الشاعر أنس الدغيم

الشاعر الكبير أنس الدغيم عميد شعراء الثورات العربية هكذا يحلو لي أن أسميه ويستحق ذلك اللقب وبجدارة على أشعاره قبل وبعد الثورة ولا سيما قصيدته المميزة(إلى شهداء الفلوجة ) وكل شعره مميز .

جاءت القصيدة على البحر الكامل وهذا من كمال شعر الشاعر وتمامه. 

وشكل حرف الروي فيها مع الوزن والقافية الموسيقا الخارجية للقصيدة.

كما تشكلت الموسيقا الداخلية من إيحاء الكلمات والعاطفة الصادقة للشاعر ولا أدل على ذلك من كون الشاعر يعيش الأحداث بنفسه وأهله وماله في سبيل نجاح الثورات العربية ودفاعا عن حق الشعوب في الحرية والعدالة وتقرير المصير أمام هجمات الروس والمجوس والنصيريين بل أمام التآمر العالمي على أمتنا العربية والإسلامية. 

بدأت القصيدة بإجلال الشهداء وإنكار الذات أمام تضحياتكم بلغة مبتكرة جميلة تناسب المقام تعلو وترتفع مع غضب الشاعر وتهدأ وتتطامن بتواضع عند الحديث عن الشهداء والتضحيات ثم تثور من جديد عندما يتمثل دور النذير العريان لقومه العرب من وميض النار تحت رمال الخليج والتي أضرمت في العراق وسورية من المجوس وهي توشك أن تثور في بقية البلدان المجاورة ولا سيما الخليج العربي .

ويعود مرة بعد مرة إلى القابضين على الزناد الواقفين على خط النار ويطلب منهم أن يعلمونا بقوله :

نحن الصغار فعلمونا بعض ما 

في سركم يا أيها الكبراء 

ثم ينتقل إلى الفلوجة ليسميها بأجمل الأسماء وابهاها. 

وينتقل في قصيدته إلى الحديث عن الزعماء العرب بما يليق بهم ويتناسب مع تخاذلهم وتبديد أموالهم بما لا يخدم أمتهم بل حتى مصالحهم. 

ويختم القصيدة بالعودة لذكر أرض العراق معتذرا لها مبينا بأنها هي الشعر 

ولا شعر إلا بعبق العراق والشهداء. 

والحديث عن القصيدة من الناحية الفنية يطول ويطول فهي واسطة العقد في لغتها وتراكيبها وصورها. 

فقد اكتملت فيها الصورة الكلية من خلال الكلمات الدالة على اللون والصوت والصورة. 

كما اكتملت فيها الصورة الجزئية من خلال صورها البلاغية من تشبيه واستعارة وكناية وكلها صور مبتكرة لم يسبق الشاعر إليها أحد. 

أما عن المحسنات البديعة فهي أكثر وأرقى وأجمل من أن تحصى وجاءت دون تكلف على سجيتها وفي مكانها تناسب الجو العام للقصيدة لتشكل مع بقية فنون الشعر الوحدة الموضوعية للقصيدة وتجعل منها لوحة فنية رائعة مرسومة بالكلمات يعجز عن ابداعها أكبر الرسامين والفنانين ولو نظر اليها (بيكاسو )لخر أمامها إجلالا أو ربما اعتزل الريشة وحرم الرسم فيها. 

ولو عاد عكاظ لكانت من المعلقات وربما اعتزل النابغة التحكيم بعدها. 

والقصيدة فيها أكثر مما أشرت إليه بألف مرة وهذه حقيقة لا مجاملة. 

وبهذه المناسبة أهدي لطلاب الدراسات العليا من ماجستير ودكتوراه موضوعا يستحق الدراسة وهو (أشعار أنس الدغيم بين الأصالة والمواكبة )

طبت شاعرنا الحبيب وطاب يراعك على ما أبدعت وفاض به وجدانك. 

وأترككم الآن مع القصيدة وعميد شعراء الثورات العربية أنس الدغيم.

عِمتُم جلالاً أيها الشّهداءُ

إلى شهداء الفلّوجة

و إلى شهداء خير أمّة

أنس إبراهيم الدّغيم

ما دامَ يكتبُ صبحُهم ما شاؤوا

فلأيِّ شيءٍ يولدُ الشّعراءُ ؟

و لأيِّ شيءٍ نستمرُّ و عمرُنا

لا شيءَ فيهِ و عندهم أشياءُ ؟

و لكلِّ شيءٍ قد أتيتُ مسلّماً

عمتمْ جلالاً أيها الشهداءُ

مهما نظمتُ من البيانِ روائعاً

فأجلُّ وصفٍ أنّكم أحياءُ

و يجلُّ منكم أنّكم لا أنّنا

تعطون ما شئتم لمن قد شاؤوا

و النّورُ يركضُ في مجالِ عروقكم

فيُرى دماً لكنّهُ أضواءُ

فإذا استبدّ اللّيلُ يولدُ جرحكمْ

شرقاً فيحزنُ غربُهم و يُساءُ

****

مُرّوا على الكلماتِ يا مطراً فما

في بئرِ أمّتنا القتيلةِ ماءُ

مُرّوا بنا ثمّ اقتلونا مرّةً

أُخرى لئلا يكبرَ الجبناءُ

و استعمرونا كي نعودَ جداولاً 

إنْ نامَ بحرٌ و استبدَّ غُثاءُ

نحن الصّغارُ فعلّمونا بعضَ ما

في سرّكم يا أيّها الكبراءُ

فالوردُ إذْ يهتزُّ ينفضُّ النّدى

فجميعُ ما حولَ النّدى أنداءُ

و إذا تضرّجَ بالشّذا جرحٌ فمن

بوحِ الجراحِ لكلّنا عُرفاءُ

و لكلّنا من بعضكم ما بعضُهُ

كلٌّ و بعضُ البعضِ منهُ شفاءُ

حين الجراحُ تُبينُ عن مكنونها

تعنو الحروفُ و تصمتُ الأدباءُ

ما ضرَّ أجسامَ الكرامِ سلاسلٌ

إنْ صاحبتْها الأنفسُ الطّلقاءُ

مادام في الشّاهينِ همّةُ نفسِهِ

فمكانُهُ أنّى يكونُ سماءُ

و مكانُكم أنّى تكونوا فوق ما

يرتابُ غِرٌّ أو يرى الدّهماءُ

في لا مكانٍ حيثُ كلُّ محبّبٍ 

بادٍ و كلُّ حقيقةٍ خضراءُ

*****

يا ذاهباً شطرَ العراقِ و عابراً

ماءَ الفراتِ و في الفؤادِ ولاءُ

سِرْ في ربوعِ الرّافدينِ مطأطئاً

فهناكَ حطّتْ رحلَها العلياءُ

و إذا رأيتَ هناكَ خِدراً شامخاً

و رمتْ عليكَ بطرفها حسناءُ

خضَبتْ مطارفَها بآياتِ الضُّحى

و لها دماءُ رجالها حنّاءُ

ما زلتُ أعتصرُ الغرام فينتشي

قلبي و تسخو بالجنى الصّهباءُ

و اخترتُ من كرمِ الشّموخِ قصيدةً 

عنقودُها " الفلّوجةُ " الفيحاءُ

سمّيتُها البحرَ الخضمّ فكيف لا

تهفو إلى شطآنها الصّحراءُ ؟

سميتُها الجبلَ الأشمّ فكيف لا

تحتاجُ سفحَ حنانها الحصباءُ ؟

سميتُها الفجرَ الطّليقَ فكيف لا

تنسابُ شمسٌ أو يسيلُ ضياءُ ؟

أرنو إلى الفلّوجةِ الفيحاءِ في

أرضِ العراقِ فيهتفُ الإنشاءُ

و أرى حروفي صافناتٍ ترتقي

سبلَ الفخارِ فما لها إقصاءُ

أخفيتُ حبّي ما أبوحُ بسرّها

عذراً فقدْ يتعذّرُ الإخفاءُ

يا أرضَها و سماءها و هواءها

طابتْ بكِ الأسماءُ و الأشياءُ

تُتلى لكِ الآياتُ في أرواحنا

و لكِ الدّمُ الموهوبُ و الأعضاءُ

أنتِ الصّلاةُ على الجراحِ و إنّك الـ

معراجُ نحو الله و الإسراءُ

*****

يا أجملَ الأوطانِ عذراً إنّما

قادتْ زمامَ ركابنا اللّقطاءُ

"مدريدُ " تحكمنا بمؤتمراتها

و" الشّرمُ" يحمي شيخَهُ العملاءُ

و الأزهرُ المصريُّ يهتفُ لا و لا

للموتِ بئسَ الفقهُ و الفقهاءُ

و تذوبُ عيدانُ المنابر من أسىً

حين استعارتْ دينَها الخطباءُ

صارتْ صلاةُ الخوفِ فينا عادةً

ركعاتُها لم يحصِها إحصاءُ

قالوا جهادُ اليومِ فرضُ كفايةٍ

و من الكفايةِ يهربُ الزّعماءُ

"بوذا" حرامٌ أن يُهدّمَ إنّما

بغدادُ لا ... مأجورةٌ يا لاءُ

نعرى و نُرمى في العراءِ و نفطُنا

في كلّ عاصمةٍ له ميناءُ

و بنوكُ عالمنا تغصُّ بمالنا

و تجوعُ في أوطانها الشّرفاءُ

******

يا قابضينَ على الجِمارِ و وِردُهم

عند الصّباحِ و في المساءِ دماءُ

عطّرتُم الدّنيا برَوحِ دمائكم

و لكم تبوحُ بطيبها الأشلاءُ !!!

مليارُنا صفرٌ و واحدُكم على

أرضِ الرّباطِ كتيبةٌ و لواءُ

لا مال في يدكم و لا نفطٌ و لا

بشرى لكم يا أيّها الفقراءُ

جعتم و أتخمنا الهوانُ فجوعُكم

في الله عِزٌّ أيها الكرماءُ

نحن اشترينا بالرّكوعِ وقوفَنا

قد ضلَّ بيعٌ ثمّ ضلَّ شراءُ

و الدّرهمُ المسبوكُ صارَ " محمّداً "

فينا فصدّقَ بعثَه الأمراءُ

و النفطُ صار القبلةَ الأولى ..... لَهُ

صلّى الملوكُ و كبّرَ الرّؤساءُ

عقدوا النّكاحَ على القضيّةِ خِلسةً

و على العروسِ يساومُ الزّعماءُ

قُلْ للّذين عَيُوا بمهرِ عروسهم

الصّومُ عن شرمِ الشّيوخِ وِجاءُ

*****

يا ناسُ كيفَ النّفطُ يصبحُ أوّلاً

و على دمي يتآمرُ الدُّخلاءُ

و أقبّلُ الكفَّ التي تغتالُني

و أنا القتيلُ و كفُّهُ الحمراءُ

حمراءُ منّي من دمي منكمْ و من

دمكمْ و كلُّ وجوهنا سوداءُ

ما أرخصَ الدّنيا إذا سجدتْ على

نعلِ اللّئيمِ عِمامةٌ بيضاءُ

و اقرأْ على التّاريخِ إنْ كتبتْهُ ....

أولادُ الزّنى و الأوجُهُ الصّفراءُ

قممٌ على قممٍ تُباعُ و تُشترى

و البيتُ الاَبيضُ سوقُها السّوداءُ

ضاقتْ بنا ذرعاً جبالُ تهامةٍ

و تبرّاتْ من كفرِنا سيناءُ

و رَثَتْ بفاتحةِ الكتابِ دمشقُ ......

بغدادَ الرّشيدِ و أبّنَتْ صنعاءُ

و الله لو كنّا بدايةَ جملةٍ

في نحوِنا لتبرّاَ الفرّاءُ

أو كان صخرٌ في عِدادِ رجالنا

لبكتْ على دمعاتها الخنساءُ

****

أرضَ العراقِ خذي تمامَ قصيدتي

إنّا و ربِّ محمّدٍ أُجراءُ

منكِ الوقوفُ على العظامِ ترفّعاً

عنّا و منّا الرّايةُ البيضاءُ

أنتِ القصيدةُ حينَ بعضُ حروفها

عَبَقٌ و بعضُ حروفها شهداءُ

الشّاعر : أنس إبراهيم الدغيم

وسوم: العدد 728