بيان شراونة تفتح الأبواب المغلقة
عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، صدرت قبل أيّام قليلة رواية "قلب مرقع" باكورة اصدارات الكاتبة الفلسطينية بيان شراونة، وتقع الرواية التي صمّم غلافها فادي حمدان في 158 صفحة من الحجم الكبير.
في هذه الرّواية، تطرق الكاتبة الفلسطينيّة الشّابّة بيان شراونة بابا لا يزال مغلقا أمام الرّواية الفلسطينيّة بشكل خاص، والعربيّة بشكل عام، وهو باب الحياة الاجتماعية من خلال الأسر المفكّكة، ووقوع الأطفال ضحايا لذلك.
فسالي وأمل شقيقتان، والدهما مدمن كحول ومخدّرات، وأمّهما امرأة عاديّة مغلوبة على أمرهما، تتعرّض للشّتائم والضّرب بشكل مستمر من زوجها، ولا خيارات أمامها سوى الرّضوخ والسّكوت في مجتمع لا يستسيغ الطلاق، وحفاظا على أطفالها. الزّوج أبو رفعت يحبّ ابنته أمل، ويكره ابنته سالي لأنّه يعتبرها "زيادة" في الأسرة، إضافة إلى كونها ليست جميلة مثل شقيقتها أمل، لذا فإن سالي تتعرّض إلى الاضطهاد والضّرب بلا سبب، وموقف الأب السّكّير هذا أثار نار الغيرة بين الشّقيقتين. ولم يتوقّف عند هذا الحدّ بل دمّر الأسرة. وشرّد الأطفال بين دور الرّعاية التي ترعاها الشّؤون الاجتماعية، وملاجئ الايواء والأديرة.
ضياع الأسرة الذي تسبّب به الأب جعل أطفالها عرضة لأطماع المنحرفين، فمثلا سالي تعرّضت للاغتصاب وهي طفلة، وأودعت في دار رعاية وحماية على جريمة لا ذنب لها بها، بل هي ضحيّة لها، ومن ثمّ أودعت في ملجأ تابع لأحد الأديرة.
الرّواية لم تقتصر على طرح حكاية سالي وأسرتها بل تعدّت ذلك بكثير، فسالي سردت ما تعرّضت له هي وأخريات في دار الرّعاية وملجأ الدّير من اهانات وانتهاكات لحقّها في طفولة آمنة. وسردت حكايات طفلات أخريات من نزلاء هذه الأماكن. منها حكاية تلك الطفلة سلام، وهي طفلة لقيطة، ألقت بها والدتها أمام الدّير منذ ساعة ولادتها الأولى مع رسالة لمن يلتقطها. وسردت معاناة هذه الطفلة وما تتعرّض له من أذى من قبل النّزيلات. ولكلّ طفلة وطفل من روّاد هذه الأماكن حكايته المثيرة والمرعبة.
والرّواية تعرض لموقف المجتمع السّلبي من الأطفال الضّحايا مثل سالي. فسالي التي تعرّضت للاغتصاب في طفولتها لم تجد من يحميها، أو يدافع عنها، ولم تجد صدرا حنونا سوى صدر جدّتها لأمّها، والتي كانت هي الأخرى أي الجدّة تعاني من الوحدة بعد أن تخلى عنها أبناؤها العاقّون.
ومجتمعنا الذي لا يرى شرف المرأة وعفّتها إلا من خلال "غشاء البكارة" لم يرحم سالي، فخالد بن الأسرة الفقيرة وجار الجدّة عشق سالي وعشقته، وجاء مع والدته لخطبتها، وعندما اعترفت له بأنّها فقدت عذريّتها بحادثة اغتصاب، تركها، وتزوّج من أخرى، وأنجب طفلة سمّاها سالي أيضا، فعاد لسالي وتزوّجها شبه مرغم بعد وفاة زوجته.
ومثلما عاد خالد صدفة لزواج سالي، التقت سالي وهي بصحبة خالد صدفة بمغتصبها، فانهال خالد عليه ضربا، وعندما حاول النّجاة من بين يدي خالد صدمته سيّارة ومات.
بينما أصيب والد سالي بجلطة دماغيّة شلّته وأخرسته، وبقي ينتظر حتفه حتى مات ذليلا.
وتزوّجت أمل شقيقة سالي من رجل ثريّ.
في حين عادت والدة "سلام" الثّريّة زميلة سالي في الملجأ و"تبنّت" ابنتها، ولاحقا أخبرتها أنّها أمّها ووفرّت لها حياة كريمة.
وسالي تحسّنت ظروفها عندما عملت في مكتبة، والتقت خالد صدفة وتزوّجا.
مجتمع مريض: أبو رفعت مدمن كحول ومخدّرات، دمّر أسرته ولم يجد من يردعه، الجدّة أبناؤها عاقّون تركوها وحدها حتّى وفاتها، سالي طفلة تعاني وتتعرّض للاغتصاب ولا تجد من يحميها، مغتصب مجرم بقي طليقا ولم يجد من يعاقبه سوى ضحيّته من خلال زوجها، أطفال دور الحماية والملاجئ يتعرّضون لمعاناة كبيرة ولا يجدون من يحميهم. مجتمع لا يفهم الشّرف إلا من خلال ما بين فخذي المرأة، والضّحيّة دائما هي الأنثى. وغير ذلك.
بين العذريّة والشّرف: ركّزت الرّواية على قضيّة العذريّة والشّرف، وجاء على لسان سالي أكثر من مرّة على ضرورة التّفريق بين مفهوم الشّرف، ومفهوم عذريّة الفتاة.
شخصيّات الرّواية:
سالي: وهي الشّخصيّة الرّئيسيّة، طفلة رافقتها التّعاسة منذ ولادتها، تعرّضت للاهانة والضّرب والاذلال من والدها المنحرف مدمن الكحول والمخدّرات، تعرّضت للاغتصاب وهي طفلة، وضعت في دار رعاية تتبع الشّؤون الاجتماعية، وبعدها في ملجأ تابع لدير، وفيهما تعرّضت لمعاملة سيّئة وقاسية، كانت موهوبة وقويّة، حاولت التّغلب على كلّ مصاعبها. ونجحت إلى حدّ كبير.
أمّ سالي: امرأة تقليديّة بسيطة، تزوّجت من رجل سكّير منحرف، كانت تتعرّض للضّرب والاهانة بسبب وبدونه، وبذلت جهودها للحفاظ على أطفالها، لم تتخلّ عن زوجها عندما أصيب بجلطة دماغيّة شلّته وأخرسته، وبقيت ترعاه حتّى وفاته.
خالد: شابّ عاديّ من أسرة فقيرة، أحبّ سالي وأحبّته، لم يتزوّج سالي بعد معرفته بأنّها ليست عذراء، أحتراما لتقاليد المجتمع إلا بعد أن أرغمته ظروفه على ذلك بعد وفاة زوجته التي تركت له طفلة تحتاج من يرعاها.
البناء الرّوائي: تركت الكاتبة شخصيّاتها تتحرّك بعفويّة تامّة رغم مرارة المراحل التي مرّت بها، وتطوّرّت الأحداث وتتابعت، دون تدخلّ الكاتبة، ممّا أعطى السّرد مصداقيّة عند المتلقي.
عنصر التّشويق: تتوالى الأحداث بطريقة انسيابيّة مشوّقة رغم مرارة المضمون، ممّا يشدّ القارئ لمتابعتها حتّى النّهاية.
وماذا بعد؟
هذه الرّواية تشي لنا بأنّنا أمام روائيّة شابّة سيكون لها شأن في عالم الأدب إذا ما واصلت تثقيف نفسها، وتطوير لغتها.
ويسجّل لها أنّها طرقت بابا يكاد يكون بكرا في الأدب الفلسطيني خاصّة، وإن سبقها إليه بعض الرّوائيّين العرب أمثال الكاتب المغربيّ الرّاحل محمد شكري.
وسوم: العدد 727