جمالية الشعر عند محمد بشير دحدوح
** حلب في عيون أبنائها **
(إلا إليك) .. جمالية الشعر عند محمد بشير دحدوح
✿✦تضم مجموعة قصائد تتوزع مابين الشكلين الكلاسيكي والحداثوي، ولعل ما يلفت النظر عند تصفح الديوان ذلك العشق الذي يبديه الشـاعر تجاه حلب المدينة التي أجاد في وصفها :
هل في العواصم كشهبانا
يختال فيها الندى والعز صحبابا
✿✦ هي في هذا العشق ليست مكاناً ، بل وعاء يحتضن كل ما يراه الشاعر فيها من تاريخ وإبداع وكرم ، فيقول :
ياكعبة الفن والإبداع مرتشف
من ثغرك السحر أسراراً وأشجاناً
✿✦وهو ما يمثل قمة جمال العشق ، ولنلاحظ أنه كعاشق لا يرى فيها إلا معشوقة تستحق أن يبذل لها الأوصاف والتغزل :
إذا المكارم تاهت عن مقاصدها
كانت لها حلب الشهباء عنواناً
✿✦ لقد تحدث كثير من الشعراء عن حلب ، وكل منهم استلهم منها أوصافه إليها،و قصيدة محمد بشير دحدوح في ديوانه عن حلب تشكل إضافة هامة في سجل وصف حلب توازي جمالاً وإبداعاً ما قاله كبار الشعراء عنها، فهي كما وصفها مثلاً تاج المدائن وكعبة الفن ومدينة السماحة والعلم والنور والايمان والكرم .. إلى آخر الأوصاف التي تتالت بفنية شعرية تجيد تطويع التشابيه ومعه ننشد :
إذا العواصم ضلت .. فالهدى حلب
تتلـى أوابـدها رشـــــداً وتبيانــا
✿✦تأمل وحنين
تتباين نظرات الشاعر في مراحل العمر ، ومن الواضح أن الشاعر أصدر ديوانه في سن يغلب فيها التأمل على الانفعال الآني ، فيأتي التأمل حكماً وتدقيقاً في الأشياء، وفي هذه المرحلة التي يركن فيها الشاعر للتأمل يصبح الحنين إلى أيام الشباب والصبا عنواناً يذكرنا بقول الشاعر القديم الذي تمنى لو أن الشباب يعود ليخبره بما فعل المشيب فعندما يجد نفسه بين حسان لايتحرج من التغزل ، ولكن ضمن إطار محبب بقوله :
واغزل فيهن ذكرى شباب
كأني عن الدهر في معزل
✿✦ ولعل هذا الميل إلى التأمل والميل إلى الهدوء في العواطف والسكينة يجعله في حالة التصاق دائم بالطبيعة والتي ما إن يبتعد عنها في بعض القصائد حتى يعود إليها في قصائد أخرى وكأنه يجد فيها ملاذاً آمناً وجميلاً وهو ما نلمسه من عناوين هذه القصائد مثل ( شفاه البنفسج ) ( رحيل الكروم) (صفعة الشمس) .. ومن مكونات الطبيعة يستقي تشبيهاته بشكل غزير فلو أخذنا مثالاً قصيدته ( إيناس) سنجد اتكاء شديداً على الطبيعة فيها : (يا غصن الجمال ..كف العصفور) ومنها :
وتلفحت الغيم المحنى بالغروب
مودعاً عباد وشــمس حائــر
✿✦ انتماء يلتصق الشاعر بشدة بقضايا الوطن ، فينشد للشهداء ولغزة وللوطن ككل ، فيهدي قصيدة (أم الشهيد) لأم الشهيد عماد مغنية في ذكرى استشهاده قائلاً فيها :
كوثر جهادك من رحيق شذاها
واغسل جراحك في حياض نداها
✿✦ويستعيد في هذا الجانب التاريخ مستغرباً أن يتناساه العرب في زمن الهزائم :
يغفـو أبي ابـن الســـــلول
على طريقة ذبحكم متيقناً
من أنها وفق الشرائع والأصول
✦✿✦ مجموعة شعرية تستحق الكثير من القراءات وتستجلب الكثير من التمعن في مضامينها ولتشكل في النهاية إضافة جميلة لمكتبة الشعر الحديث .
✦✦✿✦✦✿✦✦✿✦✦✿✦✦
- المصدر :الكاتب عبد الرحمن حمادي
وسوم: العدد 721