عباس المناصرة يؤسس لنظرية الأدب الإسلامي
أن يتصدى كاتب حصيف وباحث متخصص لدراسة الشعر الإسلامي دراسة منهجية متعمقة . تبحث عن الدر في الصدف المنسي فذلك جهد متميز بالإبداع والريادة طالما انتظرنا مثله في ساحتنا الأدبية والفكرية , إلى أن فاجأنا الأستاذ عباس المناصرة على صفحات ( اللواء ) بسلسلة من الدراسات تحت عنوان ( من أدب الشمولية الإسلامية ) تناول ضمنه دراسة عدد من الشعراء الإسلاميين المتفردين بخصائص , انتشلها الأستاذ المناصرة من الوثائق التي لم يفطن إلى التنقيب فيها بهذا المستوى من الدقة والشفافية سواه , ففي الحلقة الأولى من الدراسة المشار إليها يقدم المناصرة للقارىء العربي والمسلم شاعرة مسلمة أهمل الرواة اسمها , مع أن عمر بن خطاب رضي الله عنه عندما سمع الفتاة تنشد قصيدتها التي يصفها المناصرة برائعة الحب والعفّة , ذهب من توه إلى ابنته حفصة , واستفسر منها حول صبر المرأة عن زوجها . وعلى هذا الأساس بدل عمر في المدة التي يغيبها الجنود عن زوجاتهم وقسم الجيش إلى صوافي وشواتي ...
وهنا لا يكتفي الباحث بإيراد القصة , ولكنه يذكرها لينطلق منها إلى تحليل القصيدة تحليلاً منهجياً يتناول مجمل عناصرها مبيناً الإحساس الباطن لدى الشاعرة والحالة النفسيّة التي صاغت هذه الرائعة المجهولة كشاعرتها المجهولة , ثم يتناول القيمة الأدبية لهذه الوثيقة , محدداً السمات الأساسية لشمولية الأدب الإسلامي , ومؤكداً أنها تكشف عن مدى التفاعل العملي بين قيم الدين الجديد وبين مشاعر اتباعه , وقدرة الإسلام على توجيه مشاعر اتباعه , وقدرة الإسلام على توجيه مشاعر اتباعه وبلورتها , ودورها في كشف أن المذهب الإسلامي في الأدب , كان موجوداً منذ أن ولد الإسلام ... وغيرها ذلك من السمات .
إن تميز الأستاذ المناصرة في التعامل مع هذا النوع من الوثائق الأدبية , أنه يتوقف عند سطح الوثيقة مستشرفاً افاقها المتعددة , ثم لا يلبث أن يغوص في أعماقها الفنّية والبلاغيّة , ليخرج وهو يحمل صيدا ثميناً وشهياً , يضعه على المائدة الفكر والأدب الإسلامي جديداً , نقياً من المجاملة والسطحية والأحكام العامة .
نلمس هذه المنهجيّة لدى الأستاذ مناصرة في دراسته عن الشاعر المسلم خبيب بن عدي , وأمير شعراء الدعوة حسان بن ثابت ,شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم , وشاعر الإسلام الأول . الأمر الذي يؤكد ضرورة دراسة جديدة تكتشف المضامين الحقيقية , والأفاق التي ترنو إليها على خلفيّة الدعوة الإسلامية ,كما فعل الأستاذ عباس المناصرة وهو يحلل عناصر نماذج من الشعر الإسلامي , بمنهجية تقوم على استخلاص النتائج من بنية النص نفسه , وليس بناء على افتراضات مسبقة كثيراً ما تنأى عن الموضوعيّة , فتغرق الباحث والبحث والقارىء معاً في عمومية , لا تترك أثراً ولا تؤسس لمعرفة جديدة .
لهذه الحيثيّات وغيرها الكثير مما لا يتسع المجال لتفصيلها , يشعر قارىء عباس المناصرة بمتعة الفرادة في استقرار مكنون النص , ويحس بانتعاش الذاكرة وهي تستلهم من رياض الأدب الإسلامي الأصيل عبق العقيدة تفوح من عقول ووجدان رجالها المبدعين : كحسان بن ثابت وخبيب بن عدي وغيرهما .
ولعل حقل الدراسات الأدبية الإسلامية مدعوة لاستقبال هذا النوع من الدراسات , التى يقدمها أمثال عباس المناصرة باهتمام , واعمال نظر يفوق الإعجاب , كي يستقر في مناهج أدبائنا ومفكرينا , وبخاصة أن الأمة العربية الإسلامية اليوم أحوج ما تكون إلى اعلاء صرح الأدب , ومن ثم وضعه تحت مجهر الدراسة والتحليل , بغية توظيف النتائج المستخلصة في اثراء ثقافة المسلم وترسيخ اعتزازه بتراثه , وحفزه على مواصلة الإبداع , على أرضية معافاة من بثور الفكر الوافد , واضطراب المدارس الأدبية المستوردة .
ان الحديث عن تألق عبارة الأستاذ المناصرة , وجزالة صياغته , وبهاء نسيجه اللغوي , لا يدرك إلا من خلال عين القارىء , فإليه نتوجه بالشكر .
وسوم: العدد 745