كلام على "الرسالة الحلبية" لابن القيم

مِنْ مؤلَّفات الشيخِ ابن قيّم الجَوزية "الرسالة الحلبية في الطريقة المحمدية".

وقد حصَلَ لهذا الكتاب وهمٌ في عنوانهِ، وفي مضمونهِ (أهو نثر أم نظم)، أفصِّلُهُ فيما يأتي:

1- ذكَرَ الصفدي في ترجمته للشيخ ابن القيّم في "الوافي بالوفيات" هذا الكتابَ بعد كتابهِ المعروفِ "الكافية الشافية" فقال:

"...كتاب "الكافية الشافية لانتصار الفرقة الناجية" وهو نظمٌ نحو ثلاثة[1] آلاف بيت، "الرسالة الحلبية في الطريقة المحمدية"..."[2].

هكذا بدون عطفٍ بالواو بين العناوين، ولكنَّ العبارة واضحة.

2- وقد لخصَ السيوطي ترجمةَ الشيخِ ابن القيّم مِنْ ترجمة الصفدي[3] فقال في كتابه "بغية الوعاة":

"...الكافية الشافية "نَظْمٌ"، الرسالة الحلبية في الطريقة المحمدية"[4].

ومن الواضح أنَّ لفظ (نظم) عائدٌ على الكتاب السابق (الكافية الشافية)، وهو القصيدة النونية المعروفة.

ويَقطعُ بهذا قولُ الصفدي السابق.

وقد تسبَّب هذا الاختصارُ في أوهامٍ غيرِ قليلة لمَنْ بعدَه، ولو أضافَ السيوطي (وهو) فقال: "الكافية الشافية وهو نظمٌ" لما حصلتْ هذه الأوهام.

3- يَظهرُ لي أنَّ الحاج خليفة نَظَرَ في ترجمة الشيخ ابن القيّم في "بغية الوعاة"[5] فَظَنَّ لفظَ (نظم) عائدًا على ما بَعدَه فقال:

"الرسالة الحلبية في الطريقة المحمدية.

نظمها شمسُ الدين محمد بن أبي بكر..."[6].

وهذا قد يعني أنَّ "الرسالة الحلبية" منظومة، نظمَها الشيخُ ابنُ القيِّم ابتداءً.

وقد يعني وجودَ كتابٍ عنوانُه "الرسالة الحلبية" – دون أنْ يتطرَّق الحاج خليفة إلى مؤلِّفها - وأنَّ الشيخ ابنَ القيم قام بنظمها! ويكون صار لدينا كتابان!

4- حين حقَّقَ الأستاذُ محمد أبو الفضل إبراهيم "بغيةَ الوعاة" توهَّمَ نفسَ التوهُّم، وظَهَرَ هذا في وضعهِ فاصلةً قبل لفظ (نظم)، وعدمِ وضعهِ فاصلةً بعده، هكذا:

"...الكافية الشافية، نظم الرسالة الحلبية في الطريقة المحمدية".

وسبَّبَ هذا وهمًا لمَنْ بعده كذلك.

والصوابُ كما قدّمت:

"...الكافية الشافية "نَظْمٌ"، الرسالة الحلبية في الطريقة المحمدية".

5- وحين ألَّف الشيخُ بكر أبو زيد - رحمه الله - كتابه "ابن قيم الجوزية" ذَكَرَ "الرسالة الحلبية" فقال:

"الرسالة الحلبية في الطريقة المحمدية.

نظم.

ذكره تلميذُه الصفدي، وابن تغري بردي، والداودي، وحاجي خليفة، بذلك الاسم، وذكره السيوطي باسم "نظم الرسالة الحلبية.."، وذكره أحمد عبيد، ومحمد الفقي باسم "الرسالة الحلبية"[7].

أقول: في سياق الشيخ بكر عدة وقفات، أبيِّنها فيما يأتي:

1- قد ظهرَ لنا أنَّ السيوطي ذكرَهُ كما ذكرَهُ الآخرون، ولكنَّ الاشتباهَ في قراءة عبارته سبَّب هذا الوهم.

وتسبَّبَ في هذا الاشتباه أيضًا عدمُ العطفِ بالواو في ذكر العناوين.

2- لعل الحاج خليفة لم يَنسب "الرسالة الحلبية" إلى ابن القيم، إنما نَسَبَ إليه أنه نظمها.

3- ثم إنَّ عبارةَ الشيخ بكر مشكلة؛ فقولُه عن الرسالة الحلبية: "نظمٌ" يعني أن الشيخ ابن القيم ألفها في الأصل نظمًا، فهي منظومة.

وقوله: "وذكره السيوطي باسم "نظم الرسالة الحلبية" يُفيدُ أنَّ الشيخَ ابن القيّم عَمَدَ إلى "الرسالة الحلبية" فنظمَها.

وكلُّ هذا لم يكنْ.

6- وتابع الشيخَ بكرًا في هذا الباحثُ جمالُ بن محمد السيِّد في كتابه "ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السُّنة النبوية وعلومها"[8].

7- ذكرَ الداودي في ترجمة الشيخ ابن القيّم في "طبقات المفسرين" هذه الرسالةَ له فقال:

"الرسالة الحلبية في الطريقة المحمدية"[9].

وتطوَّعَ المحقِّقُ فأضافَ لفظَ (نظم) إلى العنوان قائلًا في الحاشيةِ: "مِنْ بغية الوعاة"!

والخلاصة

أنَّ كل مَنْ ذكر هذا الكتاب للشيخ ابن القيم من المُتقدِّمين سمّاه "الرسالة الحلبية في الطريقة المحمدية".

وأنَّ صوابَ التفقير في عبارةِ السيوطي المُختصرة المُختزلة أنْ يكونَ هكذا:

"...الكافية الشافية "نَظْمٌ"، الرسالة الحلبية في الطريقة المحمدية...".

وأنَّ "الرسالة الحلبية" ليست نظمًا.

[1] كذا، وهو خطأ من الناسخ أو المحقِّق، والصواب: ستة. وقد جاء اللفظُ على الصواب في كتاب الصفدي الآخر: "أعيان العصر".

[2] الوافي بالوفيات (2 /272).

[3] تاريخ الصفدي مِنْ مصادره التي صرَّح بها في مقدمته.

[4] بغية الوعاة (1 /63). وما جاء عند الشيخ بكر (1 /603) فخطأ مطبعي.

[5] وقد كان هذا الكتاب مِنْ مصادره.

[6] كشف الظنون (1 /861).

[7] انظر: "ابن قيّم الجوزية: حياته، آثاره، موارده" ص 249. وفي حاشيته ذكرُ المصادر.

[8] انظر: (1 /244).

[9] طبقات المفسرين (2 /80) بتحقيق علي محمد عمر، ط2، مكتبة وهبة.

وسوم: العدد 650