هل تصبح الرواية ديوان العرب

يحيى بشير حاج يحيى

عضو رابطة أدباء الشام

شهد الثلث الأخير من القرن الفائت حركة ملحوظة في انتشار القصة بأنواعها! وبالقياس إلى طبع من دواوين شعرية وما أعيد طبعه، نجد أن الفن القصصي يتفوق، سواء في عدد ما طبع من قصص أم في عدد طبعات القصة الواحدة.

وفي أفضل الحالات فقد تعاد طباعة الديوان من أربع إلى خمس طبعات في الحد الأقصى؛ بينما نجد قصصاً وروايات فاقت هذا العدد بكثير كما في روايات نجيب الكيلاني ونجيب محفوظ وغيرهما.

وللنقاد في أسباب تقدم القصة على الشعر في هذه الفترة آراء متباينة، ولكنهم متفقون على وجود هذا التقدم.

ـ فمنهم من يراه في أن القارئ يقرأ ولا يسمع، والشعر فن سماعي ولذا يتجه القارئ إلى الرواية، كما أن الرواية ( كفن ) لها قدرة على تحليل المواقف، عكس الشعر الذي هو فن جمالي ورمز!.

ـ ومنهم من يرى أن معظم الشعراء اليوم يكتبون لأنفسهم قصائد مطلسمة، مبتعدين عن القضايا العامة؛ مما أفقد الشعر فاعليته.

ـ ومنهم من يعلل ذلك بأن القارئ يجد نفسه بسهولة في الرواية؛ لأنها لم تُصَب بالحداثة التي أصابت الشعراء بحيث أصبح القارئ لا يفهم ما يكتبون.

ـ ومنهم من يعد أن الكثرة المفرطة في عدد الشعراء أحدثت تشويشاً مرعباً على استكشاف الجيد والأصيل والحقيقي.

ـ ويرى آخر أن القصة القصيرة أكثر مناسبة لطبيعة المجتمع العربي من سائر الفنون، وأن الشعر إذا اعتُبر منافساً قوياً لها فإنه في شكله الجديد قد أخذ يفقد القدرة على هذه المنافسة.

ـ ويعيد أحد المغاربة هذا التقدم إلى تميز هذه الفترة بظاهرة الاستقرار بعد الاستقلال، وبناء مجتمع جديد مليء بمشكلات جديدة فالفن الذي يعتمد على الحماسة، وتأجيج العواطف لم يعد ملائماً لهذا الجيل.

وتتعدد التعليلات والأسباب، وبعضها يصيب أجزاء كثيرة من الحقيقة. ولكن أليس في غياب القمم الشعرية التي أَثْرَتْ الشعر المعاصر سبب وجيه في الوقت الذي برزت فيه قمم روائية أخذت تمتح من التاريخ والواقع، أدى إلى أن تقترب الرواية من أذواق الناس أكثر من اقتراب الشعر الذي أصبح أكثره بضاعة مزجاة في سوق غير ناقصة؟!.

وهل ستصدق المقولة المعاصرة: الرواية ديوان العرب؟ أم يبقى للشعر مكانته التي لا تزاحم؟!.