثقافة الاحتشام واستقامة السلوك.

أما التربية الحديثة تقوم بتغذية هذا السلوك عن طريق الفنون غير الملتزمة والموسيقى الراقصة والأدب النسائي المكشوف لتنمية حلقة الخاطرة والاجتهاد في استيعاب الفلسفات المادية الدنيوية لتغذية حلقة الفكرة وإشاعة قيم الإنتاج والاستهلاك لتنمية حلقة الإدارة.والتدريب على لغة التكنولوجية وعلوم المادة الجامدة لتغذية حلقة التعبير.وتقديم الطعام والشراب إلى درجة التخمة والإسراف وتدرب على مهارات العمل لتنمية حلقة الممارسة ثم تكون المحصلة النهائية بروز ثقافة الإنتاج و الاستهلاك التي تفرز التصوف المادي ودراويش التسويق الذين لا يوجه سلوكهم احتشام ولا يتقيدون بحلال أو حرام.

ولكن لابد من تضافر وتكامل عمل هذه المؤسسات للعمل على تزكية الحلقات السابقة وتزكية البيئة المحيطة بها ولابد أن تتكامل في حمل مسؤولياتها الدينية والتربوية والفنية وغيرها لأن في تكاملها بروز ثقافة الاحتشام والسلوك المحتشم وفي تناقضها ملء البيئة بالملوثات اللاأخلاقية والضلالات العقدية ويمكن أن تتكامل وتتضافر عن طريق تجديد مؤصل في مؤسسات التعلم و رجال التربية يقوم على بلورة نظرية تربوية مستمدة من الأصول العقدية والتاريخية ومن التفاعلات المستقلة المبصرة مع معارف العصر وحاجاته وتحدياته المتجددة.وتحويل هذه النظرية إلى مؤسسات ومناهج تربوية جديدة تخرج إنسانا جديدا للعمل في مؤسساتها, وتوقف فوضى الاستيراد التربوي والابتعاث الدراسي اللذين تسببا بالتناقض الجاري في عمل المؤسسات القائمة ويمسح كل مؤسسة لآثار الأخرى.أن يجري التفاعل العلمي والتربوي من خلال مراكز البحث التربوي والثقافي التي يكون عملها تحليل وهضم ما يجري في قرية الكرة الأرضية من تطور وتجديد في ميادين التربية ثم توزيعه ليغذي المؤسسات العاملة في ميادين التربية والفن وسائر مؤسسات الحياة كلها منسجما مع الأصول الإسلامية نقيا من الملوثات الخارجية.

ويتزاوج المبدأ الأخلاقي مع الذوق الجمالي في السلوك المحتشم في الحضارة الأوروبية حيث يتخذ الذوق الجمالي موقفا أعلى من المبدأ الأخلاقي لذلك مارس المجتمع العربي التصوير خاصة تصوير المرأة العارية وتطورت الملابس لتبرز جمال المرأة في الشارع والأماكن العامة كما أنها امتدت لتعرض قوة الرجل وهي نوع من الجمال بالنسبة له.

في الأصول الإسلامية المتمثلة في القرآن والسنة فإن كلا من الذوق الجمالي و المبدأ الأخلاقي يتخذ موقعه حسب سنن الخلق وقوانين إيجاده و مسيرته ثم يتكامل الاثنان دون أن يطغى أحدهما على الأخر لتكون ثمرة هذا التكامل إفراز ثقافة العفة و الاحتشام وتعاني منها المجتمعات الإنسانية في الوقت الحاضر من أزمة الفصام بين مؤسسات المبدأ الأخلاقي المتمثلة في دور العبادة ومعاهد التعليم والمساجد والمطبوعات والمنشورات الدينية والأخلاقية وبين مؤسسات الذوق الجمالي المتمثلة في معاهد الفنون والتمثيل السينمائي والآداب والنحت وغيرها. حيث تكتفي الأولى بالتركيز على المبدأ الأخلاقي وتغفل الذوق الجمالي فتنتج التعصب والتزمت والسلبية وتكتفي الثانية بالتركيز على الذوق الجمالي وتطبيقاته الفنية وتنسى مزاوجته مع المبدأ الأخلاقي وعن هذا النسيان تنتج صور الانفلات والانحلال وثقافة عدم الاحتشام.بما أن السلوك هو محصلة التفاعل بين الفرد والبيئة فلابد من تكامل مؤسسات المبدأ الأخلاقي مع المبدأ الجمالي ليحصل الاحتشام في كل ميادين الحياة.

وتؤدي ثقافة السوء والعري في الحضارات والمجتمعات إلى سقوط الرجل والمرأة ضحية الشهوات الهابطة المؤدية إلى الشذوذ والانحراف المفضيان إلى امتهان إنسانية الإنسان وانتشار تجارة الرقيق الأبيض والأدب الرخيص والفن الرخيص والسياسات والإدارات غير المحتشمة والعلاقات الإنسانية الهابطة.

في رأيي أن الكاتب ماجد الكيلاني قصد من تأليفه لهذا الكتاب أن يوجه رسالة إلى الفتاة المسلمة حتى تعود إلى دينها وعاداتها وتقاليدها وتترك ما تدعوا إليه العولمة من خلع المرأة من دينها وحشمتها وعرفها وأخلاقها. فهو يدعوا المرأة أن تكون من نموذج المرأة القوية الفاضلة حتى نستطيع أن ننشئ جيلا قويا فاضلا متمسك بالأخلاق الكريمة الإسلامية التي تحفظ له قوته وهيمنته وعزته ونصرته بلغة قوية وسهلة في أن واحد تناسب الجميع وبأسلوب متسلسل ومنطقي وواقعي ويمثل الواقع فأفكار الكتاب من صلب الحاضر وتمثله تمثيلا كبيرا، فعندما عرض الكاتب نماذج النساء الأربعة وكأنه عاش مع كل واحدة منهن وفهم كل واحدة منهن. والمجتمع مليء بهذه النماذج وكذلك بقية أفكار الكاتب فهي تمثل الواقع أكبر تمثيل. ولا أنسى القصائد التي عرضها الكاتب في نهاية كتابه وما لها من وقع في النفس  الإنسانية وخاصة قصيدة رسالة من فتاة عربية إلى شاب عربية مغترب فلم اسمع في حياتي أجمل منها وأعذب منها وأقوى منها فالكاتب مشكور على كل ما يكتبه ويثير فينا الحماس والشجاعة وبارك الله فيه لأنه يجدد حياتنا باستمرار.

وأشكر الكاتب صدقه في عرض بعض المواقف التاريخية فعندما عرض أمثلة عن الفتيات التي كان لهن الفضل الكبير في خدمة السلام قديما وحديثا ذكر الجميع بفضل النساء وأنهن لهن فضل في نصرة الإسلام ولهن قيمة لا تنقص عن قيمة الرجال في خدمة الإسلام والمجتمع وهذا ما يجدد نشاطنا كفتيات ويدفعنا للعمل الدؤوب المتواصل بما يرضي الله سبحانه وتعالى أما عن التطبيقات العملية التي تستنتج من أفكار الكتاب فلا بد أن يكون القرآن الكريم دستور كل فتاة مسلمة تؤمن بالله تعالى.عدم الاغترار بالعو لمة وأفكارها لأنها سراب ووهم تجري ورائه الفتاة حتى يقودها إلى هلاكها.ضرورة أن تقوي الفتاة نفسها وتتسلح بالإيمان حتى تصل إلى نموذج الفتاة الفاضلة القوية وتبتعد عن نموذج الفتاة الضعيفة المنهزمة.إعطاء كل فتاة فرصة للتعبير عن نفسها واثبات نفسها في المجتمع وإشراكها في عمليات اتخاذ القرارات ومشاورتها في الأمور التي قد يصعب على الرجال حلها لأنه قد يكون في رأيها الصواب والسداد.أن تتباهى الفتاة بزيها الإسلامي المحتشم الأصيل وتترك العري والموضات والتقليد الغربي الممقت الذي يقتل أنوثتها ويطغى عليها ويرمي بها في مهاوي الردى.الاعتبار من المؤسسات التي تحذر المرأة وتنبها وتوعيها ضد خطر العولمة المدقع وضد السلوك غير المحتشم وتوجيهها للسلوك المحتشم وترعاها وتقدم لها النصائح الفاضلة.

وأوصي أخيرا بالإكثار من الكتب التي تتحدث عن هذا الموضوع لأن من صلب واقعنا ومجتمعنا.وأن تعود الفتاة نفسها على القوة والفضيلة في آن واحد فتكون قوية دون أن تتخلى عن فضيلتها ودينها وتكون فاضلة دون أن يتسلل الضعف إلى كيانها فتخرج جيلا ضعيفا متقاعسا.

وفي النهاية لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل للعالم الكبير ماجد عرسان الكيلاني جزاه الله كل الخير ومنحه القوة والعافية وأطال في عمره لخدمة الإسلام والمسلمين وشكراً.