انفعْ ولا تقطعْ
قال لي: لقد أرسلتُ رسائل تهنئةٍ بالعيد ودعاء بالقبول، وأرى أشخاصاً ما بدؤوا ولا ردوا، وقد عزمتُ على حذف أسمائهم من "هاتفي" وبرامجه.
قلت: لا تفعل، فلعل لهم أعذاراً، "وليس الواصلُ بالمكافئ ..."،
وإنْ كنتَ ممن يصلُ إخوانه بسلامه وكلامه فدمْ على ذلك بنيةٍ طيبةٍ؛ فقد ينتفعون وتنتفع بهم، ولا يضرك سكوتُ مَنْ سكن وصمتُ مَنْ صمت، ولعلّ أحدهم يجزيك بدعاءٍ في السر، وذاك خيرٌ لك من جوابٍ قد يحمله عليه خوفُ العتاب، ورُبَّ نيةٍ نبيلةٍ خيرٌ مِنْ مجاملةٍ ثقيلةٍ.
ولا أكتمك فقد يخطرُ لي مثلُ خاطرك أحياناً فأصرفه وأنصرف عنه.
والشيء بالشيء يُذكر فقد قال سراج بن عبدالملك المتوفى سنة (٥٠٨) وكان عالم الأندلس في وقته:
بُثَّ الصنائع لا تحفلْ بموقعها
في آملٍ شكرَ المعروفَ أو كفَرا
كالغيثِ ليس يُبالي حيثما انسكبتْ
منه الغمائمُ تُرباً كان أو حَجرا
وعنَّ لي هنا حالُ الأستاذ عبدالوهاب السامرائي رئيس تحرير (مجلة التربية الإسلامية) ببغداد، فقد كان لا يقطع إرسال المجلة عن مشترِكٍ، ولو توقّف عن دفع رسم الاشتراك، وهذا معروفٌ عنه، وأمثلتُه كثيرة.
فهذا يرسل ما له تكلفة، فكيف بإرسال ما لا كلفة فيه؟
قلْ كلمتك، وأرسلْ تهنئتك، وأدمْ دعوتك، وطيبْ مهجتك، ولا عليك بما يكون.
وقد قيل في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا): أي دوموا على إيمانكم؛ أي لأنهم مؤمنون أصلاً.
وفي ذلك حكاية طريفة عن السلطان محمد الفاتح أنه قال للشيخ حسام الدين التبريزي: بيّنْ الحكمة في أمر المؤمنين بالإيمان في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله) -وكان هناك طبولٌ تُقرع- فقال: تجيبُ عنها هذه الطبول. قال: ما هو؟ قال: الطبول تقول: (دُم دُم)، والمراد بقوله تعالى: (آمنوا) دوموا على الإيمان. فأعجب السلطان هذا الكلام واستحسنه.
وقال ابنُ عطية في تفسير: (اهدنا الصراط المستقيم) معللاً طلب الهداية وهم مهديون: "معنى قولهم (اهدنا) فيما هو حاصل عندهم: طلب التثبيت والدوام...".
والاستقامة كرامة، بل هي عند أقوام: عينُها.
ولي فهم أرجو ان يكون صواباً في قول النبي صلى الله عليه وسلم في ثواب العمل الدائم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ... أو علم ينتفع به)، أنه العلم الصالح للانتفاع المعدُّ لذلك وإن لم يُقرأ ويُعمل به. أي: علمٌ صالحٌ أن يُنتفع به.
فانفعْ ولا تقطعْ، واصبرْ ولا تضجرْ، ودمْ ولا تذمّْ، وكُن ولا تبنْ، وصِلْ ولا تصلّْ.
وسوم: العدد 787