القصة الشاعرة وآفاق التجريب
من مصر بدأت القصة الشاعرة، فاجتمع لها الشرفان، شرف الريادة وشرف الإحتضان، وكان المؤتمر الأول 2010 برئاسة الشاعر محمد الشحات محمد، الذي بدأ في إنتاج القصة الشاعرة، ووضعها وانتبذ بها مكاناً قصيا.
وجاء المؤتمر الثاني 2011 برئاسة د. شريف الجيار، والمؤتمر الثالث 2012 برئاسة د. حسام عقل، والمؤتمر الرابع 2013 برئاسة د. نادر عبد الخالق، والمؤتمر الخامس برئاسة د. السيد رشاد.
ويأتي اليوم المؤتمر السادس للقصة الشاعرة برئاسة د. جمال التلاوي نائب رئيس اتحاد كتاب مصر، تحت عنوان "القصة الشاعرة وآفاق التجريب" ليعقد على مدى يومين باتحاد الكتاب 16 و17 أغسطس الجاري، وليدشن الرأي الذي ارتآه بعض النقاد في القصة الشاعرة، فهي نوع مستحدث في الأدب العربي، لا هو بالقصص الشعري، ولا هو بالشعر القصصي، وإنما هو اختراع أدبي، جديد كل الجدة.
ولقد ساهمت الهيئة العامة لقصور الثقافة في التأسيس والتأصيل لفن القصة الشاعرة، وأدرجتها في مسابقات جوائز الدولة، وما زالت تعمل على إدماجها في الخرائط الثقافية على المستويين الإقليمي والدولي.
في البداية قال أشرف الخريبي، سكرتير المؤتمر:
لا نستطيع القطع بالقول إن هناك منهجاً خاصاً يمكن استخدامه في تحليل القصة الشاعرة واكتشاف ما يحمله السرد والشعر فيها من طاقة إبداعية ومن هموم إنسانية ومعطيات فكرية، ذلك لأن الكتابة فيها تعتمد على مناخ وخصوصية وتفرد لدى الكاتب تجبره على التعرض لوقائع الحياة المختلفة في واقعنا العربي ككل.
وقال الناقد الدكتور رمضان الحضري:
نحتفل اليوم بالعيد السادس لميلاد القصة الشاعرة وكأي فن أدبي جديد نفاجأ بمن يشككون فيه، ومع ذلك فخطورة النقد على النصوص الأدبية المستحدثة أن الناقد يحاول التقعيد للنص حسب مفهومه، وليس حسب التشكيل والتقنية التي ابتدعها النص.
والقصة الشاعرة جنس مبتكر فكان من الضروري أن يكون النقد على مستوى مسؤولية هذا الابتكار، وليس هذا من قبيل التحيز لواقع القصة الشاعرة، ولا من قبيل التحيز لمخترعها الشاعر المصري العربي محمد الشحات محمد، لكن حتى لا يقع نقادنا العرب فيما وقع فيه من سبقهم حينما أتوا بنظريات معلبة ومستوردة، نسبوا من خلالها علوم البلاغة والنقد إلى الأوربيين، كنسبة البنيوية الشكلية إلى حلقة براغ، وكنسبة التوليدية إلى لوسيان جولدمان.
وفي حديثها قالت الكاتبة الأردنية ربيحة الرفاعي رئيس الاتحاد العالمي للإبداع الفكري والأدبي:
كان لا بد من التطبيق العملي بالكتابة والتجريب تأسيساً لهذا الجنس الأدبي المبتكر المتجدد والقابل للتطوير في إطار عنوانه الأوسع اجتماع التدوير الشعري والقصي والترميز وتوظيف المفردات "كشيفرات" واستثمار علامات الترقيم والموقع الإعرابي لخدمة البناء النصي.
وهذا اللون الإبداعي قادر بلا شك على شق دربه ليتسع ويتسع على خارطة المشهد الأدبي عربيا وعالميا.
أما مقررة المؤتمر الناقدة د. نوران فؤاد فأشارت إلى أن القصة الشاعرة تجاوزت التصوير الحرفي الكلاسيكي، لكن لكي لا تجري وراء الرمز والغموض والإبهام، أتي مؤتمرها السادس ليضع لها الأطر الواضحة، منها على سبيل المثال لا الحصر: الالتزام بتفعيلة، وتدوير شعري قصصي موضوعي في دفقة شعورية متمايزة.
وطالبت د. نوران بعمل ببلوجرافيا للقصة الشاعرة المنتشرة بغزارة على الشبكة العنكبوتية، داعية إلى تكوين مكتبة بمنجز القصة الشاعرة يأتي بعدها التجريب النقدي الإبداعي ومن ثم المراجعة والتصويب.
ومن جهته صرح الكاتب الكبير جمال الدين طاهر بأن الصحافة الالكترونية قد سهلت نشر مفهوم القصة الشاعرة بما منحته من مساحات مفتوحة لنشر المقالات والدراسات التي تناولت هذا الجنس الأدبي الجديد بالنقد ووضعته تحت المجهر، الأمر الذي أدى إلى زيادة المتابعين لها ومن ثم انضمام كم لا يستهان به من المبدعين الذين اقتنعوا بالقصة الشاعرة.. ساعدهم على ذلك تلك الصحف التي أفردت المساحات لنشر إبداعهم.
وقال أمين عام المؤتمر الشاعر د. محمد الشحات محمد:
وجود سمات مشتركة بين الفنون، أو حتى متداخلة لا يمنع من خصوصية كل فن وتفرده. فالقصة الشاعرة تعتبر حاملة لكثير من مميزات "القصة القصيرة جدا" وسماتها الشكلية والموضوعية، ولكن (الشاعرة) تزيد عنها كمالاً وجمالاً في اتخاذها من شعر (التفعيلة) ثوباً قشيباً تزهو به عليها في أعين كتابها ومبدعيها وقرائها أيضاً.
والقصة الشاعرة شقت طريقها إلى دراسات الأدب المقارن وحافظت على هويتها العربية رغم ما تعرض له مبدعها وناقدها على السواء من محاولات للتشويش والتهميش والسرقات باءت جميعها بالبوار.
ومن جانبه قال د. جمال التلاوي رئيس المؤتمر نائب، رئيس اتحاد كتاب مصر:
نعلم أنه لا يقين في الدراسات الأدبية، ومن هنا تلقينا بعض الأبحاث التي قدمها أصحابها بفهم خاص للمصطلح، فجاءت دراساتهم عن القصة الشعرية وليس القصة الشاعرة فلم ندرجها في أبحاث المؤتمر.
وأشار د. التلاوي إلى أنه ما من حركة أدبية جديدة إلا وقوبلت برفض شديد، ولا بد من معارك ونضال حتى تصبح القصة الشاعرة أمرا واقعاً باستمرار روادها على الساحة وانتشار إنتاجهم.
وأضاف: لي تحفظ أن الزملاء في القصة الشاعرة وضعوا قواعد محددة لكتابة القصة الشاعرة، فمن لا يكتب بها لا تكون كتابته ضمن القصة الشاعرة، ولو أن هذه القواعد وضعت أمامهم قبل كتابة القصة الشاعرة ما كتبوها.
ومن جانبه قال الناقد د. خالد فهمي:
ما طرح اليوم يعكس مجموعة من النقاط أهمها أننا ما زال لدينا وقت لاستقرار هذا النوع الأدبي "الهجين" من الشعر والقصة معاً.
وأن المبدعين أنفسهم يعترفون أنهم على بداية الطريق بشهادة عنوان مؤتمرهم السادس المتعلق بحلقة من حلقات التجريب.
وأنه يظهر قدر من الود بين المؤتمرين مبدعين ونقاداً يعكس قدراً من الشفقة على هذا الجنس الأدبي الوليد. لكن استدعاء حالة الحرب والصراع والمعارك بين المؤيدين والرافضين ليس في مصلحة هذا الجنس الأدبي الجديد.
وأن استمرار هذا الجنس واستقراره معناه ظهور أعمال متراكمة يمكن اعتمادها نقدياً فيما بعد لاستخراج خصائص هذا الجنس، وللتأريخ بأسماء الرواد وأعمالهم التي أنتجوها.
وفي السياق ذاته قال الناقد د. مصطفى أبو طاحون:
تعبر القصة الشاعرة عن إرادة عربية أصيلة في الإعلان عن الهوية العربية وعدم الانبطاح أمام الغرب، فهي لم يتنازعها أكثر من واحد بل هي منسوبة بشكل واضح وصريح للشاعر محمد الشحات محمد.
وأحسب أن المطلوب الآن هو التسويق للقصة الشاعرة خارج النطاق العربي للتعريف بها على أوسع نطاق، والإكثار من الدراسات الأكاديمية والجامعية ويا حبذا لو كونت لها جماعة مثل جماعة أبوللو تنظر لها، وتحافظ عليها فلا تموت.
وفي المقابل، قالت د. فايزة محمد سعد أستاذ الأدب والنقد المساعد كلية الألسن جامعة عين شمس:
قديماً حاول توفيق الحكيم مزج المسرحية والرواية تحت اسم (مسرواية) لكن محاولته لم يكتب لها البقاء.
وأقر وأعترف أني لا أرى القصة الشاعرة إلا محاولة لتطوير فن الشعر الحر فالالتزام بالتدوير في بنية السطر الشعري أو في بنية التفعيلة الشعرية تطوير داخل إطار القصيدة داخل الشعر الحر.
أما عن المتوالية السردية أو المتوالية القصصية، فالنص الشعري هنا يستلهم آليات السرد ويحاول أن يوظفها دون الالتزام بمحددات آليات السرد
ومن هنا فلا يوجد تماهياً بين الجنسين لأخلق مصطلحاً جديداً يجمع بينهما.
ونسوق للقارىء نموذجين من النصوص المشاركة في مؤتمرالقصة الشاعرة:
أولاً: (انقلاب) للقاص الشاعر محمد الشحات محمد:
"اعتادت فنجان الشاي المغلي كل صباح حتى ملت خادمة القصر من التكرار، فغابت عن عملها بضعة ساعات.
كانت سيدة الأعمال انسحبت من قاعة محكمة الأسرة، ورن هاتف قاضية الجلسة.
ظل أبوها يطلب قيمة آخر وصل عرفي كي يدفعه للحاجب قبل هروب الشاحن من قلب المدفع.
طلبت فنجان القهوة من قسم الشرطة!".
ثانياً: (تأمل) للقاصة الشاعرة المغربية نادية بوغرارة:
"ظل حياً في ظلام الأمس يقتات بقايا ذكريات.. كان في ماضية طوداً، يصنع الأحلام أجساماً ويحييها، وكان الصوت يخشاه ويعدو.. ها هو الآن هباءٌ ليس يجدي.. أذن الفجر، تجلى".
وسوم: العدد 629