المزلاج!

أحمد عبد اللطيف النجار

( بعض ) الأزواج  بعد الزواج  تتغير شخصيتهم وتتبدل من النقيض للنقيض تماما ، فنراهم  في فترة الخطبة آية في الأدب  والأخلاق  والطبع الهادئ بحيث تتخيل  العروس  أنها سوف ترتبط بملاك هابط من السماء !

من المعروف أن أي طرف من أطراف العلاقة الزوجية  يبدي للطرف الآخر أجمل ما عنده من مزايا وسمات وصفات ، بحيث تختفي عن الأنظار  كل عيوبه لدرجة أن بعض الزوجات تتصور أن خطيبها كريم سخي ، ثم تُفاجئ به حين يُغلق عليهما معاً مزلاج  باب المسكن أنه شخص  بخيل ، شحيح !

ذلك تناقض شاذ وغريب وغش فاضح في العلاقات الزوجية !

هذا ما اكتشفته  ياسمين في زوجها محفوظ  الذي تزوجته بعد قصة حب كبيرة ، أظهر خلالها الفتي حبه وهيامه بمن اختارها من بين فتيات حي شبرا الشعبي في القاهرة .

كانت حينها ياسمين طالبة  متفوقة بكلية الطب ، كالزهرة اليانعة يتنافس شباب الحي علي قطفها .

واصلت الفتاة  تفوقها الدراسي ، فكانت طوال دراستها بالكلية  من الطالبات لمثاليات ، تتمتع باحترام  الجميع  من الزملاء والزميلات  وإعجاب الأساتذة .

واصلت ياسمين دراستها حتي حصلت علي بكالوريوس الطب  بتفوق ، ثم تقدم  إليها في ذلك الوقت جارها في السكن المهندس محفوظ وكان يعمل خارج مصر ، رحبت الأسرة به ، وخلال فترة الخطبة  كان الرجل عذب الحديث ، عف اللسان ، دمث الخلق ، وبناء علي رغبته تم عقد القران  والزفاف  بسرعة غريبة بحجة أنه يريد العودة لعمله بالخارج .

قبل الزفاف بأسبوع زارت ياسمين احدي صديقاتها  التي سألتها متعجبة كيف تتزوجين بهذه السرعة وأنت لم تعرفي زوجك حق المعرفة ؟!!

قالت لها ياسمين : حتي لو طالت الخطبة سنوات فلن يعرف  أي زوجين بعضهما البعض حق المعرفة إلا حين يُغلق عليهم معاً مزلاج باب المنزل !

واستدركت قائلة : وإني لأدعو الله أن يكون زوجي ( رجلاً)  صالحاً  تقي كما يظهر لنا حالياً !

تم الزفاف  وقضت ياسمين مع زوجها بضعة أيامك جميلة لا تُنسي ، ثم سافرت معه إلي الخارج للعمل .

بمجرد دخولهم المسكن الي سيعيشون فيه وأُغلق عليهم المزلاج حتي تحول زوجها محفوظ إلي إنسان آخر تماماً غير الذي تعرفه !!

كان ينطق بكلمات بشعة ، نابية ويتصرف تصرفات لا تصدر إلا عن كائن همجي !

وقفت الزوجة المسكينة مذهولة لما تسمعه من كلمات خارجة وسوقية ، لقد اكتشفت بعد فوات الأوان  أنه إنسان بوهيمي ، يعيش حياته بصورة مقززة  تشمئز منها النفوس الحرة الطاهرة !

وعندما عاتبته إذا به  يجيبها برود : ما وجه العجب فيما أقول وأفعل وأنا في بيتي  ومن حقي أن أستمتع فيه كيفما أشاء !

قالت له ياسمين : وهل في بذاءة اللسان حرية واستمتاع ؟!!

هل في ارتكاب المعاصي  باللغو في أعراض الناس وأسرارهم  سعادة وراحة ؟!!

لم يأبه محفوظ بتساؤلاتها  واستمرت حياتهم علي نفس الوتيرة ، فهو يعيش بشخصيتين ، خارج البيت إنسان مهذب  ، عف اللسان ، وفي داخله  مخلوق غير آدمي علي الإطلاق ، يستبيح أعراض الناس والكل في نظره مخطئ  وهو وحده علي صواب !

مضت السنوات بحلوها ومرها وياسمين تحاول  جاهدة تغيير سلوك زوجها  دون فائدة !

أنجبت منه خلالها  طفلين جميلين ، وعندما تأكدت أنه لا فائدة منه آثرت الانفصال وطلب الطلاق  بالحُسني  حتي لا يتأثر أولادها بسلوكيات أبيهم الشاذة  !

ولأن محفوظ شاذ في كل شيء ؛ فقد رفض أن يطلقها وتركها كالبيت الوقف عند أهلها !

مازالت ياسمين مقيمة في بيت أهلها لا تدري ماذا تفعل ؟!

هي لا تستطيع أن تسافر للخارج لمؤتمر علمي ، أو حتي أداء فريضة الحج إلا بإذن زوجها ، وهو بالطبع سيرفض !

إنها تتساءل في حسرة : لماذا لا تحصل الزوجة علي الطلاق بمجرد طلبها ذلك من القاضي  ودون اللجوء إلي تأجيل القضية سنوات 

وسنوات  لإحضار شهود ووثائق ؟!!

كيف تستطيع زوجة مثلها تعمل طبيبة  ولها مركزها الاجتماعي أن  تحضر شهود علي ما يجري بينها وبين زوجها وراء الأبواب المغلقة بألف مزلاج ؟!

كيف تظل هكذا حبيسة زوج غير آدمي لمجرد اقتنائه ورقة تشهد بأنه زوجها ؟!

ألم يدعونا ديننا الحنيف  إلي المعاشر بالمعروف أو التفريق بإحسان؟!

مأساة ياسمين مع زوجها الشاذ وما تعانيه من ويلات  تًعتبر نقطة في محيط لنماذج كثيرة تعيش بيننا وتملأ قاعات المحاكم  بآلاف القضايا الأسرية لأزواج مجانين يتفننون في ( اغتصاب ) الحب من زوجاتهم رغماً عنهن !

هؤلاء الأزواج  المرضي ليسوا شرفاء ولا أحرار ، فالرجل الحر الشريف لا تقبل كرامته أن يعيش تحت سقف واحد  مع امرأة لا تحبه !

نحمد الله تعالي أن أجازت شريعتنا الغراء للمرأة أن تخلع زوجها بأن ترد إليه  كل ما أنفقه عليها ما دامت العِشرة بينهم مستحيلة  .

فكما أن الزواج يكون بالاتفاق والتراضي بين الطرفين ، كذلك لابد أن تكون المعايشة اليومية والعِشرة بالحب والمودة والرحمة .

ويشهد الله أنني عايشت مأـساة الدكتورة ياسمين والمهندس محفوظ واقعياً في حالات مشابهة تماما !

أزواج يعيشون بشخصيتين ، يكون خارج البيت وفي عمله كالملاك البرئ الطاهر ، الكل يشيد بأخلاقه  وسلوكه الملائكي ، وبمجرد دخوله البيت ينقلب إلي شيطان رجيم ، يقذف حممه وبراكينه علي كل من في البيت ، وهو مقتنع تماماً بسلوكه المريض ، معتقداً أن

هكذا تكون الرجولة ، وهكذا يفعل الرجال !!

أى رجولة تلك ؟!

إنه تفكير أحمق  لأزواج أغبياء بلهاء مرضي !!

تجربة ياسمين ،  مع زوجها تعطينا درساً هام من دروس الحياة  ، هو ألا تتعجل أي فتاة موضوع الزواج  ويجب أن تكون هناك فترة خطبة معقولة لا تقل بأي حال من الأحوال عن سنة كاملة ، تدرس خلالها سلوكيات من سوف ترتبط به برباط مقدس .

وتدرس كذلك سلوكيات عائلته كلها بداية من الأب والأم والأخوات ، فالزواج قائم علي المشاركة والمعايشة مدي الحياة في الأساس ، والفتاة الذكية  لا تتعجل الزواج وتفرح به ، وتقول يعني  ضل رجل ولا ضل حيط !!

أي رجل هذا الذي سوف يكون ضلك ؟!

والله أن ضل الحائط  أفضل ألف مرة  من ضل أشباه الرجال الذين يعيشون  انفصام  مزمن في الشخصية ، وتعاني الزوجات منهم الويلات والويلات !!

احذري سيدتي من أشباه الرجال وما أكثرهم في  زماننا الحاضر !

لا تنخدعي بمعسول كلامهم  وأناقتهم الزائفة !

افحصي شخصية زوج المستقبل  جيداً وسوف تكتشفين الكثير من عيوبه بمرور الوقت !

أصعب شيء علي المرأة  طلب الطلاق ، لكنه أبغض الحلال إلي  الله ، عندما تستحيل الحياة  بين الزوجين ، وحتي لا نصل إلي تلك النهاية من الواجب علي أهل الفتاة نصحها بعدم التعجل  والتريث في فترة الاختبار ، أقصد فترة الخطبة !

تلك هي دروس الحياة نتعلم منها الكثير والكثير .

  ـــــــــــــــــــــــــــ ولله الأمر من قبل ومن بعد  ــــــــــــــــــــــــــــــ