قراءة في الأعمال الشعرية للشاعر الدكتور صدام فهد الأسدي

clip_image002_76fc1.jpg

اشياء تسقط في الذاكرة

اشياء تصعد في الأشياء

افياء يفضحها النور ، واشياء تخنقها الظلماء

احياء تخنق حتى الشمس ، واحياء لا تعرف معنى الافياء

ياكلنا الخوف ونفتق فاه النسيان

نسمع ناقوس الموت يدق يدق يدق ونفتح تلك الاذان

وانكسرت اضلاع الموت بذاك السندان

وشراع الريح يجر بذاك الانسان

وطن يحمل غبار الحزن والألم ويسير بنا في غربة الحياة مع قسوة الأيام الى عالم الآهات ويرحل بنا الى اكتشاف حقائق النفس في خضم الذات ، يسافر خلف طيات المجهول ويحمل صبرا طال عذابه ، مع حلم يعيش على حافة الفرح ينتظر ضوءا ً جديدا ً بين سطور الألم والوحشة .

الدكتور صدام فهد الأسدي شاعر يرى الأشياء كما هي في الواقع ، يتصرف باللغة ويأتي بمفرداتها على أحسن وجه وأجلى صورة وهو يحسن القول اذا قال والانشاد اذا جال ويتحرك في دائرة واضحة الحدود تناسب فكره وطاقته التعبيرية ، وكان بحق شاعرا ً متبرما ً ومتمردا ً ناقدا ً واقعه المرير أنطلاقا ً من قيمه وأصوله وأخلاقياته ليعطي صورة جلية للسلوك الأجتماعي وكما عبر عنه الدكتور فاخر الياسري بانه صاحب تجربة شعرية ملحوظة واضحة المعالم والسمات وكان همه الأول الانسان والوطن ..

عن مؤسسة البصرة للكتاب الثقافي / دار ومكتبة البصائر صدر للشاعر الدكتور صدام فهد الأسدي مجموعة الأعمال الشعرية وتضم ست مجموعات شعرية ( محاجر الغسق ، خيمة من غبار ، لا شيء غير الكلام ، ترهلات غيمة ذابلة ، أسباخ على رصيف التعب ، أنها ظمأى ) .

يعبر فيها عن وضوح الصورة الشعرية والتي تعتبر نقطة جذب للقارىء والتي تعتمد على مهارة الشاعر وكما يقول

( س . داي ، لويس ) (الصورة الشعرية رسم قوامه الكلمات)

من هنا أمتلك الشاعر الأسدي سيطرة كاملة على اللغة فترى الصلة الحميمة بين الصورة واللغة في شعره ، فحياة الشاعر الأسدي كلها معاناة وقلق ، ونقاء قلبه كنقاء اللحظة في حالة أغتراب .

 الوطن الحضن الدافىء لابنائه ، يحمل هموم الزمن ، دجلة والفرات ينبضان بعشق الأرض وعطر شط العرب ، في البصرة يتجلى العراق كله بنخيلها وأنهرها ، ويقف مخاطبا حبيبته البصرة التي سرقوا منها حتى لقبها الفيحاء ، ولكنه سيبقى الى الأبد يغني لتأريخها العريق ، البصرة البصرة ..

لا تملك الأرض في الدنيا كبصرتنا

                            اني خشيت عيون الناس من حسد

فيحاؤنا مسد قد طرزت درر

                            ما قيمة الدرّ اذ ْ يخلو من المسد

ومجدها سار في الدنيا وبشرها

                            بأن تصلي ّ صلاة الشكر والحمد

كان العراق الى الدنيا قلادتها

                            وبصرتي الخيط منه فاض بالزرد

في21/5/2007 سكت صوت الشعر ورحلت عاشقة الليل ورائدة الحداثة الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة والتي قالت  "ها أنا وحدي على شط الممات والأعاصير تنادي زورقي "

وهي نبوءة متوقعة لشاعرة أحترقت حبا ً في سبيل وطنها .

الاغاريد عند نازك ماتت

                          والاماني تلاقفتها الظنون

انما الشعر عند نازك سيف

                         كيف ينسى جراحها المطعون

يقول الدكتور " فاروق مواسي " :

" القرآن باسلوبه ولغته له تأثير على كل شاعر وناثر "

تميز شعر الأسدي باقتباساته من الألفاظ القرآنية مما جعله يوفق في تجسيدها بين جمال الروح وجلال التأمل ، ويحصل على التجاذب المدفون بين ذاته العميقة التي تتخلل أغواره مع صدق التزامه بعمق النظرة الفلسفية للحياة التي تلدغ كل قلب وتترك عليها بصمات لا تندمل .

ركبنا الصهيل

كرهنا الأصيل

سلبنا من الأمس حتى الأمان

" بأي آلاء ربكما تكذبان "

يبس الخوف والجوع

جذع الأماني

ويصفر وجه السكون

واقعنا العربي المشلول يسير بنا بلا أمل الى نفق مسدود ، وجرح الزمان لا يشفي لأن الدواء سم ّ في ضمائرنا ، لم يبق شيئا ً يواسينا غير الصمت والصبر وغير القهر والجوع والموت ، والى متى نبقى نصفق للطغاة والمغامرين .

في واقعنا العربي المشلول

الحكمة قالت ، سوف نقول " أيام الصبر تطول "

وقالت للصبر حدود

لابد بهذي الغابة من مقتول

مزمار تومان أسطورة البصرة جاهز للرقص والذي كان يقود اعلانات السينما فقد أختفى من دهاليز العشار ، والسياب برغم شهرته عاش فقيرا ً طيلة حياته ونكب بمحنة المرض وهو في قمة شبابه ، لقد كانت نهاية السياب قصيدة لم يكتبها بدر بل كتبها المطر على تراب العراق الخصيب .

تومان الرجل الزنجي

يموت

الأمس وكان

رمزا ً

بصريا علق لائحة الضحك

على التمثال

كم كان السياب فقيرا

أغرق شعره بالأهوال

في أسطورة سيزيف يتناول " البير كامو " تجربة العبث بين "الأنا " و " العالم " ، فالشاعر الأسدي يجد في ذاته أمواج متلاطمة من بحر هائج " بحر الأحزان " كلها آهات وعذابات وألما ً حارقا ً ويعمل على أيصال صخرة حزنه الى رأس الجبل كما حمل سيزيف صخرته وصعد بها الى أعلى الجبل ثم تعود لتسقط مرة أخرى الى السفح ويعود يحملها في اليوم التالي .. وهكذا ..

تعتبر الرموز الأسطورية أكثر استحبابا ً للشعراء وكما تقول الشاعرة والناقدة " سلمى الخضراء الجيوسي "

" وكان ادخال الأسطورة الرمزية بنجاح الى الشعر انجازا ً حداثيا ً مهما ً يدين الى السياب بوجوده الأساس " .

فذا " عوليس " البطل الميثولوجي يعاني عذابا ً شديدا ً ويجتاز المهالك ، وذا " برموثيوس " المخادع المتمرد والبطل الأسطوري الذي سرق النار لتكون شعلة وهاجة للأبداعات الفنية ورغم اللهب المحمول على كف " ديوجين " فلن نجد ذلك الانسان ولو بحثنا عنه بمليون مصباح .

فالشاعر صدام الأسدي يحمل مصباح " ديوجين " ليتعذب مع أحاسيسه ويبحث عن الحقيقة وعن القيم الانسانية في زمن الصمت العربي ، في زمن مات فيه الضمير لأن الجرح عميق جدا ً .

ذي صخرة سيزيف

اتبع سخط الغجر الماشين لذلك الحي

ذا ـ تموز ـ القادم من وجه الريح

انبع من سيل الدم وخذ حذرا ً من عهد الدجال

ذا ـ عوليس ـ الواقف مغتربا ًكيف يطل من الأنفاس

لينقذ هذا الكهف العربي

من الأرتال المصلوبة في آبار النفط

ذا ـ برموثيوس ـ آلة النار يستوحد ظلا ً

في جبل القفقاس ليأكل كبد التأريخ

ليفرز صحوة مجبول في أكل الخوف من الشرفات

رغم اللهب المحمول على كف ـ ديوجينس ـيتعرى المشهد

وينام الظل وحيدا ً في كبد الشمس

آه ـ ديوجين ـ كيف رفضت الناس الناس الناس !

عاد الشاعر من رحلته ليسجل لنا مأساة العروبة ، مأساة تعشق الألم وتنام على الجرح كلما تحتضن القدس الثكلى وأقصاها الجريح ، أصبحنا في زمن نصرخ فيه بلا صوت ، وتبقى نكسة حزيران مستقرة في الذاكرة العربية ، الا تكفي الدروس والعبر التي تعلمناها من تلك الهزائم يا معشر العرب ، وأصبح السيف العربي جاهزا ً للرقص في أيدي المعتدين .

مأساتك السوداء كانت منذ سلمت

الغزاة الأرض بل بيت المسيح

وفرشت للأعداء دارك

والعروبة بالخطابة تستريح

كم نكسة مرت بها العرب الكرام ؟

تنسى حزيران القبيح

هل ينفع القول الفصيح

والسيف في كف العروبة قد يطيح

يبحث عن النور بين دبيب البريق بعد أن راى الحزن شرخا ً في دمه ونامت عيون الصبر في جسده ، يتأمل الفجر ليجتاز أتعاب الندى حين تمر فيه الريح والمطر ، صبره تعدى خمسين عاما مع جروح عند فز ّ القلب تؤلمه ، وعاش حياة ما أقسى غرائبها يتمنى الخلاص من محنة الزمن .

يغص ّ ليلي بكأس الدمع من وجع

                                 كانما تشرب الأحزان من وسني

اذا رأيت نيوب الناس ظاهرة

                                 فلتحذرن لهيب السم ّ من الوثن

يجف زرعي يموت الفيض في سحبي

                                  وانما آمل الأحلام في المزن

يبقى عشق الوطن في أحشاء القلب وبين سطور الكلمات ، نرسمه على جدران الزمن ، الجرح يؤلمنا ، ماتت التنهيدات في القلب الذي صار جمرة تحرق الأحشاء ويقطر ألما ً وينزف بصمت ، وتبقى الأحزان تدق الأبواب حيث القهر والعذاب ، يقول الشاعر عبدالوهاب البياتي :

" هذا هو العراق بحزنه الدائم منذ أقدم العصور كما لو أن الأقدار ألبسته طقس الآلهة والحياة بشكل مهيب ، في حزن العراق نجد ولادة التأريخ وديمومة الحياة جنبا ً الى جنب " .

وسوم: العدد 714