"عيناك لا تراني" في اليوم السابع

clip_image001_d147d.jpg

القدس: 5-11-2015 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب"عيناك لا تراني" للكاتب الاماراتي عبدالله جاسم الشامسي، والكتاب عبارة عن مجموعة خواطر صدرت هذا العام 2015 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس.

كما ناقشت الندوة وصية الشهيد بهاء عليان.

قال عبدالله دعيس:

في هذه الخواطر القصيرة يعبّر الكاتب عن حالات وجدانيّة رومانسيّة تعتريه، بكلمات قليلة، وبلغة بسيطة لا تخلو من الصّور الفنيّة والتشبيهات الجميلة. فهو يعبّر عن حبّه واشتياقه لمحبوبته التي يصبو إلى لقائها ويتلوّع جوًى على فراقها، رغم قربها منه! وهو يدرك أنّه لن يحقّق حلمه بوصالها، لكنّه يبقى مصرّا على حبّها، ولا يوجّه أي لوم أو عتاب لها، رغم أنّها لا تعيره انتباها ولا تعبأ بمشاعره.

فالكاتب يعلن منذ البداية أنّه وحبيبته لن يلتقيا أبدا، فيُعَنْون نصّ خاطرته الأولى "لن نلتقي"، ويشبّه نفسه وإيّاها بخطّين متوازيين في الأفق البعيد، يبدوان مجتمعين لكنّهما لا يلتقيان أبدا. لكنّ ذلك لا يدفعه إلى الابتعاد عنها؛ فعلاقته بها كعلاقته بروحه، فهو منشغل بها دائما يلازمه خيالها كظله، ولن يفارقه حبّها إلا عند فراق روحه لجسده.

ويبدو من نصوص الكاتب أنّ فتاته تلك، لا تحبّه ولا تعيره انتباها، فهي مرتبطة بغيره، وهي تهرب منه أحيانا، لكنّه يريد أن يبقى ملتصقا بخيالها لا يفارقها بإلحاح غريب رغم اعراضها عنه. ويتخيّل الكاتب في إحدى خواطره أنّها تغار عليه، وتكيل له الاتّهامات بأنه يطالع النساء الأخريات اللاتي لا ينظر إليهنّ إلا ليرى صورتها في وجوههن. ربما تمنّى الكاتب هذه الغيرة ليضيء شعلة الأمل في نفسه، والتي أطفأها منذ أول ومضة.

لا يعمد الكاتب إلى الخواطر المجرّدة ذات الصور المعقّدة، وإنّما يعبّر عن مشاعره ببساطة شديدة وبلغة سلسة واضحة، وصور بسيطة يمكن فهمها وتحليها دون جهد أو عناء، لذلك فإن قراءة هذه النّصوص تجربة سهلة للقارئ لا تحتاج إلى كثير من إجهاد الفكر. يختار الكاتب بعض الرموز ويكرّرها كثيرا في خواطره، مثل رمز الغيّمة، والتي هي محمّلة بالخير، لكنّ مطرها لا يصل إليه، تماما مثل فتاته التي لا شكّ أن قلبها مفعم بالحبّ لكنه لا يجد منه نصيبا، وهي أيضا كالغيمة، بعيدة المنال رغم أنّه يراها في كل حين.  ويصوّر الكاتب اللحظات التي يتخيّل فيها لقاءه بحبيبته بصور فنيّة متعددة ومتباينة.

يستخدم الكاتب ضمير المتكلم في الحديث عن مشاعره، وأمّا عندما يتحدث عن فتاته فهو تارة يستخدم ضمير الغائب للدلالة على بعدها الحسيّ عنه، ثم يجنح لاستخدام ضمير المخاطب، فيخاطبها وكأنها تشخص أمامه للدّلالة على قربها من قلبه. ومعظم خواطره تتكون من كلمات قليلة جدا، لكنّها تؤدي المعنى الذي أراده دون استطراد ولا تفاصيل، وهو من سمات الخاطرة الأدبيّة. تأمّل قوله في نصّ يحمل عنوان أرجوحة: ليتك أرجوحة تعود لي؛ كلما ابتعَدَت. وتأمّل قوله في نص بعنوان مظلة: أحاول أن أحتفظ بها لنفسي، ولكنّها، ترحل مع الغيوم. لذلك؛ سأرحل إلى ديار هي مطرها، وسأثقب مظلتي؛ لأكون مبتلّا بها.

لكنه لم يكن موفّقا في بعض النّصوص التي كانت مباشِرة وخلت من أي صورة أو رمز، مثل قوله في نصّ نسيان: لن أنسى ما سأتذكّره. لذلك؛ لا، ولم ولن أنساكِ. وبعض صوره لم تؤدّ المعنى الذي أراده، ففي خاطرة بعنوان شمعة، شبّه قلبه الذي يشتعل بحبّها بعود الثقاب الذي لا يستطيع الظلام أن يطفئه، ونسي أن عود الثقاب ما يلبث أن ينطفئ بسرعة، أما حبّه فهو مشتعل دائما كما كرّر في كثير من نصوصه.

وقد أحسن الكاتب في اختيار عناوين نصوصه، فالعناوين تعكس الموضوع والفكرة التي يريدها الكاتب من النّص. وقد أجاد الكاتب في عكس مشاعر الحبّ والوجدان التي تجيش في خاطره، لكنّه كرّر هذه المشاعر في كثير من الخواطر حتى لم يعد القارئ يلحظ أو يعبأ بالعواطف التي ربما دفعته لهذه الخواطر. ويبدو وكأنّ هذه الفتاة ملكت عليه نفسه، فلم يعد يخطر في وجدانه غيرها ولا يهمّه غير عشقها. حبّذا لو أتحفنا الكاتب بخواطر غيرها، لا بد أنها تشغل نفسه أحيانا، وابتعد بنا عن جو العشق ولظى الفراق الذي أبى أن يفارقه.

وممّا قاله جميل السلحوت: قراءة فاحصة ومتمعّنة للكتاب، تظهر أنّ الكاتب قد تعجّل في تصنيف كتابه تحت باب"خواطر" فجزء كبير من هذه النّصوص يندرج تحت باب الأقصوصة، أو القصّة القصيرة جدا، وجزء منها تنطبق عليه شروط قصيدة النّثر، ولغة هذه النّصوص، بليغة،  مباشرة، ومن السّهل الممتنع، ولا تخلو من الجماليّات البلاغيّة.

وقال نمر القدّومي: الخاطرة تعبير عما يجول في فكر الكاتب من حالة شعورية خاصة به وذلك في قالب أدبي بليغ.. ونستطيع أن نصفه بانفعال وجداني وتدفّق عاطفي.. فهي وليدة اللحظة ولا تحتاج لإعداد مسبق .

في " عيناكِ لا تراني " للكاتب عبد الله الشامسي، كانت الخواطر كثيرة، ولكنها تصبّ في قالب واحد وغير متنوعة، فكانت كلماته بمثابة خطابات رقيقة نابعة من لهفته الاقتراب من محبوبته سواء كان وجودها حقيقيّا أو خياليّا!

لا نستطيع أبدا أن نجزم أو نحكم أو ننتقد أيّ كلمة تخرج من وحي شعوره الداخليّ للكاتب، ما لم تخلّ بالحياء أو الشّرع، لأنني أعتبر هذه المشاعر تجاه الغير كبصمة الأصبع لن يتشابه فيها إثنان .

لكن أقول أنه حين تكون الكلمات موجهة ومقصود بها فقط الجنس الأنثوي من غزل أو إطراء أو ما شابه، فعلينا أن نركّب حروفنا بزخرفة هندسية، ونعطّرها بالأجود ونصقلها بسكين اللؤلؤ والماس ...

أتدرون لماذا ؟

لأنّ قلب الأنثى الناضجة لا تخترقه جميع الألحان.. هناك كلمات تلمس الروح لديها، وهناك كلمات تلمس الجسد فتثير إبتسامة عابرة، وهناك كلمات فوضوية كالغبار متناثرة ومزعجة.

حاولت قراءة جميع خواطر الكاتب في أوقات مختلفة وفي مزاجيات متفاوتة، فكانت الكلمات الجميلة وبعض الأفكار التي يمكننا الوقوف عند بلاغتها، إلاّ أننا بقينا في مربّع ضيّق مع الإفتقار إلى الرطوبة الروحانية المطلوبة.

أختم فأقول أنه عندما نريد أن نتغزل بالمحبوبة او العاشقة، كأنك تقف أمام جدار شاهق أو بحر من الأسرار الغامضة والمشاعر الدفينة؟

وأنّ جرأة الحديث أو الكتابة وجَبَ أن تكون موزونة تماما، ولم أقصد الكلمات التي تُغرم بها الفتيات المراهقات، وإنّما كما تحدّثتُ عن عقول ناضجة ذات نهاية سعيدة، ومثل تلك الخواطر يبقى لها ديمومة قوية ومؤثرة في كلّ زمان ومكان، وأحيانا تبقى مرجعا لنا ولغيرنا نعالج بها قلوبنا.

 وشارك في النّقاش حول وصيّة الشّهيد بهاء عليّان عدد من الحضور منهم: ابراهيم جوهر، جميل السلحوت، نسب أديب حسين، سليمان مطر،  مهنّد الصّبّاح، احمد ابو سلعوم، حسن أبو خضير، ماجد الماني، وآخرون.

وسوم: 641