جاسم العايف وسحر القراءة
قال غيلبرتهايت :
" الكتب ليست أكوام من الورق الميت ، انها عقول تعيش على الأرفف " .
القراءة هي الوسيلة الأكبر في أكتساب الثقافة وهي التي تمكن ّ الانسان من أكتساب خبرة الآخرين وكما قال عباس محمود العقاد :
" القراءة تضيف الى عمر الانسان أعمارا ً أخرى " .
فالكتاب هو الصديق الوحيد الذي لا يمكنه أن يخونك على الأطلاق أو يكذب عليك ولذا لا يوجد أفضل من هذا الصديق لكي تبني خبرتك على أساس نصحه .
عن منشورات أتحاد الأدباء والكتاب في البصرة صدر للكاتب جاسم العايف كتابه المعنون " سحر القراءة " طبع لبنان / 2017 .
يفتتح الشاعر " مجيد الموسوي " مجموعته الشعرية الثالثة " دموع الأرض " بيوميات الربيع الدامي مستعيرا ً فيها ما ذكره هنري مللير :
" الحرب هي شكل من أشكال الجنون سواء كانت أهدافها نبيلة أم منحطة ، والقتال ليس سوى فعل يدل على اليأس لا القوة " . لذا فالموسوي يلعن ُ شعريا ً الحرب التي تخر ّب الأوطان والمدن والانسان وذاكرته وروحه .
من خلال شعره نتلمس القصيدة بصفتها حالة غامضة من الغياب والحضور ، من الحلم واليقظة ، من التذكر والنسيان ، حالة من أحتدام الروح يغدو فيها الأمساك بالبدء أو المنتهى أقرب للمستحيل .
الشعر لدى الموسوي ليس مجرد أنتظار سلبي لأنبثاق الرمز من أعماق اللاوعي بل من قطبين هما ، الانسان ـ العالم ، لينبثق بعد ذلك ضوء القصيدة المشع من ملايين الأشياء التي يتأملها الشاعر وربما لا يراها الآخرون ، ولا يفتر الموسوي عن ترديد " بـَصّرته" كأنما خلق لها وغمس في تيارها وأستنشقها :
" البصرة ُ
لمع ٌ في ذاكرة البرق ِ
وسيدة لا تنسى حين تغادر :
تترك بعض أنوثتها
النفنوف َ المبتل ّ الخفين
ودغدغة َ الآه !
البصرة
آخر ما نملك في الأرض
وأول
ما يرفعه الله " .
" عربة النهار " مجموعة شعرية لـ " هاشم تايه " ، نرى في قصائده لغة واضحة المعنى لا تفتعل الغموض بذاته من خلال ادراكه لقيمة المفردة الشعرية ووضوح معناها ومقاربتها لواقعية الحدث .
لا يمكن لمتتبع " عربة النهار " الا أن يقف عند الصياغات الشعرية الدقيقة المنتقاة برهافة ودراية وتميز والولوج الى خفايا الأشياء واستبطانها .
بعض قصائده قصيرة جدا ً لكنها دالة على الزمان الغريب والمكان المحاط برعب الأنتظار والقسوة واليأس والالآم والأحباط والقهر الراهن .
" يمشي المذبوح
في طرقـّاتنا
ليل نهار
حاملا ً
مصباحه المقطوع " .
أختار الشاعر " عبدالكريم كاصد " مختارات شعرية للشاعر مهدي محمد علي وهي الأشعار الأولى التي تصدر له في العراق منذ أن غادرها بصحبته عبر بادية السماوة في رحلة جحيمية نحو الكويت ومنها الى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية .
يستثمر مهدي محمد علي في بعض قصائده ثنائية : الحضور ـ الغياب ، حضور الذاكرة ـ الماضي وغيابها الآني ، أستدلال الأمكنة والأحداث والأشخاص بوضوح ، محاورتهم ، طغيان ملامحهم ، الأحتفاظ بأدق الخصائص الواقعية للمشهد ـ الماضي القابع في الذاكرة ـ غياب الوطن في المنفى وأختراق المنفي ذاته في حضور الوطن .
وتتحول الصور اليومية الى فعل مملوء بالغضب والمرارة ، ويبقى الأمل الذي يفعـّل هذه الكائنات البشرية المقتنعة بحياتها الهامشية التي تحولها اللغة البسيطة الماهرة والصور الغنية المتقدة بالحياة الى نسيج يضج بالحركة والوجود المتوتر والانساني .
" أما زالت غرفتي وحيدة
تتمرغ في سكون الوطن
الوطن الذي تلوى على رماد الحرب
الحرب التي تلتهم الذكريات ؟!" .
في البصرة أصدر الشاعر " علي عيدان عبدالله " مجموعته " هنالك .. وأبعد "عام 2008 ، تكشف عن أفق جديد في تجربته التي لم يفرط فيها بقصيدة النثر مطلقا .
جوهر الشعر يتولد من التجربة الشخصية ومن حرارة الروح وحدسها ويأسها وحتى من حزنها الذي يؤجج المشاعر ولعله قد يدفع للفرح ، بالترافق مع ثقافة منفتحة متجددة وغنية انسانيا ً .
هنا يفتح أفقا ً آخر لتجربته وهو الأنفتاح على الخارج والثيمات الأسطورية وأستخدام الأستعارات والشخصيات والرموز التأريخية والمعاصرة لاستنطاقها وكبح جماح الذات .
في الذكرى الثانية لرحيل " محمود عبدالوهاب " أصدر الشاعر كاظم اللايذ كتابه المعنون " دفتر على سرير المرض .. محمود عبدالوهاب شاعرا ً " وتتميز بأسلوب الوضوح والأختزال والأختصار ، والقصائد ذات طابع سردي ويكثر من " مثل " التشبيه والتي تذكرنا بـ " كاف " التشبيه التي تتكرر في شعر السياب ونرى فيها ما هو أهم في الشعر هو ايقاد شعلة التوتر الروحي الى أقصاها والأعتناء بالثراء الداخلي الحميم الذي تفيض به الروح .. " محمود عبد الوهاب " أديب بصري متعدد المواهب ، كتب في القصة القصيرة والرواية والشعر والمقالة النقدية والمسرحية وله باع في الترجمة ..
دراسة عن الشاعر " شاكر العاشور " وبعض حصاده الشعري ..
"تلاوة في ما قالته ريما للشمس ـ ج 1 " هي الجزء الأول من الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر وتضمنت مجموعاته التي سبق ونشرها وهي " قصائد أولى " 1965 ، ومساهمته في مجموعة مشتركة لشعراء البصرة بعنوان " تسعة أصوات " 1971 ، و " الانذار الأخير الى أزهار الحدائق " 1972 ، و " في حضرة المعشوق والعاشق " 1975 ،
يتميز شعر الشاعر شاكر العاشور على حس شعري ونزعة " شبابية ـ فردانية " تعزز بقاء الشعر وديمومته وتواصله في مواجهة التوجهات الثقافية الراهنة ..
شاكر العاشور شاعر من البصرة لم يغب ذكره عن الأنظار والشهرة ولم تغفله أقلام الدارسين ..
دراسة عن البريكان ، و " البذرة والفأس " ، تسامى الشاعر محمود البريكان نحو آفاق الأبداع والتحضر بنتاجه وشخصه اذ مثــّلا روح التطلع الحداثوي المتمدن في النسيج الثقافي العراقي من خلال تنقيبه في صبوات الروح وتراثها الانساني متمسكا بارادته الحرة التي لم يسمح لأحد أن ينازعه عليها متجاوزا ً الاطناب والبهرجة والتزويق متحصنا ً بعزلته الخلاقة ضد تزوير الحقيقة .
الشاعر محمود البريكان شاعر عراقي ولد في الزبير ـ البصرة وكان رائدا ً وأستاذا ً لجيل من الشعراء والأدباء ، يؤكد الناقد " رياض عبدالواحد "
ان شعر البريكان أشبه بالبذرة الموضوعة في أحدى قصائده التي فيها أستقى عنوان كتابه ، وهذه البذرة وهي تعيش في الداخل فأنها تأخذ منه كل شيء وتندفع بقوة ارادتها مخترقة تربتها لتكبر وتثمر وتكون ذات لحظة ما خاضعة لفأس الحطاب التي هي صلة التواصل والتقاطع في العيش بعجائبه المتعددة مرثية أو مخفية ومنها صلة الشعر بالشاعر وبالآخر لكونها محصلة الحياة النهائية .
قصص " ودود حميد " في " ممر الضوء " تعتمد الحبكة المنضبطة والسرد المتزن الذي ينأى عن الارباك والأرتباك والخسائر اللغوية الفائضة . مجموعة " ممر الضوء " قسمت على ثلاثة أقسام الأول بعنوان " البدايات " وتضمنت ثلاث قصص " بابا والعطار ، والصبي الشجاع ، والرجل والصحراء". والثاني بعنوان " ما بعد الرحيل " وأحتوى على قصص " مكمن السر ، ورحيل النغم ، وهستيريا الشك ، وشيزوفرينيا "
أما الثالث بعنوان " تواصل " وأحتوى على أربع قصص " ممر الضوء ، وتراكمات الرؤى المنطفئة ، والنبتة والأغتصاب " .
عمد القاص الى تنقية شخصيات قصصه من أدران أجتماعية سائدة في الحياة العراقية ويبدو أنه على تماس وثيق مع شخصياته القصصية حتى أنه يعقد معها صداقة ومعرفة .
صدر للقاص رمزي حسن مجموعته القصصية " ذاكرة الزمن " قسمت المجموعة على قسمين :
الأول " قصص " والثاني " نصوص " . القاص رمزي حسن عمل على الأستفادة من طرفين هما ، الذاكرة والزمن .. الذاكرة هي ذاكرته الشخصية وكذلك الزمن فهو زمنه وحده ، ذلك الزمن الذي عاشه وشهد أحداثه وحاول هنا أن ينفض عنه غبار السنين لانقاذه من الضياع ، كما يتجلى في " ذاكرة الزمن " عالم الذات بكل ما فيه من نكوص واستلاب كامن في الروح الانسانية وتتسم بالأقتصاد في السرد وعدم رتابة اللغة كونها سريعة الايقاع وانعدام التمدد في الزمن الفني .
لا تنحصر تجربة القاص " محمد سهيل احمد " الثقافية في توجهاته وممارساته السردية فحسب بل بدأ بالشعر ، ونشر قصائده في الصحف ( البصرية ـ العراقية ) ثم توجه للقصة .. صدرت مجموعته القصصية الأولى " العين والشباك " مطبعة الرسالة ـ الكويت / 1985 ، والتي حضيت باهتمام بعض النقاد والكتاب العراقيين والعرب ، ومجموعته القصصية الثانية المعنونة ( الآن أو بعد سنين ) التي صدرت بعد 20 عاما على صدور مجموعته ، نلاحظ أن " محمد ةسهيل أحمد " كاتب قصة يتقن الصنعة وقصصه مشحونة بالتوتر ، والسرد القصصي لديه يخضع لمعارفه وقدراته وخبراته المتراكمة في التكنيك الفني عند كتابته للقصة القصيرة .
صدرت مجموعته الثالثة " اتبع النهر " ـ 2012 عن أتحاد أدباء وكتاب البصرة .. " محمد سهيل أحمد " في القصة القصيرة ينحو اللا ثلاث مراحل ، نرى أنه لا بد لكل قاص أن يمر بها وهي : برق الالتماعة الأولى أو الأنبثاق ، والخزن الذي قد يطول أو يقصر زمنيا ً ، ومن ثم الأشتغال والمعالجة .
رواية القاص علي عباس خفيف " عندما خرجت من الحلم " تجاوزت فخ السقوط في الأيديولوجية وتجريدياتها وتوجهاتها " الدوكوماتية " وهو ما أعطاها بعدا ً فنيا ً وبذا كانت بعيدة بمنهجية ، روائية ، عن سلطة الأيديولوجية الملفقة وتحكم سلطة الوعي المنحاز ، واسقاطاته ، ويمكن قراءاتها اجتماعيا ً .وقد أعتمد المؤلف تكنيكا ً مغايرا ً لما هو سائد في البناء الروائي الذي يعتمد التأريخ مرجعية له من خلال تداخل السرد وعبر هيمنة الماضي كذكرى ، وسطوة الحاضر كفعل الى الحد الذي لا يمكن الفصل بينهما دون تعسف أو افتعال ..
( ثقافة الجسد .. قراءة في السّرد النـّسوي العربي ) للناقد عبدالغفار العطوي ، قراءات مختارة تتعلق بالمرأة وهمومها الخاصة التي تقف حائلا ً دون عيشها بسلام بلا تمييز جنسي وثقافي وبايلوجي يؤشر وضع المرأة العربية المعاصرة كما هي في الواقع العربي الذي تعيشه .
درس " العطوي " رواية " ثريا نافع " المعنونة " فضاء الجسد ـ بيروت " ، وقصص القاصة " هيفاء بيطار " في مجموعتها " ضجيج الجسد ـ دمشق " ، وقصص القاصة " وفاء عزيز أوغلي " في مجموعتها " غريبة فوق أهداب دمشق " ، ورواية " حلم الليلة الأولى " لليلى العثمان ، ورواية " مسك الغزال " لحنان الشيخ ، ورواية " ذاكرة الجسد " لأحلام مستغانمي ، ورواية " نساء المتعة " لمنيرة سوار .
فكتابات الكاتبات قد أنصرفت في كليتها الى عالم السّرد الذي قدمت عبره الكاتبات قضاياهن ولعلها أفضل طريقة يمكن أن تؤدي بالمرأة للدفاع عن وجودها وفعاليتها الانسانية ـ الثقافية .
جميع النساء في القصص مهمشات ومقهورات ومنبوذات ومقموعات ومحملات بمكابدات المرأة جسديا ً من خلال علاقتها بالرجل .
السيرة الحياتية والثقافية للكاتب والناقد والمخرج " بنيان صالح " فيها كثير من المواقف التي تعكس حضوره كانسان وكاتب ومثقف ، نشر الكثير من الدراسات عن المسرح البصري ـ العراقي ، وبعض المسرحيات العربية والعالمية في الدوريات والمجلات العربية وأهمها مجلة " الأداب " اللبنانية ، وقد أثارت المقالات التي نشرها على صفحاتها ومنها " يوسف العاني .. العودة الى النبع " ودراسة مطولة عن مسرحية " مارا صاد " للكاتب المسرحي العالمي " بيتر فايس " أهتمام وثناء النقاد العرب الذين ثمنوا قدرته النقدية والتحليلية المسرحية . في بداية السبعينات سعى " بنيان " في البصرة بتشكيل جماعة يكون همها الأساس " المسرح " لمناقشة أفكاره ورؤاه وأساليبه التطبيقية ، وساهم معه الناقد والكاتب المسرحي الراحل " حميد مجيد مال الله " و " كاظم عيدان لازم " و " عبدالوهاب النعمة " و " وعبدالصاحب ابراهيم " ، بتأسيس جماعة " كتابات مسرحية ".وبذا يشكل " بنيان صالح " مع بعض زملائه صفحة مضيئة في التأريخ المسرحي في البصرة والعراق .
وتناول الدكتور" عباس الجميلي" الأستاذ في قسم المسرح ـ كلية الفنون الجميلة ـ جامعة البصرة ـ في كتابه المعنون " بنيان صالح .. والوثائقية الفكرية " تقديم الدكتور " سلمان كاصد " بالتحليل والدراسة السيرة المسرحية لـ " بنيان صالح " ككاتب ومخرج ومسرحي وكيف خط لنفسه تجربة واعية في مسار الحركة المسرحية العراقية ولكنه لم يأخذ نصيبه من الأنتشار المطلوب لمبدع مثله .
تناول الكاتب " جاسم العايف " أيضا " بابلو نيرودا .. في البحر والأجراس " و " ما لا يدرك .. والصوت الذي يحدثه العالم " و " أحفاد العروس .. أشياء من السيرة وقصص قصيرة " و " صنعة السرد .. الصرامة والوضوح " و " عاصفة ماركيز .. وعواصف العراق " .
عشنا مع الكاتب " جاسم العايف " في كتابه " سحر القراءة " الى قراءة لعدد من الكتب في أجناس أدبية متنوعة ، ورصده الحراك الثقافي ّ في مدينته " البصرة " خصوصا ، وملاحقة أحداثه وما ينتجه من آثار بالعرض والمتابعة والاضاءة والتقييم ..
وسوم: العدد 720