سياحة لغوية
- خطوة عزيزة!
فلم تدر بم تجيب، ولا أن عليها أن تجيب؛ فقلت لها:
- هذه تحية مصرية، جوابها: يعز مقدارك!
وأعدت عليها العبارة، فأجابتها بما علَّمتها!
ثم ذهبت إلى محاضرتي، وفيها رأيت تلميذا حبشيا نجيبا، حضر كذلك بعد غياب، فقلت له على مسمع زملائه العمانيين:
- عاش من شافك!
فلم يدر بم يجيب، ولا أن عليه أن يجيب؛ فقلت له:
- هذه تحية عمانية...
ولم أكد أقول: "جوابها"، حتى سبقني زملاؤه:
- عاشت أيامك!
وفي مصر يحيي بها بعضنا بعضا، وما من مجيب! ثم قلت له:
- وعند العمانيين عبارة أخرى لطيفة، قولهم في المقام نفسه: "من زمان ما تشاوفنا"، أي من زمان طويل لم يشف بعضنا بعضا، الذي توسعوا به في تصريف مادة "ش، و، ف"، لتتجاوز دلالة الرؤية التي هي في نفسها تجاوز، إلى دلالة التَّرائي التشاركيّة!
ضحك تلامذتي كثيرا؛ فقلت لهم:
- حوار ممتع؛ أليس كذلك؟ إنها السياحة اللغوية!
نعم، وكنت من قبلُ حدثتهم عن شَغَفي بلهجات شعوبنا الحديثة شَغَفي بلغات قبائلنا القديمة، أن أعرف ما يقولون في الشيء الواحد، مبنى كان أو معنى.
ولم أكد أمضي في منهج محاضرتي حتى لفتتني تلميذة نجيبة أخرى، إلى قول توفيق الحكيم: "من هنا للعصر"، الذي استعمل المكان فيه بدل الزمان واللام بدل إلى؛ فرجعت أنقده لها، ثم تلقفت كلمة "هنا"، فذكرت وجوهها عند شعوبنا، أننا في مصر نقول: "هِنَا"، وفي عمان نقول: "هْنَا"، وفي العراق نقول: "هِنَانَا"، وفي الشام نقول: "هُون"، ...!
ثم قلت لهم:
-"فِسِيحُوا فِي الْأَرْضِ" -يا أبنائي- سيحوا في أرضكم قبل أرض غيركم، واستمعوا لأهلكم، واستمتعوا؛ صدق الله العظيم!
وسوم: العدد 816