الاتجاه الإسلامي في شعر أحمد مظهر العظمة
( 1327- 1403 هـ)
(1909-1982 م )
لم تتوقف السلفية السورية عن التغيير منذ بروزها في نهاية القرن التاسع عشر في أهم مركزين تاريخيين: دمشق، وحلب.
في بداياتها، كانت الحركة السلفية السورية شبيهة إلى حد كبير بالسلفية الإصلاحية التي نشأت في مصر على يد الشيخ محمد عبده، وكان رموزها رجال فكر ودين أيضًا، مثل الشيخ عبد الرحمن الكواكبي (1849-1902) والشيخ جمال الدين القاسمي (1914-1966)، والشيخ محمد رشيد رضا (1865-1935)، لكن السياسة كانت في صلب اهتماماتها.
ولا يختلف الفكر السلفي الشامي في بنيته عن الفكر السلفي للمدرسة الإصلاحية السلفية في مصر.
وقد تأثر عدد كبير من كبار رجال السياسة الوطنيين الأوائل بأفكار روادها، وبشكل خاص بأفكار جمال الدين القاسمي الذي كان يرعى منتدى يحضره أمثال: لطفي الحفار، وعبد الرحمن الشهبندر، وفارس الخوري، ورفيق العظم، ومحمد كرد علي، وسليم الجزائري، وعبد الحميد الزهراوي، ....وآخرون غيرهم.
تفرعت عن السلفية الإصلاحية الشامية عدة جمعيات، سرعان ما لعبت دورًا مهمًا في الحياة السياسية، أهمها :
-“الجمعية الغرّاء” (1924) التي أسسها الشيخ عبد الغني الدقر، وحاولت الـتأقلم مع التغييرات الاجتماعية التي أحدثها اقتحام الحياة الغربية الحديثة، وأدى نشاطها إلى إحداث تأثير اجتماعي واسع فباتت هدفًا مغريًا للسياسيين ورجال الحكم، طمعًا في الأصوات الانتخابية التي بحوزتها، بحيث إن شكري القوتلي الذي حصل على تأييد الجمعية نجح في الانتخابات البرلمانية في 1943، وجعل أمين سرّ الجمعية، الشيخ عبد الحميد الطباع، على قائمة مرشحي “الكتلة”، ففاز بالوصول إلى “البرلمان السوري” سنة 1943م .
وأيضًا جمعية التمدن الإسلامي (1930) التي أسسها أحمد مظهر العظمة والذي أصبح وزيرًا، وبهجت البيطار (أحد التلامذة المباشرين للقاسمي).
أصدرت عام 1946 مجلة باسم الجمعية يمكن اعتبارها أهم سجل مرجعي للسلفية الإصلاحية الشامية وتطوراتها.
تعتبر جمعية التمدّن الإسلامي ثاني أبرز الجمعيات الإسلامية ظهوراً في سورية بعد جمعية "الهداية الإسلامية" ، فقد تأسست في دمشق عام 1932 م. بدعوة من أحمد مظهر العظمة، الذي كان قد انتسب إلى معهد الحقوق العربي (كلية الحقوق) ومدرسة الأدب العليا (كلية الآداب) وتخرّج منهما لاحقاً عام 1935 م؛ وقد تولى رئاسة الجمعية في البداية الشيخ محمد حمدي الأسطواني السفرجلاني أحد أبرز مؤسّـسيها، وهو أحد مؤسسي جمعية "الهداية الإسلامية" أيضاً؛ وتشكل مجلس إدارتها الأول من: عبد الفتاح الإمام، عبد الرحمن الخاني، عبد الحكيم المنير، أحمد حلمي العلاف، عبد الحميد كريم، إضافة إلى أحمد مظهر العظمة الذي حمل مسؤولية أمانة السرّ فيها، وبقي على ذلك حتى وفاة آخر رؤسائها الشيخ محمد حسن الشطي عام 1962 م. ليتمّ انتخابه رئيساً للجمعية من ذلك الوقت؛ وكان ـ كما يروي الشيخ علي الطنطاوي عنه ـ "يحرّر مجلتها، ويكتب فيها، ويقوم على ناديها، ويدعو المحاضرين إليه، ويحاضر هو فيه، وكان يدوّن بنفسه أسماء المشتركين في المجلة ويكتب هو عناوينهم بيده، ويلصق الطابع بذاته، ليوفر على الجمعية أجرة موظف يتولى هذا العمل، وظل على ذلك حتى وفاته عام 1982 م. ".
اهتمامات ناضجة.. وإنجازات متميّزة
غلب على "جمعية التمدّن" طابع الإرشاد الديني والثقافي، لكنها لم تبتعد عن المساهمة في الحركة السياسية وقضايا الأمة العامة؛ ومن قراءة "عقيدة جمعية التمدّن الإسلامي" التي اعتادت نشرها على غلاف مجلتها، نستطيع أن نتلمس معالم الفهم الشمولي للإسلام لديها، وعنايتها الحثيثة بتنمية الجانب الإيماني والعبادي والسلوكي لدى جمهورها، بنفس القدر من الاهتمام بجوانب التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية للمجتمع والأمة: "أؤمن بأن الله واحد، والحكم كله لله، وبأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء... وبأن الإسلام قانون يشمل الدنيا والآخرة... وسوف أعمل من أجل نشر العلوم والمعارف النافعة في جميع فئات الأمة.. وأعد بأن أخصص جزءاً من دخلي للأعمال الصالحة وللإنفاق، وبأنني سوف أساند كل المخططات الاقتصادية الإسلامية المفيدة، وسأشجع منتجات دولتي وأبناء ديني ووطني... وأعد قدر استطاعتي بأن أجهد نفسي في تقوية رابطة الأخوّة بين المسلمين، وبأن أنهي التنافر واختلاف الآراء بين طوائفهم..". وكانت الجمعية قد أصدرت العدد الأول من مجلتها "التمدّن الإسلامي" في شهر ربيع الأول عام 1354 هـ. (الموافق لسنة 1935 م.) كمجلة "اجتماعية، أدبية، صحية"؛ وكان أحمد مظهر العظمة رئيس تحريرها، ومديرها المسؤول الطبيب أحمد شفيق نصري ؛ ونظراً لاهتمام الجمعية بشؤون التعليم في تلك الفترة التي كانت البلاد السورية فيها تحت الاحتلال الفرنسي، فقد نشطت في الإشراف على عدة مدارس أهلية لمحو الأميّة، ثم افتتحت لها في دمشق مدرسة ثانوية عام 44/1945 م. سمّيت "مدرسة التمدّن الإسلامي"، لم تلبث أن اندمجت في العام التالي مع "المعهد العربي" الذي أسسته جماعة "الإخوان المسلمين" بدمشق، وتحول المسمّى إلى "المعهد العربي الإسلامي"، الذي تولى د. مصطفى السباعي رئاسته، ينوبه أحمد مظهر العظمة، واختير عمر بهاء الدين الأميري مديراً للمعهد ؛ وعلاوة على ذلك أسست "جمعية التمدن" تحت إشرافها "الرابطة الأخوية لمساعدة فقراء الطلاب"، كما قامت بتأسيس مستوصف لها عام 1959 م. لا يزال مستمراً في العمل إلى اليوم .
كذلك اهتمت الجمعية مبكراً بالمجمع العلمي العربي ودعت إلى إحيائه ورعايته، وكتبت في هذا الصدد إلى كل من رئيس المجلس النيابي السوري، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير المعارف بدمشق خطاباً عام 1938 م. تشتكي فيه من "الاهمال الذي أصابه، وكيد ذوي الكيد فيما مضى من عهود الانتداب"، مطالبة المسؤولين الذين خاطبتهم برعاية المجمّع ومدّ يد المؤازرة له .
وعلى صعيد القضايا العامة شاركت الجمعية أيام الانتداب الفرنسي في التصدي لقانون الطوائف مع مثيلاتها من الجمعيات الإسلامية، وأرسلت باسمها كتاب احتجاج مطوّل إلى المفوضية الفرنسية والمراجع الرسمية، تستنكر فيه القرار وتطالب بإلغائه ، كما شاركت مع الجمعيات الإسلامية ونقابة واتحاد المحامين في تشكيل لجنة متابعة لإبطال القانون ، واستمرت فيها حتى تمّ لهم ذلك.
مع قضايا الأمّة وخارج حدود سورية تفاعلت الجمعية مع قضايا الأمة العامة المستجدة، فعندما أقدمت إيطاليا على احتلال بلاد الألبان عام 1939 م. سارعت إلى مخاطبة كل من قنصل إيطاليا في دمشق، وأمين سرّ "عصبة الأمم" بخطابين تستنكر في الأول احتلال "البلد الإسلامي المستقل الوحيد في أوربا"، وترى فيه تعبيراً عن "المطامع الاستعمارية المادية الفاسدة"، وتطالب الهيئة الدولية في الخطاب الثاني القيام بواجبها في سبيل المستضعفين احتراماً للمبادئ التي قامت عليها، وتبدي الأسف لمواقف هذه العصبة غير العادلة (9) . وأولت الجمعية فلسطين اهتماماً خاصاً واعتبرتها "قضية دين وقومية بل قضية إنسانية.." ووصفت السياسة البريطانية تجاه فلسطين بـ"المضطربة والظالمة"، واحتجت على وعد بلفور "الأشأم"، وعلى سياسات تسهيل الهجرة اليهودية وإبطال الصفة الإسلامية عن فلسطين تحت مظلة الانتداب، كما أعلنت مساندتها لمفتي فلسطين أمين الحسيني وطالبت له بحرية العودة إلى بيته وموطن عمله.. ؛ وكان للجمعية دور بارز في مساعدة الفلسطينيين أيام انتفاضة 1936 م.، وأسست في هذا السبيل "لجنة إعانة المنكوبين في القدس" . ولقد كان من أبرز ميزات "جمعية التمدّن" بعدها عن العصبيات وحرصها على التعاون مع جميع العاملين للإسلام، ولذلك انبثق من أعضائها مَن شكلوا فيما بعد جمعية "الشبان المسلمين" بدمشق ، وانتسب إليها العديد من أعضاء ومنتسبي الجماعات الأخرى؛ أما أحمد مظهر العظمة فكان عضواً إدارياً في جماعة الإخوان المسلمين، وعضواً مؤسساً في "رابطة العلماء" علاوة على كونه الناطق باسم "جمعية التمدّن"، وموفدها الدائم لمقابلة الزوار الرسميين إلى دمشق، وعلاوة على ذلك فقد شارك ضمن تعاونه مع العاملين في الجمعيات الأخرى في وضع مناهج التعليم لكل الجمعيات الخيرية في دمشق .
ولقد ترشح العظمة لانتخابات المجلس النيابي السوري عام 1947 م. ففاز فيها، ثم ما لبثت اللجنة الموكلة بالنتائج أن أعلنت عن خطأ في فرز الأصوات، مما اعتبره الكثيرون تزويراً صريحاً؛ غير أنه ولّي مناصب حكومية عدة، فعيّن عام 1951 م. مفتشاً عاماً بالدولة، ثم تولى عام 1959 م. رئاسة مكتب تفتيش الدولة، وفي عام 1962 م. عيّن وزيراً للزراعة، ثم أضيفت إليه معها وزارة التموين (15) ، وما لبث أن أعيد إلى رئاسة تفتيش الدولة عام 1963 م. وبقي فيها حتى أحيل على التقاعد سنة 1969 م .
تعرضت الجمعية لظروف قاهرة خلال فترة الثمانينات التي شهدت فيها النشاطات الإسلامية في سورية ضغوطاً حكومية قاسية، وقد أُغلقت الجمعية بعد مجزرة حماة الكبرى عام 1982. وتزامن ذلك مع وفاة أحمد مظهر العظمة في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 1982 م. مما اضطرها إلى التوقف عن إصدار مجلتها، لكنها تمكنت من الحفاظ على وجودها خلال تلك الفترة العاصفة، ولا تزال الجمعية موجودة تمارس بعض النشاطات في دمشق، ويقوم برئاستها في الوقت الحالي الشيخ أحمد معاذ بن محمد الخطيب ..
إن الشاعر أحمد مظهر العظمة هو ذلك المدرس، والمعلم المربي ، والكاتب ، والداعية الإسلامي، والحقوقي، والوزير الذي لم تغره المناصب، ولم تغيره الدنيا . سوري الجنسية ، مسلم الهوية والالتزام، عربي المنبت والفكر. تركماني الأصل من عائلة العظمة السورية العريقة...
أسرة آل العظمة:
ينتمي الأستاذ أحمد مظهر العظمة إلى أسرة دمشقية عريقة، استوطنتها، واستعربت منذ أربعة قرون، شأن معظم الأسر العريقة فيها.
يرجع نسبها إلى التركمان، وهم فرع من الترك. وأول من عرف منها (حسن بك تركمان) المتوفى عام 1040 هـ وقد اشتهر بلقبه التركي كميكلي أي العظمي، قدم دمشق من (قونية) التركية في أوائل القرن الحادي عشر الهجري معيناً بوظيفة (كتخذا) أي زعيم الجند الوطني، وبنى في موقع باب المصلى بدمشق داراً له كانت حينئذ أكبر دورها، ثم بنى دوراً لأولاده وأنسبائه حتى كان من ذلك حي واسع عرف بحارة التركمان، وقد احترقت خلال فتنة الوالي ابراهيم باشا الدالاتي الكردي سنة (1202)هجري وأنشئ محلها زقاق الموصلي.
رزق حسن بك بمحمد بك الكبير، وموسى باشا، وقد ولي محمد بك الكبير كأبيه زعامة الجند، وولي موسى باشا زعامة الجند أيضاً كأخيه و أبيه. ونبغ من أولاده حسين بك المتوفى سنة 1132 هـ الموافقة لسنة 1719م وكان أميراً سخياً ذا فضل وشعر وكتابة.
وقد حصلت نكبة أصابت هذه الأسرة فقتل من قتل من رجالها، وآثرت البقية الباقية العزلة حيناً إلى أن نشأ منها اسماعيل باشا المتوفى سنة 1210هـ الموافقة لسنة 1795م وهو ابن محمد بن حمدان التركماني، الشهير بالعظمة، وصار نائب (كتخذا) ايالة الشام، وأعقب ولدين هما ابراهيم ومحمد بك .. (انتهى ما ذكره لي الأستاذ العظمة عن أصل أسرة آل العظمة).
المولد والنشأة :
كانت ولادته في حي سوق ساروجا بدمشق العاصمة في صباح 6/4/1327 هـ/ الموافق 17/5/1909م .
توفي والده أحمد بك العظمة سنة 1336 هـ / الموافقة لسنة 1917م وكان عمر أحمد مظهر في نحو الثامنة من العمر، وكان ذلك الوالد الكريم حافظاً للقرآن الكريم ويعمل مزارعاً ملاكاً، كما يعمل في التجارة ووجيهاً ومتحدثاً فاضلاً، فذاق السيد أحمد مظهر العظمة بوفاته اليتم المبكر، فدرس ، وتربى ، وترعرع في أحضان دمشق تحت عناية عائلة عريقة وصارمة في تربيتها، وهي عائلة آل العظمة المعروفة بأصالتها ووطنيتها، حيث قدمت الشهيد يوسف العظمة قرباناً لحرية الوطن .
فشب على المبادئ والمثل والقدوة الصالحة، والوطنية فوصل إلى أعلى المراتب الوظائف التي يعتز بها وهي رئاسته لديوان تفتيش الدولة حيت كان آخر منصب حكومي له قبل تقاعده .
وأهم الصفات التي اتسم بها :
الصدق، والمبدئية، والهدوء في التعامل، والاعتزاز بالنفس، واستشارة ذوي الخبرة والمعرفة عند اتخاذ قراراته.
وكان يتقن الأدب ، والشعر ، والخط العربي ، والزخرفة.
وعاش في كنف والدته الحسيبة الحنون السيدة زينب السفرجلاني بنت السيد أحمد السفرجلاني مؤلف ( السفينة الموسيقية) وبرعاية أخ له وفي هو عبد القادر بك.
دراسته ومراحل تعليمه :
أدرك عهد الكتَّاب وختم فيه تلاوة القرآن الكريم الأولى، وتعلم القراءة ومبادئ الحساب فيه ، وأنهى الدراسة الابتدائية في مدرسة حي البحصة ( المدرسة الرشدية سابقاً) ثم أكمل الدراسة الثانوية في المدرسة السلطانية ومدرسة التجهيز ( مكتب عنبر) وحصل على شهادة التحصيل الثانوي (البكالوريا الثانية، شعبة فلسفة) عام 1932 م .
ثم انتسب إلى معهد الحقوق وإلى مدرسة الأدب العليا (كلية الآداب) في الجامعة السورية وتخرج فيهما عام 1354ه / الموافق عام 1935م.
-وإلى جانب الدراسة الرسمية درس علوم الدين على يد كبار العلماء حيث كان يحضر حلقات العلم عند :
- الشيخ بدر الدين الحسني : محدث الشام الأكبر ، والعالم الزاهد المجاهد ضد فرنسا ، ووالد الشيخ الرئيس تاج الدين الحسني وصاحب المؤلفات المشهورة .
- والشيخ صالح الحمصي - رحمه الله تعالى .
-والشيخ أبي الخير الميداني : العالم الزاهد المشهور .
- والشيخ خالد النقشبندي الحفيد.
كما تأثرت ثقافته الأدبية، والعلمية، والاجتماعية بالأدب الفرنسي وبرحلاته إلى الشرق والغرب.
زواجه وأسرته وأولاده :
تزوج الأستاذ المحامي أحمد مظهر العظمة من السيدة مؤمنة ابنة التاجر الدمشقي السيد محمد صالح عودة بتاريخ 15/12/1940 ورزق منها خمسة أولاد هم:
السيدة نائلة، والسيدة لميس، وأحمد غياث وهو حالياً مهندس نسيج، ومحمد إياد وهو حالياً طبيب بدمشق، والسيدة نهى.
وقد أحسن تربيتهم، وتعليمهم فأولاده وأحفاده منتشرون في بلدهم الأصلي سوريا، والعديد من البلاد العربية والعالمية، يعملون، ويقدمون خير ما تعلموه للناس .
تأسيس جمعية التمدن الإسلامي بدمشق :
دعا إلى تأسيس جمعية التمدن الإسلامي بدمشق عام 1350هـ ـ 1932م، وألقى باسمها عام 1351هجري أولى محاضراته في قاعة المجمع العلمي العربي بمناسبة ذكرى المولد النبوي، وبقي أميناً لسرها حتى توفي آخر رؤسائها العالم القاضي الجليل الشيخ محمد حسن الشطي عام 1383 هـ ـ 1962م فانتخب الأستاذ العظمة رئيساً لها، وقد كان ينهض في الحالتين بمعظم أعمالها، ومنها رئاسة تحرير مجلتها التي تطوع لها منذ اصدارها في ربيع الأول من عام 1354هـ ـ نيسان 1935م حتى وفاته.
وتعاون وبعض العاملين في جمعيات أخرى، ومن ذلك عمله في المؤتمر الكبير لنصرة الجزائر الذي دعت إليه جمعية أنصار المغرب العربي بالاتفاق مع رابطة العلماء، وقد انتخب أميناً عاماً للمؤتمر في دورته عام 1370هـ ـ 1960م وقد صدرت عن المؤتمر مقررات هامة في حينه منها الدعوة إلى تأليف حكومة جزائرية.
سافر إلى لبنان للنزهة، وإلى العراق مدرساً، وإلى مكة المكرَّمة والمدينة المنورة حاجاً عام 1363هـ ـ 1943م وإلى بلجيكا موفداً من وزارة التربية والتعليم عام 1950 للاشتراك في دورة تدريبية دعت إليها منظمة الأونيسكو العالمية للعمل المشترك في سبيل السلام بواسطة الكتب المدرسية وغيرها وللتفاهم بين الدول بالقدر المستطاع، وسافر إلى فرنسا وهولندا وانكلترا سائحاً، وإلى مصر عام 1957م عضواً في وفد الوحدة الثقافية.
دعي في عام 1950م إلى عضوية المجمع الإسلامي الدولي للعلوم والآداب في بولونيا.
كما دعي عام 1951م لعضوية المجمع العلمي لحوض البحر الأبيض المتوسط في (بالرمو).
أعماله ومناصبه:
مارس المحاماة فترة قصيرة بعد تخرجه من معهد الحقوق، وبعد زواجه سافر للتدريس في العراق الذي كان في تلك الفترة جديد التأسيس والنشأة في الأوائل الحكم الملكي بالعراق حيث قام بتدريس اللغة العربية في مدينة أربيل في العراق في 6/10/ 1936م . ثم درّس في منطقة الرستمية جنوب مدينة بغداد ..
( وقد لعبت الصدفة دوراً هاماً ففي سبعينيات القرن الماضي عند توديع أحد الحفارين المحالين على التقاعد قام، وألقى كلمة الوداع بلغة عربية رائعة بدلاً من الإنكليزية كما هو معتاد آنذاك، فأستغرب أحد الحضور، وسأله : أين تعلم هذه الفصاحة ؟ وهو ليس عربي فهو مسيحي تربى في قرى شمال العراق, وكان جوابه غريباً بأنه قد تعلم العربية ومبادئ دين الإسلام على يد أستاذ سوري... له قرابة بقائد الثورة العربية ضد الفرنسيين يوسف العظمة )) .
ثم عاد الأستاذ أحمد مظهر العظمة بعدها إلى وطنه للعمل في مدينة حلب حيث عمل مدرساً في مدرسة تجهيز البنين بحلب في 22/11/ 1941م ، والمدرسة الخسروية، والفاروقية.
ثم ترك التدريس، ونقل إلى دمشق للعمل رئيسا لكتاب الضبط في ديوان المحاسبات
بدمشق في 1/11/1943، وفي عام 1360 هـ/ 31/5/1947 استقال لترشيح نفسه للنيابة .
عمله في السياسة :
رشح الأستاذ أحمد مظهر العظمة نفسه للانتخابات في مجلس النواب .
حيث فاز فيها ، ولكن لجنة فرز الأصوات أخطأت بالنتائج ، فاحتج لدى رئيس الجمهورية إذ لم يقتنع بصحة الفرز، فترضاه، وعينه عضواً بالوكالة في لجنة التربية بوزارة المعارف, وزعم المسؤولون بعد نجاحه وجود خطأ في جمع الأصوات ..؟ وصرح في مجلس خاص موظف كبير مطلع بل مشرف، أن إيعازاً ورد المحافظة مصحوباً بضبط مزور، فوضع محل الضبط الصحيح، فكان ذلك سبب عدم نجاحه وكان أكثر المرشحين أصواتاً لخوض الدورة الثانية، وجاءت الدورة الثانية فكانت أكثر تزويراً وأظهر عدواناَ، وقاطعت المعارضة الانتخابات في دورتها هذه، وقدمت إلى المجلس النيابي طعونها على غير جدوى، واشتهرت ظلامته بين الناس، وأطلق عليها وقتها ( النائب الشعبي).
عين عضواً للجنة التربية بوزارة المعارف في 6/3/1948 وكالة .
ثم أصبح أصيلاً في 13/8/1949
وأصبح في 18/2/1951 مفتشاً للدولة
وفي 10/2/1959 عين رئيساَ لمكتب تفتيش الدولة.
وفي عام 1382 هـ / الموافق 17/9/1962م وبعد انفصال سوريا عن مصر اختير وزيراً للزراعة في وزارة الدكتور معروف الدواليبي فطرح فكرة الجمعيات التعاونية في المدن والقرى .
واهتم كثيراً بما كان يعانيه الفلاحون والمزارعون، وما كانوا يشتكون منه.
وأضيفت إليه مع وزارة الزراعة وزارة التموين وكالة في 16/2/1963م، لكنه بعد قيام ثورة آذار 1963 م، أخرج من الوزارة، وأعيد إلى عمله الأصلي برئاسة ديوان تفتيش الدولة في 11/3/1963م، وبقى فيه رئيساً للديوان حتى أحيل على التقاعد عام 1389هـ/ الموافق 16/9/1969م .
فقال شعراً يصور تلك الحالة :
أحلت على التقاعد وهو عجز ولكني سأجعله اقتداراً
ومن يزرع بذور الخير دأباً يجدها تملأ الدنيا ثماراً
استمر برئاسة تحرير مجلة التمدن الإسلامي والكتابة فيها شعراً ونثراً حتى وفاته.
انجازاته الاجتماعية والأدبية :
لقد كان من الشباب الإسلامي المثقف الذي عكس ، وأعطى صورة عصرية عن الإسلام تختلف عن الصورة التي كانت سائدة في الحقبة العثمانية ، و معظم فترة الانتداب الفرنسي , مع تأثر ثقافته الأدبية والعلمية والاجتماعية بالأدب الفرنسي وبرحلاته المتعددة للشرق والغرب.
فقد كان أحد المشاركين في تأسيس جمعية التمدن الإسلامي ، وأصبح أمين سرها ، ثم رئيساً لها ، وقد ضمت الجمعية صفوة علماء الشام في وقتها مثل الأساتذة السادة :
حمدي السفرجلاني، عبد الفتاح الإمام، محمد كمال الخطيب، عبد الحميد كريم، عبد الحكيم المنير، محمد بهجت البيطار، محمد علي ظبيان، محمد سعيد الباني، جميل الشطي، محمد أحمد دهمان، عبد الرحمن الخاني، سعيد الأفغاني ..... وغيرهم من العلماء السابقين .
وقد كان منهج الجمعية، ولا يزال منهج اتباع الدليل من الكتاب والسنة مع إدراك عميق لمقاصد الشريعة، وانفتاح وتعاون مع كافة التيارات الإسلامية، دون انغلاق ولا تعصب ولا تكفير، مع اهتمام بالغ بأحوال الأمة، وسد ثغراتها على كل صعيد.
وكان رئيس تحرير لمجلة التمدن الإسلامي منذ تأسيسها عام 1933 م، ولحين وفاته.
صورة لمؤسسي جمعية التمدن الإسلامي في دمشق
مقر جمعية التمدن الإسلامي في دمشق .
كما كان ناشطاً في العمل الاجتماعي والبر حيث تعاون مع العاملين في الجمعيات الخيرية والمؤسسات الثقافية، فأسهم في جمعية أنصار المغرب العربي في مؤتمر نصرة الجزائر، فكان أميناً عاماً له في دورة 1370 ه، وصدرت عن المؤتمر مقررات هامة، منها الدعوة لتأليف حكومة جزائرية، وكان لسان حال رابطة العلماء يتكلم عنها ويعبر عن تطلعاتها وأفكارها، مما زادت من شهرته فقد كان كذلك عضواً في عدد من الهيئات العلمية والثقافي.
ذكرته مجلة (الشهاب) التي أصدرها الإمام حسن البنا في ملحقها في سجل التعارف الإسلامي كعادتها في توثيق وذكر الدعاة ومنهم رجالات سوريا وعلمائها ودعاتها الأكرمين.
رحلاته :
ولا يخفى على المرأة المسلمة ما للاختلاط المطلق من مضار وخيمة على الجنسين لمسها الغربيون الذين يمارسونه على أوسع نطاق في تدنّي مستوى التعليم فعمدوا إلى عزل الفتيات عن الشبّان في كثير من الجامعات والمعاهد.
وقد شاهد هذا العزل الأستاذ المربّي (أحمد مظهر العظمة )الذي زار المدارس البلجيكية، ففي إحدى زياراته لمدرسة ابتدائية للبنات سأل المديرة : لماذا لا تخلطون البنين مع البنات في هذه المرحلة ؟ فأجابته : قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في المرحلة الابتدائية. وفي أمريكا فروع جامعية تزيد على 170 فرعاً لا يختلط فيها الطلاب بالطالبات .
وفاته :
في آخر حياته مرض بمرض باركنسون، وتوفي -رحمه الله تعالى – في حي المالكي في دمشق في يوم الاثنين 12 ربيع الأول 1403 هـ/ الموافق 27/12/1982 رحمه الله، وأجزل له المثوبة.
وقد كان نعيه نزلزلاً لأهله وإخوانه وهم كثر فقد رثاه الأستاذ الشاعر بديع المعلم ( إدلب ) وهو أحد كتاب مجلة التمدن الإسلامي فقال :
أيدفن في الثرى هذا الشهاب عفواً وكيف واراه التراب
بربك أيها العلم المسجّى مقامك دائماً هذا السحاب
بيانك يبلغ القدح المعلّى وجدك لا يدانيه طلاب
أأحمد مظهرٌ زين المعاني حديثك لا يشاب ولا يعاب
ألا صبراً بلاد الشام صبراً مصابك لا يعاد له مصاب
مؤلفاته:
نشر في الكثير من المجلات والدوريات العربية المختلفة كمجلة الوعي الإسلامي الكويتية، ومجلة العربي الكويتية وغيرها، وقدم العديد من البرامج والأحاديث الدينية والاجتماعية في الإذاعة والتلفزيون السوري .
وكان له العديد من المؤلفات منها :
أ ـ في التفسير:
جزء عمّ، وتبارك، وقد سمع، والذاريات، وسورة لقمان (طبعة مدرسية)، وسورة الحجرات، وسورة لقمان (تأليف جديد مفصل).
ب ـ في شرح الحديث الشريف:
من الهدي النبوي الشريف (استلت الأحاديث الشريفة من بعض أجزاء كتاب من هدي الإسلام) وعشرون حديثاً (استلت من مجلة التمدن الإسلامي).
جـ ـ في الثقافة الإسلامية والتوجيه الإذاعي والمنبري والمدرسي:
-مذاعات سبل الإسلام : 3 أجزاء وهي أحاديث إذاعية .
- نحو حياة مثلى
- حديث الثلاثاء (خمسة كتب أصلها أحاديث إذاعية )
-ومن هدي الإسلام ( خمسة أجزاء لصفوف الحلقة الثانوية ودور المعلمين والمعلمات) .
- التربية الإسلامية ( جزءان لطلاب الثانويات )
_ من إعجاز القرآن الكريم
- الإيمان وآثاره : بحوث في التدين و ضرورته والإيمان بالله الصحيح وآثاره اختارها من كلمات أساتذة من أعلام الشرق والغرب .
- ديوان الخطب (مع لجنة رسمية).
د ـ في التاريخ والحضارة:
-علي بن أبي طالب ( من سلسة عظماؤنا للصغار) ـ
-شرار بني إسرائيل والصهيونية (محاضرة) : بحث تاريخي اجتماعي سياسي في الصهيونية الماكرة الذليلة قديماً وحديثاً عرضاً وتحليلاً ، ألقاها في نادي الإخوان المسلمين بدمشق .
-الثقافة العربية : بحوث في تاريخ الثقافة العربية ومراحلها وازدهارها وآثارها وفهارسها ونهضتها ...
-حضارتنا ـ
-الإسلام ونهضة الأندلس: فيه إيجاز لفضل الإسلام علي الأندلس فتحاً وحضارة وثقافة .
هـ ـ في الأدب والشعر:
خواطر في الأدب ودراسة نصوصه ونقدها ـ
مقالات في مجلات التمدن الإسلامي وغيرها.
-أصدر ديوانه الشعري الأول دعوة المجد عام 1386 هـ ـ 1948م.
-كما أصدر ديوانه الثاني نفحات عام 1392 هـ ـ 1972م.
-كلمات : هذا الكتاب ذكرته مجلة (الشهاب) التي أصدرها الإمام حسن البنا في ملحقها في سجل التعارف الإسلامي كعادتها في توثيق وذكر الدعاة ومنهم رجالات سوريا وعلمائها ودعاتها الأكرمين.
وله كتابات ومقالات كثيرة في العديد من المجلات والدوريات العربية الرصينة، وخصوصاً في مجلة التمدن الإسلامي.
وصفوة القول فإن الأستاذ العظمة متعدد المواهب فهو: قانوني وإداري وفقيه ومفسر للقرآن الكريم وشارح للحديث وخطيب وهو بالإضافة إلى ذلك كله ناثر وشاعر ومفن قدير وقد أبلى بلاء حسناً في كل من هذه المجالات رحمه الله تعالى وجزاه الله أجزل الثواب.
نثر الأستاذ العظمة:
الأستاذ العظمة كاتب كبير سخّر أدبه للعلم والاصلاح منذ أول عهده بالتأليف وكتابة المقالات في مجلة التمدن الإسلامي التي رئس تحريرها لمدة نيف وأربعين عاماً وفي غيرها من المجلات والصحف العديدة.
كتب في التفسير والسنة والعقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق والتشريع والتربية والحضارة والمدنية والعلم والثقافة والمجتمع والتراجم والخطابة.
وهو يرى أن الأمة بحاجة إلى أدب الإصلاح، وكان يحمل على أدب المتعة واللهو ومن قوله رداً لزعم أدباء اللهو والمتعة: (المطلوب من الأديب إن ذهب هذا المذهب أو ذاك أن يثبت أن الأدب صدى الجمال بألفاظه المختارة وجمله الفنية وأسلوبه الأخاذ يوحي ذلك كله ذوق رفيع وطبع متمكن، فيعمل في النفوس عمله، فإذا بالآذان والقلوب تسموه ـ ولو كان في موضوع اجتماعي ـ فتهتز له أو قل به كما تطرب بتغريد البلبل، وتسر بخرير الجدول، وتأنس بساعة الفجر، ونشوة النصر، وفرحة اللقاء.. إن الأدب لا يحرص كل الحرص على موضوع دون موضوع ـ وإن كان ألصق ببعض الموضوعات… ولكنه يحرص على الفن البياني الجميل ذي القوة الأخاذة التي لا يملك مثلها الكلام العادي، لأن هذا الكلام للتفاهم الضروري، والكلام الأدبي وسيلة تعبير رفيع إن كان أدباً صرفاً، أو وسيلة تأثير قوي إن كان أدباً تطبيقياً..)
ويتميز أسلوبه بالجزالة والإيجاز مع صناعة محمودة لا إسراف فيها ولا تكلف، ويبدو ذلك في كثير مما يصفه مجملاً في مقدمات مجلة التمدن الإسلامي.
ففي مقالة نشرها إثر وفاة الأمير خالد الجزائري بتاريخ 11/10/1354هـ ـ 1935م وهو حفيد المجاهد عبد القادر الجزائري الحسني يقول: … لم أكن للأمير قريباً أو حميماً فاكتب عنه ملياً، وإنما كنت له على بعد وانقطاع صديقاً وفياً. منذ كتب في إحدى الصحف عن أحد الأعاجم من ذوي الدخلة الخبيثة للشريعة السمحة، مقالاً أصاب به عن غير علم ولا هدي، كرامة الرسول العربي صلى الله عليه وسلم فإذا الأمير يضج ضجيج ذي دنف من ألمه، ويهب هبوب الأسد بوغت في عرينه، ويلسنه قولها البراز البراز، بالسلاح الذي تختاره، أو اعتذرت واستغفرت..؟ فكانت صيحة بطل تناقلتها الصحف والجماعات الغضبى، أعقبها غسل العار، واعتذار واستغفار.
وكتبت – وكتب الناس – إلى الأمير أشكره على الغيرة والمروءة، فأجابني : (لم أفعل إلاّ واجبي الديني، أشكركم على مؤازرتكم وحميتكم).
وقد ذاد عن الإسلام في مواقف يستحق بها أن يكون في التاريخ من الخالدين. وساعده في جهاده أن كان لسناً باللغة الفرنسية، تحسبه وهو يخطب (ميرابو) خطيب الثورة الفرنسية.
وللأستاذ العظمة أسلوب علمي رقيق دقيق، رشيق الألفاظ، لين الجمل، سهل العبارات، مشرق المعاني، بعيد عن المحسنات اللفظية، إلا ما سقط منها عفواً في مواضعه. وهو يعتمد على هذا الأسلوب في معرض البحث والتفصيل والتحقيق.
فما قاله في أهم مزايا الحضارة الإسلامية:
(شمولها نواحي الحضارة جميعاً، خلافاً لما هي عليه حضارات الأمم، فحضارة اليونانيين الأثليين فلسفية فنية، والأسبارطيين مدنية جندية والرومان اشتراكية وحربية، والفرس صناعية وفنية، والهند فلسفية روحية. أما الحضارة الإسلامية فهي روحية وخلقية واشتراكية وأدبية وفلسفية وعلمية وعملية..)
وأكثر مؤلفات الأستاذ العظمة ومقالاته في المجلات والصحف كتبها بأسلوبه العلمي اغتناماً للوقت، ومراعاة للبحث وزيادة في السهولة. أما خطبه، فقد قواها التدريس، والعمل في التمدن الإسلامي والتنقل من بعد الترشيح للنيابة في أحياء دمشق وغوطتها عام 1947م وارتجاله الخطب السياسية والاجتماعية التوجيهية التي وصلت بينه وبين الجماهير، فجاءت خطبه سهلة واضحة قصيرة الجمل والعبارات قوية الفواصل، عميقة الأثر، وكثيراً ما أطال فيها مراعاة لمقتضى الحال مع فصاحة قول وتدفق بيان وقوة استشهاد.
ومن خطبه التي ارتجلها كانت بمناسبة افتتاح مدرسة التمدن الإسلامي الثانوية بصفته مديرها آنذاك عام 1364 هجري 1944م قوله:
(… هذا اليوم من أيام الله له ما بعد، إنه يوم مدرسة الوطن وليدة الضرورة المبرمة التي كان بعض الناس في شك منها، ثم آمنوا بها جميعاً حين وقعت الواقعة، فشارك أساتذة المدارس الفرنسية زبانية العدوان الأثيم فأصلونا حميماً وباروداً، أزهق النفوس البريئة، وهدم المساكن الآمنة، حتى اهتز الثقلان على ما أصابنا من ظلم لا يرحم، واستعباد لا يألم، ووحشية لا تستغني عن قرونها، وأنيابها وأظافرها…) إلخ.
شعر الأستاذ العظمة:
شعره يتميز بصدق عاطفته، وينم عن سموٍّ في نفسه ورهافة في حسّه، ونبل في غايته. نظم الشعر الكثير في أغراض شتى كما سنبين فيما يلي، ولم يقل ولو بيتاً واحداً فيما لا يؤمن به، ولا فيما لا غناء للمجتمع به.
ونلاحظ في شعره أسلوباً عربياً أصيلاً .. أصالة في الكلمة الفصيحة، وأصالة في النسج العربي، فهو جزل الألفاظ محكم بالبناء، مشرق الديباجة، لا لغو فيه ولا قلق، ولا اغراق في خيال يجعله كالأساطير، ولا إسراف في تزيينه، كدمى الأطفال.
وشاعرنا ليس شاعر المناسبات وحوليات يقتصر عليها، كلا، فهو كالمرآة تتجلى فيها المرئيات، تثبت فيها المروميات.. فهو يعلم أن الشعر من الشعور، وليس لهذا خيار، إذا كان مرهفاً في تقبل الإلهام أو تركه، إلاَّ إذا كان وسوسة تخالف سيرته وإباءه.
قال في مقدمة ديوانه دعوة المجد (..لكن الإجارة في القريض لا تكون إلاّ بعد معاناة من اللسان والجنان والوجدان، حتى يحسن صاحبها التعبير عن خفقة القلب، وجولة الفكر، وهمسة الخاطر، ورجفة الأنين، وحرارة الحنين، وألوان النظرة، ونجوى الزهرة، ورقصة الفنن ، وبسمة الشعاع، وزينة السماء، وبكاء الطلل، وغضب العاصفة، ووحي الهداية..).
هذا الإحساس الشامل ذلك له عقبات التعبير عن المعاني الصعبة، من عالم النفس والفكر والقلب، انظر إليه كيف عبَّر بدقة عن معنى الشعور بما لا يراه الناس وهم عنه غافلون:
أرى لعينــي عيناً فهي تبصر ما ينكر الناس في الأشـكال والسير
إـني أرى أكثر الأشياء تدهشني والناس من حولها كالغافل الحجر
وكم أرى الحسن فـي شيء يمر به أهل العقول مرور الصخر بالبشر
وقد أمــرّ بـنفسي وهي في دعة فالحــــــــــــــــــــــــــــــــــظ العــــــالم الموّار بالصور
هــذي تروح وذي تغـــــــــــــــــــــدو مسـيرة بقدرة تعــجز العالين في العصر
وهكذا يعيش مع العالم المليء بالصور والناس يمروّن عليها تصحبهم الغفلة، وبعض ذلك في الماضي الذي يبعثه الشاعر ويعيش فيه:
في رجعة من رحاب الدهر مـضية ومـرتع في ربا الأحداث والأثر
كـان أمس حـياة الدهر مـجتمع في ساحة العمر بالتاريخ والعبر
وبهذه الدقة والإبداع يمضي الشاعر الكبير حتى يستكمل وصفه لما يشعر به، فيكون من قوله لنفسه:
فأنـت فـي جسد والكـون يسكنه كـأنك البحــر والأيـام كالدرر
وقد تكون الصورة (لقطة) سريعة، ولكنها لا يفلتها، بل يدعو الخيال لوصفها وأخذ العبرة منها، كما نجد ذلك في قصيدته (نجدة الحمائم) وهي قصة شعرية رائعة في سبعة وعشرين بيتاً، والقصة هي رؤية الشاعر حمامة وقفت على قفص عصفورة، فتخيل حواراً بين سجينة، وحرّة من الطيّر ذهبت لتنجدها الحمائم، فأبطأت، فماتت العصفورة التي تركت أثراً دامياً وهي تحاول كسر الحديد بمنقارها. قال شاعرنا العظمة في آخر قصيدته هذه:
هبّ الطيور لنجـدة ودنوا من السجـن اللعين
فــإذا السجينة ميتة من حولها دمــها المبين
قد حاولت ليَّا لقفص بأن فما أجــدت ظنون
ورمـى الحديد ببأسه منقارهــا الدامي المتين
أين الحمائم؟ لم أجد هــا منجدات، أين، أين
من رام إنـجاداً فلا يبطئ، فقد يقضي الحزين
في ديواني الشاعر العظمة ابتهالات إلهية ومدائح نبوية أجمل من العرائس الحسان، كأنهن حور الجنان، في الصفحات (5 ـ 29) من ديوانه الأول دعوة المجد وفي الصفحات (5 ـ 29) من ديوانه الثاني نفحات يصحب ذلك وعي ومعرفة، ومن ذلك قوله في قصيدة (تسبيح الخلائق) إذ يقول فيها:
ومن عجب أن الطبيعة كلها ذواكــر الله الـعظيم خـواشع
وقد زادنا هذا الفضاء وما به عجـائب تقـدير لـرب يـطلع
وقد أمسك الرحمن كلا بقدرة لها الحمم والتمجيد والعلم يسطع
فسبحانك اللهم مجدك جامع وكل قلوب الكون نشوى تضرع
ومن ذلك أيضاً قوله بعنوان صلوات :
وكل خلية مني صــلاة لرب الناس رب العالمينا
فجسمي مسجد وتعج فيه مـلايين العباد الذاكرينا
وقوله في قصيدة ذكرى المولد النبوي مفتخراً بعروبته ومعتزاً بهدايته:
قلت للبيد في الحجيج وصدري خـافـق الوجـد منشـد بـسام
والصحارى وما أعز الصحارى من ظلال الأمجاد وهـي تـرام
إن هـذا الثـرى لينبت شيـــــــــــــــــــــــــماً وخـزامى طـــــــابت بـه الأيـام
وأقام البـيـان والقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمر الوسـ ـنان والـريـم والمها والنعام
كيف أضحى للنور يمـرح فيه كيف أمسـى ومـجده الأعظام
ما الذي هـز تـربه فـأذاها تـنبت الفـــــــــــــــــــــــــــــــــاتحين وهـي عقام
خـالد مـنهم وسعد وعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمـرو وعـبـيد وعـامـر وأسـام
وقوله في قصيدة بعنوان حجيج البيت يبعث فيها الماضي وشعوره ببراعة وجمال:
هنا الخيل، هنا الهادي الرسول، هنا صديقه، وهنا الأبطال والعظم
أني سريت أرى ذكـرى أســـــــــــــــــــــــــامـرها أرى نضالاً وثغر المجد يبتسم
يا قـــــــــــــــلـب كـم كنت تزجيني وتنهلني وأنت نشزان والتاريخ مرتسم
يا عين كم كنت في الماضي ونشوته جوالة في رحاب فضلها عمم
تزيني من عــلا الأمجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد أمـكنة تشع نوراً وأقـطار الدنا ظلم
قـد كنت أسمعها أم كنـت ألمسـها كــأنني شاهد لو أنني القدم
أن ضقت ذرعاً رجعت القهقرى أملاً فسرني النيران: البيت والحرم
وجلت في مـهبط الأنـوار ساطعة وعـدت مبتسماً بالحق أأتم
وفي ديواني الشاعر حكم كثيرة وعظات غزيرة انتشرت بين قصائد شتى من ذلك قوله في آخر قصيدة العلم:
يا زمان الكهوف كنت صـبياً آثـرانا قتد اخـتلفنا مآلاً
قد ننال النجوم يوماً وتفـضي عن نجوم في ذاتنا تتلالا
شغلتـنا لـذائذ العصر عنها أترانا تبقى الزمان كسالى
وللأستاذ الشاعر قصائد روائع غرَّ في الوطن والمجتمع وتاريخ الأبطال في ديوانيه الشعريين.
وقد ربط سعادته بسعادة وطنه وهدايته، إذ يقول بعنوان وطني :
وطني سعدت إذا سعدت فهل ترى روحي المحبة قلبها بساماً
قد طال ليلي فـي هوانك باكياً حـتى غـدا حـكم العدا أحلاماً
وعـلت ربـوعك عزة بسامة لعـلاك يا وطـني محالا سقاماً
لـكن آثـام الدخـيل تـمردت وتجـاذبت زمراً تـرى الأوهاماً
فغدا الحكم يراك تجبتنب الهدى بـدل الـهوى، فـتزيد إيـلاماً
فتكاد تذهب نفـسه ألـماً وما تصغي إلى النصح شكا الآثامـاً
ولربما اتهموه عـدوانا ومـا زادوه إلاَّ جـرأة و كـلامــاً
ولربما أضحى غـريباً فـيهم رأيــاً وخـطاً عابساً ومراما
وطني سعدت إذا رأيتك باسماً ترجو الرشاد وتهجر الأصناما
ويتغنى الشاعر بوطنه ويذكر بالمجد والبأس فيقول:
بشراك يا وطني فـمجدك شامخ أبـداً ولـيثك داـئماً متقدام
وعناية الرحمــن حولك أعين والحق في حرم البلاد إمـام
نصب الفرنسيس اللئام شراكهم فـرمتهم فـإذا هـم أنـعام
لا تخـدعنك يا جـبان متدافع فعليك جئت شواظها الغـلام
العدل دمَّر ما بنيـت، وربـما هدمت حصون الظالم الأقلام
والحق يهزأ بالحديد ويزدري شـم الحصون وأهلها ظلام
وقد وضع الشاعر أول نشيد للطيران السوري في عام 1366 هـ الموافق 1949م إذ يقول فيه:
عشقنا الحياة بأوج العلاء فطرنـا وشـدنا تخوم السمـاء
فغـردت الشـمس بـسّامة لمن عزمهم كاد يغزو الفضـاء
وهز الشام بلوغ الشهب
فهـذي السماء غدت موطناً يحــلق فيـها شباب المضـاء
فيـا جـو بشراك إن الـذي غزاك الهدى وانـهى والوفـاء
فأكرم بصقر العلا و الأدب
فيا حـرم الـوطـن المفتدى سـماء حـينا وأرضـاً ومـاء
ستـلـقى جـنودك ما مثلهم سوى الليث يحمي عرين الرجاء
هداة أباة حماة العرب
ويقول في مطلع قصيدة طويلة رصينة بعنوان ذكرى الشهداء :
أبى المجد عونا ما خلا الحق والعضبا فأصبح يهوى مشرق العلم والحربا
كذلك كـان العرب سيـفاً ومشعـلاً فمن لم يكن شبلاً فما عرف العرب
فما همة النور الذي فـضـض الدنا بأرفع شأناً حـينما انتشروا شهبـاً
إلى أن يقول مذكراً بإعداد القوة:
ومن ظن أن الشم تندك بالحصـى إذا حصيت، فالحق أفقده اللب[ـا
نهاب الجبال الراسيـات بنظـرة فكيف إذا ثارت براكينها ضربـاً
ويخشى الجبان السيف وهو يغمده فكيف إذا سل الشجاع له غضبـاً
ومن هادن الأبطـال غـدراَ فإنه سيحصد مكراً لا يقم له جنبــاً
فوا شوق نفسـي للرجـال كأنهم جبال فما تنفك تستصغر الحصبا
وواشوق نفـسي للسـيوف كأنها حتوف فما تنفك تستسهل الصعبا
ويرحب في حفلة بأشبال الجهاد المتطوعين، ويحمل على وعود الغرب السياسة فيقول من قصيدة بلغت تسعة وثلاثين بيتا.
في الأمس قد خان العهود ومارعى (حسينا) ولا ألفى ضميـراً يعاتبــه
فجـاس (النبي) دار مـجد مـحرد وأعـلن نـصراً ظـفره ومـخالبه
وأعلن (بلـفور) الخديـعة وعـده (فصهيون) منها وهي غضبى تحاسبه
رويدك يا مـجزي اللئـام بـوعده فمن مـاله يعـطي جـواد وكـاتبه
إلى أن قال:
قـد ضـج مـنهم كل شـعب وأمـة فألــقتهم ركلأ وصفقاً تجاربه
أمسـكم يا مجـلس الأمـة لــوثة أم الأصفر الرنان تغري كواكبه
فـلسطـين قلـب للعروبـة نـابض وأن الـردى بعد اقتسام لصاحبه
وهيهات أن يحظى العدا بسوى الردى فحظهم مـن القب عرب نوائبه
تهاب سيوف النـصر وهي ضجيعة فكيف إذا ثـارت وسارت كتائبه
وقال في قصيدة رائعة صارخة وكانت الحفلة التي أنشدت فيها تحت رعاية وزير المعارف الأستاذ خليل مردم بك مذكراً وموجهاً:
يا وزير العلياء يا شاعر الشـ ـام المرجى يراعه وجـنانه
يا خليلاً رعيــت جيلاً جليلاً يبتغي المجد مشرقاً قـرآنـه
عربياً لا أعجـمياً ولـكـن تـتجلـى أخـلاقـه وبيـانه
يتباهى بـخـالد وبسـعـد وصــلاح مـيزانه مـيزانه
ويقيم الصـلاة شكـراً لمولا ـه ويلـقـاه بـرهـم أخوانه
وعرَّض بخيانة الخائنين وإهمال المهملين فقال مخاطباً أمته:
إيه يا أمتي ويا نبض قلبـي كـم ظـلوم مـجرب طغيانه
يدعي ثم يعتلي ثم يـشكـو شعـب هـم أمـضه تأنانـه
يكتفي بادعاء مجد عظيـم ليس يدري ما ركنه ما جمانه
لا ترجى عروبة تتجافـى عن علا رصيـنـة أركـانه
ومن قول الأستاذ العظمة إذ ولي وزارة الزراعة:
ضـل يا نفـس جهـول حسب الحــكم تجــارة
إنـما الحـكم جـهـاد وإبــــاء وحــرارة
اذكــري الفــاروق عـــدلاً بـم يهتم نهاره
ومنه:
نفحات الهدى وردن جَناني من جنان القرآن والتبيان
كنّ أرقى من العبير وأبقى في قلوب عطرية الإيمان
جامدات مسبحات لرب مبدع الكون مبدع الإنسان
وقال وهو مريض:
عجز الطبيب عن الشفاء ولم يزل يصف الدواء مخففاً ومواسيا
رحماك ربي أنت تصرف علتي وتشاء تسليمي إليك عنانيا
وأعوذ باسمك والكتاب فنجني وتولى أمري ملهماً ومعافيا
ولشاعرنا الكبير في وصف الأشياء المادية والمعاني المجردة آيات بديعة بعد انعكاس صورها في نفسه الصافية الواعية، فاسمعه وهو يقول في قصيدته (قلبي) وهي واحد وعشرون بيتاً :
عاش فيه الأسى فكان لسانه وقلوب الشباب تهوى لبانه
ليس مثل القلوب يشدو طروباً وزمان الأحزان ليس زمانه
ولم هذا الأسى ..؟ لأن الحياة تؤلمه بما يحلُّ فيها وهو يعشق الكمال والمجد :
هازئ بالحياة وهي خضوع ودموع وخـدعة ومجانه
عاشق والكمال خير غوانيــ ـه وغيد الفساد لسن حسانـه
مولع بالمآثر الغــر والسـؤ دد والعلم، والعلا والصيانــة
مغرم بالخيام وهــي بيـان وسخـاء وعـزة وأمـانــة
مغرم بالسيف يلمعن في الفتـ ـح وراء الهدى لتعلي شـأنه
وفي خطابه لنفسه يقول:
يــا نـفس يـا لغز الحيـا ة، ومـنبع العـجب الكـبير
اقنعت بالعيش المنغص وكـنت فـي عـيش نـضير
وفي وصف خيال يقول :
جاء في مسرح الزمان القديـم جولة الحـاذق اللبيـب الحكيم
ورأى عيشه سعـوداً ونـحساً حول تلك الصوى وقصر سليم
وسعى في مسارح العصر برقاً في الدجى فوق ماجن وظلـوم
ثم راح الخيال يعرج في الجـو إلـى عـالم السمـو العظـيم
مـثله النـسر قـوة ورجـاء في رحاب الفضاء بيـن النجوم
وفي قصيدته في وصف البحر يقول :
أيها البحر الذي يهوى الطمـاح وتوازيه الــسموات الفساح
ويسـير الطـرف فـي آلائـه ثم لا ينفك فـي بعض النواح
ويـطير الـقلب مشـفوقاً بـه وهـو حسـن وجلال وكفاح
وصبـاح الشـمس بسـام لـه ومساها خاشـع حتى الرواح
وفي وصف سفح جبل قاسيون المشرف على دمشق يقول من قصيدة:
غبــط السـماء ولـيلـها جـبل هـواه جــمالهــا
تـلـك الـنجـوم الساطعا ت كـأنــهــا آمـالهـا
نثــرت عليـها مـثلمـا نـثر الفـضائــل آلـهـا
والـلؤلـؤ الـمنشـــور فــي أفـوافـه أمـثالهـا
وفي خضرة الربيع يقول:
ابتسام الربيع فضضت صبا حي وذهبت في الأصيل مسائي
ووهبت الخيال في الفجر آيا كــلما رتـلت أعادت صفائي
داعبتين الصبا وماجت بأطيا ف الطاف من المعاني توضأء
(ويشخص) النبات ويقول بعنوان حديث وردة :
ووردة حــدثـتـنــي عــند الصـباح الــجميل
قـالـت ودـمع أسـاهـا فـي جـفن عـين كحــيل
بـعدت عــن ورد داري فيـا لــرزئي الـجـليـل
وهـاج دمــعـي لمــا لـمـست مـعنـى الأفـول
فــقلت يـا ورد صـبراً فـأنـت حـقـاً مـثلـي
قالت فـأنت لـــوصلي وإنـنـي للذبـــــول
ويضيق الشاعر ذرعاً بعالم الزور والبهتان، ويأنس بعالم الرياض ويقول فيه من قصيدة بعنوان عالم الرياض :
رفت الأرض في بدائعها الخضـ ـر وغنى الأغصان للأفنان
وشدت كــل زهـرة بنشيــد والنسيم الرقيـق كالزعفران
كل أخـت تحيـس تيهـاً بأخت وتشيع الوفاء فـي كـل آن
إلى أن يقول في عظته للناس:
أيهــا الناس خففوا من عناء وعــناد ومــطمع وتفاني
أنـتم إخـوة فكونـوا سلامـاً ووئاماً يـطيب كالريحــان
وعصي الآمال بالرفق يـعطي حين يصفوا الإنسان للإنسـان
وفي حكاية وصف آثار مضى في لوحات روائع يقول:
وشيخ جليل القدر ذاك أبو العهـد ومن حوله الأفكار وهي قصائد
يحاكم ظلامــها يهدون أمسـه ومن خبثهـم قامت تحاك مكائد
وشبيه قوله هذا بوصف مفن آخر غربي:
إيه (للاحويدن) في إبداعـه ذلك الرسـم بالهـام عجيب
إنه دعــي من الفـن الذي يحبط الناظر في شك مريب
قال لي خلي وقـد أبصـره دلني أي المثالين القـريـب
حسب الألوان في إبداعها .. أفقاً حقاً، وكم من مستريـب
هـكذا الفـن إذا خالطــه ذلك الإلهام و السحر المهيب
ومما قاله في التلفاز:
ما أحيـلاه للهمـوم طروبـاً مـا أحيلاه ناصحـاً وشفيعاً
النهـى والمنـى تطوف تباعاً ثم تطوى وكم تعود رجوعـاً
وتجـوب الدنـا وأنـت مقيم وتروم العلا وتلقى الجموعـا
ولو أن المبصار صانوه حقـاً لتسـامى فمـا يكـون خليعاً
وغداً منبراً وأمسى رياضــاً وتغنـى وظـل دومـاً رفيعاً
أبهذا العلم الدؤوب الليالــي والكسول النؤوم يحيا وضيعاً
أنت شمس تنير درب المعالي وتناجي العلا وتزجى القطيعاً
ضل سعي الجناة عاثوا فساداً باسم علم ما كان يوماً فظيعاً
وقد استغرق الوصف في ديوان نفحات أربعاً وثلاثين صفحة (37 – 110) وصف فيها دمشق وغوطتها وجملة من مصايفها وبعض الحدائق والبحر وجملة من المخترعات الحديثة. وفيه تسجيلات وتعليقات وصرخات من آلام وآمال بعد وقائع وأحداث في الوطن العربي والإسلامي في الصفحات ( 53 و60 و63 إلخ ) وفي ديوانه الأول دعوة المجد في الصفحات (35 . 62) إشادة بذكر أبطال وعظماء، خالد بن الوليد وطارق بن زياد وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي… وغيرهم قديمأً وحديثاً.
قلبي! (قصيدة)
ومن شعر الأستاذ أحمد مظهر العظمة الوجداني قصيدته (قلبي ) التي يقول فيها :
ما لقلبي يبث لي أحزانه ويريني من الأسى ألوانه
ليس مثل القلوب يشدو طروبًا وزمان الأحزان ليس زمانه
ثائر في الضلوع يقضي زمانه وهو للدهر معلن عصيانه
عاشق والجمال أقصى أمانيـــــــــــــــــــــــه وغيد الحسان لسن حسانه
هازئ بالحياة وهي خضوع ودموع وخدعة ومجانه
شاعر لا يرى اللسان كفيلًا لبيان الشعور أجلى ابانه
فهو يرضى عن الغموض لسانًا جاعلًا ترجمانه خفقانه
كالخضم الجليل يزخر بالمعــــــــــــــــــــــــــــــــــنى ويرضى بموجه ترجمانه
وهبوب الرياح يحمل شكوى أرسالتها الطبيعة الأسوانه
وأنين الكمان يبعث أنغا مًا تؤدي لعازف تأنانه
كم أردت الهجوع وهو جريح بشجون النهار يندب شانه
وهو يأبى لي الهجوع فأبكي لبكاء مخففًا نيرانه
ساءه من منقذ الأرض بالأمـــــــــــــــس ضلال عن الهدى واستكانه
فغدا تارة يذكر قومًا وزمانًا يبكي ويشكو هوانه
خفف الحزن أيها القلب واصبر عل ما ترجو ترى لمعانه
يبزغ البدر في سحب الليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل وللكون مالك سبحانه -المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الأولى، العدد الثالث، 1354هـ
ومن ذلك قوله من قصيدة عمر بن عبد العزيز في ديوانه دعوة المجد :
إن السـلام الذي قد كنت تنشده أضـحى مواري فلا ظل ولا أثر
والراجون نجوم الأمس قد بلغوا من الـــمهانة ما لا يبلغ البشر
كل أبي وكل في أرومــته مجد وغــــــــــــر وآمـــال لهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا سير
من كل أصيد لو بلغت ذلتــه لقــــــــــــــــــــــمت تمــنعه معــوانك القدر
كم يستجير وكم تغريه السنــة حمراء من دم مظلومين قد غدروا
لعهدك النور حقاً جل عن شبـه بعصر عدوان أهل الغرب يا عمر
وللأستاذ العظمة عبرات واعيات وقصائد دامعات، فقد رثى بعض الأهل والأصدقاء والعلماء والأدباء ودعاة الإصلاح والتوجيه، ويلمس من يقرأ شعره في ذلك صدقه وحبه وتقديره ومن قصائده في ذلك قصيدة في رثاء أمه ومنها :
أمي يرنّ بسمعي صوتها ولها ذكرى يعبَّر عنها صــامت الألم
لم أغشى غرفتها ولهان مكتئبا إلا ولاح محــياها للأحـــــــــــــــــــلـــم
كان كل متاع حـين ألمسـه أو حين أبصره قربي من الرحـم
وكم سمعت نداء هزني فـإذا صوت المنى والمنايا واهم الكلـم
وهكذا العيش أعمار وأخيلـة والمرء من بعدها في قبضة الحكم
ويقول في رثاء الزعيم المغربي الأستاذ محي الدين القليبي في حفلة تأنيبية في ربيع الأول 1377 تشرين الثاني 1955:
مصابك من عام تـــصرم دامع وعيشك للحق الدؤوب (وقـائع)
محي الدين يا قلباً من الخير نابضاً وسيفاً على مرِّ العصور يقـارع
كأني ألقــاك العشية مــدرها تدافع عن ماض به المجد ذائـع
تحدث عن فتك الفرنسيس بالأولى أرادوا العلا والغرب بالظلم بارى
إلى أن يقول:
حسامك ما ذاك الهوان وهوله وقلبك وضاء ورأسك رافع
يلوح لنا في كل أفق كأنه هلال له بين النجوم مطالع
وفي تأبين العلامة الأستاذ محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي بدمشق …عند قبره بعد كلمة في مآثره يقول :
محمد كنت الجد والفضل والعلا فبت ضجيعاً شيعتك المدامع
وللشام أحزان وللعرب لوعة فيــا لفقيد قد بكته المجامع
وفي رثائه البحَّاثة الأديب الأستاذ عباس محمود العقاد يقول :
يا يراعاً قد كان شمساً وطوراً كان رمحاً على صدور الأعادي
قد حبيت البلاد نوراً مبيناً بشعاع من العلا والرشاد
ومنحت الشباب علماً يقيناً لا ارتياباً وضلة في اعتقاد
فأدلوا على العصور يدين وبمجد محمدي الجهاد
ورميت العدا بتقد جريء رب نقد أشد من أصفاد
نم قريراً فالغمد روض ونور وحبور للراحل العقاد
وشعر الأستاذ العظمة مع نفسه وأهله وإخوانه يفيض وداً ورقة وحنيناً ومرحاً، ومن لك قوله في قصيدته (حنان قلب) :
ما له كالضياء بين جنوحي بعد ما غاب عن ظلام المعاني
إن يكن غادر الزمان إباء فلقد عاش في جنوح الحنان
حن للبيد، للفتوح، لعهد سار فيه الإسلام سير البيان
حن للصيد من غطارفة المجد دعاة الهدى، رعاة الزمان
كل شهم منهم رياض المعالي عبق الذكر من شذى الإيمان
وفي تقريظ الموسوعة الموجزة لواضعها حسان الكاتب صاحب هذا المقال يقول:
موسوعة دلت على همم العلا تــاقت إليها أعصـر وعـقـول
ماذا أقول وقد تراءى نفعها حسـب المعارف تصطفى وتقول
حسان أنجز ما وعدت مؤلفاً بعض الأصول على الوصول دليل
وفي أبيات هنأ فيها صاحب الموسوعة الموجزة بمناسبة عيد الفطر السعيد في 3/10/1395 الموافق لـ 7/10/1975 حيث يقول:
حسان دمت موفقـاً مسروراً ورباك تـــحكي جنة وحريراً
ألَّفت من كتب المعارف زمرة تاهت على زهر الربيع عطوراً
فاهنأ بعيدك بعد جــدِّ دائب تملي على القلم الخطيب سطوراً
وقوله مازحاً في رسالة إلى صديق أهدى إلي مكتبة التمدن الإسلامي غثاً وسميناً من كتب وصحف :
أهديتم كتاباً من خير ما سكبت قرائح الفضل من علم ومن أدب
وسوف يغنم منها كل مكتسب نوراً ينال به كنزاً من الحقـب
لكن فيها وقوداً يصطلى فرحاً به التمدن دون الزيت والحطب
أكرم بها حين كانون سيرجفنا ببرده وهي (للكانون) خير أب
فأرسلوا بغية الأطرق ناقلة كبرى بنا هي بها حمالة الحطب
وأرسلوا من مجاني العلم ما ابتهجت به العقول ابتهاج النور بالسبب
وطني :
ويبقى الوطن مقدساً لدى الشاعر المسلم، وكيف لا يكون كذلك ؟؟ وقد أباح لنا الإسلام وحرضنا على بذل الروح في سبيل الوطن والأرض ، ألم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام : من مات دون أرضه فهو شهيد ومن مات دون عرضه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ...
وطنـي سعـدتُ إذا سعـدتَ فهل تــــــــــرى روحـي الـمحـبّةُ قـلـبَهـا بسّامــــــــــا
قـد طـال لـيلـي فـي هـوانكَ بـاكـيـــــاً حتى غدا حُكـم العِدا أحـلامـــــــــــــا
وعـلـتْ ربـــــــــــــــــوعَكَ عِزّةٌ بسّامةٌ لعُلاكَ يـا وطنـاً محـا الأسقـامـــــــــا
لكـنّ آثـام الـدخـيلِ تَمــــــــــــــرّدتْ وتجـاذبتْ زُمَراً تـرى الأوهـامـــــــــــا
فغدا الـحكـيـمُ يراكَ تجتـنـــــــب الهدى بـدلَ الهـوى، فتزيـده إيلامــــــــــــا
فتكـاد تذهـب نفسُهُ ألـمـاً ومـــــــــــا تُصغـي إلى نصحٍ شكـا الآثـامــــــــــــا
ولربـمـا اتّهـمـوه عـدوانـاً ومـــــــــا زادوه إلا جـرأةً وكلامـــــــــــــــــا
ولربـمـا أضحى غريبـاً فـيـهــــــــــــمُ رأيـاً وحظّاً عـابسـاً ومـرامـــــــــــــا
وطنـي سعـدتُ إذا رأيـتُكَ بـاسمــــــــــاً تـرجـو الرشـادَ وتهجـر الأصنـامــــــــا
إلى طليق :
وكتب رسالة ومناجاة يخاطب فيها الطائر الطليق عبر من خلالها عن أشواقه إلى عالم الحرية، ورفض القيود والأقفاص فلنستمع إليه، وهو يقول :
ابسطْ جنـاحك فـي الفضـــــــــــــــــاءْ وتـروَّ مـن متَع الضـيــــــــــــــــــاءْ
واسمعْ أغاريـد الــــــــــــــــــــحدا ئقِ حـيـن أسكرهـا اللقــــــــــــــــاء
وتَغنَّ أنّى شــــــــــــــــــــــــــــــــــــــئتَ فـي الرّوض أو صـافـي السّمـــــــــــــاء
لا تخشَ فـالصـيّاد فــــــــــــــــــــي قفصٍ، فشكرًا للقضــــــــــــــــــــــاء
الجـوّ طلْقٌ لـم يعــــــــــــــــــــــد يلقى صُرادًا أو سَهـــــــــــــــــــــامْ
ولعـل نـيروز الصـفــــــــــــــــــــا ءِ أمـاط أطرافَ اللثـــــــــــــــــــام
فـانجـابتِ السُّحْب الـتــــــــــــــــــي مـلأ الـبـلادَ بـهــــــــــــــا الظلام
لا تخشَ فـالصـيـاد فـــــــــــــــــــي قفصٍ فشكرًا للقضـــــــــــــــــــــــاء
الشمس تضحك للطـيــــــــــــــــــــــو رِ وهـنَّ آمـــــــــــــــــــــــالٌ تدورْ
والأفق قـد بسط الـــــــــــــــــــذِّرا عَيْنِ ابتهـاجًا بـالـبشـــــــــــــــــير
ومسـارب الأنسـام فــــــــــــــــــــي شغفٍ إلى شِعـر الطـيـــــــــــــــــــور
لا تخش فـالصـيـاد فـــــــــــــــــــي قفصٍ فشكرًا للقضـــــــــــــــــــــــاء
الأيْكُ أضنـاهــــــــــــــــــــا الفِرا قُ وهـاجهـا طربُ الرجــــــــــــــــــوعْ
سئمت حـيـاةً لا تـــــــــــــــــــــرى طـيرًا تغرّدُ للجـمـــــــــــــــــــــوع
ويـنـالهـا قفصٌ بــــــــــــــــــــــه مـن بعـد آفـاقٍ خُنــــــــــــــــــــوع
ويكرر الشاعر أحمد مظهر العظمة في نهاية كل مقطع ذلك القفل واللازمة :
لا تخش فـالصـيـاد فـــــــــــــــــــي قفصٍ فشكرًا للقضـــــــــــــــــــــــاء
وهذا التكرار يؤكد لنا فرحة الشاعر وشكره للقدر والقضاء الذي جعل الصياد سجيناً والطائر حراً ..وتلك الأيام نداولها بين الناس، ثم يتابع، فيقول :
النهـرُ حنَّ إلى الـمـنــــــــــــــــــا جـاةِ الـتـي عــــــــــــــــــــــوَّدتهُ
حتى إذا عـاد النجـــــــــــــــــــــيْ يُ مغرّدًا ألفـيــــــــــــــــــــــــته
متضـاحكًا ومـصـــــــــــــــــــــــفّقًا يـا مـن أردت حـيــــــــــــــــــــاته
لا تخش فـالصـيـاد فـــــــــــــــــــي قفص فشكرًا للقضـــــــــــــــــــــــاء
بين النور والظلام :
ويصور في قصيدته بين النور والظلام ذلك الصراع السرمدي الأبدي بين الخير والشر وبين نور الحق وظلام الباطل ، فتلك معركة لاتنتهي :
صدّ عزمـي مـــــــــــــــــواكبُ الإغراءِ مـنذ سـار الصـبـا مسـيرَ الضـيــــــــاءِ
ودعـا اللهـوُ جندَه مـن شـــــــــــــرورٍ فإذا النـور قـاهــــــــــــــر الإغواء
وإذا حـاول الفسـاد سبـــــــــــــــيلاً مـن خداعٍ يبـوء بــــــــــــــــاستخذاء
فغدا القـلـبُ للفضـائل مهـــــــــــــوًى وهـــــــــــــــو مأوى الهداة والفضلاء
تتّقـيـه كتـائبُ الســـــــــــــــوء طرّاً ويُرجّيـه مـنـبر العـلـيـــــــــــــــاء
عجـب العصرُ مـن ثبـاتـيَ عـمـــــــــــري بـيـن لهـوٍ مُهـاجـمٍ وشقـــــــــــــــاء
فـي ديـارٍ للغرب تــــــــــــــاهت وضلّت وبـلاد الـتقـلـيـد كـالـــــــــــببَّغاء
زعـم العصرُ للـتطـور حكـــــــــــــــمًا لا يُعـادى، رغم الهدى والعـــــــــــلاء
قـلـت: يـا صـاحِ للـتطـــــــــــــور حدٌّ دون مسخ الأخلاق والعقـــــــــــــــلاء
وجـمعتُ الظلام والنـور يـــــــــــــومًا فـي حـوارٍ مبــــــــــــــــــــيَّنٍ بنّاء
قـال: إنـي حــــــــــــــريةٌ «وانطلاقٌ» لا شجـونَ الأديـــــــــــــــان والآراء
وأجـاب الضـيـاء: إنك عبـــــــــــــــدٌ لفسـوقٍ وضلّة وغبــــــــــــــــــــــاء
وأنـا حـامـل اللـــــــــــــــواء لهديٍ دائمٍ دائبٍ مدى الآنـــــــــــــــــــاء
وسبـيلـي سبـيل كل مـنــــــــــــــــيرٍ مـن هداة السمـاء والأنـبـيـــــــــــاء
حجتـي الـحقّ دامغًا مـنطقــــــــــــــيّاً لا ظنـونٌ مزعـومةٌ كـالهـبـــــــــــــاء
شهد الـدهـرُ دولـتـي وعـلائــــــــــــي ورجـائـي وحكـمتـي ومضـائــــــــــــــي
وتـولّى الظلامُ يـهـــــــــــــــرف جهلاً ولجـاجًا تلقـاء آيٍ وِضـــــــــــــــــاء
وانثنى خـالـيَ الـوفـاض عـمـــــــــــيّاً آثر الـتـيـهَ فـي مهـاوي الشقـــــــــاء
وهذا الحوار وتلك المناظرة بين النور والظلام تصور تحفز الخيال، وتوثب التصور عن الشاعر ، فصوره البيانية جديدة مبتكرة ، ويبقى أسلوبه شائقاً جذاباً ..
الاتجاه الإسلامي في شعره :
كتب الأستاذ أحمد مظهر العظمة في موضوعات عديدة ، ولاسيما الشعر الديني ، فهو شاعر إسلامي بامتياز تناول في شعره دعوة المجد وليس هناك مجد للعرب إلا بالإسلام ورسالة القرآن، وتحدث عن السيرة النبوية والحضارة الإسلامية والعقيدة ...
النبي من خلال سيرته :
وعلى هذا النسق الشامل من التناول لسيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – يقدم لنا الشاعر أحمد مظهر العظمة موشحاً نبوياً مطولاً أصفاه مشاعره وتصوراته وأحلامه من خلال حياة النبي ورسالته ، وقد خص مطلع الموشح والسمطين الأولين بمناجاة بيد الجزيرة العربية ، مهبط الوحي ، ومنطلق الرسالة ، يرجيها مواساة آلام البشرية ، وإضفاء السلام ونور الهداية والحقيقة على الوجود ، كما يحملها ، من خلال التغني ببيانها وتغريد كلمها الجميل ووراثتها للرسالات ، شرف قيادة البشرية إلى الحق .
كما يروي في السمط الخامس كيف سقى النبي اليد الظامئة برحيق الوحي ، فإذا صداح الهدى والتقى بشير رقي ونهضة للبشرية ، لقد صاغ الله ابن البادية خاتماً للرسل ، فحرر الإنسانية من المظالم ، وأسبغ عليها إشراقة الإسلام :
أتت البيد تستقي فرواها بمعان للمكرمات مصادرْ
فمشت خلفه فشاد علاها فإذا العرب للحياة ضمائر
تتنزّى خيامها ..فمناها فتحيات هديهنّ سوائرْ
فأناشيدها وريّ تقاها والمروءات والمعالي بشائرْ
فإذا شيحها وحر لظاها فيء ورد معطّرْ وأزاهرْ
وإذا الأرض بدلت بسواها كلّ حرّ فيها إلى العرب شاكرْ
رجل البيد مذ هداه وعلّم خاتم الرسل للبرايا تفقدْ
فرأى الأرض ظالمين ونّم فجلاها فأصبحت دار أحمدْ
ويشدو في السمط السادس آفاق بعثة النبي ، آملاً أن توقظ ذكراه المجيدة سلالة الأمجاد الذين أرمضتهم المآسي :
صرخة من هدى الرسول وروح بعثت ميّتاً على صولجانه
فهو راع للعيش وهو طموح وهو راعي الملوك في إيمانه
هكذا آية النبوة ..نفح من هدى الله هبّ من قرآنه
وهو خلق ورحمة ..وفتوح وعلاء وحكمة في بيانه
وهو دهر فيما يقص ..صحيح وهو بدر دوماً على فيضانه
فالأيادي إذا دعاها مديح كان شكراً يهدي إلى إحسانه
تلك ذكرى الرسول دوماً وما تقدّم فيدوّي بها سموّ ..ممجّدْ
فمتى توقظ ابن مجد يثلّمْ ومآسيه كل يوم تردّدْ
ثم يختتم أسماط الموشح بمناجاة البيد من خلال ذكرى النبي التي تشق الآماد إلى عصور الضياء ، عساها تعيد المجد السابق المعطر يرهب الأقوياء ، ويخضع الأعداء ، ويجلو الفيافي بالحق والنور والأشدة الرحماء :
أنصتي ..أنصتي فهيمنة الذكــرى تشق العصور وهي ضياءُ
فاحفظي أيها الغوالي ..يند كّ بها ما يشيده الأعداءُ
ويعدّ مجـــدك المضمخ بالشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكر علياً يهابه الأقوياء
يسكن الحقّ والمكارم والذكـــــر ويسمو الأشدة الرحماء
إن ليل الضلال لا يدفـع الحكــــــــــــــــمة وهي النهار والآلاء
أنت يا مولد الهداية في الفـــــــــــــــــــــــــــــــــكـــــر وفي القلب ثورة غرّاءُ
غنّ يا بيد بالهدى إذ ترنمْ نظمته الرمال زهراً منضّدْ
واملئي الخافقين عطراً يضرّمْ بسجايا هادي الشعوب محمدْ – مجلة التمدن الإسلامي : م 4 ( 1357هـ / 1938 ) – ص 60 .
ويواكب أحمد مظهر العظمة هذا الآفاق في موشحه ( ميلاد الرحمة العالمية ) وينصرف بقلبه ووجدانه تلقاء البيد، فيجدها منطلقاً للهدى وبلسماً لآلام البشرية ، كلما ألمت بالبشر الكروب :
غنّ يا بيد بالهــدى إذ ترنّمْ نظمته الرمال زهراً منضّدْ
واملئي الخافقين عطراً يضرّمْ بسجايا هادي الشعوب محمدْ
من سواكِ يهدهد الألم السا كب كالبرء في ملاقاة بؤس
من سواك يكفكف الحزن السا هر بالبشر والرجاء وأنس
من سواك ينهنه الجور ما سا م ببأس إن لم يفد نصح طِرس
من سواك يحمي السلام إذا سا ر فيمضي لعرشه لا لرمس
من سواك يبيّن الرشد للسا در في الليل بين هجس ولُبس
أنت يا بيد نفحةٌ تتنسّم في صروف من الضلال تأوّدْ
تهب النور عالمـاً يتألمْ فإذا الخلق للحقيقة سجّدْ
ذكرى المولد :
وتمر ذكرى المولد النبوي الشريف، فيحتفل بها الشاعر على عادة السوريين، ويكتب قصيدة تحت عنوان (ذكرى المولد ) يصور فيها فرحته وفخره واعتزازه بأمجاد المسلمين الذين أورقت في وجههم الصحراء ، وازدهرت معجزة البيان ، وراح نور الهداية يسرح ويمرح بينهم، ونبت الفاتحون في ربوعنا كالأشجار الشامخة الباسقة فخالد وسعد وصلاح الدين وأسامة بن زيد ...وهلم جراً، وها هو يقول فيها :
قـلـت للـبـيـد فـي الـحجـــــــيج وصدري خـافقُ الـوجـــــــــــــــــدِ مُنشِدٌ بَسّامُ
والصحـارى ومـا أعزَّ الصحـــــــــــــارى مـن ظلال الأمـجـادِ وهــــــــــــي تُرام
إن هـذا الثرى لـيـنـبت شِيحــــــــــــاً وخزامـى طـابت بـه الأيـــــــــــــــام
وأقـام الـبـيـانُ والقـمـر الـوَسْــــــــ ــنـانُ والريـمُ والـمهـا والنعــــــــام
كـيف أضحى للنـور يـمـرح فـيـــــــــــهِ كـيف أمسـى ومـجـدُه الإعـــــــــــــظام
مـا الـذي هـزّ تـربةً فإذا بهـــــــــــــا تُنـبت الفـاتحـيـن وَهْي عُقـــــــــــــام
خـالـدٌ مـنهـمُ وسعـدٌ، وعـمــــــــــــرٌو وعُبَيْدٌ، وعـامـرٌ، وأُســــــــــــــــــام
معجزة البيان :
وينفرد أحمد مظهر العظمة في ريادته لبعثة النبي بجلاء الجانب البياني الذي كان معجزة الدعوة الإسلامية . فيرصد آثار الهدى الإلهي الذي انبعث من حراء فانداح نوره في أقطار الأرض :
رنّ في مسمع الزمان بيانهُ فإذا العلم والهدى ألحانهْ
تستميل القرون بالنغم العـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلوي يدوي بين الورى تبيانه
من حراء بدا فردده الكو ن طروباً قرآنه
فالكلام الجميل يصدح في الأر ض فيهدي أوطانها قرآنه
وهكذا بعث النبي من بين العرب الفصحاء، فكان القرآن معجزة ربه إليهم، فأذعنت أمة البيان لنظمه المعجز :
حول مأوى البيان أحدقت الآ مال تترى كأنها أعوانهْ
حيث تثوي الجحاجح العرب بالمنـــــطق يبقى على الزمان جمانه
قام طه مبلغاً شـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرعة اللــــــه بعزم وقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــد بدا برهانه
وحديث الرشاد بالنسق المعـــــــــــــــــــــــــــــــجز يهفو والمصطفى ترجمانه
جلّ نظم الإله عن أبلغ القو ل فأين الإعجاز أين لسانه
سجدت أمة البيان إليه إذ سباها إعجازه وبيانه – مجلة التمدن الإسلامي : م 2 ( 1355 هـ / 1936 م ) – ص 126 .
الأمجاد ومعارك الفتوح الإسلامية :
وأما أحمد مظهر العظمة فيمضي مؤلقاً صور أمجادنا ويروي قصة المجد المخلّد في أمتنا التي ما زادتها خطوب الزمان إلا قوة واستبسالاً . فكانت بنهجها الإسلامي القويم مؤثلة لحضارة فريدة ترف فوقها أعلام الهداية والسمو والرفعة في ظل الشورى والأمان والعدل :
في شاطئ الأبد الرهيب مآذن تلقى جنود المصطفى أشبالا
ساروا على النهج الرفيع فأصبحوا للمجد أهلاً والسيادة آلا
وتشيّد المجد الرفيع كأنه قد رام من أفق النجوم سؤالا
سكنت به أسمى الحضارات التي ما شاهدتْ لجمالها أمثالا
وعليه من معنى العروبة مسحة ومن الهداية روعة تتلالا
وعليه أعلام كأجنحة الهدى تطوي الزمان مسبّحاً إجلالا – مجلة التمدن الإسلامي : م 1 ( 1354 هـ / 1935 م ) – ص 38 .
الرسالة الإسلامية :
أفاض شعراؤنا في الإشادة برسالة الإسلام الرائدة وامتاز كل منهم بتناول جانب منها، وتناول أحمد مظهر العظمة جوانب الطاقة والمدد فيها، ويصطفي من مثل الدين الإسلامي وطاقاته ما نحن بأمس الحاجة إليه في المرحلة المناضلة المكافحة، فيجد في استجلاء آيات الله، وتمثلها طاقات مشعة تبعث الحياة في الرقود، ويحيي الآمال كما تحيل الضعف قوة، وتغذي نفس المؤمن بالعزيمة والقوة وطاقة الاستمرار ، فيجابه الخطوب صابراً متجلّداً، كما تمنح طاقة الطموح المجدّ فيمضي المؤمن بها مجوّداً مجلياً مسابقاً في تجديد الحياة وتقدمها، فآيات الله منائر للبشرية، تؤلفها وترفعها، فهي كالشمس تنفح الحياة فضلاً وحكمة وجمالاً :
لله آيات الكتاب فإنها تحيي الرميم وتبعث الأمالا
وتسابق الأجيال تجديداً فما هرمت وإن شاخ الزمان وطالا
هي للعصور فشأنها التجديد لكن فطرة وطبيعة وخصالا
كالشمس في كل العصور مضيئة تهدي الحياة الحسن والإفضالا – مجلة التمدن : م 1 ، ع 1 ( 1354 هـ / 1935 ) – ص 38 .
النهضة الإسلامية المعاصرة :
ولقد رسم لنا شعراؤنا المحدثون صورة من هذه الرؤية الحضارية التي عرضنا لها، فهذا أحمد مظهر العظمة ينادي ناشئة الجيل أن يبنوا نهضتنا الحديثة في ضوء رسالتنا الحضارية واصلين نهضة الحاضر بنهضة الماضي التليد :
أبني الألى أملوا على التاريخ ما فعلوا فكان إلى الكمال مثالا
قد آن أن يجد الكتاب جنوده دوّى الزمان بهديهم وتلالا
برق يريني في الشباب عزيمة خلف الكتاب تحقق الآمالا
وتشيّد الآتي السعيد على الهدى ما خاب من يستصرخ الأبطالا – مجلة التمدن الإسلامي : م 1 ، ع 1 ( 1354 هـ / 1935 ) – ص 38 .
إنه ينادي جيل العروبة والإسلام، سليل الأمجاد الرائعة، كي يبني الحياة قوية حرة ناهضة، ويدوي هذا النداء في عرام انتفاضة الشعب على المستعمر، إثر وفاة الزعيم هنانو لذا فهو أعظم استجابة لنداء الشاعر وأوفر امتثالاً وقبولاً .
التكافل الاجتماعي :
شرع الإسلام مبدأ التكافل الاجتماعي بين المسلمين إرساء لقواعد العدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي، قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم به . رواه البزار والطبراني وهو حديث حسن .
ولقد ابتعث شعراؤنا في هذا الميدان قيم الأخوة الإسلامية التي تملي المشاطرة في الخير وتعين في الشدة دونما منة أو فضل، فهو حقّ إلهي على كل قادر : وفي أموالهم حقّ معلوم للسائل والمحروم – سورة المعراج : 24 .
الشاعر أحمد مظهر العظمة يلقي في حفلة تخريج طلاب المعلمين ببغداد قصيدة يهيب فيها برعاية حق الأخوة الإسلامية بإنجاد بطاح الريف البائسة وإنارتها بالعلم قبل أن يحفزها الجهل للتردي والأذى فإنه : من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم . كما يهيب بصيانة الخلال الفطرية الصافية فيها قبل أن يفسدها الظلم والحرمان :
أنجدوا تلكمُ البطاح الحزينا ت أأنساكم النعيم إخاها
أدركوها من قبل أن يصرع الجهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل مناها فيسزيدَ أذاها
أدركوا الخير والمروءة والإخـــــــــــــــــــــــــــــــــــلاص والجود والإبا في حماها
ثم يستنهض شباب الجيل أن يحيوا مثل الإسلام بإشاعة الهداية المؤمنة والأخوة الإسلامية بين أبناء شعبنا من جديد، ليسعد الشعب بالتضامن والوئام ويعمر الريف ويسوده العلم والنور :
يا شباب العلياء والأمل الغرّيد والوثبة التي سنراها
يا بهاء الربيع ، يا طلعة الصبــــح وأشبال أمة ورجالها
قد سمعتم نداء ماض مجيد ليس يرضى عن ذلة وكراها
فأرجعوها هدايةً وإخاء ومضاء وعيشة لا تضاهى
واجعلوا الريف روضة وسرورا ومناراً يفيض حكماً وجاها
لا تدوم البلاد في الصفو إن لم ترض أمصارها وتسعدْ قراها – مجلة التمدن الإسلامي : م 5 ، ع 4 ( 1358 هـ / 1939 م ) – ص 124 .
ونلاحظ شعر أحمد مظهر العظمة وهو يتسربل بالجزالة الخطابية في موضوع معاصر يعالج فيه قضية أبناء الريف، ويتراءى لفظ الإخاء الإسلامي حافزاً للتكافل .
الأشواق المتسامية :
ويرود أحمد مظهر العظمة أفقاً آخر من المواجد ، إن فاجعته في أخيه لتهز كيانه، وتزلزل صبره، فهو الحبيب الودود، يفارقه في لحظة هذا الوجود، فيا له من مصاب :
حمل البرق النعيّ الموجعا فإذا بي مستطار جزَعا
وبعد أن يعبر عن لوعته وشكواه، تثوب نفسه إلى ذكر الله فيجد روح السكينة، ويسلم بمشئة الله وقدره :
وأتى الليل فجالستُ الهدى سوراً تهدي إليه أجمعا
ذاكراً تقدير رب قادر شاء أن تحيا الورى أو تُمنعا
ثم تعاوده سورة الحزن التياعاً لرحيل الأخ الغالي في موجة وجدانية رقيقة :
وسجا الليل وأرخى ستره فغدا الحِندس يوري الأضلعا
ولكن لا يلبث أن يثوب إلى ربه ثانية مبتهلاً إليه أن يكلأ الفقيد برعايته وغفرانه، ويسكنه فردوس جنانه، فهو المؤمن المتسامي بالهدى الباذل للمعروف الباسط للخير الآسي آلام الناس :
رب رحماك فقد كان أخي يحمل المعروف مهما ضعضعا
ويذيع الخير ما كلّت له همّة فيه ولا سوءاً رعى
ربّ كم أبكته آلام الألى مسهم ضرّ ودهرٌ صدّعا
وتسامى بأحاديث الهدى وأثارته الدنايا أجمعا
فأقرّ العين في فردوسها راحماً عبداً مجيباً ضارعا – مجلة التمدن الإسلامي : م 8 ، ع 2 ( 1361 هـ / 1941 م ) – ص 52 .
آفاق العبادة :
-ويحذر الشاعر أحمد مظهر العظمة من أن يكون الصيام جوعاً لا أثر فيه على الفرد والمجتمع، فيقول :
لا الصوم صوم ولا الإيمان إيمان أتت على الصوم والإيمان أزمان
كانوا يصومون فالأخلاق سامية ويفطُرون فأجر الله غفران
والصوم طِبٌّ وأخلاق ورابطة وتقى ودين وترويضٌ وإحسان
لكنه اليوم أضحى وهو مخمصة على الفساد فما للحزم سلطان
دراسة فنية :
الشاعر أحمد مظهر العظمة شاعر إسلامي، جزل الأسلوب، يغلب عليه الطابع التقليدي، ومن سمات التقليدية انتقاء القافية الملائمة للفخامة والاعتداد في نفَس الفخر القديم، من هذا ما نراه عند أحمد مظهر العظمة في نونيته الموصولة ( أي فضل ) :
رنّ في مسمع الزمان بيانهْ فإذا العلم والهدى ألحانهْ
ومن القوافي ما يوحي بالتوجع والألم ، من ذلك ما نجده عند أحمد مظهر العظمة في عينيته الموصولة :
حمل البرق النعيّ الموجعا فإذا بي مستطار جزعا
القافية الملونة :
ولكن بعض الشعراء قد خرجوا في قوافيهم عن إطار القافية الموحدة مؤثرين إضفاء شيء من تلوين النغم في منظوماتهم، فنظموا في الموشحات التقليدية والموشحات المطوّرة والدوبيت .
فممن نظم الموشحات القديمة أحمد مظهر العظمة في موشحه المطول ميلاد الرحمة العالمية ، ويحتوي عشرة أسماط، وقد لاءم فيه بين اختلاف النغم واختلاف الغرض جاعلاً من قفل الموشح اللازمة الموحية بالغرض الثابت، يقول في السمط الثالث مخاطباً البيد التي احتضنت الوحي النبوي :
فيك يا مبعث الحياة تعالى منبر الوحي رحمـة للعوالمْ
فرقــاه البشير ثم تتالى منطق النور في ليالي فواحمْ
فبنفسي فجر الربيع وهلاّ كان طه إلا صباح المراحمْ
بسم الخلق مذ رأوه تجلّى وابتسام الغريق للرفق دائمْ
وتغنى الزمــان حين أبلا من صروف ونائبات تهاجمْ
ودوى البشر والهتاف ومن لا يتسامى بالمصطفى للمكارمْ
ليس يقوى البيان مهما تقدّمْ لخضمّ مــن المعاني تمرّدْ
فبيان الخفاق أسـمى وأكرمْ فسلوه عن الرسول المؤيّدْ
وأخيراً لا يفوتني أن أقول :
إنما يكون المرء شاعراً حقاً بدقة ملاحظته ورقة عاطفته وسلامة ذوقه وروعة بيانه الفصيح الكلمات، الحسن الرصف، الجميل الوصف الذي لم يعلق بأسلوبه ركاكة، ولم يشبه تعقيد. ويجمع الأستاذ العظمة ذلك كله في أكثر شعره السهل الصادق الذي يذكرنا بما رواه ابن سلام الحجمي في كتابه طبقات الشعراء عن ابن عباد قال ، قال لي عمر: أنشدني لأشعر شعرائكم، قلت، من هو يا أمير المؤمنين؟ قال : زهير قلت : وكان كذلك .. قال: كان لا يعاظل بين الكلام، ولا يتبع حوشيه، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه .
وهكذا نجد الأستاذ العظمة في ديوانه من أصدق الشعر، وأسهله وأعذبه وأنفعه، رحم الله شاعر الإيمان والمجد والعلم والأدب.
الأستاذ العظمة والفن:
وللأديب الشاعر الأستاذ أحمد مظهر العظمة مواهب فنية ذات آثار في الزخرفة والخط، فقد تأثر بالمفن الراحل الأستاذ عبد الوهاب أبو سعود الذي درس الرسم في التجهيز الأولى بدمشق، كما تأثر بمدرّس الخط (ممدوح شريف) الذي كان يدرّس الخطوط العربية ومنها الكوفية.. والزخرفة والخط الكوفي في كثير من آثارهما في دمشق وحلب والقاهرة وبغداد، وتصفح بعض المراجع مثل كتاب الحمراء الذي صوّر جملة من النقوش والخطوط الأندلسية، حتى أصبح ذا ملكة في هذين الفنين. نقش لوحات عديدة ذوات زخارف وخطوط كوفية، كما زخرف أو خط عناوين كتب ومجلات ومقالات وبطاقات، من ذلك زخرفة كتاب امرئ القيس للعلامة سليم الجندي أستاذ الشاعر الكبير، وكتابه عنوان الاسلام والفن للأستاذ المربي محمود مهدي استانبولي (صديق الشاعر) ومجلة التمدن الإسلامي في حجومها العديدة وكثير من مطبوعاتها ومجلة الرسالة المصرية التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات.
اشترك في الصناعات الوطنية الذي أقامته في دمشق وزارة الزراعة والتجارة في تشرين الأول عام 1929م، وكان تلميذاً في التجهيز حينئذ، فحاز شهادة الدرجة الثانية من قسم النقوش و(ميداليتها) واشترك في المعرض الزراعي الصناعي السادس الذي أقامته بالقاهرة الجمعية الزراعية الملكية في تشرين الثاني عام 1949م، وحاز شهادة الدرجة الثانية وميداليتها من قسم (لوحات ونقوش عربية) خارجية.
وبعد :
هذه شذرات من سيرة هذا الداعية العظيم، ونفحات من شعره أفاض بها بيانه، وجاد بها وجدانه، وشعره مرآة نفسه الواعية، المطمئنة، الخاشعة. المحور الأخلاقي يوجه صوره وتجاربه التي تأتي كتسبيح ودعاء، أو تتشكل في قصص رمزية لتقريب المعاني والأفكار. أما شعره الوطني فإنه هتاف وإشادة بكل جوانب الحياة في الوطن، وحث على إعلاء مجده والعمل لرفعته. أسلوبه تراثي ولغته قريبة، وخياله لا يذهب بعيداً في رسم المشاهد أو تشكيل المواقف، أو تلوين الصور.
نرجو الله أن يوفق لإتمامها في مقبلات الأيام .....
مراجع البحث :
1- مقالة حسان بدر الدين الكاتب : صاحب الموسوعة الموجزة ومعجم المؤلفين العرب المعاصرين ، مجلة العرفان - ( ع1 - ع8) - 1977م
2-معجم البابطين – الصادر في الكويت .
3-رابطة أدباء الشام – مقالة أ. عمر محمد العبسو تحت عنوان الاتجاه الإسلامي في شعر أحمد مظهر العظمة .
4-موقع أحمد معاذ الخطيب على الشبكة .
5- عبدالقادر عياش: معجم المؤلفين في القرن العشرين - دار الفكر - (ط1) - دمشق 1985.
6- محمد عبداللطيف صالح الفرفور: أعلام دمشق في القرن الرابع عشر - دار الملاح وادر حسان دمشق 1987.
وسوم: العدد 710