قبض على ظبي المستحيل

clip_image002_66bc1.jpg

ديوان "ظبي المستحيل" للشاعر الفلسطيني بكر زواهرة، صدر مؤخّرا عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس. ويقع الديوان الذي صمّمت غلافه الفنّانة رشا السرميطي في 160 صفحة من الحجم المتوسط.

قصائد شعرية أهداها الكاتب إلى المتمسكين بإنسانيتهم في لحظة التحول إلى اللإنسانية ...

 وإلى القابضين على الحرف كيلا يكتئب الكتاب .

وإلى كل ما هو جدير بالحب.

من خلال هذه الكلمات نستخرج ما قد يدفعنا الى شغف المتابعة.

ظبي غفا للمرة الأولى

كما طفل ينام وقد علا قلق الرصاص، شمس تشيع ما تشاء من الضحايا الأمهات

قمر يضمد حزنه ضوء النزيف

ونخلة الأشلاء

قمح تيتم فوق بيدره العزاء ص ١٦

هي بعض السطور مما أتحفنا به الشاعر بكر زواهرة... لقد تجلت قدرات الشاعر في استخدامه التشبيهات والكنايات، والاستعارات والبلاغة..

مما ساعد على تكوين صور خيالية مبعثها حقيقة بحتة تتنفس الألم والشقاء والحروب والتشرد في حياة شعبنا الفلسطيني...

لقد انتهز الشاعر موروثه الثقافي التاريخي والديني ، فأخذ يمرر بعض الأسماء ذات الدلائل والاشارات الواضحة لما يتطلبه الفكر أو إتمام المعاني في القصائد...كهزيمة في جيش

 "جينوس" فالقارئ يدرك أنّه محارب قائد  ...وحين استحضر اسم( هيجل) اتبعه فلسفة الوجود، أمّا ( المعتصم ) والنجف دلالة على خليفة عباسي حكم العراق، وقد استعار الشاعر من قصص القران الكريم قصة ( يوسف) وإلقاء قميصه، وقابيل وهابيل...والمسيح ووجع النبي ونوح وسفينته ...

أضف إلى ذلك أنه استحضر في نفسه بقايا الأندلس، وشبه الشوق بورد مفترس ص٩٣. وقد أشار الكاتب بقصائده إلى أزمات الوطن العربي مثل قوله وجدت سودانين .. وعشرين عراقا ..وفلسطين تذوب وداعش والأنطمة المزمنة والكرسي المتعاقب ص ١١٢... وإن دلّ ذلك يدل على ثقافة الشاعر الكبيرة، وهي ذات رؤية محددة لا تعرف العبثية...وتواكب الأحداث بألم وإحساس مرهف ملون بالإحباط تارة وبالأمل تارة أخرى...

كذلك استخدام الشاعر المفردات التي تدل على العواطف مثل الشوق والتحنان والحب  وركام الأحاسيس والخوف والحزن وغير ذلك.

وأكثر الشاعر من الكلمات التي تميز بها كتاب وشعراء الوطن، والتي تدلّ على الشجاعة والاحتجاج والبقاء والسجان والدخان، والقنابل والطائرات والجنازات والشهداء والحرية والعروبة، والجنود والمنفى والحجر والدّم والأشلاء.

تميزت بعض نهايات القصائد بحزن عميق يا نوح أنقذني

فثور مثل حجم البحر يلتهم التراب... خذني معك ص٩٤

وبعضها كان مفعما بالأمل.

قيس ينسى بها ليلى فيجهلها

فمن رأى الحور لا يستذكر الألما ص ٧٦

مثل العدالة

لا تضيق أمام أمواج الزمان

لولاك يا أمل الحياة ص ١٠٣

تميزت قصائد الشاعر الزواهرة باتجاهات وطنية وانسانية ثابتة، عنوانها الصمود والتحدي والشجاعة.. لذا نرى الشاعر قد حاكى هموم الشعب، وتغنى بأمجاد العروبة، أضف إلى ذلك العتاب الذي تواجد في بعض السطور نتيجة التخاذل الساكن في قلب الأخوة العرب مثل:

تضيع بلاد أو تباع شعوبها

ويصنع دين كي يليق بفاجر

ووجه ربيع قد تصحر غيمه

وكل عميل قد يقاس بثائر. ص١٢١

يحق للشاعر ما لا يحق لغيره، من هنا نرى أن قفز الأفكار في القصيدة جاء بعفوية مدعومة بفنتازيا شعرية راقية. وقد تنوعت أساليب الشاعر في بوح قصائده فتارة نراه التزم الشعر الحرّ القائم على وحدة التفعيلة.

ومرّة أخرى نراه استخدم الأوزان الشعرية كما هي في القصائد الكلاسيكية.. وقد استطاع دمج الأسلوبين في قصيدة قبض على ظبي مستحيل...

لغة الشاعر لغة سلسة مفهومة، تشد القارئ بايحاءاتها وصورها البليغة وثناياها التي تخبئ الأمل والأحلام المنشودين في حياة شعب مقهور، فها هو يسلب الضعف ويقوي العزائم حين يقول : قلمي سيف

وسيفي قلم

وفي الحالتين أنا أكتب الحب

ولا أقتل..ص١٥٠

عام على حلم لا زال يرضع فاسد الأثداء

مدن تدلت إلى بئر الجحيم لينزف التاريخ

آخر فخرنا الباقي

على جسد العزاء ص٨٧

هنيئا لنا كتابا سطروا من أوجاعهم تفاصيل الكرامة..

وسوم: العدد 650