يوميات كاتب يدعى X والعالم الافتراضي
في "يوميات كاتب يدعىX" يخرج الكاتب عن النمطيّة في كتابة اليوميّات، وينقلها لنا بشفافية مطلقة، مستخدما أسلوب السّخرية المرّة الممزوجة بالتهكم، في معادلات انسانية بالغة العمق، في زمن الحب والحرب والتناقضات، فترى نصوصه تمتدّ متمرّدة على المحددات الفكرية، فيطرح بأسلوبه مواضيع جريئة جدًا، متحديا لا يأبه لما قد يقوله النقاد او القُراء، معلنا عن توحّده مع الكتابة ومع فضائه الواسع وأفكاره المستقلة، وانسجامه الكامل مع ألمه، وتكيّفه وتأقلمه وتمرده أحيانا، واستسلامه أحيانا أخرى، ووصوله إلى اللاجدوى واللامنطق، وكأن الاعتراف خيار لا يتقنه سوى "هو"، ويواجه ذلك " الأنا" فينا أيضًا بطيبته وشروره وضعفه وهفواته، وأنّه لا بد منه لكي يحرّره من تلك العباءة الزائفة، والعبثية والمثاليات التي يتصنعها محاولا اخفاء ضعفه أمام العالم المتوحش، أن يضعنا أمام اعترافات جريئة دون خجل أو ضعف، في زمن غابت فيه ثقافة الاعتراف والحقيقة يطرح أسئلة حائرة عالقة في دواخل النفس البشرية، ويعريها، وكأنه يتغلغل داخل شرايننا مقتحما حياتنا الشخصية دون استئذان ودون توقف، ويلمس مواقع جرحنا وحيرتنا، ولكنه يعود ويبقينا حبيسي السؤال، ويبقي الأسئلة حائرا بالأفق ويزيد فوق السؤال، سؤالا وأكثر.
الكاتب x بكل ما فيه من جنون وطيبة تصل به حد السذاجة، لا يكف عن جلد ذاته ناعتًا إيّاها بالغباء، وأحيانا بألفاظ أخرى مستخلصًا من تجاربه دروسا وعبرا، جعلت منه شخصا متفهما راضيا بما يحيط به رغم قساوة حياته بدءً من غرفة التحقيق، وملاحقته وتتبع ما يكتبه إلى حبيبته الافتراضية وعلاقاته العابرة مع النساء اللواتي جعلن من مشاعره أداة للتسلية وأحيانًا للسخرية والضحك، وحب الفتيات لكتاباته لا لشخصه، وطمعهن بصداقته والوصول إليه كما ذكر قصته مع احدى صديقاته على موقع التواصل الاجتماعي، وهنا استحضر قول الشاعرالراحل محمود درويش" لا تحبك أنت... يعجبها مجازك... أنت شاعرها وهذا كل ما في الأمر " وهنا تجربة جميلة أخرى، ليست غريبة علينا ينقلها الكاتب وهي دعوة للاستيقاظ من وهم تلك المشاعر العبثية.
يترجم الكاتب باسلوبه الوجداني سيرته الذاتية برسائل تحمل في طياتها الكثيرمن الحب، والألم، وخيبات الأمل والسخرية من الواقع والموعظة والحكمة، وجنون كاتب لا يخضع لقوانين ولا يقف عند حدّ، مستخدمًا اسلوب السرد المباشر بأداة ضمير الغائب "هو" وأحيانا السرد المباشر مستخدمًا ضمير المتكلم، والذي جعله شاهدا على ما يروي من تجارب ووقائع، يضيف على الأحداث صدقًا فنيا مقنعا يجعله قريبا من القارئ، يحاور ذلك المنسي المدفون في الاعماق، ويبرز الحوار في أسلوب السرد في بعض النصوص، يستدعي الكاتب الحنين ويعيد اكتشاف ذاته، ويجردها مرارا أمامنا، وينقلها إلينا بتلقائية وصور فنية انسانية جميلة ومؤلمة في آنٍ واحد. جميلة في السرد ومؤلمة في المغزى، من عمق التجارب التي مر بها من طفولته حتى شبابه محاولا استدعاء ذلك الطفل فيه، الذي لا زال يحمل في قلبه أنينا وفي روحه جوعا وعطشا "لنوستالجيا" الماضي على الرّغم من قساوته.
الحب في نصوصه كان له الدور الأكبر، فتراه ذلك العاشق المخلص لامرأته تللك التي تسكن أعماق روحه، وتمتلك ما لا يمتلك غيرها من النساء فهي امرأة روحه، لها طابعها الخاص وحضورها البهي، امرأة لا يتغير ولا يستبدل حبها مع الفصول، فهي امرأة الفصول لديّه وهو عاشقها، فهي الوحيدة التي نجحت في تهذيب ذلك المجنون فيه، والحب أيضا بالفهموم الانساني في لحظات التجلي مع الذات، وصفائه الذهنيّ، ويضعنا أمام أسئلة عميقة، ويخلق أفاقا واسعة أمامنا مخاطبا الانسان فينا، مجرّدا إيّاه من أنانيته وغروره. فالحب هو السر المكنون في هذا العالم .
يعترف الكاتب بكرهه للفيسبوك وللواقع الذي فرض عليه مجاراته والغوص في عالمه. لكن معظم ما ورد كان من عمق هذا العالم الافتراضي الأزرق بإيجابيته وسلبياته، يدعو الكاتب x إلى الكتابة برسالة سامية جميلة، مخاطبا أرواحنا دون اسثناء، فلا شيء يروي العطش والجوع غير الكتابة، ملخصا ما كتبه بعبارة عميقة وجميلة" اكتبوا الرّوح ولتكونوا الرّوح" .
جاء الكاتب من هذا الزمن "المستمر" فأعطى للكاتب "بطاقة تعريف " واضحة، معلنا أنّه لا ينتمي إلى حزب، ولا يمتلك أيدلوجيا معينة، فقطع على القارئ تلك المهمة؛ ليجعله يبحر تلقائيا في العمق الانساني المجرد من المسميّات والالقاب والمعتقدات، وبذكاء من الكاتب X أخبرنا قبل الغوص في يومياته أنّها غير مرتبة كما قيل في التحقيق، فلا نستطيع القول أنّها غير مرتبة، ولا نستطيع القول أنّها مرتبة، وذلك يدل على دهاء الكاتب الذي أضفى على يومياته حبكة القصة أحيانا وسلاسة السرد، مما يبعد عن القارئ الملل والرتابة أثناء قراءة تلك اليوميّات، فيرى القارئ في نصوصه شيئا ما يشبهه، وتشويقا متجدّدا مع كلّ نصّ يمرّ به.
لا بد من ملاحظة صغيرة:
تكررت كلمة "كتاب" كثيرًا في صفحة 48 مما لا يخدم النص، ويضعف القيمة الفنية له .
وسوم: العدد 659