القصة الشاعرة.. حوار متخيل

clip_image002_33295.jpg

ـ وأنا في الـطريق إليـكم نصحني أحد الأصـدقاء بأن أعـدل عن هذا الحوار موضـحًا لي أن " القصة الشاعرة " مجرد غيمة سرعان ما ستزول ، فهل من تعقيب؟

حسنًا فعل .. إذن لن يحضر الآن كعادته طالما عرف أنك شرفتني أما الغيمة فقد أمطرت وغسلت الزروع ، وارتوت بها الصحراء ، وأحسب أن عوالمنا أصبحت "قصة شاعرة" بما نحن فيه من مستجدات .. أهلاً بك مبدعًا حقيقيًّا ومحاورًا مدهشًا.

ـ القارئ العربي لا يعرف – حتى اليوم – المفهوم المنوط بمصطلح " القصة الشاعرة " ، فهل من إيضاح ؟

إننا بحاجة إلى نظرية نقدية عربية تواكب الأجناس الأدبية الجديدة ، فالقصة الشاعرة لا تُقرأ إلا بمعايير القصة الشاعرة ، وهكذا (كفانا اجترارا من الغرب) أما عن المثقف العربي فهو يُدرك جيدًا لغته الشاعرة ، وما بها من أسرار وأغوار ، واسم الفاعل بالطبع غير اسم المفعول والنسب وغيره .. ومن هنا كانت المصالحة بين المصطلح والمفهوم في "القصة الشاعرة" .. ثم إن القصة الشاعرة تجديد في الخطاب الأدبي العالمي وإن كانت عربية الأصل ، وشهدت بذلك الترجمات المختلفة ، وعمومًا فإن للتاريخ كلمة أخرى.

ـ لماذا لم تطلقوا عليها " القصة الشعرية " وليست الشاعرة ؟

القصة الشعرية معروفة منذ القدم ، وفي معلقات العصر الجاهلي وحتى عصرنا الحديث،وبالتالي ليس شرطا أن تجد فيها كل العناصر الفنية للقصة القصيرة من زمان ومكان وأحداث وأشخاص وحوار وحبكة أو عقدة (تأزم موقف) ثم حل ، وليست حبكتها القصصية هي الحبكة المعروفة حديثا في القصة المعاصرة ، كما أنها لا تلتزم بالتدويرات العروضية والقصصية والبصرية ، ولا بتوظيف العلامات الإعرابية وعلامات الترقيم و"فنط" الكتابة وغيرها من تقنيات ، ومن ثم تختلف في شكلها السابق عن القصة الشاعرة "الشاعرة" من ( شعر يشعر فهو شاعر) وذلك أبسط مفاهيم شعرنا العربي الذي قوامه بَعْدَ الموسيقى (البلاغة المتمثلة في علومها الثلاثة : البيان والبديع والمعاني) "الشعرية" نسب إلى الشعر ، و"الشاعرية" سمة تعني الإطار الأجمل ، أما "الشاعرة" فهي الفاعل لكل هذا (اسم فاعل) ، ومن ثمّ ، فإن كل قصة شاعرة هي شعرية بالطبع وليس العكس ، وطبعًا هناك فروق كبيرة بين القصة الشاعرة وغيرها من فنون كتابية ، وكلٌّ يقف جنبًا إلى جنب لإسعاد البشرية. ـ هناك من يرى أن إبداعاتكم في حاجة إلى تأصيل حتى يكون لها صوتٌ وصدى في أرجاء وطننا العربي ، فما ردكم ؟

لأن هذا العصر تسوده الخبرة الفنية ، فالحياة قد تغيرتْ في مضمونها وإطارها ، فكان لابد أن يتغير معها إطار التعبير وفلسفة الفنون الكتابية الجديدة التي تقوم على حقيقةٍ جوهريةٍ هي أننا لا نشدُّ المضمون على القالب أو نضعه في الإطار ، وإنما نترك المضمون يحقق لنفسه وبنفسه الإطار المناسب ، وقد حققت القصة الشاعرة إطارها الأنسب ، ولامانع من أن كل جديد بحاجة إلى تأصيل ، وقد بدأ النقاد غير المتقولبين عبر دراسات وأبحاث كثيرة مرحلة التأصيل ، وقد تم نشر أكثر من مائتي دراسة نقدية على مستوى الوطن العربي .. وعمومًا قد استطاعت القصة الشاعرة الرد على المنكرين لها والمزايدين ، وفتحت أفقًا للقراءة كما ينبغي لتحليل هذه التشابكات والرمزية والتدويرات الشعرية والقصصية والفضاءات البصرية واللونية وعلامات الترقيم والوظائف التي تؤديها المفردة لمجرد اختيارها في نص قصة شاعرة والأبعاد والمتواليات النصية التي تصنعها العبارات ، كما كشفت عن أهمية الثورة والحرية بدءًا من ثلاثي العملية الإبداعية المبدع والناقد والمتلقي مرورًا بواقع رمزي وحتى تصورات ذهنية متنوعة ومتمايزة ، ويتبقى دور المبدع الجرئ التواقة للتجريب والمؤمن بإمكانية تشعب القوالب الإبداعية.

ـ قال لي أحد الأساتذة : إن محمد الشحات محمد ليس مبتكرًا لهذا الجنس الأدبي ، لأن له وجود في آداب أخرى، فما تعليقك؟

المشابهة لا تلغي الاختلافات ، فبين الوحدة والتنوع تتمايز الخصوصية والتفرد ... توجد مشابهة بين القصة القصيرة مثلاً والشعر المعاصر ، ولكن هناك خصوصيات لكل فن .. ، وهذه المشابهة هي التي يُطلق عليها تداخل/ تراسل الأجناس الأدبية والفنية ، ولكن هذا التراسل لا يمنع من خصوصية كل جنس عن غيره ، وهكذا القصة الشاعرة فيها مشابهة مع غيرها ، ولكن هذه المشابهة لا تلغي الاختلافات والتميز والتفرد..

ـ تناول ذلك النقاد في كتب كثيرة ، وحاولوا إظهار الفروق ، ولكن هل من قراءة بإمعان؟

عمومًا "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" .. على المدعي الإثبات ، ولو بنص قديم تنطبق فيه كل معايير القصة الشاعرة كما هي الآن أليس من الفخر لنا نحن – أدباء العربية – أن يكون مخترع هذا الفن (القصص الشاعرة) أديباً عربياً مصرياً مثبتا أن العرب هم أرباب كل تطوير وأصحاب كل تغيير وإبداع مفيد؟ إن غبار "الجهل و النكران" الذي يُطْلقه بعضهم حول القصة الشاعرة – كأي إبداعٍ جديدٍ - ومبدعيها ، فهو يُمكن اعتباره وسيلة دعاية مُتطرفة غير مقصودة من صانعي هذا الغبار لمضمون هذا الفن ، وسوف يزول الغبار وتبقى مبادئ إبداع القصة الشاعرة في رحاب الفن العظيم.

ـ البعض يرى في انشقاق بعض المبدعين عنكم عدم قدرة " القصة الشاعرة " على الاحتواء ، فما صحة ذلك ؟

لم ينشق أحد .. بل يزيدون ويجددون ، وتتبنى الهيئات الرسمية والأكاديميات العالمية مع المؤسسات الثقافية الأهلية إبداعات القصة الشاعرة والدراسات التي تدور حولها .. ويكفي أن المؤتمر السادس للقصة الشاعرة أغسطس 2015 شاركت فيه الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية والمجلس الأعلى للثقافة والأكاديمية الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا وجمعية دار النسر الأدبية ، وكل كيان أصدر كتابًا حول القصة الشاعرة إبداعًا ونقدًا وقراءة ، وقد أقيم المؤتمر في اتحاد الكتاب المصري ، وشارك فيه مبدعون من مصر والعراق والأردن والمغرب وفلسطين ، كما شارك فيه عدد من أساتذة الجامعة المبدعين ، وعدد كبير من الشباب.. فهل يعد ذلك انشقاقا؟ ربما تقصد المحسوبين على الإبداع ممن تجاوزهم الزمن ، أو مَنْ لم نُوجه لهم الدعوة من الأصل ، وإذا كان الأمر كذلك ، فهم لم ينشقوا لأنهم لم يشاركوا بعد

ـ ما زلتم تكتبون القصيدة بجانب قصتكم الشاعرة، ألا يعبر ذلك عن عدم إخلاص لابتكاركم ؟

وما زلتُ أكتب –كما تعرف- القصة والمسرحية والمقال والدراسات الأدبية والنقد ، وما زالت تصدر لي الهيئات كتبًا في هذه الفنون الكتابية المختلفة، كما أني ما زلتُ أرسم أغلفة بعض الكتب الأدبية والعلمية وأقمت معرضًا لرسوماتي ، وأشارك أصدقائي في الفرق الموسيقية بالعزف على الناي ، والأهم من ذلك فإني ما زلتُ أقرأ (مبتسمًا) فهل يعد ذلك عدم إخلاًص لأي من الإبداعات المتنوعة؟ أليس ذلك دليلاً على أن القصة الشاعرة لا يكتبها إلا مبدع متحقق ومتعدد المواهب؟ المبدع الآن موسوعي شامل منفتح على العالم ، أما أصحاب الغرف المغلقة والعاجزون عن مواكبة الأحداث ، وليس لديهم القدرة على التعلم مدى الحياة ، وإن استعانوا بمواقع التواصل عبر الشبكة العنكبوتية، فهؤلاء هم "الوحل" الذي يكشفه المطر.

ـ أقمتم عددًا من المؤتمرات حول هذا اللون في محاولة منكم لانتزاع الاعتراف إلا أن البعض عزف عن الحضور تحت ذريعة أنها للمجاملة ، فما قولكم ؟

المشاركات البحثية يختلف القائمون عليها من مؤتمر لآخر إلا إذا كان هناك جديد ، وذلك لإيماننا بالتجديد والتطور الطبيعي وحرية القلم لكل من يعشق هذا العالم الراقي، وبعض الباحثين أصدروا كتبًا متخصصة في القصة الشاعرة ، وتمت مناقشة هذا الفن الكتابي في رسائل جامعية ، ولم يعزف عن الحضور إلا من لم يحضر أصلا ، أو هو ليس له في إبداع القصة الشاعرة ، وهل إذا عزف الروائي عن حضور أمسية شعرية أو رقصة باليه يكون الشعر أو الاستعراض معيبًا؟ وعمومًا هذا ما تقوم به القصة الشاعرة في دعوة الجميع على مائدة الإبداع الشمولي الأرقى بمعايير وضوابط الحرية المسئولة وبالمناسبة .. من ينظم المؤتمرات هيئات ثقافية مختلفة ، وليس أنا .. ثم إن "فن القصة الشاعرة" فن كتابي يثير ميزة الإبداع ، وقد أثبت وجوده، وكشف أدعياء الأدب والنقد ، وله حق البقاء جنبًا إلى جنب مع الفنون الأخرى .. هكذا أكدت البحوث والإصدارات والدراسات ، والمشهد الأدبي المعاصر .. أما عن الاختلاف حوله ، فهذا ثراء ، ولقد اختلف البشر حول وجود الله عز وجل مع فارق التشبيه.

ـ لكن معظم الوجوه التي دعمت مؤتمراتكم هي نفس الوجوه تقريبًا كل عام، إذن لا جديد ؟

هذا السؤال دليل على عدم الانشقاق ، وإنما تختلف هيئات المؤتمرات والباحثون ، ومنهم مَن لم أتعرف عليه إلا من خلال أبحاثه ومشاركاته في مؤتمرات القصة الشاعرة ، وإذا عُدْت للكتب الصادرة عن هذه المؤتمرات ، ستجد أن أسماء الباحثين في كل كتاب غير الباحثين السابقين ، ولو أنه لامانع أبدًا من أن يشارك الجميع في التأصيل والتجديد ، وهذا مايقوم به مبدعو ونقاد القصة الشاعرة والمهتمون والمتذوقون ، كما أنه لامانع أبدًا من المعارك الأدبية التي تثري المشهد الإبداعي ، وبعيدًا عن الجدليات والشعارات الزائفة.

ـ يقال إن بعض البحوث التي قدمت تم استكتاب أصحابها بسيف الحياء ؟

بالنسبة لي لا أستكتب أحدا ، ولم أكن يومًا وزير إعلام لإبداعاتي ، قد أساهم في الدعوة للمؤتمر مع أصدقائي ، وقد تدعوني بعض القنوات والإذاعات والصحف ، أو قد يوجه لي الدعوة أحد القائمين على ندوة أو لقاء فكري باعتباري –فقط- مبتكر هذا الفن وأحد المبدعين والنقاد .. ولم أشارك أبدًا وحدي ، بل كنت دومًا مع آخرين ، وهل الحياء يجعل الباحث الحقيقي يغير من شهادته؟ وهل من يُخالف دون علم يدرك ثقافة الاختلاف؟ ثم إن سيف الحياء تواجهه صواريخ "باتريوت" في سموات الإبداع المفتوحة ،وهل تعلم أن مؤتمرات القصة الشاعرة من بين اختلافاتها عن المؤتمرات الأخرى أنها تقابل مشكلة كثرة الأبحاث المقدمة ، كما أن مؤتمرات القصة الشاعرة لا تملك شهادات مختومة على بياض لتوزيعها على كل الحضور كما يحدث في مؤتمرات أخرى ، وكذلك ليس عندنا موائد مفتوحة كما هي في الصالونات مثلاً عمومًا لا نستكتب أحدا ، ولانغير فيما كتب النقاد ، وأنت شاركت أنت قبل ذلك ، فهل عدلنا أو بدلنا فيما كتبت؟ وهل أنت كنت تجاملنا؟ وإذا كان كذلك ، فإن صديقي القارئ الحميم هو الفيصل إننا نحترم إبداعاتنا ومبدعينا ونقادنا من العلماء الأجلاء ، ومن ثمّ لا مجال للمجاملات ، إنما الحب والإبداع الحقيقي والاحترام المتبادل وأمانة الكلمة ورسالة الموهبة.

ـ بعض المجلات والصحف لا تعترف بهذا الإبداع ، ترى لماذا؟

هذا دليل قوي على أننا لم نستكتب أحدا ، ورغم أن الصحف والمجلات ملكية عامة ، ورغم وجود مبدأ حرية التعبير والفكر والإبداع عمومًا إلا أنني لم أطرق بابا إعلاميا إلا إذا تم توجيه الدعوة لي رسميًّا ، وأقتنع أنا بشخصية الداعي بعد حوار معه .. وبالمناسبة شاركت معظم وسائل الإعلام المصرية والعربية وخصوصًا القومية منها في التغطية الإعلامية لمؤتمرات القصة الشاعرة دون إرسال "فاكس" من جانبنا إليها ، مما يدل على أهمية الحدث ونجاح القصة الشاعرة ، وإنه ما زال بعض الإعلاميين يعرف دوره تمامًا ويؤدي رسالة الإعلام الهادف بجدية وأمانة أما عبارة "بعض المجلات والصحف لاتعترف .." فهذا غير صحيح ، وإنما قد يرفض مسئول التحرير لأنه لم يتفهم بعد ، أو لأني لم أُوجه له الدعوة شخصيًّا (نفسنة يعني هههه) أو قد يكون غير مبدع وتحكمه الإعلانات ، وربما يكون راغبًا في دخول التاريخ بمجرد إظهار اعتراضه فقط ، ويفرض أهواءه الشخصية على المجلة التي يعمل بها ، وهذا لايعنيني رغم أنه بإمكاني أن يكون لي قول آخر .. لكني لا أنشغل بهؤلاء ، ولا أُتيح لهم الفرصة للنيل من مشروع إبداعي قومي دون أن يبذلوا مجهودًا ، فالوعي القومي حياة.

ـ جمعية دار النسر الأدبية ، هل أنشأتموها بغية الدفاع عن إنجازكم ؟

دار النسر الأدبية مسجلة بتاريخ 30 يناير 2001 ، أي قبل الإعلان عن ابتكار فن القصة الشاعرة في نهاية 2006 وأوائل عام 2007 – وبالتالي ، كان يُمكن القول بأن القصة الشاعرة تدافع عن الجمعية وليس العكس إن جمعية "النسر" تتبنى كل المواهب والإبداعات الجادة وتقوم برعايتها وتنمية قدراتها وتفجير الطاقات الإبداعية في مجالات شتى ومع مختلف الفئات العمرية ، فضلا عن دورها الاجتماعي في المساعدات وحماية البيئة ورعاية الأسرة والأمومة والطفولة وكفالة الأيتام والخدمات التعليمية والدورات التثقيفية ، ومعظم روادها أعضاء اتحاد الكتاب ورؤساء جمعيات ومنتديات ومن الشخصيات المعروفة.

ـ مَنْ مِنْ الكتاب العرب كتب " القصة الشاعرة " وأصبح راسخًا فيها ؟

عد إلى كتاب "القصة الشاعرة وآفاق التجريب –نصوص متنوعة" الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة 2015 ، وستجد ما يسرك .. عمومًا "الراسخون في العلم" لهم التقدير في كل مكان وزمان .. ، وأما عن مبدعي القصة الشاعرة في عالمنا العربي ، فإنه من الطبيعي أن تجد في مصر مبدعين كثر ، ونجد على سبيل المثال لا الحصر ربيحة الرفاعي (الأردن) ، نادية بوغرارة (المغرب).

ـ هل لك أن ترشدنا إلى ندوات عامة تناقش هذا الإبداع الجديد ؟

تمت مناقشة فن القصة الشاعرة في ندوات دار النسر الأدبية ، الأكاديمية الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا ،اتحاد كتاب الشرقية ، نوادي الأدب ، صالون نقابة الأطباء ، والمجال مفتوح للجميع.

ـ هل يمكن أن تذكر لنا الذين تناولوها بالدراسات المتأنية ؟

منهم د. رمضان الحضري ، أ.د مصطفى أبو طاحون ، سكينة جوهر ، د. خالد البوهي ، د. افكار أحمد زكي ، نزيهة الخليفي ، نادية بوغرارة ، محمد سليمان الزيات ، د. نادر عبدالخالق ، محمود قنديل ، أ.د حسام عقل ، د. السيد رشاد ، د. محمد عجور ، د. ربيع السيسي ، د. أحمد صلاح كامل.

ـ ألا ترى أنكم تتبنون أيديولوجية ما في تحركاتكم من أجل مبتكركم ؟

أي أيديولوجية تحكمنا في القصص الشاعرة ، وقد أبدعها وتناولها بحثا ونقدا عدد كبير من مختلف الأقطار العربية ' ومن فئات مصرية مختلفة؟ الإبداع لايعرف الإيديولوجيات ، ولا "البيزنس" ولا شعارات التفريق بين بني الإنسان .. المبدع له حرياته التي كفلها الدستور والمواثيق الدولية .. هل تعلم أننا ننشر أبحاثا لباحثين لا أعرفهم شخصيًّا؟ وهل تعلم أن مؤتمرات القصة الشاعرة تتضمن في برامجها فقرات فنية ومعارض تشكيلية ، وتشترك المؤسسات الرسمية في تنظيم هذه المؤتمرات؟ هل تعلم أن كل جديد مُحارب حتى يُصبح قديمًا؟ من مبدعي ونقاد القصة الشاعرة المعتدل واليمين واليسار ، كما يشارك مبدعون من فئات عمرية مختلفة .. سيظل الشامخون ولا وَجل لنا إبداعنا الذي صنعته أقلامنا ، وليس منحةً من أحد ، ولن تتآكل إرادتنا مهما حاول المغرضون .. عُدْ إلى أسماء المشاركين وصورهم ستكتشف عوالم وآفاق.

ـ ألستم على علم بأن القضايا التي تطرحونها في كتاباتكم هي نفس القضايا التي تتناولها الإبداعات الأخرى ؟

على يقين بأن ما تطرحه القصة الشاعرة بخصوصيتها غير مسبوق ، وهل الأفكار حكر على أحد؟ العبرة في العمل الإبداعي المتجدد ، وعلاقته بالإحساسات العامة للمجتمع ، وما يترك من أثر.

ـ هل نجح ابتكاركم في جذب مواهب أدبية لكتابته ؟

كأنك تسألني هل تحركت سفينة نوح في الصحراء .. اتجه عدد من كتاب القصة لدراسة موسيقى الشعر ، كما اهتم عدد من الشعراء بقراءة القصة ومراحل تطورها حتى يمكن كتابة القصة الشاعرة ، والأصل في الموضوع هو الموهبة والإرادة ، وليست الحكاية "لعبة انتخابات" أو بروباجندا ، وأي مبدع حقيقي لا تستفزة القصة الشاعرة وآفاق التجريب؟

ـ البعض قال : إن قصتكم الشاعرة تعتمد على موسيقا الشعر لذا فإنها لا تعير اهتمامًا لعناصر كثيرة موجودة في القصص غير الشاعرة ؟

القصة الشاعرة لها معايبرها الكثيرة ، وليست الموسيقى فقط ، ومن لم يلتزم بهذه المعاير ، فلن يكتب قصة شاعرة ، إنما قد يكتب شعر قصصي 'قصة شعرية' أو.. أي شئ غير القصة الشاعرة ومن معايير القصة الشاعرة البديهية أنها تضم معايير القصة وقصيدة التفعيلة ومعايير أخرى مستحدثة تميزها وتُفعّلها ، ثم أنت روائي وقاص وأنا شاعر ، وجمعتنا القصة الشاعرة هنا (مبتسما) بكامل الأركان ، ولنا أن نطرح نماذج من القصة الشاعرة ونقرأها معًا ،ويشاركنا القراء لنتأكد من وجود كل العناصر وغيرها.

ـ يغيب التراث والأسطورة والتاريخ عن كتاباتكم ، فما تفسيركم ؟

من قال هذا؟ القصة الشاعرة تعتمد في الأساس على الإسقاطات والأقنعة والتصوير والتضمين بالموروث والأسطورة والرمز والتكثيف وأحداث التاريخ ، مع التركيز على الهوية الثقافية العربية ، والإنسانية عمومًا ، ولذلك اهتمت الترجمات بمصطلح القصة الشاعرة ، وكتبته كما هو "منطوقًا" نظرا لخصوصيته العربية في التقنيات ، وعالميته في معالجة الموضوعات واستعمال بعض التقنيات الغربية بطريقة مختلفة ، ولايوجد عمل إبداعي يخلو من ذلك وهل تحتمس وعشتار وآل عمران وسبأ وحتشبسوت وسدرة المنتهى ، وغيرها مما تضمنته القصة الشاعرة من غير التراث والأسطورة والتاريخ؟

ـ كيف ترون مستقبل " القصة الشاعرة " ؟

مما لاشك فيه أن الألفية الثالثة هي زمن القصة الشاعرة ، ومستقبل القصة الشاعرة كتب عنه عدد كبير من المبدعين والنقاد المتحققين، ولو لم يجدوا للقصة الشاعرة ماكتبوا من الأساس ومنهم : ربيحة الرفاعي (الأردن) ، د. رمضان الحضري ، نادية بوغرارة (المغرب) ، د. جميلة الرجوي (اليمن) د. أحمد باحارثة (اليمن) ، د. خالد البوهي ، د. ريهام حسني ، د. السيد رشاد ، محمد سليمان الزيات ، د. حسام عقل د. نادر عبدالخالق ، ربيع السيسي ، د. ناهد محمد أحمد ، خضير ميري (العراق) ، د. نوران فؤاد ، أحمد السرساوي ، نزيهة الخليفي (تونس) ، د. أحمد صلاح كامل ، د. محمد عجور ، سكينة جوهر، أشرف الخريبي، د. مصطفى أبوطاحون ، كاملة بدارنة (فلسطين) ، ريمة الخاني (سورية) ، المترجم حسن حجازي ، وغيرهم كثيرون يكفي أن القصة الشاعرة حركت المياه الراكدة وأثارت ميزة الإبداع ، وأكدت على الريادة الثقافية المصرية والعربية ، وقد تم تناولها في مراكز بحثية عالمية باعتبارها ابتكارا بدأ إلهامًا وصل حد الاختراع ، وكانت دافعا لأن يتم دراسة الاختراعات الأدبية باعتبارها من أهم العلوم الإنسانية بعد أن كان مصطلح الاختراع مقتصرا على الاختراعات العلمية فقط' ثم إن هذه المراكز البحثية تناولت القصة الشاعرة باعتبارها تساهم في العلاج.

ـ هل أنتم متفائلون بأن ثمَّة ميلادًا قريبًا لهذه النظرية النقدية التي تواكب الأجناس الأدبية الجديدة ؟

متفائل جدا ، وأعلم آلام المخاض ، وأوجاع ضربات الداخل والخارج التي تعمل على قمع أي محاولة للانطلاق العربي عموما .. متفائل وأُدرك فساد بعض مسئولي الثقافة واعتمادهم على "تستيف" الأوراق مستغلين المتنطعين والمتطلعين .. متفائل ، وألمس أتربة الأرفف المتراكمة على أبحاث ورسائل مكررة وتوصيات بالطبع على نفقة الجامعة في مقابل إلغاء بحث مهم لأسباب أمنية ، أو في ضوء تسييس مؤامرات المخططات والأجندات مثلا .. متفائل لأن الشمس مازالت تشرق رغم التغيرات المناخية والكيمتريل والاحتباس الحراري ، وتدويل التفاهات ، وتقليص أهمية حرب المياه ، وأفدنة الدماء المكسورة في الدول العربية والدويلات المزمع تفكيكها لتنفيذ بروتوكولات لوبية عالمية .. متفائل بمصريتي وعروبتي وإسلامي واعتزازي بأني بشر.

ـ تقولون إنه لامانع من أن يشارك الجميع في التأصيل والتجديد ، ألا يعد ذلك اعترافًا منكم بأن ابتكاركم لم يتم تأصيله بعد ؟

بل يعد حبًّا للجميع ودعوة للتفكر ، بينما اختصرتُ من الجميع مايتميز بثلاثية "المشاركة ، التجديد ، التأصيل" ، ومن ثم فإنه يعد نوعًا من الثقة بالقيادة والتفكير الإبداعي ..

ـ هل العقل الجمعي جدير بهذه الثقة؟

لا صوت يعلو فوق صوت الإبداع ، نرفض المتقولبين ومن لا يرى في القصة الشاعرة شيئًا مستحدثًا أو مستطرفًا في الأدب العربي ، لأن افتقادهم تلك الرؤية يرجع لعدم قدرتهم على تحكيم الضمير النقدي، أو لانتشار أدعياء النقد ، وعدم قدرتهم على تشكيل القراءات في ضوء ما تحتويه النصوص من مستحدثات ورؤى (أبعاد، علاقات، متواليات، فضاءات، إشكاليات ....).

ـ هل ترى أن الذائقة العربية لا تزال غير متقبلة للقصة الشاعرة ؟

المستقبل فى صالح القصة الشاعرة ، وأعمار التجارب تقاس بأعمار الأمم وليس الشخوص ومن هنا تأتى قيمة الريادة .. ولو لم تتقبل الذائقة العربية فن القصة الشاعرة ، ما شارك في مؤتمراتها مبدعون ونقاد عرب ، ولا تنس أن القصة الشاعرة كشفت أدعياء الوسط الأدبي ، ودفعت إلى وقفة جادة لإعادة القراءات والتقييم والتقويم والتذوق بعد فترة من غياب "النقد الإبداعي" ، وربما كان ذلك أحد أسباب ما واجهته من معارك.

ـ لكنني من خلال متابعتي لمعظم إصدارات أندية الأدب في الأقاليم أجدها تخلو من ابتكاركم ؟

النشر الإقليمي الخاص بأندية الأدب يعاني من مشكلات كثيرة ، ومنها انغلاق أعضاء تلك النوادي وانشغال معظمهم بالشكاوى وتسول النشر من موظفي الثقافة ، وعمل استمارات للحصول على مبالغ مالية مقابل حضور الندوات رغم أن صفحاتهم تصرخ من الأخطاء الإملائية .. ، أحسب أن المعارك في مثل هذا الجو لا تعد معارك أدبية ، والمبدع الحقيقي ينأى بنفسه عن هذه المهاترات ، ومع ذلك تم عمل ورش أدبية حول القصة الشاعرة في نوادي الأدب.

ـ قبل المجيء إلى هنا استطلعت آراء بعض الأكاديميين حول هذا الجنس الجديد فكانت الأجوبة كلها تكاد تكون واحدة، فهل يمكن لكم إفادتنا - باختصار - عن بعض ماقاله الأكاديميون عن هذا الجنس الأدبي ؟

(مبتسما) فعلاً ، من يتكلم دون قراءة أو برهان وتحكيم الضمير النقدي فهو يقول "كلام فاضي" ، ولك بعض ما قاله الأكاديميون عن القصة الشاعرة : يقول د. محمد أبوالفضل بدران : إن القصة الشاعرة تعد بوتقة نسكب فيها السرد والمشاعر والإيقاع الخفي للروح، لذا فإن القصة الشاعرة تعيد للشعر رونقه وللقص جماله، و"القصة الشاعرة" جديرة بالحفاوة النقدية وجديرة بالقراءة، لأنها تؤصل جنسا أدبيا جديدا ويقول د. مصطفى أبو طاحون : إن الواقع الأدبي الراهن يحتاج إلى جداول جديدة، تصب في نهره الكبير لتزويده، ودفعه للأمام. والقصة الشاعرة هي إحدى الأنواع الأدبية المناسبة تمامًا لواقع الإنسان العربي الحديث خاصة أن القصة الشاعرة مرشحة للقفز إلى الأمام وأعلى على سلم الأنواع الأدبية ، وأنوي تسجيل موضوع رسالة علمية أشرف عليها، عن القصة الشاعرة بين التنظير والإبداع ويضيف د. رمضان الحضري : من الضروري أن يكون النقد على مستوى مسئولية "القصة الشاعرة" ، ويمكن التقعيد لها ، وعلى النقاد العرب الاعتراف بشكل أكاديمي لنسب الفضل لمخترع" القصة الشاعرة" الشاعر المصري محمد الشحات محمد، ولا تنسب لغيره كما حدث سابقا مع علوم البلاغة والنقد التي نسبت إلى الأوروبيين، كنسبة البنيوية الشكلية إلى حلقة براغ، وكنسبة التوليدية إلى لوسيان جولدمان. بينما تشير د. ربيحة الرفاعي (الأردن) إلى : إن أهمية القصة الشاعرة تكمن في أنها تخدم محورين أساسيين، الأول هو الحاجة الدائمة لتطوير الأدب وفي كل مناحي الحياة، ولولاها ما كان الإنسان انتقل إلى مراحل بداياته الحضارية، ومن ناحية أخري، فالقصة الشاعرة تُفعل حالة فارقة في المرحلة الحالية من عمر الإبداع في المساحة العربية، باعتبارها ابتكار عربي صرف غير مستورد، والقصة الشاعرة تحقق معادلة، دون استشراء حالة التلقي والاستسلام لكل ما هو مستورد من الغرب، وقوبلت القصة الشاعرة بشكل من أشكال العدائية المبالغ فيها ولا تفسير لذلك، خلال الثمانية أعوام منذ وقت ظهور هذا الجنس الأدبي الجديد، قوبلت بمحاربة، والآن حققت انتشارًا جيدًا وتقلصت مساحة الرفض والمحاربة، وأهمية المؤتمر تكمن في التعريف بالقصة الشاعرة على مستوى أوسع بالمناقشة والتحليل ويقول د. مازن لبابيدي (الإمارات) : القصة الشاعرة هي نوع أدبي برز حديثا في الأدب العربي المعاصر ويدين بالسبق للأديب الشاعر الأستاذ محمد الشحات محمد الذي تعرفت من خلاله على النماذج الأولى لهذا الفن الجميل وهو يشق طريقه بثبات وثقة نحو التأصيل والترسيخ في المشهد الثقافي الأدبي العربي. والقصة الشاعرة هي نص أدبي شاعري الروح قصي المضمون الذي يراد إيصاله إلى المتلقي بإطار لغوي ووقع موسيقي مؤثرين فتهضمه الذائقة ويصل لغرضه المطلوب ، فهو بذلك فن ثلاثي الأبعاد في القص والنثر والشعر. فالقصة الشاعرة ليست بقصيدة أو أبيات شعر ولا هي قصة تقليدية وإن كانت لا تخلو من عناصر القص الرئيسية، ولا هي نثر، وإنما مزيج بضوابط في أسلوب السرد ورشاقة العبارة وربط الجمل وموسقتها. ويؤكد د. جمال التلاوي أنه .. ما من حركة أدبية جديدة إلا وقوبلت برفض شديد، ولا بد من معارك ونضال ، والقصة الشاعرة أصبحت أمرا واقعا، باستمرار روادها على الساحة وانتشار إنتاجهم ، وإن كانوا بحاجة إلى مزيد من الإخلاص والجهد والإعلام وتشكيل لجان خاصة بالقصة الشاعرة في الاتحادات والمجلس الأعلى للثقافة ، والاهتمام من وزارتي التعليم ، وأساتذة النقد الأدبي في الجامعات ، وقد شهدت ترجمات القصة الشاعرة بدايات جيدة ، ومازالت مراكز الدراسات البينية غاية لرواد هذا الفن الكتابي الجديد ويشير د. مصطفى جمعه إلى أنه يمكن الجزم بأن شكل " القصة الشاعرة " هو الشكل الطاغي في الكتابات الأدبية المنتشرة الآن ، أو بالأدق في العقد الأخير ، وما علينا إلا أن نتأمل أكثر ما يكتبه الشباب ، ونجده مبثوثا في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي ، أو في الصفحات الثقافية في الصحف والمجلات ، ونضع تصورا إحصائيا ، لنكتشف أنه الشكل الأكثر انتشارا، والأعظم رواجا على صعيد القراءة ، لدواع عدة تتصل بقصر كلماته، فتسرع العيون في قراءتها والعقول في فهمها، ليكون هو الأكثر كتابة وقراءة، وليس أمامنا إلا أن نغوص في ثنايا نصوص القصة الشاعرة ، لنخرج بتصور منها ، يؤطرها ، ويفلسف أبعادها، ويطرح المزيد من الرؤى في تكوينها . لأن النقد عملية تالية للإبداع ، فلينطلق المبدع كما يشاء ، المهم أن يبدع الجديد الأصيل ، وإذا تأملنا نصوص القصة الشاعرة ، سنجد أنها تعبر عن رؤى عديدة ، بعضها يمثل ثوان مرت في حياتنا ، وبعضها يختصر الحياة كلها ، وقد تعبر عن دقائق أو أيام أو سنوات ، ولكن الثابت فيها أنها تختصر ما هو رحب ، وتوجز ما هو مسهب، وتقول في كلمات ما يمكن أن يقال في صفحات طوال إنها شكل مستقل يظل له خصوصيته المميزة ، لأنه يعبر في قالب بليغ عن خطرات أو مواقف أو أحداث أو تأملات في حياتنا ، لا يمكن ذكرها في رواية أو قصة قصيرة لأنها مجرد إلهامات عابرة في ثوان أو أجزاء من ثانية ، إن القصة الشاعرة تلتقط نثيرات النظرات ، وجزئيات الخطرات، ومنمنمات الأقوال ، لتجمعها في نصوص عديدة ، تدفع المتلقي للتأمل والتعلم فهذا الشكل الأدبي نبت استجابة لحاجة جمالية ونفسية وفكرية، فالإبداع مثل الاختراع ، تولّده الحاجة إليه ، فإذا ظن البعض أنه من السهل ابتكار شكل جديد والدعوة إليه ؛ فإنه يكون واهما والغريب في التجربة الإبداعية للقصة الشاعرة ، أنها تكاد تكون الشكل الأدبي الأكثر حضورا في الإبداعات الأدبية، فما أكثر الأقلام التي تتعاوره تجدر الإشارة إلى أن كثيرا ممن كتبوا في نقد هذا الشكل ، وقفوا كثيرا عند مدى تشابهه أو اختلافه عن أشكال أخرى ، وفي أحسن الأحوال تعاملوا مع مضامينه وإشاراته دون النظر إلى بنيته وتكوينه ، فلم نجد تنظيرا جماليا حقيقيا يوضح المبنى جنبا إلى جنب مع المعنى ، فالعبرة ليست بمدى التقائه مع غيره ، وإنما بما أضافه جماليا ، وبما تراكم إبداعيا ، فساهم في تدعيم الشكل ، وترسيخه إن أبرز سمات هذا الشكل - على مستوى الأسلوب - يتمثل في بلاغة العبارة، ونعني بها أن تحتوي صورة خيالية لها عناصر الجدة وروح الابتكارية ، والجمل القصيرة نوعا ما ، التي لا ترهق القارئ في توابعها ، بجانب الرموز والعلامات ، ذات الحمولة التراثية والثقافية والفكرية ، فالرمز يغنينا عن مفهوم ، والعلامة تشير إلى ما اصطلح عليه الناس في حياتهم أو تواصلهم ، ويجب مراعاة علامات الترقيم فهي جزء لا يتجزأ من المعنى ، فلا نجد كلمات تتناثر في خضم من النقاط . أما على مستوى البنية ، فيمكن القول أن المفارقة أولى سمات هذا الشكل، ونعني بالمفارقة مفاجأة القارئ بما لا يتوقعه ، وهذا متسق مع طبيعة اللقطة المعبَّر عنها ، فلا يتوقع أحد أن القصة الشاعرة تروي ما هو مألوف في الحياة ، ويتفرع من المفارقة التشويق ، الذي هو سمة أساسية في القص عامة ، ولازم في القصة الشاعرة خاصة ، وما أجمل أن نجد في القصة الشاعرة جملا تقفز بنا فوق الأحداث ، وتطير بنا بين الحلم والواقع !فتسمو برؤيتنا من تفاصيل الواقع التي نجدها في السرد القصصي والروائي إلى ما فوق الواقع من رؤية شفافة .

ـ بصراحة ، ما المشاكل الحقيقية التي تواجه القصة الشاعرة الآن ؟

المشكلات هي رسائل في حد ذاتها ، وتتلخص في: - القصة الشاعرة مازالت ترنو للناقد المبدع والناشر المثقف والقارئ الذواقة والباحث الجرئ ، والأكاديمي الذي يقبل على الرسائل البحثية الجادة في هذا الفن الكتابي بعيدًا عن الاستنساخ والوجبات الجاهزة - القصة الشاعرة تأخذ على عاتقها ما يمليه العقل الجمعي لتفكيك التمركزات ، وإعادة ترسيم الخريطة الثقافية ، ومن ثم كشف وإزاحة الأدعياء ، وفتح أشرعة التعلم والابتكار - القصة الشاعرة ترفض العنف وتدعو لحوار الثقافات ، كما ترفض التغييب والتغريب وثلة المنتفعين وأصحاب المصالح ، وأولئك الذين يستغلون الأحداث لتبرير استمرارهم على "كراسي السلطة" دون أن يشاركوا في تلك الأحداث أو يقوموا بأداء رسالة سلطتهم إلا بتقنين الأوراق - القصة الشاعرة تواجه الروتين الوظيفي وعدم الوعي ، ومن تحركهم الأهواء والغيرة والحسد - القصة الشاعرة ترنو للسياسي المحنك وصاحب القرار التنويري لتكون القصة الشاعرة ذاتها مشروعا ثقافيا يستحق منح التفرغ والدفع بها مع تطوير المناهج التعليمية والمسابقات - القصة الشاعرة تفرض إعادة تأهيل الإعلاميين والقيادات الثقافية ، وذلك بعمل دورات تدريبية ضمن خطة وزارات الثقافة والرقي الإنساني.

ـ مبدعنا الكبير محمد الشحات محمد صاحب هذا الابتكار الراقي الجميل ، توقعتُ منكم القيام بطردي قبل استكمال الحوار ، لكن هذا لم يحدث ، والأكثر أن ابتسامتكم لم تفارق محيَّاكم ، مما يدل على سعة صدركم ورحابة فكركم .. كل التقدير لكم.

أشكرك أيها المغوار على ذوقك وكلماتك التي تقطر طيبا وحسن خلق .. أسعدتني لكن (مبتسما) أشعر أني أمام "المحقق" في المواجهة .. أقصد المواجهة الشاعرة .. تأمل يا صديقي قول الله عز وجل "وإنك لعلى خلقٍ عظيم" وقوله تعالى "ولو كنت فظًّا غليظ القلب لا نفضوا من حولك" .. أين نحن من سعة صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وسوم: العدد 650