في مؤتمر الموائد والموالد، حضر الشعارير؛ وغاب الشِّعر!
أديب مصري
من مقولات العلاّمة الناقد الدكتور/ الطاهر أحمد مكي(92 عاماً) التي لا أنساها ما حييتُ؛ قوله البليغ الباكي على حال الشعر والشعراء؛ والذي فاجأني به؛ عندما صاح: "يا بُنَيَّ؛ لقد مات الشعراء العرب الكبار! والشعر العربي يمر اليوم بأزمةٍ قاحلةٍ قاصمةٍ؛ فقد أحاله عبد المعطي حجازي، وأدونيس، وجابر عصفور، وسعدي يوسف إلى غرفة الإنعاش؛ بأيديهم وكتاباتهم"!
وفي أواخر تسعينيات القرن الماضي؛ أقام صالون الأوبرا الثقافي بمصر حفلاً لتكريم الدكتور/ إحسان عباس؛ حضره أغلب النقاد والأدباء؛ فوقف إحسان عباس خطيباً؛ فقال عبارته الشهيرة: "اليوم؛ أصبحت أصف نفسي بالجهل وعدم القدرة على الفهم؛ فعندما أقرأ الحداثة العربية؛ وقصائد النثر التي لا معنى لها؛ أتساءل ماذا يريدون"! فصفَّق له الحضور؛ ماعدا عز الدين إسماعيل، وجابر عصفور، ومحمد عبد المطلب، وصلاح فضل"!
وحكى لي الأديب الكبير/ وديع فلسطين(93 عاماً) أنه: "حضر ذات مرَّةٍ ندوةً أقامها المجلس الأعلى للثقافة بمصر؛ برئاسة الشاعر/ أحمد عبد المعطي حجازي(الذي طلَّقه الشِّعر منذ ثلاثين عاماً)؛ فانبرى المتشاعرون؛ من كل حدبٍ وصوبٍ؛ يخبطون خبطَ عشواء؛ ويسرقون كلاماً من هنا، وهناك، وهنالك، ويهرفون بهذيان السوقة والمجانين، وكلام المواخير والحمير؛ فأطلقوا عليه قصيدةَ نثرٍ؛ ويرونه أحدث صيحةٍ في عالم القريض والفن والجمال! فقلتُ في نفسي: سبحان الله؛ هل هذه مصر؛ بلد الشعر والشعراء؛ موطن شوقي، وحافظ، والبارودي، والعقاد، وعلي محمود طه، ومحمود حسن إسماعيل، وناجي، ومحمود أبي الوفا، ومهوى أفئدة مي زيادة، وخليل مطران، ونزار قباني، والأخطل الصغير، وبولس سلامة، والشاعر القروي، وزكي قنصل، وجورج صيدح، وأمين الريحاني، وناصر الدين الأسد؟ لقد مات الشعر، وانقبر العباقرة، ورحل الفن الجميل، وذوى الخيال المحلِّق، وصمتت اللغة الشاعرة؛ فحلَّ الدمار والخراب، واليباب والتباب؛ واستولى الشعارير على بيت الشعر العربي بعد الحجر على أصحابه؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم"!
هكذا؛ رأى المنصفون؛ من النقاد العدول الكبار؛ كما رأيتُ أنا؛ فالوطن العربي الآن؛ ينقسم، ويتشرذم، ويتعرَّض لأكبر عملية إبادةٍ شهدها التاريخ؛ فقد تحالف الغرب مع رويبضة المتأسلمين الوالغين الخائنين؛ لتمزيق بلاده، وتقسيم حدوده، وتشييع لغته، وإزاحه الوسطية والاعتدال من أجوائه؛ لصالح الهمجية، والتطرف، والإظلام، والتخلف، وعودة العصور الحجرية؛ لقيام إسرائيل الكبرى! فأين إذاً؛ الشعراء العرب من هذه المآسي والكوارث؛ التي تخبطنا صباح مساء؛ منذ خمس سنوات؛ فأتت على العقول، والأخضر، والأمن، والأمان، والأديان؟! لقد باتت ليبيا، وسورية، واليمن، والعراق ساحاتٍ للقتل اليومي، والتهجير اليومي، والتفجير اليومي، والتفخيخ اليومي! فأين الشعراء العرب من كل ذلك؟! وهل عبَّروا عن هذه البلايا، والرزايا، والضحايا في أشعارٍ مدويةٍ؛ تسجِّل فداحة الخطب، وتؤرخ لمجئ الغرب من جديدٍ لاحتلال العرب؛ ولكن على المطايا الإخوانية الداعشية الصفوية الحوثية؟!
فخلال القرن الماضي؛ كان حريقاً صغيراً في مدينة ميت غمر بمصر؛ يدخل التاريخ الشعري؛ لأن أمير الشعراء/ أحمد شوقي جادت قريحته العبقرية بقصيدةٍ عصماء؛ هزَّت الدنيا؛ لروعتها وعظمتها من أجله!
لا؛ بل انظروا إلى شوقي؛ وهو يتفجَّع ويتوجَّع؛ عندما قال في نكبة دمشق في مطالع القرن العشرين:
سلامٌ من صَبا بَرَدى أَرقُّ ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يا دِمَشْقُ ومعذِرة اليَرَاعةِ والقوافي جلالُ الرُّزْءِ عن وصْفٍ يَدِقُّ وذكرى عن خواطرِها لقلبي إليكِ تلفّتٌ أَبداً وخَفْق وبي مما رَمَتْكِ بهِ الليالي جراحاتٌ لها في القلب عُمْق دخلتكِ والأَصيلُ له ائتلاقٌ ووجهكَ ضاحكُ القسماتِ طَلْق وتحتَ جِنانِك الأَنهارُ تجري ومِلْءُ رُباك أَوراقٌ ووُرْق وحولي فتيةٌ غُرٌ صِباحٌ لهم في الفضلِ غلياتٌ وسَبْق على لهواتهم شعراءُ لُسْنٌ وفي أَعطافِهم خُطباءُ شُدْق رُواةُ قصائِدي، فاعجبْ لشعرٍ بكلِّ محلَّةٍ يَرْوِيه خَلْق غَمزتُ إباءَهم حتى تلظَّتْ أُنوفُ الأُسْدِ واضطرَم المَدق وضجَّ من الشّكيمةِ كلُّ حُرٍّ أَبِيٍّ من أُمَيَّةَ فيه عِتْق لحاها الله أَنباءً توالتْ على سَمْعِ الوليِّ بما يَشُقّ يُفصّلها إلى الدنيا بَرِيدٌ ويُجْمِلُها إلى الآفاق بَرْقُ تكادُ لروعةِ الأَحداثِ فيها تخال من الخُرافةِ وَهْي صِدْق
وقيل: معالمُ التاريخِ دُكَّتْ
وقيل: أصابها تلفٌ وحرقُ أَلستِ ـدِمَشقُ ـللإسلام ظِئراً ومُرْضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقّ؟ صلاَحُ الدين، تاجُك لم يُجَمَّل ولم يُوسَم بأَزين منه فَرْق وكلُّ حضارة في الأَرض طالت لها من سَرْحك العلوي عرقُ
لا بل؛ انظروا إلى الشاعر السعودي/ غازي القصيبي راثياً أحوال بغداد وسقوطها الفاضح الذليل؛ بعد الاحتلال الأمريكي لها في الألفية الثالثة:
سترتُ وجهي يا بغدادُ من خجلي
وصحتُ قل يا فمي شعراً فلم يقلِ
فإذا كان شوقي، وغيره من الشعراء عبَّروا عن سقوط عاصمةٍ عربية؛ بهذه القوة، وبهذه الشاعرية، وبهذه اللغة العالية، والعاطفة الحية الصادقة، وبتلك الصياغة الباكية، التي زلزلت الأحجار من حولنا؛ فما بالنا بالبشر؟!
وعلى النقيض الآن؛ أجل؛ لقد طمى الخطبُ؛ فلم تسقط القدس فقط؛ ويا لها من كارثة الكوارث، وفاجعة الفواجع؛ لا بل؛ شهدنا عصر سقوط الدول العربية: طرابلس الغرب، ودمشق، وصنعاء، وبغداد، والبقية تأتي! فلم نجد شاعراً حداثياً، ولا إسلاموياً؛ يمتلك الموهبة، واللغة، والخيال، والموسيقى، والصياغة، والصدق الفني؛ لرثاء العروبة المستلبة، والدول المجتاحة، والحضارة الآفلة؛ بفعل الغرب، والصهيونية، والمتأسلمين العرب المارقين الآبقين الغادرين العملاء!
فأين إذاً عبد المعطي حجازي؟! وأين أدونيس؟! وأين سعدي يوسف؟! وأين شربل داغر؟! وأين محمد بنيس؟! وأين إبراهيم أبو سنة؟! وأين فاروق جويدة؟! وأين حسن طلب؟! وأين محمد علي شمس الدين؟! وأين شوقي بزيغ؟! وأين المنصف الوهيبي؟! وأين عبد العزيز المقالح؟! وأين قاسم حداد من الزلازل التي يعيشها العالم العربي منذ أكثر من خمس سنوات، وما زال؟! وأين النقاد: محمد عبد المطلب، وصلاح فضل، وعبد السلام المسدي، وفيصل دراج، وصبري حافظ، ومحمد بدوي، ومحمود الربيعي، وحمدي السكوت، وعادل سليمان جمال، وأحمد درويش، وشفيع السيد، ومحمد أبو موسى، والسعيد عبادة، وعبد القدوس أبو صالح، وصابر عبد الدايم، وسعد أبو الرضا، وسعيد علوش، ومحمد مفتاح، وعبد الله الغذامي، وحسن بشير، وسعد مصلوح، وفتوح أحمد، وسيزا قاسم، وفريال غزولي جبور، وهالة حليم، ومديحة السايح، وأمينة رشيد، وشيرين أبو النجا، وفوزي عيسى، ويوسف نوفل، وحسن البنداري، ومي خليف، وسامي سليمان، ومدحت الجيار، وشريف الجيار، وعبدالمنعم تليمة، وسليمان العطار، وميشال جحا، وعبده زايد، وريتا عوض، وسلمى الخضراء الجيوسي، وعز الدين المناصرة، وسليمان بختي، ومحمد الشحات، وعماد الدين خليل، ومحمد الخالدي، وعذاب الركابي، وعماد عبد اللطيف، وأبو الفضل بدران، ومصطفى رجب، ومصطفى الضبع، وسعيد يقطين، وحسن الأمراني، ومحمد زكي العشماوي، وجمال صقر، وحلمي القاعود، وسعيد السريحي.
وخلال هذه الأيام؛ سيقام ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي؛ بحضور أكثر من مائتي شاعر وناقد عربي؛ منهم: سعدى يوسف "العراق"، وقاسم حداد "البحرين"، وحبيب الصايغ "الإمارات"، وسيف الرحبى "عُمان"، والمنصف المزغنى "تونس"، ومحمد البريكى "الإمارات"، وعباس بيضون "لبنان"، وأحمد قران "السعودية"، وميسون صقر "الإمارات"، وعلى جعفر العلاق "العراق"، وحسن المطروشى "عمان"، وروضة الحاج "السودان"، وعبد القادر الحصنى "سوريا"، ومحمد على شمس الدين "لبنان"، وخلود المعلا "الإمارات"، وعز الدين المناصرة "فلسطين"، وعلالة قنونى "فلسطين".
أما عن النقاد العرب، فمنهم: علوى الهاشمى "البحرين"، وسعد البازغى "السعودية"، وعبد السلام المسدى "تونس"، ومحمد صلاح أبو حميدة "فلسطين"، وراشا نصر العلى "سوريا".
أما عن الشعراء المصريين فمنهم: أحمد عبد المعطى حجازى، محمد إبراهيم أبو سنة، حسن طلب، فاروق جويدة، محمد سليمان، أحمد الشهاوى، رفعت سلام، محمد فريد أبو سعدة، جمال القصاص، عماد غزالى، أحمد فضل شبلول، جرجس شكرى، محمد الشهاوى، محمود نسيم، محمد أبو دومة، سمير درويش، شيرين العدوى، السماح عبد الله، إبراهيم داوود، فتحى عبد السميع، فولاذ عبد الله الأنور، إيهاب البشبيشى، أمجد ريان، محمد أبو الفضل بدران، هبة عصام، على منصور، عزت الطيرى، محمد آدم، مؤمن سمير، عاطف عبد العزيز، سامح محجوب، حسن شهاب الدين، نصار عبد الله، شريف الشافعى، أحمد طه، حسين القباحى، عبد الرحمن مقلد، صلاح اللقانى، أحمد عايد، على عمران، أحمد بلبولة، سلمى فايد، غادة نبيل، أحمد مبارك، إسماعيل عقاب، وأشرف عامر.
أما عن النقاد المصريين، فمنهم: الدكتور عبد المنعم تليمة، الدكتور محمد عبد المطلب، الدكتور صلاح فضل، الدكتور جابر عصفور، الدكتور حسين حمودة، الدكتور شاكر عبد الحميد، الدكتور عبد الناصر حسن، الدكتور أحمد درويش، الدكتور محمد فكرى الجزار، الدكتور سعيد توفيق، الدكتور حامد أبو أحمد، الدكتور هيثم الحاج على، الدكتور عبد الحكم العلامى، الدكتور خيرى دومة، الدكتور حسام نايل، الدكتور أحمد الصغير، الدكتور مجدى توفيق، الدكتور محمود الضبع، الدكتور شوكت المصرى، الباحث أحمد حسن، الباحث حسام جايل.
وأقول؛ بكل أسىً وفجيعةٍ؛ أجل لقد حضر الشعارير المتشاعرون، ونقاد الشنطة المجاملون، وجوقة المطبلين؛ للأكل والسياحة والتنزه والثرثرة الفارغة .. لكن؛ غاب الشعر الأصيل الفاجع المفجوع رثاءً لدمشق، وبغداد، وصنعاء، وطرابلس الغرب؛ فلو كان الشاعر الكبير/ نزار قبّاني حياً الآن؛ لأعلن متى يعلنون وفاة الشعراء العرب، والنقاد العرب؛ بعد هزيمتهم العروبية؛ وانكشاف شاعريتهم الوهمية، وفساد وكساد بضاعتهم الواهية أمام براكين المتأسلمين الكاشحين المغرضين الكاذبين المجرمين؟!
ولكَ الله؛ يا وطننا العربي، من مؤامرات المتأسلمين، ومن مهازل المثقفين!
وسوم: العدد 697