الطفل في الشعر الإسلامي المعاصر
شعر الأطفال هو شعر فني هادف من منظور إسلامي ، يوجه إلى الأطفال عبر وسيط ما مراعيا سمات الطفولة، وأنواع الأطفال، ومراحل نموهم ، ويتنوع بين قصيدة ومسرحية وقصة .
وقد وجد هذا الشعر مع ترانيم الأطفال منذ العصر الجاهلي ومرورا بالعصور كلها ، وفي عصر الدول المتتابعة نظم الجمزوري (ت ق12هـ) تحفة الأطفال ليعلم الصغار علم التجويد، وفي القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي نظم الشاعر النجدي أحمد بن علي المشرف (ت1215هـ) قصصا وحِكَما للأطفال، وقد عاصره في مصر محمد عثمان جلال وكان له قصص أطفال شعرية، وفي القرن العشرين برز محمد الهراوي وأحمد شوقي في مجال قصص الأطفال الشعرية، ثم اتسع هذا اللون في عصرنا وكثر شعراؤه وازدادت العناية به .
أولا : أهمية شعر الأطفال وأهدافه وشروطه :
يبلغ عدد أطفال العالم 40 % من سكان المعمورة ، ومن هنا جاءت أهمية العناية بهم في تكوين أجيال سوية تتحلى بالعقيدة والقيم الصحيحة إن أحسن توجيهها .
وتبدأ العناية بهذه الفئة كما يقول علماء النفس منذ الطفولة الأولى وقبل سن الخامسة ، ثم يأتي بعد ذلك دور البيئة لتعوده على الحياة الاجتماعية، ولذلك فإن أهمية الشعر في توجيه الأطفال تفوق الأجناس الأدبية الأخرى في بث العقيدة وغرس المفاهيم، وفي تعريف الطفل على حضارة أمته، وبث القيم الجمالية وذلك ليتذوق الطفل لغته وليحس بالبهجة والمتعة أثناء الترنم بها([2]) .
ويجب مراعاة مراحل النمو ومتطلبات كل مرحلة ومراعاة أنواع الأطفال وكذلك متطلبات الفن الشعري ووسيط نقله، فما يقدم للمرحلة الأولى (3-5سنوات) لايناسب غيرها لأن الطفل في هذه المرحلة يميل إلى المحسوس والتقليد، وتشخيص الجماد . وينأى عن العنف،ويتعلق بأسرته وببيئته المحيطة به ويحب العدل والخير .
أما في المرحلة الثانية (6-9سنوات) فيميل إلى حب الاستطلاع، وينمو خياله ويحب أحاديث الملائكة والجن واليوم الآخر، ويربط الأسباب بمسبباتها، وتنمو لغته فيستطيع الربط بين الجمل ويفهم الترابط والتضاد .
أما في المرحلة الثالثة (9-12 أو 15سنة) فينمو عقله وعقيدته ويكون أقدر على حل المشكلات وفهم المجردات، ويميل إلى تكوين الصداقات، ويحب المغامرات والرحلات وقضايا الوطن والبطولات، كما يحب الجمع والتملك([4]) ، ولهذا يجب أن تتنوع المادة الشعرية لتناسب الأنواع والأهداف ومراحل النمو جميعا .
أما متطلبات الفن الشعري فهناك الأنشودة الشعرية والقصيدة، والقصة الشعرية والحوارية والمسرحية،ويجب أن تكون الفنون الثلاثة الأخيرة من حدث واحد وشخصيات قليلات بشرية أو حيوانية، وكلما ازداد العمر ازدادت الحوادث والشخصيات، وفي المرحلة الأخيرة يجب أن تكون الشخصيات بشرية فحسب .
ثانيا : أنواع شعر الأطفال :
هناك شعر كتب للأطفال مباشرة، وآخر كتب عنهم، وثالث كتبه الشعراء فكان بعضه مما يناسب الصغار:
1-ماكتب للأطفال مباشرة :
ويمتاز بسهولة ألفاظه ومعانيه، ورشاقة أوزانه الموسيقية، وبصُوَره المحسوسة المحلقة، من ذلك ما أرسله الأميري إلى حفيدته غراء لتترنم به :
أنا غــــــــــــراء النجيبــــــةْ حلــــــوة الوجه حبيبةْ
عفَّـــــــــة النفس أبيـــــــةْ جمَّـــــــــة الظرف ذكية
فأنــــــــا أعبـــــــــد ربـــي وأصلـــــــي وألــــــــــــــــــبـــــــي
وأنا أخــــــــدم أمــــــــــي بنشــــــــــــــــاط كل يــــــوم
تبهج الألعاب نفسي بعد ان أتقن درسي
موطني أهـــــــــوى هواه حــقــَّـــــــق الله منــــــــــاه([6]) في أطفال الحجارة :
انظر انظر للأطفال أطفال القدس الأبطال
انظر انظر لسواعدهم تتحدى بطش الأنذال
بصدور عزلاء تصدّوا لرصاص الغدر المنهـــــــال
لم يخشَوْا من موت أبدا هَبُّوا للأقصى في الحال
هجروا ألعاب الأطفال ومضَوْا لجهاد ونضال
وهذا النص مما يصلح أن يترنم الصغار به لسهولة ألفاظه ومعانيه، وكذلك الحال في قول الشاعر د.عمر فروخ([8])
وهو كما نرى نص بسيط في ألفاظه ومعانيه، وقد جاء مطربا بوزن مجزوء الرمل الرشيق الذي قيل عنه إنه بحر التصفيقة الشعرية، وبتعدد قوافيه بالخماسية العذبة التي بدت كآلات موسيقية متعددة .
2- ماكتب عن الأطفال :
وبعضه يصلح ليترنم به الصغار كما في كثير من قصائد الأميري عن أولاده وأحفاده، وفي قول يوسف العظم عن الأطفال البراعم في مدارس الأقصى وهو بهم شغِفٌ معجَب لترتيلهم آيات الله سبحانه :
عشقت لثغة طفل فيهـــــا وهمت بثان
والكل عندي أثير يحتل أغلى مكان
براعمَ الجيــــل غني ورددي ألحـــــــانــــــــي
لو ساءلوا عن فؤادي لقلت في عَمّان
مـــــع البراعـــــــــم تتلو ترتيلـــــــــــة القــــــرآن([10])
3- ماكتبه الكبار مما يصلح للصغار
وهو منثور في دواوين الشعراء، ومنه قول خير الدين وانلي في حب الرسول صلى الله عليه وسلم :
مولــــــــد الهادي سلاما أنت حـــــــــــب ووئام
نورك العالي تسامى من حمى البيت الحرام
...
عندما قال المنادي جاء شمس العالمـــــــين
وازدهت بين العباد طلعة الهادي الأمين
...
مرحبا أهلا وسهلا بختـــــــــام الأنبيــــــــــاء
وعليك الله صلــــى كل صبح ومساء([12]) في الإسلام ورسالته معبرا به عن التمسك بالإسلام رسالة هدى تنقذ البشرية من حيرتها :
أنا مسلــــــــــــم متمســـــك برسالة الله الجليــــــــل
بهدى النبي المصطفى بالنور بالفكر الأصيل
بالحب بالإيثــــــار بالتقوى وبالأمــــــل الجميل
...
أنا مسلم صوتي من البلد الحرام يعـــــود رفدا
ياصرخة الإيمان تنهض بالحيارى ليـــس تهدا
يارب أنت رجاؤنا فامنح بني الإسلام سعدا([14])
وينظم الشاعر د. عثمان مكانسي أنشودته للصغار يذكرهم فيها بقدرته تعالى في خلق الطير قادرا على الطيران، وفي صنع النحل العسل الحلو فيقول :
هل رأيت الطير يسمو يصفق الجنحَيْن يعلو
فوق أطبــــاق الهــــــواء تــــــــارة يرقــــــــى ويدنــــــــــــو
إنه صنع الإله
هذه النحلـــــــــة تغدو وتــــــــروح في المســـــــاء
من رحيق الزهر تعطي عسلا حلو الجناء
إنه صنع الإله([16]) فيعلم الصغار سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله :
مضى سريعا للصفا يدعو الجميع للصفا
وجاء إسلام عمر للمشركيــــــــــن بالضرر
وحمــزة ذاك الأسد لدينـــــــــــه خيــــــــــر سند([18])
وينظم يوسف العظم للفتى المسلم أنشودة ليتغنى بها، فتُبَثُّ من خلال ذلك قيم الإسلام الرفيعة في نفسه ، كالإخلاص للمولى تعالى والعزة، والخلق الرفيع وحب الوطن، يقول :
أنا المسلم لاأرجــــو ولا أخشى سوى ربي
عزيز النفس لاأحني لغير الله من صلب
سليم القلب لاأحمل للناس سوى الحب
أنا درع لأوطاني أنا حامي حمى الشعب([20])
2- القيم التربوية :
وتهدف إلى جعل الطفل يتحلى بالخلق الحميد كطاعة الوالدين واحترام العلماء والمعلمين، وبالأمانة والصدق والرفق بالحيوان ، يقول علي أحمد باكثير في الأم مبينا حبه لها وفضلها عليه :
عيــــــــــــدك ياأمي أبهــــــــــــج أعيادي
لولاك يـــــــــاأمي ماكان ميـــــــــلادي
قلبـــــــك يرعاني يابهـــــــــــــجة القلب
وليس ينساني في البعد والقرب
فضلـــــــك ياأمي مافـــــــــــــوقه فضل
وكل خيـــــــــــر لي أنت لــــــــه أصـــــــل([22])
وتقول أمل السهلاوي([24])
وهذا الشاعر محمود مفلح بعلم الفتيات الناشئات ضرورة الاهتمام بالحجاب فيقول :
أنـــــــــا فتـــــــاة مسلمـــــــة ذكيــــــــة محـــتشَمــــــــــة
عرفت درب عزتي درب الهدى والمكرمة
أنا فتاة مسلمة
أسيـــــــر في حجابي عزيـــــــــــزة الجنـــــــــــــاب
أسيــــــــر فيــــــه حرة كريمـــــــة الأحســاب
أنا فتاة مسلمة([26])
وحول الرفق بالحيوان يقول محمد جميل العقاد على لسان الطائر الذي يفضل العيش في البراري على القفص ولو من ذهب:
الحبس ليس مذهـــــــــــبي وليس فيه طــــــــــــربي
ولست أرضى قفصا وإن يكن من ذهب
غابات ربي غايــــــــــــــــــتي والعيش فيها مطلبي([28])
ويبث وليد مشوِّح([30]) يشيد بوطنه فلسطين، وبالأقصى الذي فيه، والذي يدافع عنه الشعب رجالا ونساء وأطفالا ممثَّلين بأبطال الحجارة، يقول :
لايموت الحق يوما وورا الحق حجــــــارة
هدر الشعب هديراً نفث البركان ناره
ونســـــــاء كلهنَّ - خولـــــــــة أم عمارة
في فلسطين انتفضنا نتحــــــدى بجدارة([32]) بحب فلسطين وأقصاها فيقول :
الأقصى مشعل ثورتنـــــــا الأقصى موئــــــــل سؤددنا
ساحات الأقصى كم شهدت أبطالا ترفع رايتنا
وذرى حطين وجالوت شهدت بالأمس جحافلنا([34])
[2] - أدب الأطفال أهدافه وسماته / 114-145
[4] - أدب الأطفال أهدافه وسماته / 15
[6] - يوسف حمدان له دواوين للأطفال منها قناديل وغنّوا لفلسطين وأناشيد للفجر الطالع : معجم شعراء الطفولة / 402وفيه الشعر ، وكذلك في الموقع الإلكتروني له .
[8] - أشعار وأناشيد / 55
[10] - أشعار من زمن القهر / 16-17
[12] - شريف القاسم ( ولد1941)شاعر من دير الزور بسورياله ديوان صدى وذكرى، ونهر الضياء : معجم الأدباء الإسلاميين 2/ 578
[14] - أناشيد الدعوة الإسلامية 2/ 60
[16] - عبد الرزاق حسين ( ولد 1949م) شاعر من القدس بفلسطين له ديوان معا إلى القدس ، وأعطر السير وقصص للناشئة والكبار : معجم الأدباء الإسلاميين 2/ 708
[18] - معجم شعراء الطفولة / 56 وهي في الموقع الإلكتروني لأحمد محمد الصديق .
[20] - معجم شعراء الطفولة / 342 وهي الموقع الإلكتروني لمحمود حسين مفلح .
[22] - معجم شعراء الطفولة / 356
[24] - أناشيد الدعوة الإسلامية 1/ 114
[26] - ديوان محمد جميل العقاد / 509
[28] - دواوين الشعر الإسلامي / 91 -92
[30] - مصطفى أحمد النجار ( ولد 1943م) شاعر من حلب بسوريا له مسرحيات منها ماذا يقول القبس الأخضر، من سرق القمر ، الخروج من كهف الرماد: معجم الأدباء الإسلاميين 3/ 1376، ومعجم شعراء الطفولة / 348 .
[32] - حسني أدهم جرار ولد 1933 أو 1935،شاعر من جنين بفلسطين له كتاب شاعرات معاصرات،وشارك في تأليف أناشيد الدعوة الإسلامية ، وشعراء الدعوة الإسلامية : معجم الأدباء الإسلاميين 1/ 346
[34] - أدب الأطفال في العصر الحديث / 191
وسوم: 634