النثر العربي في عصر الدول المتتابعة 5
ثالثاً- الفن القصصي في السيرة الشعبية:
السيرة الشعبية فن قصصي هادف، امتزج فيه التاريخ بالأسطورة([1]) ، والواقع بالخيال، بغية هز المشاعر تجاه قضية ما تعبر عن ضمير الأمة وتطلعاتها ([2]).
وكثرت السير الشعبية في عصر الدول المتتابعة بسبب انتشار الفكر الجهادي بعد دخول الصليبيين إلى البلاد الإسلامية، ولتفشي الروح الصوفية ، وكثرة آداب الرحلات ، وبسبب التمازج الثقافي بين الأمم مما ترك بصماته على لغة العرب وآدابهم .
وتحدثت هذه السير في مجملها عن بطولات العرب والمسلمين في العصور كلها حتى الجاهلية منها، في وقت اشتدت فيه الهجمات الصليبية والتترية المغولية على المجتمع الإسلامي بعد إسقاط بغداد حاضرة الدولة سنة 656هـ ولهذا راحت تركز على جانب موقف المسلمين من المحتل الأجنبي، وضرورة التحرر منه تحريراً تاماً.
ومن السير التي ألفت في هذا العصر سيرة عنترة وتقع في ثماني مجلدات، وسيرة الظاهر بيبرس([3]) التي ألفت في أواخر القرن السابع أو في القرن الثامن الهجري، وتقع في خمسة مجلدات، وتضم (3198 صفحة ) ،وسيرة أبي زيد الهلالي وذات الهمة التي يرجح كتابتها في القرن السابع الهجري، وسيرة حمزة البهلوان وقصة الزير سالم المهلهل، وسيرة سيف بن ذي يزن التي ألفت في القرن الثامن أو التاسع الهجريين، وتقع في سبعة عشر جزءاً([4]) .
وتمتزج فيها العناصر التاريخية بالاجتماعية والأسطورية، كما يتحرك على مسرحها شخصيات واقعية وأخرى من عالم السحر والجن([5])، وتحكي بطولات شخصيات كبرى دون أن تتقيد بزمان أو بمكان، بل قد تخترق الأزمنة والأمكنة وهي تعرض بطولات الشخصيات العامة، ودوافع هذه البطولات الحقيقية منها والأسطورية، على غرار ما فعل كتاب الملاحم في أساطيرهم القديمة، كما تصور تفاعل الناس في حياتهم مع الأحداث الكبرى التي تمر بها الدولة، وبذلك تصير الأسطورة رمزاً لفكرة ما، أو لغة دالة على قضية ما.
ومن هذا المنطلق أعني أن السيرة (دالة) على ضمير الأمة وحياة أبنائها وقع اختياري على سيرة الظاهر بيبرس نموذجا لسير العصر التي تعبر عن فكره وروحه([6]).
وتعد سيرة الظاهر بيبرس من أهم ما يمثل العصر سياسياً واجتماعياً وفكرياً، فقد تحدث راويها الديناري([7]) عن السلطان بيبرس الذي حكم في عصر الدول المتتابعة بين (658 -676هـ) حديثاً مسهباً مستفيضاً، في خمسة مجلدات مليئة تضم خمسين جزءا .
وسأدرس هذه السيرة مضمونا وفنا([8]) .
1- مضمون السيرة:
من عنوان السيرة ندرك محتوياتها ، وهو: "سيرة الظاهر بيبرس، تاريخ الملك العادل صاحب الفتوحات الشهيرة ، السلطان محمود الظاهر بيبرس ملك مصر والشام، وقواد عساكره ومشاهير أبطاله مثل شيحة جمال الدين، وأولاد إسماعيل، وغيرهم من الفرسان، وما جرى لهم من الأهوال والحيل".
إذاً هذه السيرة تتحدث عن السلطان بيبرس وتمهد بالحديث عن العصر الذي ولد فيه، بدءاً من خيانة الوزير العلقمي للخليفة العباسي واستقدام هلاوون "هولاكو"([9]) ودفاع صلاح الدين الأيوبي([10]) عن الخليفة العباسي وقتل العلقمي وإقطاع الخليفة لصلاح الدين أرض الشام ومصر ليحكمها جزاءً على حمايته من هلاوون، ومساندته للدولة حتى طرد العدو من أراضيها.
ثم تنتقل السيرة بنا سراعاً إلى عصر نجم الدين أيوب آخر أحفاد صلاح الدين في حكم مصر، وزواجه من شجرة الدر بنت الخليفة، وتصفه بأنه العارف بالله الذي يعرف ما سيكون في كثير من الأحايين ، وقد اشترى مماليك لحماية الدولة من الأعداء، النصارى والتتر، وكان فيهم غلام يدعى بيبرس. وتصور السيرة تغلغل النصارى في ديوانه وفي المجتمع، وادعاءهم الإسلام، وكان منهم القاضي صلاح الدين الذي كان يسمى جوان، وكان أيبك أحد مماليك السلطان يتعاون معه وهو يظنه قاضي الإسلام، وكان جوان يوهمه أن بيبرس جاء من بلاد العجم دسيسة على المسلمين ، ولهذا راحا يسعيان للإيقاع به عند السلطان نجم الدين أيوب ، ولكن الأيام كانت تكشف براءته ومقدرته الحربية والإدارية معاً، وحرصه على مصلحة الدولة، وحبه للناس، وقضاءه على المفسدين، وقد حاول نجم الدين أيوب أن يسند إليه السلطنة بعد وفاته ولكنه امتنع فلما قتل "قطز" على يد بطريق نصراني، اختير بيبرس للسلطنة، فحكم بالعدل، ونشط للفتوحات، وكان يساعده في أعماله الداخلية والخارجية رجال مخلصون منهم عثمان، وكان قد هدر دمه لفساده ثم تاب على يده وحسنت توبته فأخلص له، وكانت له فراسة صادقة حسبما صورته السيرة وقد حمت هذه بيبرس من مهالك عديدة . وكان مع بيبرس ايضا رجال من الفداوية ،وهم من أولاد إسماعيل ، يساندونه في الفتوحات، وقد أحبوا الظاهر بيبرس أبا الفتوح، وقدموا له أرواحهم وأموالهم للدفاع عن حرمات الدين، ولحمايته وحماية الدولة من الأعداء النصارى والتتر، وفي مقدمة هؤلاء إبراهيم، وسعد بن الدبل، ومعروف بن حجر وابنه عرنوص، وسلطانهم جمال الدين شيحة.
وتذكر السيرة أن جوان (القاضي صلاح الدين) قد ولد سفاحاً. ورضع لبن كلبة فنشأ على الأذى، وكان هذا قد قرأ في الكنيسة "كتاب اليونان" وهو كتاب مروي عن الجن، وفيه حديث كثير عن السحر، وعن الحروب التي ستدور بين المسلمين والنصارى، وكان قد عرف منه أن سلطانا يدعى بيبرس سيفتح بلاد النصارى ، وأن رجلاً يدعى رمضان (شيحة) سيقتله ويقطع أوصاله في عربة، فراح هذا يبحث عن عدو النصارى (بيبرس) وعن عدوه (شيحة)، وتمكن من انتحال هوية قاض مسلم يدعى صلاح الدين بعد أن تعلم منه الإسلام ثم قتله، ووصل إلى مصر فأكرم على أنه العالم صلاح الدين، كما أنه عثر على شيحة وأراد أن يقتله، فنصحه مرافقه سيف الروم البرتقش أن يتخذه خادما ففعل ، فقرأ شيحة عنده كتاب اليونان- وعرف كيف ينجي المسلمين من المهالك التي تحاك ضدهم – كما تعلم منه أمورا سحرية فصار يستطيع أن يتشكل بأشكال عديدة بالنظر إلى مرآة سحرية، أو بشرب حبوب معينة، وصار إذا نودي في مكان حضر وأجاب، وصار عنده بدلة يطير بها، وقد قطع رأسه مرة فتمكن من تركيب غيره، كما أعطاه ولي الله عبد الله المغاوري بوقاً ينفخ فيه شرراً ليخيف به العدو ليستخدمه في جهاده للكفرة، وقد كرس هذا أعماله لخدمة الإسلام وسلطان المسلمين، وساعد بيبرس في فتوحاته، وكان إذا سرق أحد من المسلمين بث عيونه بوصفه سلطان القلاع والحصون ليعرف مكانه، ثم يؤدب سارقه، وكان جوان لا يفتأ يتنقل هنا وهناك محرضا النصارى على قتل المسلمين ، وساعياً إلى قتله وقتل بيبرس، وقد انضم إلى شيحة كثير من الفداوية بعدما رأوا قدرته وذكاءه، كما عوضته حيله السحرية عن بطولته الجسدية، إذ كان يفتح المدن ويقتل الملوك بعد أن يدخل عليهم في هيئة بطريق، أو حوري من حواريي المسيح عليه السلام، وكان جوان يحذر الملوك منه ولكن بعضهم لم يصدقه لأنه كان يبدو أمامهم عالماً بالملة النصرانية.
وقد اتسعت البلدان التي فتحها بيبرس([11])، حتى وصل المشرق، وكان هلاوون يكيد له ويرسل إلى دولته من يعمل على قتله أو قتل رجالاته، وكان جوان يحرضهم أيضاً حتى إنه ادعى أنه يعبد النار ليستجيبوا له وليحاربوا المسلمين مع النصارى، وكان يعد النصارى بأراض في سقر وبزيادة في أعمارهم خمسين أو مئة سنة، ويدعي أنه يصعد إلى السماء ويتلقى الأوامر من السيد المسيح.
وقد استخدمت الأطراف الثلاثة، المسلمون والنصارى والمجوس من التتر التخدير وسيلة حربية يتمكنون بها من سرقة الأبطال.
وأدى هذا التماس العسكري إلى إسلام بعض النصرانيات، وزواجهن من المسلمين وكثيراً ما كان آباؤهن يمنعونهن من أزواجهن، فيلدن عندهم أولاداً يحاربون المسلمين، وكان بعضهم يعرف أباه في ميدان الحرب ولاسيما عندما يؤسر فتكشف أمه هويته لأبيه، فيعلن الابن إسلامه، وينضم إلى المجاهدين المسلمين، كما حصل لعرنوص بن معروف، وعيسى الجماهيري بن إبراهيم الحوراني .
ويبدو دور المرأة المسلمة في جهادها ضد العدو، ومساندتها لأخوتها في الحروب، وقد تعرضت الكثيرات إلى الأسر والخطف، ونشبت حروب كثيرة من أجل إنقاذهن.
وكان بيبرس شديد الاهتمام برعيته رجالاً ونساءً، يتفقدهم ليل نهار ليعيشوا في أمان.
و لعب السحر دوره في هذه السيرة، وكانت شخصيات السحرة تشارك في العمليات العسكرية رجالاً ونساء، مسلمين وغير مسلمين، فتاج ناس زوجة شيحة أسلمت على يديه، وكشفت بسحرها عن أماكن كثير من المختطفين، وقامت بأعمال أنقذت بها المجاهدين، ووصل شيحة بالسحر أيضاً إلى أرض جزائر الزهور المركبة على النهور، وأرض جزائر الشفق لإحضار فص الجوهر من منطقة سبعة القصور المحمية، وإحضار كلبوش الحكيم لاهوق من الأرض الغواصة والسافية القلابة … وكانت هذه الأعمال تساعده في إذعان المعارضين لتوليه سلطنة القلاع والحصون لأنه لم يكن من الأشراف الفداوية.
وقد وقع جوان في قبضة المسلمين مراراً، وكان شيحة يضربه ثم يطلب من السلطان بيبرس أن يطلق سراحه، ولكن هذا أقسم أخيراً ألا يطلقه لكثرة ما حرض على محاربة المسلمين ، فلما عثر عليه شيحة في كنيسة الذهب التي كانت محفوظة بالسحر، وتمكن منه أخذه إلى مصر، فعُرض في عربه وقطِّع جسمه، ولكن ابنه أسفوط وابنته رومة ثأرا له بتحريض النصارى على المسلمين، وتمكنت رومة بعد زواجها من شيحة أن تقتل ابنه، كما قتل أولاده الثلاثة في حروب النصارى.
وفي أواخر حياة بيبرس سلم السلطنة إلى ابنه محمد السعيد، وذهب إلى الحج، ورافقه قلاوون، فلما عادا سممه قلاوون بالاتفاق مع أمير دمشق، كما سمم ابنه محمد السعيد بعدما صار سلطان مصر، وقتل أحمد سلامش بن بيبرس بعدما تسلطن بعد أخيه، ولكن إبراهيم الحوراني قتل قلاوون انتقاماً لبيبرس وولديه، فتسلم السلطنة خليل بن قلاوون، وتابع أعمال الفتوحات.
ولا تنتهي السيرة بهذا كما هو متوقع من العمل الفني ، بل تروح تترجم في ختامها للسلاطين الذين جاؤوا بعده من المماليك والعثمانيين بإيجاز شديد قد لا يتجاوز أصابع اليد، إلى أن يصل إلى السلطان عبد الحميد الثاني، وأحمد عرابي في مقاومته للإنكليز ويتحول التأريخ حينذاك من هجري إلى ميلادي.
وهنا تعترضني أسئلة: هل كتبت السيرة في العهد المملوكي ثم أضيف إليها تراجم السلاطين وغيرهم عندما طبعت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني؟ هذا ما أتوقعه لأن الكتاب لم يكونوا يميزون بين القصة الفنية والقصة الحقيقية آنذاك .
وهذا يوصلنا إلى سؤال آخر هو : هل كانت السيرة تأريخاً حقيقياً أم كانت فناً روائياً ملحمياً ؟
وللإجابة عن هذين السؤالين أتعرض لمناقشة السيرة والتاريخ ،والملحمة، والفن الروائي أيضاً.
2- السيرة بين التأريخ والملحمة:
التاريخ هو جماع ما خلفه الناس في حقبة من الزمان، من وقائع ومواقف تمثل مدى التفاعل مع أحداث العصر.
والسيرة الشعبية فن قصصي هادف، امتزج فيه الواقع بالخيال، والحقيقة بالأسطورة، وكانت شخصياتها مستمدة من التاريخ.
أما الملحمة فقصة طويلة امتزج فيها الواقع بالخيال والأسطورة وكان فيها حوادث خارقة للعادة وهي تمثل عقائد العصر الذي كتبت فيه.
وقد أعرض أدبنا العربي القديم عن الملاحم لما فيها من ذكر تعدد الآلهة إلا أن الأدب الشعبي اهتم بها، واتخذها مطية للحديث عن بطولات الشخصيات التاريخية بعد أن تمكن من جعل العنصر الديني يرتبط بالله سبحانه وبعمليات السحر لا بفكرة تعدد الآلهة ،وبذلك عكست السيرة الشعبية معتقدات المجتمع الإسلامي، كما مزجت الحرب بالحب بعد أن سمت به وحولته إلى حب بين الله وعباده، أو جعلته علاقة سامية بين المجاهدين، أو بين زوجين ودودين، وجعلت هدفه الأسمى نصرة الجماعة الإسلامية ممثلة بدولة السلطان أو الخلافة، وبهذا تصير البطولة الفردية جماعية، والمادية معنوية وذلك من أجل بناء دولة مرهوبة الجانب داخلياً وخارجياً.
أ – التاريخ
بدا التاريخ في سيرة الظاهر بيبرس سلكاً يجمع الحوادث الحقيقية والأسطورية معاً، إلا أن فيه انحرافات شتى،ولكن هذه الانحرافات لا تؤثر كثيراً على فنية السيرة،لأن الأدب لا يحاسب على المخالفات التاريخية، ولكن على ما يتضمنه من مقومات فنية تنم عن براعة كاتبه.
وقد بدا التاريخ في اتجاهين سياسي واجتماعي.
اً- التاريخ السياسي:
وظهر في الحالات الآتية:
- هولاكو هو هلاوون كما ذكر المؤرخون، ولكن السيرة تنسبه إلى كسرى أنوشروان لا إلى التتر أو المغول([12]).
- والخليفة العباسي الذي حاربه هلاوون هو المستعصم وليس المقتدر أو المقتدي كما ذكر في السيرة، لأن المقتدر العباسي توفي في (320هـ)، والمقتدي توفي في (487هـ))[13]( وصلاح الدين الأيوبي لم يعش في زمان أيٍ منهما لأنه توفي في (589هـ)، وخيانة العلقمي أدت إلى سقوط بغداد في (656هـ) وهذه الأزمنة لا يمكن التوفيق بينها في حادث واحد.
- الخليفة المستعصم قتل بمجيء هولاكو، ولكن الخليفة في السيرة لم يقتل، إنما قتل العلقمي ، وذكرت السيرة أن صلاح الدين وجيشه من الأكراد ساعدوا الخليفة فانتصر على التتر وطردهم من بغداد، فأكرمه الخليفة بأن أقطعه الشام ومصر، ولكن ابن تغري بردي ذكر في النجوم الزاهرة أن الأكراد دلوا التتر على بغداد ([14]) .
- صلاح الدين الأيوبي من الأكراد، وتذكر السيرة أن هؤلاء ينتسبون إلى الرسول r لأنهم بطن من قريش، وقد ذكر ابن بطوطة أيضا أنه سار مع رفاقه في صحراء العراق وكان يسكنها الأكراد في بيوت الشعر ثم قال (يقال إن أصلهم من العرب)([15]) لكنه لم يجزم بذلك .
- شجرة الدر في السيرة بنت الخليفة المقتدر (ت320هـ) أو المقتدي (ت487هـ) وقد تزوجت أيبك وقتلت سنة (658هـ) ولا يعقل هذا، فالمسافة الزمنية بين الأب وابنته متباعدة جداً.
- وتذكر السيرة أن بيبرس هو ابن شاه جمك ملك خوارزم، وأنه سرق وأخذ إلى بورصة، ولكن كتب التراجم تسميه بيبرس بن عبد الله، وقد جيء به من بلاد القبجاق، وبيع إلى العماد الصائغ في دمشق، ثم إلى علاء الدين أيدِكين، فلما قبض نجم الدين صالح على أمواله سنة (644هـ) أخذه منه، ولا زال بيبرس يترقى حتى صار أستاذه من جملة أمرائه([16]) .
- وورد في السيرة أن شريف مكة اعترض على تولية شجرة الدر مع أن التاريخ يذكر أن المعترض هو الخليفة المستعصم العباسي.
- ويذكر التاريخ أن بركة حفيد جنكيز خان وابن عم هولاكو كان مسلماً، وكان ذا علاقة وطيدة مع بيبرس، وأن بيبرس حرضه على المغول، وذكّره بعداوة الرسول r لقريش، فقاتل بركة هولاكو الذي كانت زوجته نصرانية ([17]). وتذكر السيرة أنه التقى به في بلاد الشام فتزوج بيبرس ابنته تاج بخت، وأنجبت له ابنه محمد السعيد.
-ولا تذكر السيرة معركة (عين جالوت) على أهميتها، وتسمي (قطز) (أطز) وتظهره رجلاً ضعيفاً، وأنه خرج لمحاربة النصارى لا التتر، وفي طريق عودته وبعد انتصاره قتله بطريق رومي ووضع رأسه في كيس، وترك عند جثته ورقة تشير إلى أن القاتل هو بيبرس، وكان مقدم جيوشه، وكان البطريق يرمي من ذلك إيقاع الفتنة بين المسلمين، ولكن الله أظهر الحقيقة حين رأى فداوي في منامه قطز يطلب منه أن يأخذ بثأره من النصراني، فسار لذلك فرأى بطريقاً معه كيس، وسمع صوتاً منه، فقتل البطريق وأخذ الرأس.
ولكن التاريخ يذكر أن قطز كان من المماليك المُعِزِّية التابعين لعز الدين أيبك وكان بيبرس من المماليك البحرية، وقد غضب بيبرس لقتل أيبك لأقطاي خوفاً من شهرته، فترك مصر واتصل بحاكم دمشق الناصر يوسف فأكرمه هذا ثم شك بيبرس في صدق تعامله معه، فذهب إلى المغيث حاكم الكرك، ولكن مجيء التتر وحد صفوف المسلمين فجاء بيبرس إلى مصر فأكرمه قطز وجعله قائد جيشه، ووعده بحكم حلب، وكان بيبرس يريدها ليتابع التتر، ثم أسند حكمها إلى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ([18])، فغضب بيبرس، وكان قطز قد أسرّ إلى بعض خواصه بنيته في التخلص من بيبرس، فسارع هذا إلى قتله، وكان الصيد مصيدته، إذ ابتعد بسببه عن حاشيته فتقدم إلى بيبرس ليطلب منه الشفاعة وأمسك بيده ليقبلها فقبض عليه وسارع الأمراء إلى قتله، ثم جاؤوا إلى صيوانه فقال من فيه: من قتله؟ فقالوا بيبرس، قالوا إذاً يصير سلطاناً، ودخل مصر ملكاً عليها، ثم نهض إلى حرب التتر، وأرسل العساكر في كل وجه([19]) .
وأرى أن رواية السيرة أقرب إلى العقل من رواية كتب التاريخ، التي لعل أحدهم كان ينقلها عن الآخر، لاسيما أن قضية السؤال عمن قتل السلطان وتوليته بهذه السهولة أمر لا يقبله المنطق.
- وذكرت السيرة أن عيسى شرف الدين الأيوبي كان حاكم دمشق، وكان يكيد لبيبرس، أما التاريخ فيذكر أن بيبرس لجأ إليه عندما غاضبه أيبك، وكان هذا يريد أن يعيد مصر إلى الأيوبيين.
وقد اتصل بلويس التاسع ملك فرنسا ليساعده ضدهم، ولكن الخليفة المستعصم أصلح بين الأيوبيين والمماليك بأن جعل مصر وفلسطين للمماليك، وبقية الشام للأيوبيين ([20]) .
- وتذكر السيرة أن بيبرس حكم سنة 583هـ، ولكن بيبرس عاش بين (620هـ أو 625هـ حتى 676هـ) ([21]) ، وهو العصر الذي كان فيه هجمة التتر.
- ويذكر التاريخ أن بيبرس قضى على الإسماعيلية، بينما تذكر السيرة أنه قضى على الأدرعية الذين كانوا يعبدون الجمل الجربان.
- وذكر في السيرة أنه حارب تسعاً وستين معركة، منها إحدى وعشرون لم تذكر في التاريخ كمعركة جسر الانجبار، ومقدونية وبلاد القيطلان، ورومة المدائن وفي قلعة مجمع البحرين، وأرض الجهجير والبر الطويل، وجزيرة الطرفين في بحر الظلمات و…. ومعظم هذه الحروب ترتبط بأعمال أسطورية خارقة.
ومما ذكر في التاريخ دون السيرة حروبه في بعلبك وعجلون والبلستين، وقلعة سمندو وأفاميا، وقارة ….
- تذكر السيرة أن قلاوون سمم بيبرس، بينما يذكر التاريخ أن أصحاب التقاويم ذكروا أنه سيموت عظيم في سنة 676هـ بالسم، وكان الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك بن عيسى العادل بطلاً شجاعاً، وقد انتقد بيبرس انتقادا حادا ، فأراد هذا أن يسممه ، وبذلك يفسر ما قاله المنجمون فأشربه كأساً ثم نسي فشرب من الكأس نفسها فشعر بتوعك، وأعطى دواء لم يوافقه فقذف دماً وتوفي بعد أسبوع، فأخفي أمره حتى جاء ابنه محمد السعيد وتسلطن([22]).
وأرى أن هذه الرواية مازجها تفسيرات المؤرخ، ولاسيما عند حديثه عن إيمان بيبرس بالنجوم، وقتله للملك القاهر بسبب هذا الإيمان لا بسبب توبيخه له فحسب، وأرى أن تصرف الملك القاهر كان سبباً في قتله .
- وتذكر السيرة أن محمد السعيد بن بيبرس مات مسموماً أيضاً على يد قلاوون، بينما يذكر التاريخ أنه عزل لاختلافه مع الأمراء، ثم مرض ومات في الكرك، ودفن في دمشق إلى جوار أبيه([23])، فتسلم أخوه عمر سلامش وعمره سبع سنوات ([24]) بينما تذكر السيرة اسم أحمد سلامش وأنه حارب في حياة أبيه وجرح، وبارز قلاوون فاغتاظ هذا منه لبطولته، فأوعز إلى فداوي ليسرقه، وتم له ما أراد ولكن عاصفة هوجاء تمكن بها أحمد سلامش من قطع حبال الصواري فركبه ووصل به إلى جزيرة فسجنه بطريق، لكن ابنة الملك أحبته وأسلمت على يديه ثم هربت معه، وفي الطريق تصدى له نصارى فقتل منهم ثلاثين ثم عاد إلى بلاده، ولما خطف بيبرس ومحمد السعيد حكم أحمد سلامش فجهز جيشاً لإنقاذهما، فخطفه الجن، ولكن تاج ناس زوجة شيحة قتلت الساحرة وأطلقت سراحه ومن معه، كما تذكر السيرة أنه أهل الصعيد سرقوه في حياة أبيه ليبكون عليهم سلطاناً ([25]) .
ويذكر التاريخ أن قلاوون عزل سلامش بعد شهرين من حكمه وتولى مكانه، بينما تذكر السيرة أنه قتله مع جماعة في قاعة أعدت لهذا الغرض، وكانت حيطانها مزدوجة ومتحركة ضغطت بها أجسادهم، ولم ينج منهم إلا أيدمر لأنه شكك في صدق قلاوون .
وأخيراً فقد ترجم المؤلف بإيجاز شديد للسلاطين الذين جاؤوا بعده حتى عهد السلطان عبد الحميد الثاني وثورة أحمد عرابي في وجه الإنكليز في مصر، وهذا ما أخل بفنية القصة.
2ً-التاريخ الاجتماعي :
وأعني به الأوضاع الاجتماعية كما أوردتها السيرة مقارنة بما عرف في ذلك العهد فإن سيرة الظاهر بيبرس تتحدث عن جهوده في القضاء على الفساد والبغاة ، وقد شهد له التاريخ بذلك ، إذ أمر الظاهر بنهب الخواطئ وسلبهن ما عندهن حتى يتزوجن وكتب بذلك إلى جميع الأمراء([26]) ، وأسهبت السيرة في الحديث عن محاولته تتويبهن وتزويجهن وعقاب من استمرت على بغيها، كما قتل الطغاة من عبدة النار والنصارى الذين تظاهروا بالإسلام وكادوا له، حتى عرف بالعادل، وكان يتفقد الشعب بنفسه، ويتخفى وذلك لكشف الجرائم حتى يعيد الحق إلى أهله، وقد سافر مراراً إلى مناطق حكمه ليتفقد الرعية بنفسه وكان يطبق شرع الله لا تأخذه في ذلك لومة لائم، حتى إنّه حدّ السلطان توران شاه لما شرب الخمرة، وحدّ خليل بن قلاوون للأمر نفسه، وكان يكرم المجاهدين ويقرب إليه من يعلم إسلامه، ولا يقبل وشاية في أحد منهم إلا إن قام الدليل على كفره، وقد أوقعه هذا في شَرَك من يدّعون الإسلام من الأعداء.
وكان لا يفتتن بالمرأة، وقد رغبت ملكة أعجمية أسلمت في الزواج منه فرفض وقال أنا لا أريد الزواج من أخرى، وعرضها على عرنوص ملك مدينة الرخام، ولما رأى تهاون الأمراء في أحد الحروب في حربهم لامرأة نصرانية تصدى لها وأسرها، وكان يعاقب المذنب عقاباً شديداً، ولكنه قد يعفو عند المقدرة.
وكان لا يسرف في طعامه وشرابه وملبسه .
هذه شخصية بيبرس وأوضاع بلاده السياسية والاجتماعية كما صورتها سيرته مقارنة بالتاريخ وهي تثبت قوة شخصية هذا البطل وصلابته وعزيمته في محاربة الأعداء والقضاء عليهم، ولكن السيرة حوت أيضاً جوانب أسطورية نسبت إلى السحر والسحرة وهذا ما أدخلها في الملحمة النثرية، وسأتحدث عن هذا الجانب:
ب- الجانب الملحمي في السيرة:
الملحمة حديث بطولي امتزج فيه الواقع بالأسطورة، وهي وسيلة لمعرفة الإنسان في العصر الذي عاشت فيه، والقضايا التي كانت تهمه، والمعتقدات التي كانت سائدة في عهده.
وقد حوت سيرة الظاهر بيبرس جوانب أسطورية نسبت إلى السحر والسحرة ، وكشفت عن عقائد المجتمعات، ووجدان الأمة، وإنسانية البطل بيبرس سواء أكانت في إيمانياته، أم في سياسته وعضويته في المجتمع الإسلامي، وقد برز هذا من خلال الحديث عن :
اً- مفهوم البطولة عند بيبرس وفي عصره مادية كانت أم معنوية.
2ً- الدين وعالم الغيب والأسطورة في عهده.
3ً- مفاهيم أسطورية أخرى.
اً- مفهوم البطولة :
وتبدو هذه البطولة متشحة بسيما صاحبها، فهي بطولة مادية عسكرية عند بيبرس والمجاهدين والأعداء، ومعنوية تتكشف من خلال حيل ومؤامرات ومكائد كل طرف ضد الآخر.
فمن البطولات المادية ما قام به الظاهر بيبرس بطل الإسلام وفاتح الفتوح، وقامع الأعداء، إذ كان يسعى لخدمة الإسلام، ونصرة دينه، ورد أعدائه، وقد تجلى هذا منذ أوائل ظهوره على مسرح السيرة، ففي طريقه إلى مصر اعترضه الملك النصراني سرجويل فحاربه بقوة، كما تصدى للبغاة، وقتل كثيرين منهم غير آبه بما يقال عنه، ولما تسلطن وعلم أن قلاوون قد سرق جهز جيشه لفك أسره، وكان يتبع في حربه المنهج الإسلامي إذ يرسل كتاباً إلى ملك البلد يدعوه إلى الإسلام أو الجزية، ويشترط شروطاً كفك أسير أو دفع أموال عقوبة على تعديه على المسلمين، أو قبوله تحريض جوان عالم الملة النصرانية.
وكان يشارك في الحروب بنفسه، وقد استحدث منصب نائب السلطان ليكون مكانه في أيام غيابه في الفتوحات، وخاض ما يقارب سبعين معركة خرج منها جميعها منتصراً، كما ذهب بنفسه ليفك أسر عرنوص ملك مدينة الرخام وأحد المجاهدين البارزين، وكان يتفقد البلاد بنفسه أيضا ليطلع على تحركات العدو، ولاسيما حينما تظهر ظاهرة غريبة كانتشار حرائق أو كثرة سرقات أو قتل، كما ذهب إلى برشلونة ليطلع على أحوال النصارى عن قرب .
وكان إذا عجز الفرسان عن مقاومة عدو لدود تصدى له فأسره أو قتله، وقد قيل عنه إن بطولته تساوي قوة ألف رجل، وبلغت جرأته أن دخل سراديب ليكتشف أين تؤدي، ودخل كنيسة القيامة متخفياً، ولبس مرة جلداً منفوخاً وخاض غمرات البحر ليصل إلى أرض العدو فيتعرف على أحواله، كما دخل على هلاوون في قصره متخفياً لإنقاذ ابنه، وحينما كان عدوه يقبض عليه لا يبدي له جزعاً، وإنما يهدده بقوة المسلمين، فيقسم الملك النصراني أنه سيقتله مع كبار جيشه، وخلال ذلك يتمكن المجاهدون من إنقاذه بالحيلة أو بالحرب أو بهما معاً.
وقد غدر به ملك أنطاكية وأسره، ثم أرسله إلى سجن في بحر الظلمات، فبنى المسلمون سفناً مساميرها من خشب لئلا تجذب في منطقة بحرية تجذب الحديد، ولعلها منطقة مثلث برمودا في المحيط الأطلسي، وتمكنوا من إنقاذه من هذا السجن الظالم .
وكان يستعين بالعيون، وكان حسن القصاص رئيس مخابراته يبث رجالاته في البلدان فيأتونه بالأخبارولا سيما حينما يختطف واحد من كبار المسؤولين في الدولة، وقد أدى هذا إلى كثير من عمليات الإنقاذ، ومن بينها تخليص بيبرس من السجن، كما كانوا يخبرونه باستعدادات العدو لمحاربة المسلمين.
أما بطولات المجاهدين فتبدو من خلال تصديهم للعدو بكل بسالة وقوة ، وقد قدم هؤلاء أموالهم وأرواحهم في سبيل الإسلام، فحينما هاجم هلاوون حلب أرسل الملك الصالح بيبرس فكان له ولمن معه من المجاهدين دورهم في القضاء على معسكره ليلاً.
وعندما اختير أيبك للرد على النصارى أراد الفداوية ترك الحرب، ولكن رئيسهم شيحة أوصاهم بالبقاء ومجالدة العدو، ثم لحق بهم بيبرس ونصرهم الله.
وعندما صلب بيبرس شيحة ظن أن الفداوية لن يساعدوه في حربه بعد مقتل سلطانهم، ولكنه وجدهم قد سبقوه إلى الجهاد لأنهم كما أخبره إبراهيم الحوراني لن يدعوا العدو الصليبي الذي جاء بثلاثمئة ألف محارب يتمكن من ديار المسلمين، وقد استبسلوا استبسالاً شديداً حتى إن إبراهيم نازل الملك ضابح ثمانية عشر يوماً متواليات حتى قتله.
وقد استشهد معروف بن حجر على أبواب أنطاكية في حلب([27])، وقيل عنه إنه حمى المدينة سبعة أيام، أربعة في حياته، وثلاثة بعدها، ورئي بعد وفاته على حصانه مع المجاهدين، ولما أخبر بيبرس بذلك قال إن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
وتمكن الفداوية من سرقة ملك جنوة، فافتدى نفسه بخمسين خزنة، وصارت جنوة تابعة للمسلمين، كما تمكنوا من البب ميخائيل ملك القسطنطينية.
وغدر النصارى بالمسلمين مرة وخرج عليهم أربعة وعشرون ملكاً بجنودهم، وكان المسلمون ثلاثة فحسب إبراهيم الحوراني، وابن خالته سعد بن الدبل، والأمير أيدمر وهو من المماليك فأثخنوهم طعناً وسقطوا في المعركة، وظن أنهم استشهدوا.
وكان عرنوص يسمى الأسد لبطولته، وقد أنقذ المسلمين في حروب كثيرة، وكانت قوة عمه إسماعيل أبي السبع تفوق قوة الأسود، وقد تمكن من الانتصار على العدو الصليبي الذي استخدم كلباً متوحشاً وذلك بمساعدة أسده.
أما البطولة المعنوية فقد تجلت في استخدام الكيد والخديعة والمؤامرات من الأطراف الثلاثة : المسلمين والنصارى والأعاجم الرافضة عبدة النار.
فمن حيل شيحة سلطان القلاع والحصون في الشام أنه كان يرتدي لباس بطريق نصراني، ويحمل الكتاب المقدس عند النصارى، ويدخل الأديرة أو قصور الملوك بأساليب شتى، متظاهراً أنه منهم، ثم يقتل العدو، ويفتح القلاع والحصون للمسلمين، وكان يستعين بالسم والتخدير، وهذه البطولات نمّت عن ذكائه الخارق، وأدت إلى انصياع الفداوية له على الرغم من أنه ليس من الأشراف، بل كان من عرب غزة، وكثيراً ما كان يقدم أحدهم إلى مصر ليقتله رافضاً الانصياع له ثم يعلن طاعته له، وكان يستخدم حيله لخدمة الإسلام، وقد أدب من خان الدولة بسوطه وكان قد حصل عليه بالسحر الذي تعلمه من كتاب اليونان، كما تعلم الطب وداوى فتاة نصرانية من سرطان في رأسها فأسلمت على يديه، وكان أولاده السابق والطويرد وزرقش قد تعلما منه الحيل وخدما بها الإسلام، وكان إذا عصاه أحد تباريا على أمر جسيم كاجتياز مخاطر لايستطيعها أحد ، ثم يلحق بصاحبه ليثبت له مقدرته وحيله حتى في إنقاذه من المهالك فيذعن العاصي له بعد جموح.
أما الأعداء فقد استخدموا أساليب مكر وقاموا بمؤامرات شتى فالأعاجم مثلاً كانوا يرسلون إلى البلاد الإسلامية سحرة ليجمعوا إليهم الناس، فإن قدمت إليهم الشخصية المطلوبة سحروها بوسيلة ما وهربوا بها، وقد سرق بيبرس مرة بهذا الأسلوب.
كما أرسل هلاوون ابن أخته تمرشاه الهلاوي، فادعى هذا أنه أخو تاج بخت زوجة بيبرس، وكان لهلاوون جارية أرسلها إلى أبيها فلما حملت سفاحاً أعادها إلى هلاوون، فادعى تمرشاه أنه أخوهامنها، وقد صدقه بيبرس وسلمه مناصب هامة في القصر،فوقع هو وابنه في مكيدته لولا أن نجاهما الله بإبراهيم الحوراني إذ كانت له فراسة صادقة، وقد راقبه مراقبة شديدة بعدما حذر السلطان منه فلم يستجب له، فلما رأى معه صندوقاً شك فيه ، فلما فتحه وجد السلطان بيبرس فيه ،عند ذلك عرف خيانته فقتله وأحرقه ، ثم ذهب إلى بلاد العجم لإنقاذ ابنه منها ، وانتصر على هلاوون فدفع الخراج للمسلمين لينقذ نفسه من الانتقام .
وأرسل هلاوون جارية سرقت ابنة نقيب الأشراف ، وذلك ليجذب بيبرس إلى الشام لأنه يعرف أن بيبرس لن يترك مسلمة في قبضة العدو .
وأعطى بعض الأعاجم فحماً ونفطاً ليحرقوا أماكن فيها أخشاب لإيذاء المسلمين .
واستخدموا السحر والجان في هيئة حيوانات ليستدرجوا المسلمين.
وقد جاء هلاوون في حرب إلى حلب مع كهنة له وأحرقوا معسكر المسلمين ست مرات بعدما خسروا في المعركة، ولكن بيبرس لحقه وقتله وذبح الفداوية الأعاجم ليلاً واستمر القتل حتى الصباح.
وكان الجميع يستخدم التخدير والعُيّاق لسرقة شخصيات كبرى .
ومن أساليب النصارى في الدهاء الحربي:
الإبادة الجماعية بتسميم مياه الشرب كما فعلوا في مدينة القدس للقضاء على أكبر عدد من المسلمين .
وتنقل جوان ومعه البرتقش ثم أولادهما من بعدهما بين ديار النصارى والعجم ليحرضوهم على المسلمين، وقد يدعي عالم مِلَّتِهم جوان أنه صعد إلى السماء والتقى بالمسيح([28]) أو التقى في الأرض بالحواريين فطلبوا منه قتال المسلمين والقضاء عليهم، وكان يعد النصارى بزيادة في العمر، خمسين أو مئة سنة، كما يعدهم بزيادة مساحاتهم في سقر([29]) إن حاربوهم .
استخدامهم السم والتخدير لقتل المسلمين، وقد حاول وزير الأنجبرت تسميم بيبرس بعدما ادعى الإسلام ودخل الديوان، وظن بيبرس أن ابنه سمّمه وأمر بقتله لولا أن إبراهيم تصرف بذكاء وأخفى ابنه ووضع مكانه من ألبسه لباسه ممن حق عليه الإعدام من السجناء، ثم كشف لبيبرس الأمر.
ودفعهم الأموال الطائلة لقتل بيبرس والتخلص منه وقد قدم جوان، حينما كان يدعي أنه القاضي صلاح الدين، أمواله كلها في سبيل قتله وما بلغ مراده.
وكثير من ملوكهم ادعوا الإسلام لينقذوا أنفسهم من القتل أو للتآمر على المسلمين، فكنيار القيطلاني تظاهر بالإسلام، ثم طلب أن يذهب إلى بلاده وأن يرافقه أبو بكر البطرني القائد البحري للمسلمين، فرفض بيبرس خوفاً من مكره، فأعلن ارتداده واحتال على البطرني وسرقه، وعندما وصلا بلاده طلب منه أن يبني له سفينة كبيرة، فلما أتمها البطرني احتال وسرقها وأدخلها ضمن الأسطول البحري للدولة، وغرَّق سفينة العدو حين قطع حبالها بأسنانه تحت البحر، وقلع خشبة منها، أما دردريك فقد أسلم ليصل إلى مرتبة نديم الملك ثم هرّب أسرته وسرق بيبرس وأخذه إلى مدينة الملافطة.
ومن مؤامراتهم أنهم كانوا يستميلون من يغضب السلطان عليهم، كما فعل جوان مع عرنوص وإبراهيم، ولكن سرعان ما عاد كل منهما إلى صوابه بعدما طلب جوان من الأول أن يسجد للصليب فرفض، وعمل على أن يقتل الثاني شيحة، أو هكذا ظن لأن نافلة الحصون كانت قد استبدلته بشخص نصراني أسر عندها.
ومن احتيال جوان تزوير أختام المسلمين، وخط السلطان نجم الدين أيوب للإيقاع ببيبرس، كما زور عن طريق بطريق سمعان وبالتعاون مع نصير النمر ختم شيحة فلما علم هذا قَتَل البطريق وأعاد نصير النمر إلى حوزة الإسلام ثانية.
ومن مؤامراتهم أنهم كانوا يدّعون الرغبة في زيارة كنيسة القيامة لأن كهنتهم أخبرتهم أن فيها سيف الإخفا، وطاقية الإخفا فلما حصلوا عليهما صاروا يتخفون بهما، ويقتلون المسلمين كما حصل في الإسكندرية، وذلك ليجذبوا بيبرس إليها لقتله فيها، ولكن إبراهيم الحوراني حارسه رأى لمعة تظهر قبل عملية القتل، فضرب سلاحه جهتها، فقتل حاملهما النصراني.
كما استعان جوان بالتنجيم لمعرفة مكان بيبرس وسرقته.
واستعانوا بالكلاب الوحشية، ورد المسلمون عليهم بأن أرسلوا إليها سباعاً قتلتها، وقد قَتل الأسد ممَنْ غدر بالمسلمين أكثر ممن قتلهم إسماعيل أبو السباع في الوقعة بين الطرفين.
وجاء جوان إلى بلاد المسلمين في هيئة عابد، فظنه بيبرس من الأولياء وجالسه فخدره جوان وسرقه .
وأرسل إلى ديوان بيبرس رجلاً بكتاب ليسلمه إلى بيبرس، ويقتله وقت تسليمه، ولكن الله حمى بيبرس.
كما أرسل آخر في هيئة طبيب وسرق بيبرس بعد تخديره، ولكن القائد البحري البطرني أنقذه .
واستخدموا سرقة نساء المسلمين ليجذبوا كبارهم ولاسيما بيبرس إلى أماكن وجودهن فيقتلوهم فيها،ويتخذن جواري للخدمة، وكانت المسلمات يدعون من يتعاملون معهم إلى الإسلام كما فعلت حسنة الدمشقية([30]) .
كما استخداموا النصرانيات في الحرب ليستميلوا بهن قواد المسلمين، وقد قتل عرنوص واحدة في الدير ادعت أنها أحبته لما سمعت بجماله وفروسيته، ثم رآها تضع له السمّ في كأسه فأجبرها على أن تشربه، فلما امتنعت هددها فاعترفت له.
وخطفوا النصرانيات اللواتي أعلنَّ إسلامهن ليعيدوهن وأولادهن إلى النصرانية، ولكن معظم هؤلاء كنّ يرافقن أولادهن إلى ميادين الحرب ،ثم يكشفن عن هوية أبنائهن حينما يقعون في الأسر، وحينذاك يعلن كثير من هؤلاء الأولاد إسلامهم ويصيرون جنوداً للدولة الإسلامية، ويعود الكثير منهن إلى أزواجهن.
ولم يمتنع عالم الملة النصرانية أن يغير دينه فيدعي أنه يعبد النار، ويروح يسجد لها، وذلك ليصدقه هلاوون، ويستجيب له في محاربته للمسلمين، ولهذا أقسم بيبرس ليَنْشُرَنَّ هلاوون إن قبض عليه وليقطِّعَن جوان، وقد أبرّ بقسمه.
2ً- عالم الغيب بين الدين والأسطورة:
تتحدث الأساطير القديمة عن تعدد الألهة، وتحكي معتقدات القوم الذين تحكي مجريات حياتهم، ولكن الملحمة الإسلامية تعرض علينا عقائد المجتمع الإسلامي وما يؤمنون به، وقد بدت هذه المعتقدات في:
- الاستعانة بالله سبحانه مصدر القوة الكبرى والمنقذ من الشدائد:
فبيبرس مثلاً حينمت سرق من صيوانه وأراد العايق أن يقتله استغاث بالله سبحانه فجاءه فداوي سمى نفسه ضايع الاسم وأنقذه وقتل العايق، وذكر له أن الخضر عليه السلام جاءه وقال له قاتل كيفما تشاء فلا تموت إلا على فراشك،ثم جعله بطرفة عين أمام بيبرس لينقذه.
كما استغاث بيبرس في القسطنطينية بربه ولجأ إليه حينما تكاتفت عليه قوى العدو الصليبي وخانه بعض الأمراء، فجاءته سفينة فيها القطب عبد الله المغاوري في هيئة رجل مغربي وخلصه من ضيقه.
ولما اتهم بيبرس بقتل توران شاه تضرع إلى الله وإذا رجل يأتي ويغطي جسد القتيل توران شاه ويقرأ الفاتحة ويقسم على الجثة أن تنطق، فتتكلم الجثة وتخبر أن صاحبها وقع فمات، ولم يقتله أحد، وكان هذا الرجل هو حسن الحوراني أرسله الخضر وإلياس عليهما السلام .
واستغاث معروف بالله سبحانه وتوسل إليه حينما سرقت زوجته فأوصله ولي الله عبد الله المغاوري بثلاث دفعات إلى مدينتها جنوة.
- الاعتقاد بكرامات الأولياء والصالحين:
نجم هذا الاعتقاد عن انتشار التصوف ولا سيما في القرن السابع الهجري انتشاراً وسيعاً في العصر المملوكي، وقد أثر هذا في فكرالسيرة.
فالخضر عليه السلام ضمّ إليه بيبرس ضمة واحدة أعطاه بها قوة ألف رجل، وعلمه بها فنون حرب (الأبخرسيات) فاكتملت معرفته بأساليب الحرب.
والملك الصالح نجم الدين أيوب دعا كل من يتسلطن قبل بيبرس أن يموت قتلاً، وقد استجيبت دعوته.
وعثمان بن الحبلة يتوب توبة نصوحاً فتصير له فراسة المؤمن، وكان يحذر بها بيبرس ممن يدّعون الإسلام، وقد كشف عن افتراء محمد الشربجي الذي جاء مدعياً الإسلام ليقتل كبار رجال الدولة الإسلامية.
والوزير شاهين يتحداه رافضي أن يدخل النار فيدخلها، وقد نجاه الله واحترق عابد النار، فأسلم الملك الأعجمي وزوجه وابنته.
وعرنوص بن معروف يرى أباه في النوم فيحثه على الجهاد وعدم التواني فيه، ويخبره أن حوريات الجنة ينتظرنه، فاستشهد في أول حرب جرت بعده.
وعبد الله المغاوري أنقذ سعد بن الدبل وهو عائد من رومانيا حينما خرج ملوك النصارى على المسلمين، وقرأ على ماء مسممة فطفت رغوة السم؛ ودفع سفينة معروف بن حجر ثلاث دفعات فوصلت إلى جنوة، وأنقذ بيبرس ومن معه من ملك الإنجليز بعدما أبطل سحراً وقع عليهم؛ وأعطى شيحة بوقاً تخرج منه النار ليخيف به الأعداء، فدخل على الملك النصراني اصطالود وادعى أنه الحوري محرقون، جاء ليحرقه بأمر من المسيح، وطلب منه أن يصلح سفينة القبطان البطرني ويطلق سراحه، كما أعطى آخر برقع الإخفاء الذي يصير حامله كالتيس له قرون.
أما سيدي علي المكي فإنه أنقذ الملك عبد الصليب الغندور الذي أسلم وأراد الانضمام إلى الفداوية فشرطوا عليه أن يذهب إلى الأرض الغواصة والساقية القلابة، فذهب إليه وأعطاه عصا يضرب بها الأرض فتطوى له، وطاقية يختفي بها.
- مشاركة الطبيعة في نصرة المسلمين:
وظهر هذا عندما أرسل نجم الدين أيوب إلى الفداوية يخبرهم عن طريق سعف النخل بسرقة بيبرس ووجوده في جنوة، وهو يعتقد أن سعف النخل سجدت لرسول الله r، وهي قادرة على إيصال النبأ.
ووقعت جريدة نخل أيضاً عند القبطان البطرني فيها كتابة تطلب منه أن يأتي إلى جنوة لإنقاذ الملك الصالح، فذهب.
والملك الصالح يشير بمساعدة المغاوري إلى حائط السجن فينشق ويخرج منه سجناء جنوة وفيهم بيبرس .
والملك خليل بن نجم الدين محمد الذي خلف توران شاه يطلب من المجاهدين أن يصنعوا كرات من طين ويرموها في البحر، فظهرت نار فيه أهلكت النصارى فهرب جوان.
ولما عسر على إسماعيل أبي السباع إحضار الأسد الكبير كلمه بيبرس من أذنه فانصاع له.
ولما أحرق النصارى الأخشاب المحيطة بإسماعيل وأسده شارك الأسد في إنقاذ صاحبه وقتل منهم أكثر ممن قتلهم إسماعيل أبو السباع كما ذكر الرواة.
- معرفة الغيب والجفر وكتاب اليونان والأحلام الصادقة والهواتف:
تذكر السيرة أن الملك الصالح نجم الدين أيوب كان يعرف الغيب ويشير إليه بكلمات وعبارات رمزية، فحينما منع نجم الدين البندقداري بيبرس من الخروج من المنزل خوفاً من بأسه قال الملك مشيراً إلى ما سيكون في المستقبل "اللهَ اللهَ يا نجم الدين، يا من هو على الحق المبين، إذا أنت جئت بالطير تجعله لنفسك وتخبيه عني في بيتك، ولكن يا أخي وعزة الربوبية لابد أن يظهر ويبقى ظاهراً مثل الشمس والقمر … لابد له أن يكمد حسوده ويقهر سعوده" وعندما يسأل عن تفسير رموزه يقول: "إنني أنا رجل على باب الله مسلوب العقل فلا تؤاخذني في كلامي" ([31]) .
وعرف الفداوية نسب بيبرس وتسلطنه مستقبلاً من كتاب يسمونه جفر الإمام علي إذ قالوا لنجم الدين صالح (ورد هذا في جفر ابن عمكم، وكان سبب عبوديته)([32]) أي بقدر الله ليأتي إلى مصر فيتسلطن ويفتح البلدان.
أما كتاب اليونان فهو كتاب كاهن سجله في العهد اليوناني، وكان يتعامل مع الجن، ويكتب ما يخبّرونه من علم الغيب، وقد سجل ما سيصيب المسلمين من شر، وكان حكيم يوناني موحد قد قرأه فسجل فيه كيفية دفع الضرر عن المسلمين، وتوارثت الأجيال هذا الكتاب بقسميه الشرير والخيّر حتى وصل إلى كرسميون الراهب، فقرأه جوان في الدير عنده، وعرف منه أن له خصمين واحد من عرب غزة اسمه شعبان (شيحة) والثاني من العجم وهو بيبرس، فصار يبحث عنهما ليوقع بهما، فلما سرَق جوان شعبان وجعله خادمه قرأ الكتاب عنده وعرف كيف يتخلص من جوان عن طريق الجان والسحر وخدام خاتمٍ صار معه، وقد أعطاه الجان سوطاً يضرب به مَنْ عصاه، وكان عنده بدلة ترعب الناس، وقد عملها الحكيم اليوناني وكان يظهر منها نار يهدد بها النصارى، كما عرف كيف يركّب حبوباً تغيّر هيئات شاربها وكان عنده مرآة يستخدمها في تغيير شكله إلى بطريق أو امرأة أو عجوز،وذلك ليخدم عملية الجهاد في سبيل الله، إذ كان يدخل على النصارى ويقتل ملكهم حينما يتمكن منه، كما أخضع من عصاه من الفداوية بأعماله السحرية هذه وبحيله.
وكان عنده صندوق أعده الحكيم اليوناني الموحد، ورصده لعلاج إبراهيم الحوراني حينما سيصاب، وفعلاً عندما أصيب بجروح بالغة عولج به.
وقد قطع نجم الدين الفداوي رأسه مرة فركب شيحة رأساً غيرها، وأرى الناس رأسه المقطوع وأخبر أن الفداوي مقيد عنده فليسألوه إن أنكروا .
وكانت هذه الحيلة ومساعدة الجان له يمكنانه من الانتصار على عدوه وقد أحضر الطير الناطق، فاعترف له الفداوي علاء الدين بسلطنته على القلاع والحصون، كما تمكن من القبض على جوان حينما هرب في آخر عمره إلى كنيسة الذهب، وكان بها سحر كثير إذ رأى فيها حيوانات تفتح فمها، وألواحاً من الكهربة، وبحراً من الزئبق ولكنه أبطل السحر حتى تمكن من القبض على جوان ومعاقبته في العربة المرصودة بالسحر أيضاً.
وكان بيبرس يضيق به أحيانا حينما يطلق سراح جوان بحجة أن كتاب اليونان أخبر عن طريقة موته وموعده ، وهذا لم يحن بعد .وقد أفتى علماء مصر كما ورد في السيرة بضرورة معاقبة جوان حين يقبض عليه ،وعدم إطلاق سراحه كما كان يفعل شيحة بحجة أن له أواناً سيقتل فيه، وقالوا إن كتاب اليونان ليس من نبي، وإنما هو من كاهن وحكيم، والله سبحانه وتعالى يقول )قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله( [النمل/65].
أما الرؤى والأحلام الصادقة فإنها كثرت في السيرة، فالملك الصالح مثلاً جاء ابنة ملك يافا في نومها، وأخبرها أنها ستكون زوجة شيحة بعد إسلامها، فدخلت في دين الله وتزوجته؛ وحرحش أحد عياق مصر رأى السيدة في نومه تطلب منه أن يتوب فتاب؛ ومريم الزنارية بنت الملك حنا رأت حلماً فسَّره النووي بإسلامها فأسلمت وتزوجت معروف بن حجر؛ ورأى بيبرس حلماً ُفِّسر بأنه سيفقد أربعة من كبار دولته فافتقدهم مدة طويلة.
وهناك هواتف تسمعها الشخصية، كسماع مريم الزنارية صوتاً يدعوها إلى أن تسمي ابنها (محمد عرنوص) ليحميه الله كرامة لنبيه محمد r، وسماع معروف صوتاً يدعوه إلى قتال القادمين والدوس على دمائهم.
3ً- مفاهيم أسطورية أخرى في عالمي الجن والسحر:
وظف المؤلف حديثه الأسطوري عن السحر والجن في تبيان أثرهما في المسيرة الجهادية في عهد بيبرس سلبا أو إيجابا .
فقد ذكر أن في منزل الوزير شاهين قاعة فيها لوحة رسمت منذ القدم لتصور المماليك الذين سيستقدمهم نجم الدين أيوب ليكونوا حفظة للدولة، وكان يتصدرهم بيبرس، وقد ذكر فيها نسبه المتصل بإبراهيم بن الأدهم.
ولما سكن بيبرس قلعة الجبل رأى لوحاً وراء حائط كتب عليه "يفتح هذا بيبرس العجمي" وكان هناك صناديق رصدها أحمد بن باديس عن طريق السحر للفتوحات، التي ستكون على يده، وكذلك رصد أحمد هذا وبالسحر أيضا داره وأموالاً لا تعد ولا تحصى وأسلحة فيها للجهاد في سبيل الله ، وذكر أنه لا يعرف مكانها إلا بيبرس حينما يقدم إليها .
وخطف قبطاويل النصراني جوان عالم الملة النصرانية، ليحلل له زواجه من ابنته، كما خطف بيبرس طاعة لجوان ، ثم تمكن قبطاويل بالسحر، وإرضاء لجوان أن يسيطر على مصر سبع سنوات دون أن يعلم الشعب بذلك، وكاد أن يقتل شيحة لولا أن تاج ناس بنت قبطاويل، وكانت قد أسلمت على يده ،أنقذته فتزوجها، وقد خدمت هذه المسلمين بسحرها كما خدمهم به ابنها من شيحة طود البحر، وكان شيحة إذا خُطف بيبرس أعلمها لتنقذه بالسحر.
وخطفت ساحرة الملك عرنوص وأرادت الاقتران به فرفض، فذهب بيبرس إلى مدينة الرخام وقتل الساحرة وأسند حكم المدينة إلى عرنوص.
وسحر الجان رجلاً فصار نصفه بشراً ونصفه الثاني حجراً، فدعا له بيبرس ربه فعاد كما كان.
ورأى بيبرس سمكة كبيرة في البحر في فمها كتاب فمد يده ليأخذه فخطف إلى مدينة السن والكوكب، ولكن ابنة ملكها مجرم أبي العجايب ساعدت المسلمين بعدما أعلنت إسلامها، وقتلت أباها وأخرجتهم، فحمل السحابُ ،الجنيُّ من أتباع تاج ناس ، بيبرسَ إلى الشام ليتابع جهاده، وكان هلاوون وملك القسطنطينية ميخائيل قد قدما بجيوشهما المشتركة لمحاربة المسلمين.
واستخدم الكفرة السحر أيضاً للإيقاع بالمسلمين، فنفُّوس الهندية أغرت الناس بحجارة بدت بالسحر أموالا، ثم ادعت أنها أسلمت، ثم تزوجت محمد السابق بن شيحة لتقتله ثم أعادت بالسحر أيضا الأموال المهداة حجارةً كما كانت .
وظهرت غزالة لبكتمر قائد المسلمين في حروب السودان وذلك بعدما انتصر ، فلحقها ليصطادها فتمثلت له تحت الشجرة جنية جميلة وأوقعت به بسحرها.
وجاء مغربي ووشى لبيبرس أن رجال حاشيته كفرة فصدقه بيبرس بعد ما كشف عنهم ، وكان هذا قد سرق الأمراء بالسحر ووضع مكانهم جانا نصارى فقتلهم بيبرس ، ثم اكتشف المؤامرة فعادت ثقته بالوزير .
وأشعلت كاهنة مغربية أيضاً النيران في مناطق مصر وكان هذا بتحريض جوان ولكن استغاثات المسلمين أنزلت طيوراً وناراً ضربت الكفرة وقتلت الكاهنة .
وقد بدا فيها صراع الجان، بعضهم مع بعض ، إذ كان منهم من يعمل لصالح الكفرة وآخرون يعملون لصالح المسلمين، فالكاهن يحاول أن يقتل الساحرة تاج ناس بالسحر، وهي ترد عليه بسحر مثله، فتجعل من الشعرة بكلمة رمحاً تقتله به.
وهكذا سخّر الكاتب الأعمال الأسطورية المتعددة لخدمة فكرة الجهاد .
ولا ننسى أن هذه السيرة على ما فيها من أساطير وأخيلة كانت تصور الإنسان واقعياً في مسلكه العام، فهو يحب ويكره ويعجبه السلطان ولكنه يختلف معه في بعض آرائه مع بقاء طاعته له إجمالاً، ويقوى في الله، ويضعف ويغتر بالناس فيصدقهم أحياناً تماماً كما في الحياة اليومية، وتأسره المرأة إلا من ندر، وقد يتصرف من أجلها تصرفات غير حميدة، ثم يثوب إلى الواقع، ويغريه المال أحياناً فيخطئ، ولكن المجاهد يقدم ماله كله وقت الحاجة العسكرية إليه.
3 – السيرة والفن الروائي:
بعد هذا المطاف في سيرة الظاهر بيبرس أراني أسأل: هل السيرة فن روائي ؟
وللإجابة عن هذا السؤال لابد من دراسة فنية السيرة، حوادثها، وشخصياتها، وحوارها وأسلوبها … ذلك لأن الرواية فن قصصي يحكي حوادث وفق نسق منطقي، وتقوم بها شخصيات تتباين أساليب حياتها، وتتأثر بالبيئة المحيطة بها، وذلك لهدف ما ([33]) .
وستوضح هذه الدراسة عناصر الراوية في سيرة بيبرس .
أ- دراسة الحوادث :
تجري حوادث هذه السيرة على مسرح الحياة متحدثة عن واقع الأمة الإسلامية في القرن السابع الهجري، حيث الهجوم التتري والصليبي على الأمة الإسلامية، وقد ظهرت في هذه الآونة شخصيات من المماليك ، فذة قادت الأمة فأحسنت قيادتها، ومن هؤلاء الظاهر بيبرس، إذ أبدت السيرة جهوده في ريادة المسلمين في الشام ومصر، داخلياً وخارجياً، ومثلت أعماله بصورة واقعية، وكانت معظم الحوادث قد جرت على مسرح التاريخ، أو مما يجري أمثالها في الحياة الواقعية، وقد أشار الكاتب إلى ما يوهم بحدوثها فعلاً بعبارات من أمثال (قال الراوي)، أو (أخبر الرواة)، أو (وفي بعض الكتب سمع الاسم لعلع بدلاً من نعنع)، أو (وهذا البيت معروف قرب السيدة).
أما صدقها تاريخياً فأمر لا يبالي به الفن إن كانت مخالفته في حدود المنطق، وضمن ما يقبله العقل، ولكن السيرة خالفت التاريخ مخالفات لايقبلها المنطق كما هو الحال في تسمية الخليفة وابنته شجرة الدر، وقضية سلامش بن بيبرس .
وعلى أي حال فإن معظم الحوادث كانت واقعية تمثل الصراع الديني، والمكائد السياسية بين الأطراف المتنازعة: المسلمين والنصارى والروافض من عبدة النار، كما تمثل طبقة الفداوية وأنماط حياتهم الجهادية وغير الجهادية. وتحكي عادات القوم، وأفكار المتصوفة، وسلوكيات عامة الشعب وخاصتهم.
وقد مازج هذه الحوادث الواقعية خيوط خيالية، كان جزء كبير منها أسطورياً وهمياً يعتمد على السحر والكهنة، والكرامات والرؤى والأحلام والهواتف، ولعل أبرز ما يمثل هذا تصرفات شيحة المبنية على كتاب اليونان، والسفر إلى المدن السحرية.
وبعض هذه الحوادث تأثرت بما ورد في سيرة ألف ليلة وليلة، ففي حكاية فيها بعنوان (أصحاب الطاووس والبوق والفرس) حديث عن البوق النحاسي الذي وضع على باب المدينة ليحفظها، وكان إذا دخل العدو المدينة زعق البوم فيعرف ويمسك، وكان للفرس لولب يرتفع به راكبه عن الأرض أو ينزل به([34])، وقد تأثر المؤلف بها على ما يبدو فجعل لمدينة من مدن العدو ثلاثمئة حارس على أسوارها، وفي أفواههم أبواق من النحاس يخرج منها نار تحرق من يقترب منهم، ولكن استغاثة بيبرس بالله جعلت الرجال يديرون له ظهورهم، وكان لشيحة أيضاً بوق نحاسي يخرج منه نار، أما الفرَس فيشبه بدلة شيحة التي كان يرتفع بها ويهبط إلى الأرض.
وعرضت هذه الحوادث بتسلسل منطقي فيما يتعلق بالتاريخ وأوضاع الخاصة والعامة في المجتمع، أما ما يتعلق بالكرامات والسحر فكان الدافع إليه منطقياً، أما مجريات حوادثهما فلا تقبل عقلا، إذ كيف تصل جريدة نخلة من جنوة إلى بلاد الشام لتخبر الفداوية بوقوع المسلمين في مأزق، وكيف يصير شيحة أمام من يناديه بطرفة عين ولو كان بينه وبينه بلدان متعددة، والكاتب يحس بأن هذه التصرفات لايقبلها عقل سليم فيوجد لها سبباً هو قدرة الله تعالى،أو يذكر أن كتاب اليونان سجل فيه كل من الكاهن والحكيم ما عرفاه من الجن عن مستقبل الناس، وعن المهالك التي سيتعرض لها المسلمون وطريقة الخلاص منها . وسارت القصة لترسخ ما ذكر في كتاب اليونان ، وكأنه قدر محتم لامفر منه .
إن هذه المبالغات في الحوادث تخرجها عن واقعيتها، وتدخلها في حيز الملحمة الأسطورية ، فهي كالأساطير اليونانية والملاحم التي تحكي عن تصرفات الآلهة إذ تحدثان عن أمور غير منطقية التصرفات، ولهذا فإني أعد مثل هذه السيرة رواية ملحمية.
ولا يعني هذا أن حوادث السيرة جميعها لم تعلل بأسباب مقنعة، فتمرشاه يرسله هلاوون إلى مصر ليسرق السلطان وابنه ليقتلهما، فيتظاهر أنه أخ لزوجة بيبرس، وتعلل القصة ذلك بأن أباها كان لديه جارية أرسلها إليه هلاوون فلما حملتْ توقع منها والدها الفساد ، فأعادها إلى سيدها الأول، وقد أنجبت هذه تمرشاه، وتدع السيرة المتلقي بين التصديق والشك ثم يكتشف بعد القبض عليه أنه ابن أخت هلاوون أرسله مكيدة للدولة الإسلامية ويكون هذا التعليل المنطقي أقرب إلى واقع العلاقة بين العجم الرافضة والمسلمين.
وكثيراً ما يعمد الكاتب إلى إخفاء بعض القضايا ليظهرها من خلال مسيرة الحوادث، فقد أرسل السلطان نجم الدين صالح مع أيبك كتابا يسند فيه السلطة لبيبرس، ولكن أيبك أخفى الكتاب ليكون بيبرس تابعا له في طريقه إلى القسطنطينية فيتمكن بذلك من قتله في الطريق، فاخبر الوزير شاهين بيبرس بالأمر سراً فعاقب بيبرس أيبك.
والكاتب يفصّل الحوادث تفصيلاً مملاً أحياناً، فهو يتحدث أحياناً عما يفعله بيبرس في حياته اليومية فثيابه التي أخذها يقول فيها إنها "ثمينة تليق به وهي من المعادن والفصوص وهي بدلة الأمير حسن الأقواسي، وقد وضعها على كرسي، وانتظر أن يعود إليه ليعرضها عليه، فلما جاء تلقاه الأمير وأجلسه إلى جواره، وقدم له البدلة، وقال له يا سيدي البس، فهذه مني إليك هبة كريم لا يعود في عطاه، ولبّسه إياها" .
وقد يكون التفصيل مملاً ولاسيما حينما يعرض علينا الحدث مكرراً ، مرة حينما يجري، وأخرى على سبيل التذكر، كما في حديثه عن خديعة قام بها بيبرس حين وضع حجارة بدلاً من الأموال، ثم كرر الحكاية عندما أخبر قمطة أباه بما جرى.
وليست هذه الصفة الغالبة، لأن الحوادث تقفز كثيراً لتعرض الأهم كما في حديثه عن إطلاق سراح البطرني، إن نعلم الخبر في ديوان بيبرس .
وكثيراً ما كان يتحدث عن أمر ثم ينتهي إلى نقطة ما، ويقول (للحديث تتمة)، أو (سنرجع إلى ذكر …) ثم يتابع الحديث في الوقت المناسب، وهذا أمر طبعي في القصص الفنية المعاصرة ولكنها لا تذكر أمثال هاتين العبارتين.
وكثرة الحوادث والمغامرات جعلت هذه السيرة أشبه بقصص الحوادث ،وتبدأ كل حادثة بمجيء رسالة تخبر بيبرس أو ولي الأمر بمجيء رسول من بلد معين فتكون هذه الرسالة محفزاً للحديث عن حرب أو سرقة شخصية ما، وقد تبدأ بقوله: "وجلس الملك في الديوان إلى يوم من الأيام، فوجد …" ([35]) ، أو يشعرنا بأن الملك كان منقبض الصدر، فخرج يتجول بين الناس في الليل فرأى مشكلة أو حدثاً، ويوصف هذا الحدث. وقد يتوقف الحديث عن شخصية ما مدة طويلة بسبب سجنها، كما حدث لمعروف، ليظهر على مسرح السيرة قصص متعددة وشخصيات كثيرة.
ولا نرى في السيرة حبكة واحدة لتعدد الحوادث إذ تأتينا مغامرة تلو الأخرى ولكل منها -إن صح التعبير- عقدة وحل، ويتدخل القدر كثيراً في حلها، وقد نقول إن هناك فصولاً دون أن تعنون أو تفرز في أماكن منفصلة، أولقطات من هنا وهناك على غرار ما نرى في القصة المعاصرة، ووحدة العمل القصصي لا تعتمد على الحوادث وإنما على الشخصية الأولى البطل، فهي الخيط الذي يجمع أجزاء القصة من خلال مساعيه لحماية الدولة التي يكيد لها أعداؤها في الداخل وفي الخارج.
وفي القصة عناصر تشويق منها مفاجآت القدر برؤيا تحل المشكلة، أو بإنهاء حرب على يد ابنة ملك أسلمت، أو بنجاة السلطان بفداوي قدم، أو بحيلة نفذها شيحة ففتح المدينة المحاصرة وتركها غنيمة للمسلمين، أو بنجاة ابن السلطان لأن إبراهيم الحرس الشخصي للسلطان استبدله برجل كان قد حكم عليه بالإعدام.
وقد تكون المفاجأة غير معقولة لا للقارئ ولا لشخصيات القصة أيضاً، كقطع الفداوي رأس شيحة وتركيبه رأساً غيره إلا إن كان الأمر بسحر شيحة !!.
ومن عناصر التشويق أيضاً وصفه للبطولات الفذة، والحروب التي تثلج الصدر، أو النجاة من مسالك وعرة في أرض سحرية.
ومنها المبارزات التي تجري بين الأب وابنه دون أن يعلم أحدهما الآخر ثم تكتشف العلاقة بين المتحاربين، وينضم الابن إلى صفوف المجاهدين.
ومن عناصر التشويق أن يرى اثنان حلماً واحداً يشير إلى مستقبل ما ثم تتحقق الرؤيا.
ومنها أيضاً الحديث الرمزي الذي يفسر كما في قول نجم الدين أيوب لوزيره شاهين:
"يا شاهين، الطير بقي حوله طيور خضر، وله مناقير طوال، أما الطيور السود فإنهم مطرودون ومبعدون" .
ومنها أيضاً الوصف القبيح الذي يوحي بالشر كما في وصف جوان مشوه الخلقة، قد انكسف القمر ليلة ولادته، وأظلمت الدنيا وكان نحس النحوس، وماتت أمه يوم ولادته، ولم يرضع لبن أحد إلا كلبة، فنشأ على الأذى والفتن ([36]) .
وفي الحوادث إرهاصات تشير إلى ما سيكون من طرف خفي لأن الراوي قد علم سلفاً ما سيكون من أمر، بينما يخفى الأمر على الشخصية المحكي عنها، وعن القارئ أيضاً:
فأيبك الذي شفاه القاضي صلاح الدين ( وهو جوان ) قال عنه المؤلف: "فاعتقده وهو لا يدري من هو، ولا يعلم الغيب إلا الله" ([37]) ، والعبارة الأخيرة توحي بأن شرا ما سيقع ممن يدعي الصلاح .
ومن ذلك أيضا حديثه المكرر عن مقتل جوان وتقطيعه في عربة، وتهديد سيف الروم البرتقش له بإسلامه ([38]) .
ومنها الإشارة إلى خطر ما سيحدث كقوله "وعند المساء تبدلت الأفراح أتراحاً والغناء بنواح، لأن الدهر تقلباته عجيبة، ويحدث فيه كل بدعة ومصيبة" ([39]) .
وقد عرضت الحوادثبالطريقة التحليلية أو بطريقة السرد المباشر على لسان الراوي، وبضمير الغائب، مما أتاح المجال لوصف المعارك؛ إلا أن بعض الحوادث عرض من خلال الرسائل المتبادلة بين الطرفين ،أو الصادرة عن جهة واحدة كما في الرسائل التي كان يرسلها جوان (القاضي صلاح الدين) للإيقاع ببيبرس ، وعرض بعضها الآخر بطريقة تمثيلية كما في حديث الرجل الذي ربى غلاماً فعقه وخانه ثم اتهمه بجريمة قتل ليتخلص منه، وقد عرضت قصته من خلال حديثه مع بيبرس بعد القبض عليه.
ونظراً لطول السيرة وتعدد حوادثها وشخصياتها فقد نسي المؤلف أحياناً ما قاله من قبل فوقع في تناقض، فقلاوون كان في مقدونية، وقد علم نصرانياً فيها فنون الحرب، فجاء هذا إلى مصر ليبارز الأمراء، فعلّم على كلٍ منهم حتى على قلاوون([40]) (الغائب عن مصر ).
كما أنها لم تقسم إلى فصول محددة لها بداية ونهاية معقولة، بل جزئت خمسين جزءاً بطريقة عشوائية أحياناً، ولعل هذا أحد أسباب الإعراض عن قراءتها، فضلاً عن طولها وطباعتها الرديئة، ولو اتبع المؤلف في تجزئتها طرقا فنية كالتي عرفت في العصر الحديث لذكرللعرب سبقهم في هذا الفن لأن العناصر الفنية توفرت فيها جميعها إلا في شكلية العرض ومنهجيته.
ومما أخل أيضاً بفنية الحوادث عرضه لسير السلاطين الذين حكموا بعد بيبرس وصولاً إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، واحتلال الإنكليز لمصر وثورة أحمد عرابي، وكأن هذه الزيادات معتحول التأريخ إلى ميلادي لا هجري كان من عمل النساخ، ولاسيما أن الأسلوب قد تغير، وصار أقرب إلى اللغة الفصحى من أسلوب السيرة عامة.
على أي حال، فإن الحوادث أبرزت وعي الطبقة الخاصة لا العامة لأن هذه كانت بمنأى عن الحكومة ، حتى إنها جهلت اسم حاكمها قبطاويل ومساعده جوان بعدما سرق بيبرس سبع سنوات .
f- الشخصيات :
لكل عصر بنية نفسية تحدد سلوكيات أفراده، وعصر بيبرس كان عصر الجهاد ضد التتر والصليبيين، وهذه الملحمة تحكي بطولة الظاهر بيبرس، وكان الحديث عن العهد السابق لظهوره يدل على الجو العام الذي سيخترقه الظاهر ويثبت فيه جدارته وأهليته لخوض غمراته.
فالبطل بيبرس يبدو على مسرح الأحداث في مستويين، فردي وجماعي .
فهو على المستوى الفردي: ينتمي إلى أسرة حاكمة، فوالده شاه جمك ملك خوارزم ولئن مكر به عمَّاه وتركاه في البراري فأخذه الرافضي عابد النار إلى بورصة وباعه بيع الرقيق فإن خلاله وكرم أرومته بدوا في سلوكياته.
وانتسابه إلى إبراهيم بن الأدهم الزاهد المعروف بتقواه جعله نبيل الخلق كريم النفس متواضعاً مع صحبه، وفي معيشته الخاصة، وكان يجل العلماء، ولا يميز بين شريف ووضيع، فالكل في نظره، وحسب انتمائه الإسلامي، أخوة في دين الله.
وقد جعله إيمانه القوي بعظمة الإسلام يطبقه تطبيقاً تاماً، وكان يعتمد على نصرة الله لا على السحر، وقد مزق طاقية الإخفا وكسر سيف الإخفا لأنه يوقن أن النصر من عند الله لمن يجاهد في سبيله لا بهذه الأمور السحرية.
وكان شهما قوي الخلق، وقد ضعف الأمراء أمام الملكة مريم النصرانية عندما حاربوها فتصدى هو لها وقتلها؛ ولما تشاجر ابنه محمد السعيد مع أحمد إسكندرون بن شاهين وزيره عاقب ابنه عقاباً أليماً بعدما عثر عليه، إذ جعله يمشي في البراري والقفار وهما في طريقهما إلى مصر([41]) .
وكان قوي البدن وقد شهد له أن قوته تعادل قوة ألف رجل.
أما على المستوى الجماعي فهو عضو في دولة إسلامية كبرى، ولذلك سعى منذ ما قبل توليه إلى القضاء على البغاة والمفسدين، فلما أسند إليه الأمر قلم بالمهمة على أكمل وجه، وكان إذا رأى فارساً ذا بأس صبر عليه حتى يتوب ليفيد بقوته الدولة الإسلامية.
وهو يرى أن الصداقة تقوم على الدين لا على النسب، إذ لا فرق بين البدوي (شيحة) والفداوي (إبراهيم بن حسن الحوراني) والنصراني الذي يعلن إسلامه (كعرنوص) والعجمي من أبناء الملوك مثل (بكتمر) إذا كرس هؤلاء جهدهم وطاقتهم في سبيل الله.
وكان إن رأى خائناً لله ورسوله، عدواً للدولة الإسلامية قتله كائناً من كان، كعبد الشيطان "محمود المصارع" الذي جاء إلى الدولة الإسلامية ليكيد لها، وكذلك تمرشاه، وجاريته العجمية، واليهودي الذي حرم المسلمين رواتبهم حين رفضوا أن يغيروا أسماء أولادهم من محمد إلى عيسى أو موسى.
وهو يحرص على كل فرد من أفراد رعيته، يتفقدهم، ويسافر إلى البلدان ليتعرف أحوالهم، وإن سرق أحدهم سير جيشه لمحاربة من وجد عنده، وكان له عيون مبثوثة في أرجاء البلاد ينقلون إليه الأخبار.
وقد امتحن ابنه مرة حينما دخل مصر متخفياً ليرى كيف يحكم في غيابه، و سر لتصرفاته الحكيمة.
كما عاقب خليل بن قلاوون والسلطان توران شاه لتعديهما حقوق الشرع([42]) .
أما الشخصيات الثانوية فكانت نوعين، الأول ما كان يقوم أفراده بأعمال لها أثرها في مسيرة الراوية والثاني من برز دورهم في أمر ما، ثم مضوا إلى غير ما رجعة، أو عادوا وكانت أعمالهم توضح حدثاً أو تكمله. وكانت هذه الشخصيات وتلك هي الخيط الخيالي الذي يجمع أجزاء السيرة في وحدة عضوية على الرغم من كثرة الحوادث فيها.
ولعل في مقدمة هذه الشخصيات الثانوية جوان، الذي تسمى بأسماء متعددة، فهو عند ولادته عبد الصليب، وفي الكنيسة جرجس، ثم القاضي صلاح الدين، ثم جوان أخيراً، وتغيير هذه الأسماء كان ليناسب تحركاته السياسية ضد المسلمين.
وكان هذا قد ولد سفاحاً من أربعين في عملية إجرامية ضد راهبة، فكان رمز الشؤم، إذ ماتت أمه عند ولادته، ولم يرضع من أحد إلا من كلبة فنشأ على الأذى والفتن، وقد انكسف القمر عند ولادته، فأرسله جده إلى عمه الراهب كرسميول فرباه في الدير مع سيف الروم البرتقش ولما قبض النصارى على حجاج المسلمين وسجنوهم كان فيهم عالم عراقي يدعى صلاح الدين، فتعلم منه الإسلام ثم قتله، وعثر في جيبه على رسالة تسند إليه منصب القضاء فتوجه إلى مصر لاستلام هذا المنصب، منتحلاً شخصية العالم العراقي.
وكان قد قرأ في الدير كتاب اليونان، الذي ذكر فيه غيب الأمور ومستقبلها، وعرف أن بيبرس ورمضان شيحة سيكونان ألد أعدائه، فعثر على الثاني في أعراب غزة وهو في طريقه إلى مصر، فاستخدمه بعدما كاد يقتله، فقرأ هذا عنده كتاب اليونان وعرف أسراره .
وفي مصر راح جوان يكيد لبيبرس، يزوّر كتباً باسمه أو بأسماء أخرى ليوقع به ، ويحرض عليه السلطان، ويدفع الأموال لذلك، ولكن بيبرس بحكمته وذكائه وإخلاصه لله ثم للدولة كان ينجو من شِراكه، ولما كشف أمره خرج من مصر ليتابع مؤامراته ضد السلطان بيبرس على المستوى العالمي، وكان يوهم النصارى في البلدان أنه يصعد إلى السماء ويتلقى من المسيح الأخبار، وأنه يتصل بالحواريين، وقد أحل للنصارى أكل لحوم البشر، والزواج من البنات مقابل حربهم للمسلمين.
وكان كلما وقع في قبضة المسلمين وأراد بيبرس قتله لفِتَنِه قال له شيحة إن له أواناً غير هذا الأوان، ثم ضربه شيحة وأطلق سراحه، إلى أن طفح الكيل وقبض عليه فوضع في عربة جهزت لقتله وتقطيعه أمام عامة الناس، وقد تزوج شيحة ابنته رومة بعدما أسلمت أو ادعت الإسلام، ثم كانت سبباً في قتل ابنه محمد السابق، أما ابنه أسفوط فقد استمر يحرض النصارى حتى قتله المسلمون في المعركة.
وتعد حياة هذه الشخصيات وتحركاتها السلك الذي يجمع حبات الحوادث بعضها إلى بعض.
ومن الشخصيات الثانوية الهامة أيضاً شخصية رمضان جمال الدين شيحة، وكان هذا من أعراب غزة، وقد قبض عليه جوان كما أسلفت فقرأ عنده كتاب اليونان، فلما علم جوان ذلك سجنه بأن سدّ عليه المكان، فرأى شيحة عموداً فيه طلاسم فكها بمعرفته لكتاب اليونان فجاوبه صوت: إذا كنت سيف قبائل ثعلبة فاتْل حسبك ونسبك ينفتح لك المكان، ثم أعطته الجن عصا يضرب بها من يريد عقابه، وبدلة كان يرتديها فيطير في السماء، وحبوباً يتشكل بها شاربها بهيئات متعددة، ومرآة تغير هيئة ناظرها فيصير كصاحب الاسم الذي يذكره، وصندوقاً رصد لمداواة المجاهد إبراهيم الحوراني فأنقذه به من الموت، وصار له قدرة على أن يركب له رأساً بعدما قطع رأسه حتى قيل عنه إن له ستمئة روح، وكان إذا ناداه أحد حضر أمامه في أي وقت ومهما كان بعيداً، وقد أعطاه ولي الله علي المكي عصا تطوى بها الأرض، وبوقاً تخرج منه النار ليخيف به العدو.
وتمكن شيحة بهذه الأعمال الخارقة للعادة أن يصير سلطان القلاع والحصون، وأن ينقذ المسلمين في حروبهم، ويفتح لهم البلدان. بعد أن يدخل على الملوك في هيئة بطريق فيقتلهم، ويدخل إلى الدير فيسمم من فيها أو يخدرهم.
وقد تزوج ثلاث نسوة من بنات الملوك النصارى بعد أن أسلمن على يده، فساهمن في خدمة الإسلام، ولاسيما زوجته تاج ناس. وباختصار :لا تكاد تختفي شخصية شيحة عن مسرح الأحداث منذ ظهورها إلى نهاية السيرة.
ومن الشخصيات الثانوية الهامة أيضاً :
المجاهد إبراهيم بن حسن الحوراني، وكانت لديه فراسة صادقة يعرف بها عدو الإسلام من المخلص لربه، وكان يرافقه ابن خالته سعد بن الدبل في جهاده وتحركاته.
ومعروف بن حجر وكان سلطان القلاع والحصون قبل شيحة، وكان شديد التقوى والإخلاص لله، وقد غاضب ابنه لأنه أبدى نفوراً من سلطان المسلمين، واستشهد في حلب عند باب أنطاكية، كما كان ابنه عرنوص ملك مدينة الرخام، ومن الشهيرين بفروسيتهم، وقد أمد المسلمين بقوته وبجنده.
ومعظم هذه الشخصيات تتصرف تصرفات واقعية، فبيبرس قائد ناجح، ومسلم متدين، وحاكم عادل.
وعثمان بن الحبلة كان من العياق ثم تاب وحسنت توبته فصار يلازم بيبرس.
والمماليك يمكر بعضهم ببعض في السلم، ويتحدون في الحرب.
والمرأة المسلمة معززة مكرمة، وكم من حرب جرت لإنقاذها، وهي عفيفة ذات حجاب، ولها حرية الزواج عند بعض الأسر لا جميعها، فالمياسة بنت مرعش لم يجبرها أبوها على الزواج، وكانت تصطاد النمور، وقد قتلت واحداً لأنه كشف وجهها وهي تقول له: "أما تستحي" وقد رغب عرنوص بن معروف أن يتزوجها فرفضت لأنها تحب حياة الفروسية لاحياة الزوجية، وعرضت نفسها للخطر من الأعداء، ولما خطفت في طريقها إلى مصر وعرض عليها خاطفها التنصر قالت له: "يا ملعون أنا لو أكون على ظهر حجرتي ( أي فرسي ) كان بعيداً على مثلك أن يراني، ولكن هذا بقضاء الله تعالى، وأنا التي أوقعت نفسي في المحذور" ([43]) . تشير إلى سفرها وحدها دون محرم.
وقد شاركت المرأة المسلمة في الحروب طواعية كما فعلت اللبوة أم إبراهيم الحوراني، وأخته ثأراً له عندما توهمتا أنه استشهد، كما ساعدت فاطمة الحوراني ملكاً أسلم وطلب أن ينتسب إلى الفداوية فطلب منه هؤلاء أن يحضر كلبوش الحكيم من الأرض السحرية امتحانا لبطولته وذكائه .
واستخدمت المرأة للكشف عن الجرائم، ولاسيما العجائز، إذ كانت إحداهن تدخل على البيت وتكتشف أسراره([44])،كما عملن على قتل العدو بالسم بعد أن يتظاهرن بالرغبة في الاقتران به([45])، وكانت المرأة النصرانية لا تجرؤ على إعلان إسلامها أمام ذويها ، وتربي أولادها كتربية أهلها إن عاشت معهم، ولكنها تتحين الفرصة المناسبة لتعرف ابنها على أبيه، فتعود إلى زوجها، ويصير ابنها عضواً نافعاً في المجتمع الإسلامي بعد إعلان إسلامه، كما حصل لمريم الزنارية وابنها عرنوص، ولزوجة إبراهيم الحوراني وابنه عيسى الجماهيري، ولمريم بنت عرنوص وزوجة تقطمر .
ووجدت نساء كان لهن دور كبير في خيانة الإسلام، كما فعلت جارية بيبرس، وقتلت بسبب ذلك.
أما الساحرات فالمسلمات منهن ساعدن الفاتحين كتاج ناس زوجة شيحة ، والكافرات منهن كن ضدهم كالكاهنة مشينة .
وقد عرضت هذه الشخصيات بالطريقة التحليلية غالباً، وكان السرد المباشر يرد على لسان الراوي كأن يقول (قال الراوي: فهذا ما كان من أمر هؤلاء، وأما ما كان من أمر….)([46]) وفي هذه الطريقة يبدو الراوي يسرد الأمور وهو عليم بظواهرها وبواطنها ولذلك يعللها ويذكر أسبابها ونتائجها، ويتنقل بين الشخصيات يروي ما تفعله، وبذلك اقترب الحديث من تيار الوعي الباطني، وقد لوحظ هذا في كثير من القصص الاتباعية (الكلاسيكية)، أما في القصة الحديثة فقد تحول الأمر إلى تيار الوعي يترجم به عن المشاعر والأحاسيس، فيما سمي بالمناجاة الذاتية .
وهناك الطريقة التمثيلية التي تفصح فيها الشخصية عن أحوالها من خلال حديثها عن نفسها على نحو ما ورد على لسان الشيخ المتهم شرف الدين، إذ قال له الأمير:
"يا أبي حدثني بقصتك وأطلعني على قضيتك، فقد صح عندي أنك صادق اللسان، مظلوم من كل إنسان، فعليك بالصدق ولا تبالِ، واذكر ما جرى من أول القصة.
فقال له: والله العظيم لا أقول إلا حقاً، ولا أتكلم بين يديك إلا صدقاً، فروّق ذهنك، وأكثر من الصلاة على نبيك…
اسمع يا أمير أني كنت معلماً بأرض بنها العسل وسائل سكر الحرمين وقصبه وسكر السلطنة، وكل منهم له عندي جزء معلوم، إلى أن كان يوم من الأيام، ركبت فرسي وسرت بالسكر قاصد أرض مصر، فمررت على عرب …." ([47])
ثم راح يسرد قصة تربيته لغلام خانه لما كبر، ثم اتهمه بالقتل، فأنجاه الأمير بيبرس من خطر السجن.
فهنا نرى الكاتب يسرد الحدث على لسان الشخصية، ويكشف عن حقيقة الأمر بالطريقة التمثيلية التي يسأل فيها ويجيب آخر.
وقد اهتم الكاتب بعرض نفسيات شخصياته على لسانها أو على لسان الراوي على نحو قول المؤلف "قال الراوي فلما سمع مسعود بك ذلك الكلام صار الضياء في وجهه ظلام، وقد صعب عليه وكبر لديه، ثم زاد بعدُ الغضبُ فقال له يا قليل الأدب أنت رجل جئتني فأكرمتك وحصل لك مني غاية حفظك فكيف أنت تقابلني بقبيح فعلك، وتذكر لي مثل ذلك بجهلك، وكيف يتصور في عقلك أنك تأخذ مني ما رأيت ويكون تحت يدك … لا وعزة الله إن طلعت عليك شمس غداً وأنت في بُرْصة لأذيقك العذاب وكل غصة، ثم إنه صاح فيه أن اذهب عني واخرج من بلدي فنهض علي من عنده، وصار يجري ويتعثر في أذياله"([48]) .
فهنا نرى الكاتب يعرض الحالة النفسية لمسعود حين طلب منه علي أن يشتري مماليكه الذين توفرت فيهم الصفات التي أرادها السلطان نجم الدين صالح، ولكن مسعودا يتميز غيظاً ويطرده بعد أن يوبخه. وقد ورد هذا على لسان الشخصية التي يروي الراوي حديثها، وكثر أمثال هذا في السيرة.
ومن الحديث عن نفسيات الشخصيات أيضا حديث جوان عن حقده على المسلمين وتمنيه أن تسفك دماؤهم، وغيرة شجرة الدر من ضرتها.
وشخصيات السيرة كشخصيات الحياة، بعضها مسطحة تلام حالة لا تتعداها، فبيبرس مسلم متمسك بالإسلام، مجاهد في سبيله، مخلص في عمله، لا يخاف في الله لومة لائم. وجوان عدو لدود للمسلمين، يسعى لخدمة دينه ويتخذ لذلك أساليب شتى، وهو حينما عبد النار لم يعبدها لاعتقاده بها، وإن ادعى ذلك أمام هلاوون، لأن غايته كانت في هدم الإسلام ، وعنده : الغاية تبرر الوسيلة .
وهناك شخصيات نامية تحولت من حال إلى حال، فعثمان وحرحش كانا من العياق ثم تابا، والبرتقش صار مسلماً وأخلص في أخريات عمره حتى قتل ابنه الكافر بعد أن كان يحارب الإسلام مع جوان ويسعى إلى ذلك ما اسطاع سبيلاً.
وكان الكاتب يتعاطف مع بيبرس السلطان المجاهد العادل على حين يقسو على جوان ويصفه بالشؤم وبالقذارة فهو لا يغتسل إلا ببصاقه ويركب حمارة عرجاء … وذلك ليجعل القارئ ينفر منه، ويقف حيادياً تجاه الشخصيات النامية، إذ نفر منها حينما كانت تنغمس في الفساد، ثم أثنى عليها بعد توبتها، كما فعل مع عثمان.
وكان لتسمية الشخصيات علاقة بها أحياناً، فجوان هو عبد الصليب في نصرانيته، وهو صلاح الدين عندما ادعى الإسلام، وشيحة هو رمضان وجمال الدين، وسيف الروم هو البرتقش ثم هو المنصور، ومحمود الرافضي هو عبد الشيطان، والمياسة هي فتاة فارسية مختالة ببطولتها وجرأتها.
و تعددت أسماء كثير من الشخصيات، وكان سبب بعض التعدد تغيير هوية حامله من حال إلى حال، فأيدغمش العجمي هو محمود وهو بيبرس، والبرتقش هو سيف الروم ثم المنصور، وعبد الصليب هو جرجس ثم صلاح الدين ثم جوان وهكذا ….
وبعض التغيير ناجم من التصحيف أو من تغيير نطق الاسم الأعجمي، فعرنوص هو عرقوص، والفداوي الكرت، والأكرت، وكبرت . والملك أبرا هو أبرمة، والملك سهدرون هو ههدرون، وههدون. وتقطمر هو تقتمر وهكذا ..وقد تكون المسافة بين ذكر الاسم الأول والثاني سطر واحد فحسب كما في علي بن برد غدان، بازدغان، بردغان([49]) .
وبعض التغيير كان بسبب خطأ تاريخي، فالمقتدر والمقتدي شخصية واحدة، وهو والد شجرة الدر، مع أن بينهما في التاريخ حوالي قرنين.
والاسم الواحد قد يطلق على شخصيات متعددة، فعبد الصليب أطلق على جوان، وعلى ملك يافا، وملك قلعة العقبة، وعلى قبطان نصراني، وعلى صاحب قلعة العروض، وصاحب قلعة العلايا([50]) و… والقرينة هي الدالة.
وربما كان سبب بعض ذلك أن بعض الشخصيات تاريخية لا يمكن تغييرها.
ج- الحوار :
وهو وسيلة يستخدمها الكاتب لعرض الحوادث أو الشخصيات، وقد يبدأ به الحديث، أو يصور نفسية الشخصية أو ينمي الحدث ويطوره، أو ينتهي به.
فمما بدأ به الحدث الحوار الذي جرى بين نجم الدين صالح ورسل شجرة الدر، إذ حاء فيه :
"وإذا أربعة يقبلون الأرض بين يديه، فقال الملك الصالح ما الخبر؟
- فقالوا يا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، اعلم أننا نحن رسل السيدة فاطمة شجرة الدر بنت أمير المؤمنين المقتدر بالله تعالى، وقد أمرتنا أن نقول لك أن الأرض أرضها ومصرها وإن حجتها معها، وهي تأمرك أن تنزل من على التخت، وهو توليه لمن تريد من السادات أو من العبد.
قال الراوي: فلما سمع الملك ذلك الكلام وما قالوه من المرام أخذه الغضب وزاد غيظه والعجب، وقد رآه الوزير على ذلك الأمر الخطير فقال له:
- اعلم يا أمير المؤمنين، وخليفة النبي الأمين، أن ما ذكره الرسل فهو حق، وما تكلمت به السيدة فهو حق، لاسيما وقد ورثت الأرض عن أبيها ومعها تشريف بخط الملك وختمه… وإن كلام الملوك تمام وما أرسلوا به لابد من الإتمام، ولو كان خلاف ما فيه المصالح للأنام، وإني أقول لك إن هذا الأمر ماله غير الحيل والخداع وقد قال القائل في المعنى.
دارهم ما دمت في دارهم وحيِّهم ما دمت في حيّهم
واتبع فتات المكـر حتى تنـال ما تروم من الأمر
فهنا نرى هذا الحوار بين الرسل ونجم الدين صالح والوزير يمهد لزواج نجم الدين من شجرة الدر، وما سيؤول إليه هذا الزواج .
والحوار الذي دار بين بيبرس وزوجه تاج بخت أدى إلى تسليم بيبرس السلطة إلى تمرشاه الهلاوي، فاغتنم هذا منصبه وسرق السلطان وابنه، كما عرفنا من الحديث الذي جرى بين السلطان وإبراهيم عزل هذا القائد الناصح الأمين لأنه بصّرالسلطان بصدق فراسته بحقيقة القادم الأعجمي، وقد جاء فيه على لسان بيبرس:
"لا يخصك به شيء .
قال إبراهيم: إذا لم ينصح ساعي يمين السلطان فما فائدة عمله؟
فقال له السلطان: لا حاجة لي بك .
فغضب وترك القصر" ([51]) .
وهذا الحديث أدى إلى تطوير الحدث إذا ثبت إخلاص إبراهيم الذي تتبع الهلاوي العجمي حتى أنقذ بيبرس فأعاده السلطان إلى منصبه وشكر له جهاده وحبه.
وهناك حوار يعرض من خلاله نفسية الشخصيات، وليس أدل على ذلك من الحديث الذي دار بين شجرة الدر حين مقدمها إلى مصر وأحد جلسائها حول عدم مجيء الملك وحاشيته إليها حين قدمت إلى مصر مع أنها صاحبة الأرض والسلطة فيها:
" قالت لهم:
واعجباه، كيف أن البلاد جميعها يكرموني ويهادوني ويواددوني ([52]) ولم يكن لي عليهم أيادي([53]) ، وكيف أن هؤلاء القوم لا يكرموني وهم يأكلون في بلادي، ويتمتعون بسوادي ولا يبالون بي ولا يعتنوني، فوالله لا كان ذلك أبداً، ولو سقيت كأس الردى، وأنا أولى بأرضي منهم، وسوف أبعدهم عنها وأطردهم.
فقال لها بعض جلاسها :
يا سيدتي لا تعجلي فربما كان هناك مانع، والصبر أولى من الاستعجال، فكاتبيهم وانتظري رد الجواب ليظهر لك السؤال والجواب.
فلما سمعت من جلسائها ما ذكر أرسلت هؤلاء الأربع" ([54]) .
فهنا نرى شجرة الدر تغضب لأنها شعرت باستهانة الملك بمقدمها ولكن تعقل الرجل ونصيحته جعلاها تتصرف تصرفاً حكيحاً بأن ترسل رسلها إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب
ومن الحوار الذي ينم عن نفسية صاحبه أيضا ما دار بين نجم الدين صالح وبين القاضي صلاح الدين حول بيبرس. قال له "هذا الغلام أتى من بلاد العجم دسيسة، ويريد أن يفسد ملكك، فأنت تكذبني ولا تصدقني، وهذا الغلام يقتل قتلة بعد قتلة، وإن كان يعظم عليك قتله أنا أعطيك من مالي... ([55]) .
ومن أنواع الحوار الرسائل المتبادلة كما في الرسائل بين جوان وملوك النصارى، يقول في إحداها للملك سيمون:
"قل سيمون، ياسيمون، يخطفك حواري طيار من الحواريين الكبار، يأتي بك إلى عندي، ولم يكن لأحد عليك من سبيل، وإني قد وهبت لك مئة سنة زيادة في عمرك، وعشرين فدادين في سقر، قول يا بركة عالم الملة جوان، شكر يا مسيح، والسلام" ([56]) .
ولعل رسم الشخصيات والحوار الذي يدور بينها من أهم ما يحقق فنية هذه الملحمة الروائية.
د - البيئة :
الرواية فن يحكي أوضاع الناس في بيئة ما، زمانية أو مكانية، من وجهة نظر مؤلفها.
وقد اتسعت مساحة البيئة التي عرضتها السيرة إذ تمتد خلال القرن السابع الهجري، وعلى مدى بلدان المشرق من أراضي خوارزم، وحتى جزر المحيط الأطلسي غرباً، ومن أراضي إنكلترا شمالاً إلى أراضي السواد في أواسط إفريقيا جنوباً.
وعبر الكاتب خلال هذا الامتداد الزماني، والاتساع المكاني عن العلاقات العامة السائدة في المجتمعات، والعلاقات الدولية بين الأمم، سواء أكان ذلك في النواحي الدينية أم الاجتماعية أم السياسية الداخلية منها والخارجية.
فعلى الصعيد الديني نرى فئة واعية من المسلمين تحفظ القرآن الكريم مثل تاج بخت بنت بركة، ولا تفرق هذه الفئة بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى كبيبرس، وتنفذ شرع الله لا تأخذها لومة لائم وإن كان من كبار المسؤولين.
والفكر الصوفي ينتشر انتشاراً كبيراً إذ ورد الاعتقاد بأولياء الله الصالحين على حد زعمهم (كالبدوي الشريف العلوي صاحب الإمدادات النبوية) الذي جاء إلى المستشفى الذي يرقد فيه بيبرس لينقذه، لأنه سيكون "ملك الزمان وفارس العصر والأوان، وهو الذي ينصر الإسلام، ويقيم الأحكام، ويذل جيوش اللئام.. ويفتح السواحل والبلاد، وتطيعه أهل السواد، وينصره النبي الهادي ([57])
ونجم الدين صالح أيوب يمد يده إلى الهواء ويقول (يا دايم ثلاث مرات ويقبض على شيء من الهواء، ثم يناوله إلى الوزير ويقول له: خذ هذا الكتاب، إذا تعسرت عليك دعوة فكها من هذا يا شاهين، وإذا هو كتاب يقال له دلائل الأحكام) ([58]) .
أما النصارى فيتعلم أولادهم في الدير، وهم يقدسون عالم ملتهم تقديساً مبالغاً فيه ،إذ يرون أنه يصعد إلى السماء ليأخذ عن المسيح الأحكام، كما يلتقي بالحواريين، ولهذا فهو الوحيد الذي من حقه أن يغير الأحكام الشرعية لهم، ولهذا أباح لبعضهم أكل لحوم البشر، والزواج من البنت مقابل محاربة المسلمين، كما أنه زاد -برأيه- عمر إنسان خمسين سنة. وآخر مئة سنة ليحارب الإسلام أيضاً، وقد باركه خازن النار([59]) وأعطاه فدادين فيها أكثر مقابل المنتار، أي قتل المسلمين، كما يعتقد النصراني أنه يحيي لهم الموتى، وإن كانت القصة تكشف احتياله للقارئ دون الملك الذي طلب منه إحياء ابنه، تعرفنا أن شيحة تصوربسحره بصورة الابن ، وقد وافق شيحة على التعاون معه لتنفيذ هذه الحيلة ليدخل القصر وينقذ المسلمين من الأسر والقتل ، وقد تحقق مراده حين طلب من الملك بوصفه ابنه اففراج عن المسلمين .
والنصارى حاقدون على المسلمين فواحدهم يقول : (فالنصراني لا يريد خيراً لمسلم أبداً، هذا مستحيل) ويقول على لسان أحدهم: "أنت سمعت أن أحداً نصرانياً يعمل معروفاً في رجل مسلم أو يكون له عليه جميل؟" ([60]) .
وبيت القمامة مقدس عندهم وهم ينذرون زيارته ([61]) .
ويتعاونون مع اليهود وعبدة النار ومع الأدرعية الوثنيين عبدة الجمل الأجرب ضد المسلمين، فجوان يرسل إلى عزار اليهودي ليقتل بيبرس ([62]) .
وعلى الصعيد الاجتماعي أظهرت السيرة عادات الناس في أفراحهم وأتراحهم، ومواسمهم الدينية كالحج([63])، وعلاقات الزوجين من الخاصة والعامة.
كما تحدثت عن العدل والظلم وشهادات الزور، وعن طوائف البغاة والمفسدين، وعن سطو النصارى على قوافل الحجيج براً وبحراً، وسرقتهم من فيها ليكونوا خدماً في البيوت والقصور([64]).
وتحدثت عن الأشراف الفداوية وجهادهم مع بيبرس، وعلاقاتهم مع بعضهم بعضاً حسب رتب محددة، ولكل رتبة لباسها، والتابع يسمى المشدود، ويكتب اسم رئيسه على سلاحه الذي يسمى الشاكرية، وهم لا يقبلون أن ينتسب إليهم أحد من غيرهم إلا بعد قيامه ببطولات خارقة، وهم ينصاعون لأقوى رجل فيهم. وقد انصاعوا لشيحة مع أنه من عرب غزة من أجل الحفاظ على وحدة الدولة، وبعدما أثبت لهم بطولته في الحيل التي تنفع المجاهدين أحياناً أكثر من القوة البدنية، إذ تمكن بها من فتح عدة قلاع ومدن للمسلمين.
والأتراك الموالي لهم عاداتهم، ولا يسمحون لأبنائهم أن ينخرطوا في صفوف غيرهم، وقد غضب قلاوون حينما تبع ابنه خليل الفداوي إبراهيم الحوراني وتزيا بزيه.
وللمرأة مكانتها، ولها ملكيتها التي أعطاها الإسلام لها، وهي تتصرف بأموالها كيفما تشاء فتبني قبوراً للغرباء والفقراء، وآباراً على مفارق الطرقات لدفن الأموات فيها ،وهناك حوادث احتيال لتزويج المرأة لعدم النظر إليها قبل الزفاف.
كما أن هناك قضايا صحية كالعلاج من السم والتخدير، وتيبّس العضلات والمفاصل، وأخرى اقتصادية ولعل في مقدمتها تسلط اليهود على المقدرات المالية، كأن يطلبوا من المسلمين تغيير اسم محمد إلى موسى أوعيسى، فإن فعلوا أعطوهم مئة دينار ذهباً،وإلا حرموهم من رواتبهم ،ولما علم بيبرس الأمر عاقبهم .
وقد بنى بيبرس حارة وجعل فيها دكاكين وفوقها منازل لأصحابها، وترك لهم أجرتها سبع سنين ريثما يكسبون، وشرط عليهم أن يعلقوا قناديل على البيوت والدكاكين، وأمرهم بمراعاة الأوزان والنظافة.
ولم يكن للوالي سلطة على التجار بل كان يفصل بينهم رئيسهم ويسمى بندر التجار.
أما على الصعيد السياسي:
فإن ديوان السلطان يفتتح كل يوم بقراءة الفاتحة ثم ينادي (جاويش الديوان) بالعدل ويذكر بحساب الله، ويقول شعراً في الوعظ.
وفي الاحتفالات الرسمية تعقد مواكب للسلطان ولاسيما عند انتصاره في حرب ما وتعرض فيه الغنائم كالمدافع والقنابل، ويطلق في هذا اليوم سجناء قلعة الجبل، وهم السياسيون غالباً، وتبطل المظالم والمكوس، وينادي المنادي بضرورة حفظ الرعية وقلة الأذعية.
وكان الملك إذا أراد أن يسند إلى أحد مهمة اختبره اختباراً قاسياً ليرى مدى صلاحيته وصبره.
والسلطان نجم الدين صالح وبيبرس والملك أحمد لا يسرفون في مأكلهم ومشربهم، فالأول كان لا يأكل إلا من عمل يده، والثالث قال لقلاوون حينما بنى قصراً كبيراً (والله يا أمير قلاوون إنها كانت كلفة زايدة) .
واليهود يتقربون من رجال الدولة بالخمرة والمرأة ليكسبوا مناصب عالية، وقد حدّ بيبرس من سلطتهم كما قضى على الفساد عامة ما اسطاع إلى ذلك سبيلاً.
وقد صورت السيرة نجم الدين أيوب يستسلم للقدر، إلا أنه يستجلب المماليك لحماية الدولة، أما بيبرس فهو في السيرة السلطان البصير بأمور المملكة، العارف بكل مناطقها، الذي يسافر ليتفقد الرعية والذي يقيم علاقات بين الدول الأجنبية على أساس من عزة المسلم وإبائه، وليس أدل على ذلك من أن إبراهيم الحوراني كان يحمل كتبه إلى الملوك المعتدين لينذرهم قبل الحرب، وكان إذا دخل على الملك المعتدي قال "قم يا ملعون على حيلك، وخذ كتاب السلطان بأدب، وأعطني رد الجواب بأدب، وأعطني حق الطريق بأدب، واعلم أن السلطان كتبه في ساعة غضب، فإذا داخل الشيطان في أذنيك وأردت أن تقطّع الكتاب، قبل ما تقطع قطعة ورقة يكون رأسك سابقاً لها إلى الأرض، ولا تغتر بما حولك من العساكر فإنهم قليلون إذا جردت شاكريتي" ([65]). فإن رأى جوان عند الملك قال "وأول ما أقتل جوان" .
وقد اعتمدت دولة الظاهر بيبرس على رجال يحبون الموت ويسعون للشهادة في سبيل الله ويخلصون للدولة إخلاصاً شديداً، ويحبون السلطان الذي أعز الإسلام فأعزهم .
يقول شيحة "ما قصدي غير الجهاد في طاعة رب العباد، لعل الله تعالى أن يهدينا سبيل الرشاد … أنا لا أبالي بكل ما جرى لي لأني أعلم أن الجهاد هذا فرض على الإنسان، وأنا لا أتأخر عنه ولو اجتمعت على موتي الإنس والجان، وأطلب النصر من الله العزيز الديان"([66])
كما اعتمدت على جهاز أمني متسع، إذ كان حسن القصاص رئيس مخابراتها، وكان له رجال يبثهم في مناطق العالم فينقلون إليه أخبار تحركات العالم، وسرقات كبار المسلمين. كما فعلوا عندما أخبروا أن أربعمئة ملك نصراني سيقدمون لمحاربة المسلمين بتحريض من جوان –فتهيأ لهم المسلمون سراعاً، والتقوا بجيوشهم على انفراد فحقق الله للمسلمين النصر عليهم بسرعة تحركاتهم .
وكان في أماكن ضيافة المسلمين للعدو مخادع مكشوفة من أعلاها يجلس فيها من يراقبهم لينظر ماذا يفعلون، وقد اكتشف الوزير أن ضيفه الإيطالي مرين رجل مسلم كان يتظاهر بالنصرانية ليخدم الإسلام والمسلمين القادمين إلى بلاده .
وكل من قدم الدولة يستضاف حتى يتمكن من الاتصال بمن يريد .
والمسلمون في غير الدولة الإسلامية يشعرون بالرابطة المقدسة بينهم وبين المسلمين، ولهذا فهم يعملون على مساعدتهم، وقد أقنع الوزير الرومي المسلم مرين ملكه بمواقف المسلمين، وكذلك فعل رشيد الدولة وزير هلاوون وكان ممن يكتم إيمانه .
وكان لا يسمح للعدو بالدخول إلى البلاد إلا إن حصل على تأشيرة زيارة، وقد يبقى في البحر أياماً ريثما يسمح له.
والمسلمون إن أعطوا عهداً لأحد لم يخونوه، كما حصل مع ميخائيل ملك القسطنطينية، مما أدى إلى وثوقه بهم بل استعانته بالمسلمين ليردوا عنه نصرانياً طلب ابنته فرفض تزويجها فجاءه محارباً ليتزوجها قسراً، وقد قال ميخائيل في طلبه من بيبرس "إنني أتبع دولتكم ما دمت أؤدي الخراج لكم"، فأعانه بيبرس حتى قتل عدوه. وفك أحد الملوك عشرة ملوك من ملته مقابل تبعيته للدولة ودفعه خراجاً لها.
وكان العدو يأتي مستخفياً في هيئة تاجر غالباً ليثير الفتن في المجتمع الإسلامي، وهو يستخدم رجالاته، ويصل بعضهم ببعض سراً، وقد يستخدم الثوار على الدولة، وكان الروافض يعينون النصارى ضد المسلمين.
ومن الأسلحة المتداولة السيوف والشاكرية، واللت الدمشقي والمدافع والألغام، وهي بارود يوضع تحت الأرض، ويزرع في مناطق متعددة كما تزرع القنابل اليوم .
وقد حفر النصارى سراديب سرية تصل بين المناطق، وكانوا يغلقونها، ولا يفتحونها إلا في أوقات الحاجة، كالسرداب الذي يوصل إلى الميناء الخراب بالإسكندرية.
هـ – الأسلوب:
برز في عصر الدول المتتابعة مشكلة التزاوج اللغوي ([67]) بين الفصحى الأدبية وأخرى انحرفت عنها حتى قيل إنها لهجة شعبية أو عامية، إذ كان الأعاجم المسلمون يتكلمون لغة عربية ممزوجة بكلمات أعجمية، وفيها أخطاء لغوية سببها عدم إتقان اللغة ، أو اتباع لهجات متروكة ، وقد بدا هذا في تسكين أواخر بعض الكلمات ،وفي ضعف تركيب الجملة العربية، وهذه اللغة الممتزجة أو المتزاوجة ذات التراكيب المهلهلة في كثير من عباراتها دعت ابن منظور أن يؤلف معجمه "لسان العرب" ليحفظ للعرب لغتهم، كما ناقش ابن الأثير قضية الفصحى والعامية في كتابه المثل السائر.
وقد حِرْت في هذه السيرة، أهي قصة فنية كتبت باللغة الفصحى وفيها أخطاء، أم هي لغة عامة الناس آنذاك ؟
أرى أن الأعاجم من غير الأدباء الذين لم يتقنوا اللغة الفصحى سطروا تآليفهم بأسلوب ارتفع حيناً فصار فصيحاً ، أو أقرب إلى الفصحى ،على نحو قول مؤلف السيرة :
" فقال لهم ( أي نجم الدين صالح ) افعلوا ما بدا لكم، ولا يكون إلا ما أراد ربي وربكم، ثم إنهم أقاموا إلى أن أصبح الله الصباح، وأضاء الكريم بنوره ولاح، وطلعت الشمس على رؤوس الروابي والبطاح، وصلت على سيدنا محمد سيد الملاح r ذوي([68]) الأقوال الصحاح، ركبوا مع بعضهم وساروا قاصدين الديوان، فهذا ما كان. قال الراوي، وأما ما كان من الملك الصالح أيوب ولي الله المجذوب فإن الأغوات([69]) دخلوا عليه وأعلموه بأن الديوان تكامل فقال الملك وعلى الله الكمال، ثم نهض على الأقدام، وهو يتوكأ على قضيب خيزران، وقد سارت بين يديه الغلمان حتى وصلوا إلى باب الديوان، وسلموا على الإخوان، فأجابوا، وقرأ الفاتحة وأهداها إلى روح النبي r ثم إلى أرواح أحبابه وأولاده وذريته، وما تناسل وتواصل بينهم، ثم إلى أرواح الملوك السابقين قبله والمتأخرين بعده، وجلس السلطان، وجلست بعده الرجال، وقرأ القارئ وختم، ودعا الداعي وختم، ورقي الراقي وختم ".
فهنا نرى في أسلوب الكاتب خطأ واحد وهو (ذوو) ،وورود كلمة أعجمية كانت معروفة في المجتمع العربي آنذاك، وهي آغا ، ولكن هذا الأسلوب ليس عامياً وإنما هو فصيح بيّن الفصاحة وقد اعتمد صاحبه على السجع المفضل في النثر آنذاك ، وإن كان المستوى لم يرق إلى المستوى اللائق بالنص الأدبي .
وهذا نص آخر اقتطعته من جو المعركة الدائرة بين الخليفة ومنكتم الرافضي التتري من عبدة النار، وفيه نرى أثر اللهجات والأخطاء بينا ، يقول فيه:
"ولما قدم اللعين ونظر محل القتال، ورأى أصحابه ممدودة على الرمال صعب عليه وكبُر لديه وصاح، يا للنار ذات الشرار، ساطعة الأنوار، يا رفاظ([70])، وأمر بهز الشنيار([71])، فجردت اللئام سيوفها، واعتدلت على خيولها، وأقبلت إلى المعركة بصدورها، وهو يعوي عواء الكلب، ينادون يا للنار ذات الالتهاب، فتلقتهم المسلمين([72]) الأبرار بكل سيف بتار، وهم ينادون بالتهليل والتكبير، والصلاة على البشير النذير، وجردوا السيف في أعناق الكفار، وانسلبت منهم الأرواح، وحجب الغبار ضوء الشمس حتى غاب، وناح الغراب، وأكلت من لحومهم السباع والكلاب، وعشعش في آذانهم الناموس والذباب، وقد صاحت الإسلام، ولعب الحِمام في هؤلاء اللئام، وغلق الهام، وانقطع الكلام، وزاد الزحام، وعلا الغبار، ونما وطلع إلى عنان السماء، وتكحلت الأعين بمراود العمى، وتحسرت الأكباد على شربة من بارد الماء، ولم يزل السيف يعمل، والدم يبذل، والرجال تقتل، ونار الحرب تشعل، إلى أن ولى النهار بالارتحال، وأقبل الليل بالانسدال، وأرادوا الانفصال القوم اللئام([73])، فما مكنتهم من ذلك عصبة الإسلام، بل حملوا عليهم، ومكنوا السيف في أعناقهم، ولله در الأكراد وما فعلت من الفعال([74]) .
فهنا نرى الأديب يصف المعركة وأهوالها بأسلوب تصويري جميل رسم فيه الحالة النفسية لكل من المسلمين وعبدة النار من التتر وهم يتقدمون إلى النزال ، كما صور أجواء الحرب وكثرة القتلى والدماء والوحوش التي شبعت من الأجساد .
وهو وصف بديع بصوره وعواطفه وموسيقاه الناجمة من السجع وتوازن الجمل وازدواجها ، وقد تكرر أمثاله في وصف الحروب ،ولكنه لم يخل من كلمات أعجمية كالشنيار، ولهجاتٍ عربية كقلب الضاد ظاء، ولغة أكلوني البراغيث، والتزام النصب في جمع المذكر السالم.
وهذه الهنات لا تجعل النص عامياً، ولا تسمح لنا أن نصمه بهذا الوصف، بل نقول إن الضعف بدأ يتسرب إلى الفصيح بالعودة إلى لهجات أهملت ، ومن قبل ترك الاحتجاج بلغة ما بعد القرن الأول الهجري لوجود أخطاء فيه ولهجات متروكة.
وهذا وصف آخر لبنيان " دير الإخفا " وظفه المؤلف لخدمة غرضه إذ أراد أن يبين به مدى الجهد الذي كان المسلمون يعانون منه في جهادهم للصليبيين في الشام .
(دير الإخفا بناه الكهان، مبني على أربعين عموداً، وهو متركب عليهم، ومطلعه من قلب عمود منهم، وذلك العمود من دون العمدان مجوف، وفيه سلالم قطع بالإزمير، ولكن ذلك العمود مخفي بين العمدان، لم يدخل منه إلا الذي هو متردد عليه، وأما الغريب فلا يُمْكنُه الدخولُ إليه، وليس له وصول، لأن العمود الذي فيه السلالم والباب لم يعرفه أحد لكونه مرصود([75])، والوجه الثاني أنه على عتبة الدير شخص، كل من عبر في الدير يصيح بصوت عال، ويقول: يا أهل الدير جاءكم فلان، وما سمي دير الإخفا إلا لكون بابه مخفياً لم يره أحد إلا إذا كان من أهل خاصته، وأما الغريب على ذلك الحال فليس له وصول ولا دخول بسبب إخفاء الباب، وإن عرف الباب صاح عليه الشخص وأوقفه في يد أعدائه" ([76]) .
فهنا نرى الكاتب يتكلم بلغة فصيحة، وقد فصّل جزئيات الموصوف مما يتعلق بطريقة الدخول، وأوضحها، وكرر المعنى زيادة في الإيضاح ليشير بذلك إلى مدى معاناة المجاهدين وذكائهم .
ومن سِمات أسلوب السيرة أو لنقل الرواية التاريخية الملحمية مزج الشعر فيها بالنثر. والشعر الوارد فيها تكثر فيه الأخطاء اللغوية والنحوية والعروضية، ومنه قوله:
يا حاكماً بين جميع الورى
أنصف الأنام بالعدل والإنصاف
وخذ الحق لكل مظلوم
وأنصفه على الظالم المتهاف
وإن ظلمت فأنت مطالب
بين يدي الحاكم والمواف
يوم لا ينفع فيه مال
ولا بنون ولا أولاف
إلا من أتى ربه بقلب
فذا هو الذي يفوز بالرفراف ([77])
فالشطر الثاني أطول من الشطر الأول في الأبيات كلها، ولعل عروضه أعجمي لأنه لم يوزن على العروض العربي ،وفيه أخطاء سببها الرغبة في الحفاظ على القافية كما في (المتهاف، المواف، أولاف)، وأرى أنه أراد (المتهافت، الموافي، أولاد).
وعلى أي حال فهذا لا يعد في الشعر، ولعل صاحبه أراد أن يزين السيرة بالنظم لما للشعر من مكانة .
ومن الشعر الذي قلت أخطاؤه قول شجرة الدر تشكر ربها لأن والدها أكرمها ، لجودها على الفقراء ، بتملك مصر:
سأحمد ربي في كل ساعة
على نعمة لم أقدر أمضيها
قد منَّ عليَّ الكريم بفضله
وبلغني من الدنيا أمانيها
وعزّني رب الأنام بعزه
وأعطاني مَعاطيَ لم أقدر أكافيها
فله الحمد شكراً ومنة
على وهبه مصر إياي وما فيها ([78])
ولم يخل هذا الشعر من أخطاء أيضاً.
وهناك لغة رمزية وردت على لسان العارف بالله نجم الدين صالح أيوب، ومن المعروف أن متصوفة القرن السابع أكثروا من الرمز للدلالة على معان لم يرغبوا في التصريح بها، يقول الصالح أيوب:
"الطير نظر الطيور، قام أعلمَ الطيرَ، قام الطير طرد الطيرَ من القفص، وقال إذا دخلت القفص نقرتك بمنقاري، قام الطير. إن الطيور يأخذها الطير" ([79])
يريد أن علي بن الوراقة رأى المماليك الذين أرسلهم الصالح لإحضارهم، فأخبر الملك مسعود برغبته في شرائهم، فطرده من بلاده وهدده بقتله، ثم قرر الصالح: إن المماليك يأخذها علي.
وفي السيرة تأثر بالقرآن الكريم وذكر لبعض الأحاديث الشريفة استخدمها المؤلف على لسان الشخصية في معرض الوعظ والإرشاد، كما فعل عرنوص وهو يشرح لزوجته الملكـة زهرة الإسلام([80]).
واستخدم الألقاب كثيراً على عادة كتاب العصر ،كقوله: "وسنرجع إلى سيرة خادم الحرمين الشريفين، وقائد الرايتين، المتكلم بالصدق لا بالشين، الزناد القادح، والبحر الملان ([81]) الطافح، والزناد القادح، الولي الناجح، الملك الصالح، نجم الدين أيوب، ولي الله المجذوب" ([82]) .
وفضلاً عن استخدام لهجة (أكلوني البراغيث) فإن هناك لهجة إبدال بعض الحروف، فالثاء تصير تاء في (عتمان بدلاً من عثمان)، والتاء تصير طاء (له صوط حنين)([83]) أي صوت حنين أو حنون، و (أصمط)([84]) بدلاً من أصمت، والذال تصير دالاً في (الأندال) بدلاً من الأنذال. والهمزة تخفف في (نايب الشام)([85]) بدلاً من نائب .
وهناك قياس نحوي خاطئ مبني على قواعد النحو التركي لا العربي ، فدولتلي يراد بها النسبة إلى دولة بإضافة اللام والياء عند الترك بدلاً من ياء النسبة المشددة عند العرب.
وهناك خلط بين المذكر والمؤنث كعادة الأعاجم أيضاً مثل (أقبل عليه من كبد البر هجّان آخر ومال إلى ذلك الشجرة)([86]) والصحيح إلى تلك الشجرة.
وأخطاء نحوية كنصب المرفوع في (حصل عنده غماً شديداً ما عليه من مزيد)([87]) والصحيح غم شديد.
ومن الأخطاء النحوية أيضاً اطراد استخدامه حرفاً زائداً في الأفعال الماضية مثل (لا أورانا وجهه) والصحيح لا أرانا، وأحسبها لكثرتها لهجة استعملها.
ومن استخدام الأعداد استخداماً خاطئاً قوله (ما قتلت غير إحدى عشر من هؤلاء) ، والصحيح ( غير أحد عشر ) للمطابقة .
ومن استخدام العامية المصرية وقلما وجدت قوله على لسان شخصية : (دول إيه يا أبي)([88])
وقد سكّن أواخر بعض الكلمات كقوله (وكان ذلك الملك جبار عتيد، وشيطان مريد)([89])، وقوله: (وصفت جاريته غلام، كأنه البدر التمام) ([90]) وقوله وصحبته ثمانين ألف من المشركين بدلاً من ألفاً مع اتباع لهجة لزوم الياء في جمع المذكر السالم.
وأخيراً
وبعد هذا التطواف الطويل الأمد مع السيرة الشعبية أرى أنها تعد رواية ملحمية، تاريخية، فنية إلى حد كبير كما أوضحت في دراستها ، فقد استمدت من التاريخ خيوطها الكبرى ولكنها لم تلتزم ما فيه، بل صبغته صبغة أسطورية أدخلت فيها عقائد المجتمع وظروفه السياسية والاجتماعية، وصورت بطولة الإنسان العسكرية، كما صورت بطولته الخلقية ومساعيه لبناء دولة قوية مرهوبة الجانب في الداخل والخارج، تنفذ شرع الله، ولا تأخذ ولي أمرها وسلطانها في الله لومة لائم.
وقد مزج الكاتب الحقيقة بالخيال والأسطورة بالواقع فجعل المجاهدين والأولياء والمتصوفة والسحرة وعلماء الملل يعملون لحساب غاياتهم ، ويبرزون طاقاتهم العسكرية أو طاقاتهم السحرية من أجلها .
ويمكنني أن أقول إن فني السيرة أخلت بأمرين، ولولاهما لقيل إنها فن ملحمي روائي تاريخي سبق إليه العرب في هذا العصر. وهذان الأمران هما:
1- توارد تسجيل النصوص بلا تقسيمات أو فواصل أو فصول أو عناوين، وهذا ما عرفناه عن طريق القصة الغربية.
2- ورود تراجم للسلاطين المماليك ثم للسلاطين العثمانيين بعد وفاة بيبرس وولديه مما لا حاجة لها، وأرجح أن تكون هذه، أو على الأقل ما تحدث منها عن العصر العثماني من عمل النساخ، ولاسيما أن أسلوب الترجمة تغير ، إذ صار أفصح وأقوى إلى حد ما، مع أن السيرة ظلت محكية على لسان الراوي، كما أن التأريخ صار ميلادياً، وهذا ما لم يكن يعرف في العصر المملوكي، إلا إن قلنا إن الرواية كتبت بعد عصر عبد الحميد الثاني لأنه ترجم له ثم توقف عنده ولم يتحدث عن وفاته، وهذا ما أستبعده لأن سيرة الظاهر بيبرس كما أرجح سجلت في العهد المملوكي وترجمة حياة الديناري راويها تجزم بذلك.
ولذلك فإني أدعو إلى دراسة السير بل آداب العصر كله ، لأن إهمال دراسة العصر المملوكي والعثماني أدى إلى أن ننسب إلى الغرب ما كان عرف فيه من الفنون .
([1] ) الأسطورة هي حكاية يفسر بها الإنسان ظواهر طبيعية ، وتتحدث عن تعدد الآلهة بالمفهوم الوثني ، بوصفها قوى غيبية تسيطر على الظواهر الكونية وتنظمها ، ولا تلتزم بالحقيقة ، وهي تقترب من القصص الشعبي ، فكلاهما ينبع من معتقداته التي رسخت في وجدانه : المرجع في أدب الأطفال /149 .
([2]) الأسطورة والتاريخ في التراث الشرقي/28، وعلى الرغم من أن السير الشعبية لا تعد في الأدب الرفيع لهلهلة أسلوبها وكثرة اللهجات والأخطاء فيه، إلا أنها تؤكد أن المجتمع العربي عرف فن القصة قبل أن يأتينا هذا الفن من الغرب، وبذلك تساهم هذه الدراسة في مشروع إعادة النظر في آدابنا وتاريخنا لكتابته ثانية بعيداً عن التأثرات الغربية، ولاسيما أن بعض الجامعات تدرس في النثر العربي الحديث قصصاً سجلت بالعامية.
([3] ) الظاهر بيبرس هو بيبرس العلائي البندقداري الصالحي ركن الدين الملك الظاهر صاحب الفتوحات ( 625-676هـ) ، ولد في القبجاق ، وبيع في سيواس ، ثم جاء حلب فالقاهرة وأعتقه السلطان نجم الدين أيوب . قاتل التتر ثم تولى السلطنة واستمر يقاتلهم ويحارب النصارى ويفتح قلاعهم ، كما فتح بلاد النوبة ودنقلة ولم تقتح قبله ، وصارت الخلافة في عهده في مصر : الأعلام 2 /79 .
([4]) عصر الدول والإمارات : مصر /488 .
([5]) تطور مراحل النثر 3/587 .
([6] ) تمثل سيرة عنترة وسيف بن ذي يزن والزير سالم حياة الجاهليين ، أما سيرة الظاهر بيبرس فترسم صورة المجتمع في العصر المدروس، فضلا عن أنها كتبت فيه .
([7]) ذكر مؤلفها أنها منقولة عن السيد الديناري، ووافقه على ما فيها الدويداري وناظر الجيش وكاتم السر والصاحب، فكل من هؤلاء له دوره فيها بما ذكره وما عاينه. ثم قال: (قال الراوي وهو الديناري رحمه الله تعالى:…..) وسرد السيرة : سيرة الظاهر بيبرس، م1، ص11.
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أثناء الحديث عن وفاة بيبرس أنه كاتبه ابن عبد الظاهر جمع له سيرة مطولة، وكذلك فعل ابن شداد: ج13، ص233-234 .
([8] ) ذكرت د.نعمة الله إبراهيم في كتابها السير الشعبية العربية أن هذه السير كانت إرهاصات لفن القصة الحديثة وأنها عرضت بطولات شخصياتها في إطار يشبه إلى حد كبير الروايات الحديثة، ولكن د.نعمة الله اهتمت بدراسة السيرة من خلال ماكتب عنها من الغربيين ولاسيما من الروس، ولم تدرسها دراسة فنية، وقد ذكرت أن الأفلام السينمائية اهتمت بها ولكنها شوهت معالمها، ولذلك سأقوم بدراسة هذه السيرة دراسة فنية.
([9]) هولاكو هو (هولا)، وهو (هلاوون) أيضاً، ينظر ذلك في النجوم الزاهرة /37-49 .
([10]) صلاح الدين الأيوبي توفي 589، والخليفة الذي عاصر ابن العلقمي هو المستعصم العباسي آخر خلفاء بني عباس توفي 656هـ ، ويعدهذا الفارق الزمني من خلل التأريخ في السيرة .
([11] ) في كتاب الرحالة الأوربيون في العصور الوسطى يذكر الرحالة الألماني بوركهارد أنه لما زار بيت المقدس في فلسطين رأى تمكن بيبرس من إخضاع كثير من قلاع بلاد الشام ووقوعها في أيدي المسلمين : ص83
([12]) النجوم الزاهرة 37-49 وسيرة الظاهر بيبرس /13-14 .
([13]) هناك خطأ في التسمية فهو يرد مرة على أنه المقتدر وأخرى على أنه المقتدي.
([14]) النجوم الزاهرة 7/49 .
([15]) رحلة ابن بطوطة /111 .
([16]) النجوم الزاهرة 7/94-95، وسمط النجوم العوالي 4/23، والأعلام 5/79 .
([17]) التاريخ الإسلامي 7/136-149 .
([18]) يذكر التاريخ أن هذا كان قد خان مع التتر، ودخل بغداد مع جيش هولاكو: النجوم الزاهرة 7/49 .
([19]) فوات الوفيات 2/223-224، والنجوم الزاهرة 7/185، والبداية والنهاية 13/189، وعجائب الآثار 1/28، ويذكر أن قطز أضمر الغدر ببيبرس ولم يسلمه حلب ، وأن بيبرس عرف هذا فكان كل منهما يحترس من اىخر فقتله في الطريق مع جماعة من الأمراء ، كما يذكر أنه لما تسلطن واستقر أمره حارب أمير مكة الذي نافق معهم ومنع الحج اثنتي عشرة سنة وقتل أمير مكة وملك التتر معا ودخل مكة وكسا البيت .وينظر لقتل بيبرس لقطز أيضا تاريخ الخلفاء /475، والمرجعان الأخيران لم يذكرا الصيد، إنما ذكرا أن قطز لم يعط حلب لبيبرس فقتله، والتاريخ الإسلامي 8/35
([20]) التاريخ الإسلامي 8/24-27 .
([21]) الأعلام 5/79 .
([22]) النجوم الزاهرة /178-179، وقضية إيمان بيبرس بالنجوم تنكرها السيرة مراراً ، وتؤكد أنه كان قوي الإيمان، ويعتقد اعتقاداً جازماً أنه (لا يعلم الغيب إلا الله) استنادا إلى قوله تعالى: )قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله، وما يشعرون أيان يبعثون( النمل /15 .
([23]) النجوم الزاهرة 7/269 .
([24]) ينظر البداية والنهاية ج13/244-245) وكذلك فوات الوفيات 2/225 .
([25]) السيرة /1623
([26]) البداية والنهاية 13/216 .
([27]) قبر معروف بن حجر في باب أنطاكية في مدينة حلب في صدر سوق يسمى بسوق أنطاكية ، وعليه شبه عمامة من الحجرمغطاة بمنديل أخضر، رمز الأشراف، وقد رأيته فيها .
([28]) السيرة /1391 .
([29]) سقر: جهنم، ولعل الكاتب ذكر ذلك حسب المفهوم الإسلامي، لأن الجنة للمسلمين لا لغيرهم.
([30]) السيرة /1882-1883 .
([31]) السيرة /213 .
([32]) السيرة /470، وكلمة(ابن عمكم) تؤكد ما ورد في أول السيرة من أن الأكراد عرب ينتسبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
([33]) فن القصة / 9
([34]) مراحل تطور النثر العربي 3 / 623
([35]) السيرة /2186 .
([36]) السيرة /81-82 .
([37]) السيرة /75 .
([38]) السيرة /1367 .
([39]) السيرة /1366 .
([40]) السيرة /1466 .
([41]) السيرة /1642 .
([42]) السيرة /1329-1339 .
([43]) السيرة /3085-3086 .
([44]) السيرة /1083-1084 .
([45]) السيرة /2463 .
([46]) السيرة /466 .
([47]) نظرية البنائية /296 .
([48]) السيرة /121 .
([49]) السيرة /3056-2057 .
([50]) السيرة /1877 .
([51]) السيرة /1592 .
([52]) حذفت نون الوقاية قبل ياء المتكلم وفك إدغام كلمة يوادوني .
([53]) أبقى الياء للسجعة.
([54]) السيرة /58 .
([55]) السيرة /886 .
([56]) السيرة /467
([57]) السيرة / 142
([58]) السيرة /55 ؛ لعل هذا بمفهوم الكاتب المسلم، والفكرة في السيرة /740 و 2731 .
([59]) السيرة/924، وكلمة نصراني من حقها النصب.
([60]) السيرة /815 .
([61]) السيرة /2230 .
([62]) نفسه.
([63]) السيرة /70 .
([64]) السيرة /918 .
([65]) السيرة /2168 .
([66]) نفسه /3013 .
([67]) تحدثت في تمهيد الكتاب عن قضية ازدواجية اللغة بمعنى أن الأديب صار يكتب بالأسلوب المصنوع الكتب الرسمية، وبالمرسل سائر مؤلفاته، أما التزاوج اللغوي في السيرة فهو مصطلح يشير إلى وجود لغتين في المجتمع: اللغة العربية الفصحى الأدبية بنوعيها السابقين وأخرى كثرت فيها الأخطاء حتى حرفتها عنها وهي لغة السيرة الشعبية في ذلك الحين ، وسيمر هذا في الفصل الأخير عند دراسة الأسلوب في عصر الدول المتتابعة .
([68]) الصحيح ذوو لأنها فاعل
([69]) كلمة أعجمية بمعنى الأعيان من المسؤولين .
([70]) لهجة تقلب الضاد ظاء، ولا زالت موجودة ونسمعها ونراها في مناطق الخليج والعراق .
([71]) كلمة أعجمية وتعني راية الحرب.
([72]) حقها أن تكون مرفوعة، ولكن هناك لهجة تورد جمع المذكر السالم بالياء والنون دائماً وترفع بالحركات الظاهرة: أوضح المسالك 1/53 ، ويمثلها في السيرة (وصحبته ثمانين ألف من المشركين) ، ص29، والأصل ثمانون ألفاً.
([73])هذه لهجة أكلوني البراغيث وهي معروفة .
([74]) السيرة /30
([75]) يفهم من سياق هذه الكلمة أنه مرصود لا يفتح إلا لمن عرفت الجن أنه يسمح لهم به.
([76]) السيرة /2470-2471 .
([77]) السيرة /255 .
([78]) السيرة /28 .
([79]) السيرة /122 .
([80]) السيرة /2149 .
([81]) لغة تخفيف الهمزة والأصل الملآن .
([82]) السيرة /211 .
([83]) السيرة /1380 .
([84]) السيرة /284 .
([85]) السيرة /147 .
([86]) السيرة /40 .
([87]) السيرة /44 .
([88]) السيرة /547 .
([89]) السيرة/71 والأصل جباراً عنيداً وشيطاناً مريداً.
([90]) السيرة /45 .
وسوم: العدد 677