معارك نقدية حول كتاب مقدمة في نظرية الشعر الإسلامي

كتبت هذه الرسائل رداً على ما نشرته مجلة الأدب الإسلامي عدد36 عن كتابي في مقالتين للدكتور مأمون جرار وعبده زايد ولكن المجلة رفضت نشره لأنه يخالف هوى من حرضوا ضد الكتاب ولما حرمنا من حق الرد قمنا بنشر ردنا في مواقع

الرسالة الأولى: (تعالوا إلى كلمة سواء)

الإخوة الأفاضل دعاة الأدب الإسلامي ،  هذه منطلقات عامة أطرحها أمام القراء ،  هدفها إيضاح الظروف التي تحيط بالتـنظير الإسلامي لقضايا النقد الأدبي ،  أطرحها في النقاط التالية لعل فيها ما يفيد .

      1ـ يعلم الجميع أن العقل المسلم انقطع عن الاتصال بمرجعيته (القرآن الكريم والسنة الشريفة )  بسبب انتشار الأمية والجهل،  وانحصار التعليم بشكل تراكمي خلال عهود الدول المتتابعة ،   حتى وصلت هذه الأمية بين أهل اللغة العربية إلى 99% في

العهد العثماني .

       2 ـ   وقد دخل العقل المسلم في هذه القرون ،  ثقافات مختلفة ، منها ثقافة التلوث في العصر العباسي ( الفلسفة اليونارومانية وثقافاتها النقدية ) و ( الثقافة الهندوفارسية المتمثلة في التصوف الشرقي ، والفرق الباطنية والشعوبية )  ثم جاء ( الاستعمار الأوروبي الحديث فأضاف اختراقا جديدا تمثل في أمور كثيرة منها سيطرة الثقافة النقدية الأوروبية على العقل المسلم بمذاهبها المختـلفة )  ،  وبذلك فقد العقل المسلم تميزه ،  لتعدد المشارب والمرجعيات التي سيطرت عليه .

        3 ـ   وفي القرن العشرين تمكن العقل المسلم من إنجاز خطوتين هامتين على طريق النهوض بنفسه في المنطقة العربية ،  تمثلت الخطوة الأولى : في إحياء اللغة العربية والتراث العربي والإسلامي ، حيث تمت عملية تحقيق المخطوطات التي تحمل هذا التراث ،  ثم اتسعت قاعدة التعليم العام والجامعي وبذلك تمكن العربي من استعادة لغته للحياة وبدأ يتفاعل مع أساليبها وثقافتها وشعرها ونثرها وتراثها الفكري بشكل ممتاز ،  ما يسر له الانتقال  إلى الخطوة الثانية :  الصحوة الإسلامية ،  والتي نعني بها عودة العقل المسلم إلى الاتصال بمرجعيته  (  القرآن الكريم والسنة الشريفة وعلوم الأمة)  بعد أن أحيا لغة هذه المرجعية الكريمة في حياته ،  وبذلك سهل عليه التعامل مع هذه المرجعية ثم بدأ بالتفاعل معها .

        4 ـ   وعندما اتصل العقل المسلم بمرجعيته في النصف الثاني من القرن العشرين في الصحوة الإسلامية ،  كان يتصل بهذا الإسلام بعد انقطاع طويل ويحمل في نفسه ثقافات التلوث والجهل والاختراق ،  وفي هذه البدايات الصعبة لم يكن لدى رواد الثقافة الإسلامية ثقافة إسلامية بالمعنى الواضح ، بل كان المطلوب منهم هو إحياء هذه الثقافة الإسلامية واستخراجها من مرحلة الصفر ،  والنهوض بها من وسط هذا الركام المتباين .

   وكان عقل الرواد يعاني من ضغوط كثيرة منها :  اختلاط المشارب ،  وغياب المناهج ،  ولذلك فهم يتحسسون النهضة لأمتهم وسط هذا الظلام الدامس الذي يحجب عنهم الرؤية الواضحة ،  وحيث تختلط في عقل هذا الرائد ومحيطه ثقافة الإسلام والتلوث والاختراق وأمراض الأمة من عهود التخلف فيجعله في حالة من الإرباك وعدمك الوضوح .

       5 ـ   وفي هذه الظروف العصيبة ولدت الدعوة  للنقد وللأدب الإسلامي بجميع أجيالها : جيل التمهيد ، وجيل الرواد ،  وجيل دعاة الريادة ،  وجيل دعاة التأصيل والإبداع وهي أجيال لها فضلها وعذرها وضعفها .

       6 ـ   ومصطلح الصحوة الإسلامية يحمل معنى الوعي الذي يخالطه الخمول وأمراض عصور التخلف ،   ومع ذلك وقع في وهم بعض أبناء الأمة أن الصحوة هي السقف المطلوب ،  الذي ينهض بالأمة ،  لأنهم لم يفرقوا بين الصحوة والنهضة،  ولذلك لم يصدقوا أن الرواد يحملون في فكرهم النقدي الظروف التي صاغت هذا الفكر وأثرت فيه ،  فوقعوا في وهم الاكتمال لجهود الرواد .

        7 ـ   وحين يبدأ أبناء الأمة يكابدون من أجل العلم ويتخلصون من الخضوع لحالتي :  ( التقليد والتبعية )  وترتفـع النخب الثقافيـة في همتها عن مستوى العوام ،  الذين يرضون بما تيسر من أمـور الديـن ، عنـدها يولـد جيل صناعة التميز الذي يتعب ويكابد ويصنع ثقافة الأمة ،  ونظرياتها النقدية من داخل ( مرجعيتها )  .

وسيكون هذا الأمر مستوعبا وممكنا ،  عندما يعلم أبناء الأمة الحقائق التالية : 

    1.  أن القرآن الكريم ليس مصدرا لمعرفة الحلال والحرام فقط ،  بل هو أيضا المصدر الأول و الرئيس للمسلم في استخراج نظريات العلوم الاجتماعية والإنسانية والنظريات الأدبية في النقد وفي الفن ،  فالحقائق تقول إن عدد آيات الأحكام عند العلماء محددة بين ( 300 ـ 500 ) آية ،  وعدد الأحاديث الشريفة التي تتناول الأحكام محددة بين ( 1000 ـ  1200 ) حديثا .

    2.  ومعنى هذه الأرقام ودلالتها تشير إلى أن ما يقارب من ( 6000 آية ) وحوالي ( 8000حديث )  في شؤون النفس والاجتماع والسياسة والتربية والمعرفة والثقافة ونظريات الأدب ونقده معطلة ، عطلها ما ران على عقل المسلم في عهود الظلام والتلوث والاختراق من أمراض وأحوال ،  وأن الله سبحانه وتعالى أنزلها في كتابه لهداية هذا العقل في تفسير الحياة وفهمها ،  وما عطلت إلا عندما حجب هذا العقل عن مرجعيه .

     8 ـ   لقد تربى أبناء الأمة ، ومنهم دعاة الأدب الإسلامــي على مناهج نقدية سائدة في الساحة الأدبية والجامعـات،  وهي مناهج مخترقة متعددة المشارب مختلطة المرجعيات .  ولهذا نقول إن رفع اللافتات الإسلامية والاحتماء تحتها لا ينفع ،  إذا لم يبادر أبناء الأمة إلى الالتحام بمرجعيتهم التحاما مهتديا بها ،  لإعادة الهوية والتميز ونفي الخبث عنها .

        فتعالوا إلى كلمة سواء تجمع بيننا ،  أن نتـفق على أن ننهل من مرجعية الأمة ،  التي وحدت الصحابة والتابعين وأجيال الأمة من قبل ،  وبذلك ننتصر للمنهج ولا نبرر فكر الأفراد إذا خالفوه ، لأن الإسلام أكبر من الجميع،  ألا هل بلغت ؟  اللهم فاشهد .

 وانطلاقا من الإيمان بحرية التعبير والانفتاح على آفاق الحوار واتساع صفحات هذا الموقع للنقد البناء و إذ تنشر هذه الرسائل الثلاث تؤكد على إيمانها بحرية التعبير وانفتاحها على آفاق الحوار واتساع صفحاتها للنقد البناء الإيجابي الذي تحتاجه أمتنا في مسيرتها البنائيـة  النهضويـة في كل الإتجاهات ولا سيما في ميدان الأدب الإسلامي .

( يا صاحب المقالة المفرج عنها : تهانينا)

الرسالة الثانية

عباس المناصرة

(وجه الأستاذ الناقد عباس المناصرة هذه الرسالة إلى الدكتور مأمون فريز جرار ردا على مقال الدكتور الذي قدم عرضا ونقدا موجزا لكتاب المناصرة ونشرته مجلة الأدب الإسلامي  في عددها السادس والثلاثين . و ( رابطة أدباء الشام ) إذ تنشر هذا الرد تؤكد حرصها على خدمة الحقيقة العلمية والحركة الأدبية والنقدية الإسلامية بكل حيادية وتجرد)

 1.أشكر الدكتور مأمون على القراءة الشاملـة والعرض الأمين المفصل للكتاب ،  وحيث شعرت أنني أمام ناقد يحترم نفسه ، لأنه يحترم النقد ،  فينطلق للكتابة من واقع ذاتي تحركه الرغبة الصادقة في الحراك النقدي الذي يخدم مصلحة النقد الإسلامي ،  وهو يهدف إلى التقويم والإفادة ، ويتحلى بروح الحياد ويتحرى الإنصاف في حدود ما يظن، وأظن أن ذلك من ثمرة الأخلاق جعلنا الله وإياه من المخلصين .

    2.أنقل للدكتور مأمون التهاني الحارة بمناسبة الإفراج عن مقالته المعتقلة منذ عام 1997 ، وكان الفضل في هذا الإفراج للدكتور عبده زايد الذي قدم الكفالة للجهات الراعية التي حرضت على هذا الأمر ،  فلبى مشكورا من خلال مقالته العصماء في العدد ( 36 / 2003 ) .

    3.أخي الكريم الدكتور مأمون جرار ، لقد أفدتني كثيرا في فهم قيمة أفكاري النقدية ، التي لا تظهر إلا من خلال احتكاكها بفكر الآخرين ، وحين ظهرت فضائل الكتاب ،  فإن ذلك كان بفضل من جهود الإخوة الذين حاوروا أفكاره مع خبرتهم الطويلة في هذا المجال ،  مما يتيح لي الإستفادة من هذا الحراك النقدي وتجلياته .

        وأحب أن أوضح وجهة نظري في بعض القضايا التي طلبت مني أن يتسع صدري لها ، وأنا واسع الصدر ،  مقدر لقيمة ما طرحت ، ومع ذلك فقد نختلف في طـرح بعض القضايا التي أرغب في إيضاح ما أراه مناسبا فيها ، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ، ومن هذه القضايا التي أحب توسيع السجال حولها القضايا التالية :

أ ـ   قضية ( القسوة وحدة الطرح ) :

لا أظن أن القضية تعود إلى الحدة أو إلى الهدوء فيه ،  بقدر ما تعود إلى أساليب القراءة للعمل الفكري أو الأدبي ،  ثم إلى الأهداف التي يريد الناقد تحقيقها من وراء ذلك الأمر .  وكما تعلم انه قد اشتهر عندنا أسلوبان لقراءة الأعمال الأدبية ،  أسلوب  ( النقد الرسائلي ) الذي يحكم الدراسات الأكاديمية وهو أسلوب يميل إلى الوصف الذي يبتعد عن التحليل ، ولا تسمح العقلية الأكاديمية فيه إلا بالتحليل الذي يخدم الوصف ولا مجال فيه لإبداء الرأي ، وأسلوب (  النقد الحر )  الذي نشأ خارج العقلية الأكاديمية .. وهو نقد لا يخاف القيود ويميل إلى التوقف والتحليل النقدي الذي يكشف السلبيات والإيجابيـات ،  وأنا من أصحاب هذا الاتجاه .  وقد وجدت من حقائق الأحوال في قراءة النقد الإسلامي ما يلي :

r أن الرواد ومنهم محمد قطب قد قدموا شرارة الريادة ،   ووضعوا لافتة النقد الإسلامي في أرض المشروع ،  وبعد مضي ما يقارب أكثر من أربعيـن عاما ،  ولدت فيها مذاهب ومدارس أدبية وانقرضت وظهرت أخرى في هذه الفترة من الزمن في العالم ،  ودعاة الأدب الإسلامي مكانك سر يغطون في نومهم العميق .

r إن محمد قطب رائد لا يكذب أهله وقد برأ ذمته أمام الله وقدم صدمة وعي لمن بعده حين توقف عن الكتابة في النقد الإسلامي واكتفى بمنهج الفن كشرارة ولكن دعاة الريادة لم يفهموا هذه الإشارة . وعاد محمد قطب مرة ثانية في مؤتمر الأدب الإسلامي في استانبول عام(1996) فأكد الصدمة بأخرى حين قال للحضور (عليكم أن تـنسوا ريادتي أو تـنسوا أنني كنت في يوم من الأيام رائد الأدب الإسلامي ) لأنه مفكر مدرك لما قدم ويريد لدعاة الأدب الإسلامي أن يستكملوا ما بـدءوا  به من مهمات صعبة في التأسيس للنقد الأدبي الإسلامي ، يريد منهم أن يتحرروا من أفكار الريادة وبخاصة الضعف الذي لازم مرحلتهـا ومع ذلك لم يفهم القوم الإشارة الثانية ،  وكأن بعض القوم لا يستجيب لا لتلميح ولا لتصريح إلا أن تقول له في الريادة قولا شافيا يقرع الأذن .

r جاء جيل(دعاة الريادة) : وهو الجيل الذي حمل أفكـار الريادة  وكان له فضل عظيم في نشرها بين المسلمين ،  ولكن هذا الجيل وقع في مطب عظيم ،  حين اعتبر الريادة عملا مكتملا ،  واندفـع للتطبيق وهو لا يملك نظرية للأدب الإسلامي سوى أفكـار الـرواد المختزلة الناقصة ،  ثم سيطر عليهم الانبهار بالريادة والتقديس والتمجيد وعاشوا تحت أسر أفكارها .  لقـد وقعوا في وهم الاكتمال ولم يفصلوا المشروع النقدي الإسلامي ،  وظلوا يكررون مقولات الرواد ،  واكتـفوا بخلطة نقدية أخـذوها من الحداثيـين  القدامى ( تلاميذ النقد العباسي اليوناني )  والحداثيين الجدد ( تلاميذ النقد الأوروبي الحديث )  وزعموا أن ذلك من التـنظير الإسلامي .

r إذن لا بد من كشف ضعف الريادة ليس تحقيرا للرواد كما فهم بعضهم ،  ولكن لسحب الوسادة التي ينام عليها دعاة الريادة ،  حتى يفيقوا من نومهم المريح ،  لأنهم كانوا شركاء للعلمانيين في تأخير ظهور النقد الإسلامي المؤصل ،  وكان ذلك دون قصد منهم ،  ولكن عجزهم وضعفهم ،  لم يقدم ما يملأ الساحة أمام النقد العلماني لأن التنظير النقدي الضعيف لا يستقطب أحدا .  ولو كتبت بطريقة هادئة لما انتبه القوم ،  ولو نقدت دعاة الريادة لهبوا للدفاع عن أنفسهم،  ولكن الصدمة صدمة الوعي التي تولد الانتباه لما يحدق بالنقد الإسلامي ، تكون في سحب مخدة الريادة من تحت الرؤوس النائمة ، وليرى القوم رصيدهم وحصادهم النقـدي : (  تمجيد الريادة ، إغلاق باب النقد ،  تكرار مقولات الرواد ،  اجترار مقولات النظريات الغربية المسيطرة على الساحة ) .  نعم يا أخي الكريم ، نقد الذات مؤلم دائما ،  وإذا لم ننقد أنفسنا ونقوم مسيرتنا بعد مضي نصف قرن ،  فمتى نقومها إذن ؟!

       وهنا تكون فائدة الحدة في قرع الأذن وعمل اليقظة للتعرف على الضعف في ذاتنا ،  فالمعارك الساخنة في النقد هي التي تحرك السكون ،  وتضرب بعض الرأي ببعض فيتبين منه الصواب ،  وظهور هاتين المقالتين هو من فضائل هذه الحدة .  إن مبضع الجراح مؤلم ولكنه يحمل الشفاء بإذن الله ؛

فقسا ليزدجروا ومن يك حازما      فليقس أحيانا على من يرحم

لا بد أن نعترف أننا ما زلنا في مرحلة الدعوة النقدية للأدب الإسلامي ، لأن الأفكار النقدية التي نتوهم إنجازها ، هي أفكار مخترقة حتى النخاع من النظريات النقدية الأوروبية التي اخترقت عقولنا عبر المناهج التعليمية والجامعات .

لقد أزبد بعض الإخوة وأرغى على الكتاب لأنـه حرم من نعمة النوم والتمجيد والانتصـارات الموهومة التي يزعم تحقيقها للنقد الإسلامي ،  وسيطرة النقد العلماني ومدارسه وفنونه على الساحة تشهد بغير ما يزعم .

 ب ـ  قول الدكتور مأمـون ( وقـع المؤلف فيما عاب فيه من سبق .. ) :

         لقد سميت كتابي ( مقدمة )  ولم أسمه ( نظرية ) والمقدمة هدفها قراءة واقع النقد الإسلامي ،  والبحث عن المنهج المسيطر عليه ،  ومن هنا فهو ليس بحثا أكاديميا يهدف إلى التوثيق التاريخي والمكتبي ، وإنما هو بحث ينقب عن المنهج والنظرية ويراقب المنجز النقدي فيهما ،  وقد وجدت أفكارا جيدة متناثرة ،  ولكني لم أجدد النظرية المتماسكة للنقد الإسلامي ،  ومن الطبيعي أن أقرأ كثيرا ولكني لا أذكر إلا الكتب المؤثرة في هذا الفصل القصير عن المحاولات الإسلامية المعاصرة ،  ولكني جمعت  الخارطة كاملة ،  عندما اقترحت المنهج البديـل في ( الوثائق الخمس )  التي تحمي التنظير الإسلامي من الضياع : (  القرآن الكريم ،  الحديث الشريف ،  أدب الصحابة ، وثيقة الامتداد ،  وثيقة حق التنظير )  لقد كانت وظيفتي إيضاح معالم المنهج وطرح الأمثلة عليه ، ولم أعد بإنجاز مشروع النقد الإسلامي الذي عجز عنه النقاد خلال نصف قرن ، وأعتقد أن هذا المشروع مهمة صعبة ملقاة على عاتق الجميع،  وقد رجعت إلى الكتب التي نصحتـني بالعودة إليها بعد صدور كتابي ، ولكنها لم تغير في وجهة نظري شيئا ، لأنني وجدت أفكارا متناثرة وجيدة ولكني أكرر ما قلت : أنا أبحث عن النظرية التي لم ينجزها أحد . لقد جمع أوستن ورينيه ويلك شتات الأفكار النقدية الأوروبية في كتاب واحد أسمياه ( نظرية الأدب ) ،  فهل تواجد الناقد الإسلامي الذي جمع شتات الأفكار النقدية الإسلامية في نظرية ؟؟؟ دلوني عليه حتى ننهي هذا الجدال .

 ج ـ قول الدكتور مأمون ( لم ينتبه المؤلف إلى أننا في تعاملنا مع المصادر ..)

        أخي الكريم إذا كنت تقصد ( أدب الصحابة الكرام ) كأحد مصادر التنظير فأنا لا أتبنى المنهج الذي طرحت ، لأنه يطرح قضية الشك في التراث على رأس قائمة التهم الموجهة له ، وهذه أطروحات لها خطرها .  وقد كان تعاملي مع النصوص المشكوك فيها عند أكثر العلماء ،  من خلال مجموعة من الاحتياطات ، الاحتياط الأول منها هو إهمال هذه النصوص . والاحتياط  الثاني : هو إهمال فكرة الشك والانتحال من أساسها وعدم الإشارة إليها ، والاحتياط الثالث: هو اعتماد النصوص الموثوقة عند أكثر العلماء ، ولم أطرح إلا نصـا لشاعرة مجهولة ، ولكن نصها له نسبة زمنية فهو في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . سرت في هذا الاتجاه حتى لا نقع في فخ المقولات الاستشراقية،  حيث التـقط الاستشراق احتراز علماء تراثـنا على بعض النصوص ، وأخذ يضخمه ويعممه على تراثنا ، ليزرع روح الشك والريبة في نفوسنا تجاه تراثنا ، وكان الأولى بنا أن ندعو  إلى تحقيق هذا التراث والالتحام به من التذكير بمقولات الاستشراق ، وقد قدم لنا الدكتور يحيى الجبوري مثالا رائعا حين حقق ديوان لبيد العامري وأثبت أن 50% من شعر لبيد هو شعر إسلامي ،  كما أن قضية الانتحال والشك موجودة  في كل الآداب العالمية ذات المصادر القديمة ، وأكبر مثال  عليها هو الشك في نسبة الأوديسة والإلياذة لهوميروس نفسه .  ومع ذلك يتعامل الأوروبي مع هذا التراث كواقع ، ويطرح أخبار التشكيك فيه في الهوامش الجانبية ، وبعدها يهملون كل المقولات ويكبون على دراسته بكل شغف ، ويستخرجون منه نظرياتهم ويرفعونه إلى مستوى الأناجيل المقدسة عندهم .  وأحب أن أذكر أن نسبة الانتحال في الأدب الغربي هي أقل نسبة في الآداب العالمية العريقة والقديمة في مصادرها ، وقد نبه علماؤنا إلى هذه الأمور في مكانها من كتبهم ،  كالأشعار التي ذكرها ابن هشام في سيرته مجهولة القائل ، ومع ذلك فهي تنتسب لتلك الفترة الزمنية ، ويمكن اعتبارها ضمن الأدب الشعبي الفصيح الذي صاغه الوجدان الجماعي للأمة،  خلال فترات متقطعة ،  ومثاله نشيد الإسلام الخالد (  طلع البدر علينا )  وغيره .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(ارحموا الرواد من هذا التقديس الكاذب)

الرسالة الثالثة

                                                           بقلم :أ.عباس المناصرة

الأخ الكريم الدكتور عبده زايد المحترم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بعد إطلاعي على مقالتكم العصماء في العدد (36) من مجلة الأدب الإسلامي ، أتوجه إليك بالشكر ثلاث مرات:

الأولى: على الجهد المبذول في مقالتك، فقد أكدت لي ثقتي بما كتبتُ من كتابي، فلم تضف شيئاً إلى ما قاله الدكتور مأمون سوى افتعال الخصومة النقدية.

والثانية: لأن مقالتك العصماء شكلت كفالة للإفراج عن المقالة الأولى التي كتبها زميلك في سنة 1997م.

والثالثة: لأن مقالتك ساعدتني في دراسة قيمة صدمة الوعي التي أنجزها كتابي في نفوس الآخرين، فقد كانت حدتها متفاوتة بين العقول الناقدة، فأنا متهم عند مأمون جرار (بالقسوة على الرواد) وأنا متهم عند عبده زايد (بتشويه الرواد) وأنا عند غيرهم (مشكور على كشف الضعف و..) وأنا عند آخرين (ناقد مجدد جريء) وأنا لا أهتم بكل ما قيل، ولا يهمني سوى ما أشعر به من ضرورة الإخلاص، الذي يرضي الله سبحانه وتعالى في خدمة هذا الدين، من جانب هذا الثغر الذي نقف عليه، ثغر النقد الأدبي الإسلامي وتقوية عوده في وجه الذين يدعون إلى مسخ الأمة وثقافتها، أمام هجمة الاستعمار الجميل الجديد (العولمة) التي تريد أن تطحن ثقافات الأمم وتميزها داخل المعدة الثقافية الأورو- أمريكية، وتتمثلها غذاء جديداً لحضارتها الواهمة.

أخي الكريم بعد أن انتهيت من قراءة مقالتك العصماء تذكرت أخاً آخر استضافته الرابطة في مكتبها الإقليمي في عمان، للتحدث عن كتابي سنة 1997 حيث وجدت تشابهاً كبيراً بين الاثنين في تحويل النقد إلى خصومة وعدم التحلي بالتواضع العلمي وتزكية الذات، ولذلك لم أفاجأ ولم أصدم ولم أضبع، وقلت سبحان الله تشابهت قلوبهم.

الأخ الكريم الدكتور عبده زايد

أرجو أن يتسع صدرك لمناقشة ما ورد في مقالتك في بعض القضايا:

1 – يقول الدكتور زايد في مقدمة مقالته: (على امتداد السنوات العشر الماضية...(1))

ألا تشعر أن هذه المقدمة تفوح منها رائحة استعراض الذات وتزكية النفس وحيث تجعل من نفسك (المرجعية العليا) التي لا يشق لها غبار في النقد الإسلامي، فبعض الناس يعلمون علماً ناقصاً وبعضهم لا يعلم، والحكم على من يعلم ومن لا يعلم هو المرجعية العليا الدكتور زايد فكيف عرفت أنك تعلم؟ وكيف زكيت نفسك؟

ونسي الدكتور العالم أننا في مرحلة الدعوة لنظرية الأدب الإسلامي، وهي دعوة طرية العود، لم تنجز مشروعها النقدي، وكل ما أنجز هو أفكار مبعثرة هنا وهناك لم تصل إلى مرحلة النظرية المتماسكة.

فكيف تجعل من نفسك مرجعية للرد على الناس، والنقد الإسلامي المنهجي لم تولد نظريتهبعد؟ هلا تواضعت يا أخي وقلت: إننا نفتح الحوار مع إخواننا لنتلمس طريق النهضة لهذا النقد.

2 – ويقول (فلما أذن الله بقراءته....(2)) يقصد كتابي.

نعم فلما أذن الله ولا خلاف في هذا..

هذا كلام غامض نتستر فيه بالقضاء والقدر، والأولى أن تكشف الحقيقة للقراء، وهي أن الجهات الراعية طلبت منك الرد على مقالة الدكتور مأمون جرار، التي لم يفرج عنها، إلا بكفالة من مقالتك الموقرة، فأنت يا أخي الكريم مكلف (بالرد) ولست مكلفاً (بالنقد) والفارق بينهما كبير لو تعلم:

فالراد: هدفه منذ البداية إنكار الفضائل وتصغيرها في المنقود، وتضخيم الهفوات وتصيدها، والراد يستعمل الاستعراض والتحفز والهجوم والمواجهة، وهو لا يعرف الحياد ولا الإنصاف ولا النزاهة، ويميل إلى المناهج الملتوية واقتطاع الكلام من سياقه مبتوراً، ليغطي عورة أهدافه، وباختصار: إنه مكلف بالعمى والهجوم والتحجيم للعمل الذي يزعم نقده وقد عرفت الجهات الراعية هذه المواهب للدكتور زايد فكلفته بالمهمة مهمة الرد.

والناقد: يا أخي شخص آخر ينطلق من ذاته، ويكتب من قناعته، ويمتاز بالاستقلال والجرأة والإنصاف والحياد والموضوعية، ويهدف إلى الحراك النقدي والإخلاص، لا يكبر الصغير ولا يصغر الكبير، يدافع عن فكرة حق آمن بها، لأنه صاحب منهج واضح، فهو فقيه متخصص، ولذلك له أجر واحد إن أخطأ وله أجران إن أحسن.

وبعد ذلك لجأ الدكتور زايد إلى مجموعة من المقولات عن البحث العلمي حتى يصدق القارئ أنه رجل حسن النية، فحشد لنا المقولات التالية:

3 – فقال الدكتور زايد (ومن البديهيات التي نعرفها نحن أبناء المدرسة الإسلامية في البحث العلمي...(3)).

وقال أيضاً: (غير أن الخلاف عند العلماء لم يكن باعثاً على السخرية من الآراء أو من أصحابها...(4)).

وقال أيضاً: (بل إن هذا الصنف من العلماء الإثبات، كانوا يفترضون ما يمكن أن يستند إليه الطرف الآخر من حجج وبراهين..(5)).

والشمس يا أخي لا تغطى بالغربال ولا بالمقولات عن منهج البحث العلمي التي لا تعلم صاحبها، المهم إخلاص النية عند الكاتب.

يا سبحان الله، إذن لماذا حولت النقد إلى خصومة، وسخرية وشماتة؟

ولماذا لم تعلم نفسك من هذه المقولات، وتتأدب بأدب البحث العلمي؟

وهل يفهم الدكتور زايد معاني هذه الأخلاق التي أشبعنا منها ذكراَ وتفصيلاً؟ ليتحايل على المؤلف والقارئ، ولكنه أوقع نفسه في مقام مالك الحزين الذي يعلم غيره ولا يعلم نفسه.

ومع ذلك لم تفلح كل جهود الدكتور زايد في صناعة ورقة التوت التي تغطي عورة نواياه، وبقي مكشوفاً لا يصدق لأن العمى لا يصنع نقداً.

4 – ثم يتابع الدكتور زايد قوله (ثم إن المؤلف يتكلم في قضية خاصة لها حدود زمانية ومكانية، وليس في العنوان ما يدل على ذلك...(6)).

وكان في ظن الدكتور زايد أنني سوف أبدأ من قراءة الآداب الإسلامية من لغاتها (التركية والأوردية.. وغيرها) وهذا يكشف العقلية النقدية التي يريدها الدكتور زايد، فهو يريد أن نبدأ من واقع المسلمين الأدبي في لغاتهم ثم نبحث له عن تغطية من القرآن والسنة على طريقة فتاوى علماء آخر الزمان، لأن المثلث يقف على قاعدته ولكن عبده زايد يريد أن يوقفه على رأسه.

وليعلم الأخ الكريم أننا نخالف هذا المنهج، وهو منهج مرفوض من النقاد المسلمين ومنهم الأستاذ أبو الحسن الندوي –رحمه الله-.

فالإسلام (القرآن والسنة وأدب الصحابة والراشدين) هو المرجعية الأولى للأدب الإسلامي وقد نشأ الأدب الإسلامي والنقد الإسلامي في أحضان الأدب العربي، وتغذى بخبراته، ثم امتد إلى المسلمين في لغاتهم وآدابهم، فالآداب الإسلامية ملزمة باستخراج فقهها النقدي من الإسلام ومن أدب الصحابة والراشدين، إذا أرادت أن تنتمي إليه، وبعدها ننظر في آداب الأمم الإسلامية لنرى مدى استجابتها لمفاهيم الأدب الإسلامي في الفقه الأدبي الإسلامي من أصوله الشرعية والفنية.

5 – ويتابع الدكتور زايد قائلاً: (ثم إن المؤلف يخوض في قضايا لا يحيط بها علماً، فمراجعه التي اعتمد عليها محدودة...(7)).

وحتى يتضح الأمر في هذا الجانب للجميع في تعاملي مع المراجع، وقد كان تعاملي مع هذه المراجع –عندما أكتب فصلاً واحداً في كتاب عن المحاولات الإسلامية المعاصرة- قائماً على التصنيف التالي:

1 – كتب مناهج التفكير الثقافي وهي كتب معتمدة في المنهج والمحاكمة وقد ذكرتها مثل كتاب (المنهج النبوي، برغوث بن عبد العزيز) وكتاب (مسائل في العمل الإسلامي محمد وليد سليمان، وتيسير الوصول/ أبو الرشتة).

2 – كتب مركزية تشكل نواة التنظير والتأثير فهي معتمدة، كتب شكري فيصل، وكتب سيد قطب، ونجيب الكيلاني وعماد الدين خليل، وعبد الرحمن الباشا، ومحمد قطب..

3 – كتب وسعت التأثير وامتداد رقعته.. كتب يوسف العظم ومحمد الحسناوي وأحمد العناني وكتب دار المنار وغيرها.

4 – كتب خاملة التأثير وقد تم استبعادها.

5 – كتب الأفكار النقدية الإسلامية وهي كتب مفيدة في المراحل القادمة عندما نحاول لمّ شتات الأفكار النقدية الإسلامية في نظرية متماسكة، وهي كتب مؤجلة لم يأت وقت التعامل معها، ومثالها مقالات وكتب النقاد المغاربة وغيرهم.

ولم يكن همي في هذا الفصل عن المحاولات المعاصرة إلا الاهتمام بالكتب ذات التأثير، لأنني أبحث عن نظرية النقد الإسلامي ذات اللغة المشتركة التي لم أجدها في هذه الكتب، وأنا لا أبحث عن سعة الحقل وإنما يهمني ثمار البيدر.

لكن عبده زايد يمارس دور الرقيب، لأنه يعيش تحت وهم الأبحاث الأكاديمية التي تدعي الرزانة العلمية، وتكتفي بالوصف، وأنا تركت التوثيق لها، وأنا من تيار آخر هو النقد الحر الذي يؤمن بالتحليل ويهتمّ بالمؤثر الفاعل ويبحث عن الحصاد والسلبيات ويثير أسئلة الوعي، وكل نقد له ميدانه وفوائده، ولا يحكم على تيار نقدي من خارج منهجيته التي يسير عليها إلا في مرحلة نقد النقد.

ثم يعدد عبده زايد الجهود الموثقة في الصحف والمجلات ودليل مكتبة الأدب الإسلامي والرسائل الجامعية التي سبقت ميلاد الرابطة واستمرت بعدها، وكأنه يريد أن يقول: لماذا لم تطلع على هذه الجهود؟ وأقول يا أخي الكريم لقد اطلعت على كثير مما قمت بتعداده، وأنت تتكلم عن جهود (دعاة الريادة) في نشر فكرة الدعوة للأدب الإسلامي وهي جهود مباركة في نشر الفكرة، ولكنها لم تحقق نظرية النقد والأدب الإسلامي، فقد ظل جهد الرواد بدون تفصيل وبدون تأصيل، نعم نريد خطاباً نقدياً نابعاً من تفاعل المسلم مع مرجعيته يحقق لنا الاستقلال والتميز عن نظريات الواقع، التي نعيش عالة عليها.

6 – ويتابع الدكتور زايد قوله (إن المؤلف كان حريصاً على تشويه الرواد..(8)

هل أنت مطلع على القلوب؟

وهل يوصيك منهجك العلمي باتهام الناس في نواياهم؟

لقد بدأ عبده زايد يكيل التهم لصاحب الكتاب، ولكنه لم يتق الله في تشويه الكتاب وصاحبه، واكتفى بفصل الأحكام مجردة من سياقها ومجردة من منهج المحاكمة التي بنيت عليه، وهنا أسأل:

لماذا لم تناقش منهج المحاكمة الذي تناول الفوارق بين (الفقيه والفقيه المتخصص والمفكر العام)؟

هل هذا من مسادات منهجك العلمي؟

لماذا تكيل بعشرة مكاييل؟

لماذا تهربت من قواعد أصول الفقه وتفصيل العام بالخاص؟

من الذي يقوم بالتشويه؟!

وأظن أن عبده زايد يعتبر الرواد من جيل (بيعة الرضوان) ونحن من جيل آخر الزمان.

وهل يفهم عبده زايد معنى الريادة والرواد؟

الريادة يا أخي عمل استكشافي جريء، ولكنه استطلاعي ورؤيته ناقصة وتعريفات مختزلة، لأن الرائد يرى الظاهرة من خلال الظروف التي عايشها، ومحمد قطب رائد مكمل لدور الشهيد سيد قطب (الرائد الحقيقي للنقد الإسلامي) أحب أن يثير حالة العصف الذهني لدى دعاة الإسلام، لما رأى خطر الأدب في حياة الأمم وهو مفكر وليس ناقداً.

وقد دارت فكرة كتابه حول الرؤية الفكرية للأدب من خلال النظرية السائدة في المدرسة القطبية (سمات التصور الإسلامي) وظل يتكلم لنا حتى آخر كتابه عن آيات التفكير والتأمل وامتزاج الكون في تصور المسلم ووجدانه، وقد فصل لنا منهجاً في الفن من خلال خبراته وثقافته، وليس من خلال الخطوات الشرعية ومنهجية الفقهاء في أحكام الإسلام واستخراجها، وكان من ثمار الابتعاد عن منهج الفقهاء أن أهمل محمد قطب:

1 – الآيات القرآنية التي تخصص وتفصل الآيات العامة وهي آيات الشعر في المرحلتين المكية والمدنية.

2 – الآيات القرآنية التي تتكلم عن أهمية اللغة ونعمة البيان والخطاب الأدبي في القرآن الكريم.

3 – الأحاديث الشريفة عن الشعر وعن الكلمة وأثرها.

4 – أدب الصحابة والراشدين والعصور الإسلامية.

وهنا أتوجه إليك بالمثال التالي:

لو أخذ إنسان آيات الصلاة في القرآن الكريم وفهم منها أن الصلاة واجبة، ولكن هذا الإنسان عندما أراد الصلاة لم يرجع إلى مفصل الصلاة من السنة الشريفة، فأخذ يفصل له صلاة من خلال رغبته، ماذا تسمي هذا التصرف؟

وهذه تشبه تلك؟

إن اطلع محمد قطب على أدب الصحابة والراشدين وأهمله فهذا مصيبة، وإن لم يطلع على أدب الصحابة والراشدين فالمصيبة أعظم، فما بالك بمصيبة إهمال الآيات والأحاديث التي تتناول الموضوع.

إن الدفاع عن سلامة المنهاج الإسلامي وطريقة علماء الأمة في فهمه، أهم من تبرير سلوك الأفراد، وهل استشهاد محمد قطب بطاغور هو الوسيلة الصحيحة لتوسيع أفق النظريات الإسلامية عالمياً؟!

ولو قلت لك إن كارل ماركس لا يخالف الإسلام لأنه يطالب بحقوق العمال التي أمر الله ورسوله بها، هل هذا طريق للالتقاء مع الآخرين؟ إنها طريق عرجاء مضللة نحو العالمية.

وأنا لم أكتب عن محمد قطب والرواد لأن لي ثأراً عندهم، فهم أساتذتي، وقد قرأت تفسير الظلال في سنة كاملة، وأمضيت سنوات على كتب المدرسة القطبية فهم أحب الناس إلي، وأنا اعرف الناس بنواقص فكرهم، وأنا أحبهم ولا أقدسهم، وهذا هو الفارق بيني وبينك.

7 – وأخيراً وليس آخراً: لقد أسديت لي معروفاً وفتحت لي دكانة نصائحك(9) وأنا أرد لك المعروف بهذه النصائح إذا رغبت أن تستفيد منها:

1 – أخي الكريم لا تحول النقد إلى خصومة ولا تظن أنه يأتي بالصراخ والصوت العالي وعنوان مقالتك (عباس المناصرة ونظرية الشعر الإسلامي) وقد تركت الكتاب كله واكتفيت بقصر المقالة للدفاع عن محمد قطب بعد أن تهربت من منهج المحاكمة الذي حاكمنا عليه محمد قطب والأولى بك أن تدافع عن سلامة المنهج الإسلامي من تبرير سلوك الأفراد إذا خالفوه.

2 – الناقد المحايد يرى الهفوة فلا يضخمها ولا يفرح بها ولا يشمت بصاحبها، والدكتور مأمون رأى أن الخطأ في أسماء المؤلفين هفوة، أما أنت فقد اعتبرتها جريمة نكراء، وبدأت تكيل التهم لصاحبها بأنه يسمع بالأسماء ولم يقرأ لها، مع أنها ليست أكثر من عادة سيئة، وكل كاتب له عادات سيئة في الكتابة يتمنى التخلص منها وأنا اعتمدت على ذاكرتي في كتابة الأسماء.

3 – أما بالنسبة لصلاح الدين السلجوقي فهو مدير متحف الفن الإسلامي في القاهرة وكان في الستينيات من القرن العشرين من نشطاء الدعوة للفن الإسلامي، ومحاضرته التي لخصها الكيلاني في كتابه، مطبوعة في كتاب مستقل، يزيد على السبعين صفحة من القطع الوسط، ويباع عندنا في عمان في دار البشير، فلا تقصر الأمور على ما تعرف.

4 – أخي الكريم تذكر أن الله حرمك من قول الحق، وأوقعك في الجحود لفضائل الكتاب، ولم تعترف لصاحبه إلا ببعض الجمل المفيدة، لأنك لا تكتب من منطق النقد ولكن تكتب من منطق الرد والدفاع عن الأشخاص وتزكيهم على حساب سلامة المنهج الإسلامي الذي اتفق عليه علماء الأمة.

5 – أخي الكريم لقد طالبتني بقراءة مراجع الأدب الإسلامي وقراءة أفكار نقادها، وأنت لم تقرأ كتاباً واحداً هو كتابي ولم تحسن التعامل معه واكتفيت بكيل التهم لصاحبه.

6 – لا تستعمل المنهج العلمي ومقولاته إلا وأنت قادر على الالتزام بها، أما أن نستعمل المنهج العلمي ولا نلتزم به ولا بأخلاقه، فهذا خروج على الأمانة العلمية حينما نغطي به عورات مقاصدنا الملتوية، وبذلك نشوّه سمعة المنهج العلمي. لأن الناقد المستأجر لا يهمه الحق ولا الحقيقة وهي ليست من أهدافه وإنما يهمه أن يرضي من يدفع له المكافأة .

الهوامش:

1 – مقالة الدكتور مأمون جرار/ عدد 36 مجلة الأدب الإسلامي 1/71.

2 – نقلاً عن الدكتور مأمون جرار الذي كان حاضراً بمؤتمر إستانبول للأدب الإسلامي.

3 – نفس المقالة السابقة 2/71.

4 – نفس المقالة السابقة ص3/71.

1 – مقالة الدكتور عبده زايد عدد 36 مجلة الأدب الإسلامي ص72.

2 - المقالة السابقة ص 72.

3 - المقالة السابقة ص 72.

4 - المقالة السابقة ص 72.

5 - المقالة السابقة ص 73.

6 - المقالة السابقة ص 73.

7 - المقالة السابقة ص 73

8 - المقالة السابقة ص 74.

9 - المقالة السابقة ص 78.

وسوم: العدد 749