حواري وفرجان الأحساء
سنوات كثيرة مضت، وقد تسيدها رابعة الأنامل من العمر بالعقود، وماذا عسايَّ أن استحضر من تلك الذكريات التي عاشوها فأنعشوها بطيبهم وكرمهم الحاتمي الأصيل؟
كانت هذه الفكرة تراودني منذ زمنٍ مُنصرمٍ بعد وفاة الوالد (رحمه الله)، ولم يرتفع ستار مسرحها إلا حينما بحثت عن المادة لعنادل الفريج الشمالي وشاعرها الراحل ورواه..
المرحوم الشاعر: حسن بن محمد اليحيى
الحاج الشاعر: علي بن كاظم الخليفة
المُنشد الحاج: أحمد بن موسى المُصرندة
المرحوم المُنشد: عبد الله بن عايش الخليفة
المرحوم المُنشد: حبيب بن موسى القرين
المُنشد الحاج: سلمان بن حجي الناصر الحرز
حيث كان العم سلمان الناصر يحمل مسجلته بيده اليُمنى، ويشد باليسرى كف ابنه حسين، كي لا يسرح ويمرح لمكانٍ بعيدٍ عنه، ولا أنس جوانب التوثيق والتسجيل للملا عباس العبيد (وفقه الله) هُنا وهناك..
ففي كل عُرسٍ له طقوسه الخاصة وجمال البساطة تُشكل الأزقة بالفرجان.. حيث تجد السعف يُزين مداخل البيوت والدهاليز، (وتراكيب الجدور، والحطب، والكرب، والقصاميل، وجذوع النخل والأشجار)..
ومن بساطة الناس وطيب المعيشة بينهم، كانوا يطبخون بالحطب وعلى التراكيب، ويسبقها إعداد (البراحة، وتقطيع الطماط والبصل).. وذلك بالمساندة من نساء الفريج لتنظيف العيش البسمتي بالمناسف قبل أسبوعٍ وربما يزيد؛ هذا بخلاف توثيق السجلات والجمعات لتوزيع البطاقات على الأحبة وكل المعارف هناك..
ومُجرد أن ينتهي إكرام الضيوف في ليلة الزفاف بأطباق الكبسة (الحساوية).. سواءً أكان هذا الأمر بالمجالس، أو بالساحات المُعدة (بالحصر الملونة، أو الزوالي المُتناغمة..
حينها يأتون شباب ذاك الجيل المعطاء، ويصطفون كالبناء المرصوص، لخدمة (ودزة المعرس).. فالأصوات تتصاعد باللهجة والبهجة، والأرواح تتوافد بالمودة لإظهار فرح جارهم وابن حارتهم..
ومن عذوبة ذاك الزمان أنهم لا يزفون عيالهم جملة بليلة واحدة، بل يتفقون على توزيع مواقيت الأعراس طيلة إجازات الشهر والعطل، كيما يُشاركون الجميع بالحضور والتفاعل دون تكلف يذكر..
وكذلك الدعوات للمجالس ليلة الزفاف، إذا تزيد على أربعة الأماكن وفي ازدياد الحضور، (وعصير أزرق ما نبي)
(وأما أحلى الزينة على سيارة المعرس البيوك أو الكابرس بوحديدة)
أتذكر الوالد حبيب القرين (رحمه الله)، يصطحبني معه رفقة أخي توفيق، ولا أُبالغ إن قلت في أغلب الأمكنة التي يرتادها بالهفوف أو القرى، وهذا ما سألني به أحد الأحبة بالتعجب: كيف لك أن تتذكر هذه الأيام وأدق تفاصيلها؟!
فأجبته: جرب مع عيالك هذا التواصل الفعلي والشعوري، والتجارب كفيلة بإخراجها وإظهارها بعد حين..
عزيزي القارئ:
إذا أردت أن تُشعل وجدانك، وتبهر كيانك، حاول أن تتابع نواظر الأعين، وتقاسيم الأوجه في محيطك بالفرح أو الحُزن..
صدقني ستختصر المسافة بالتعبير عن ذاتك، وتجاه أهلك، وأولادك، وبناتك، وأسرتك، ومجتمعك، وحياتك.. فالإنسانية الحقيقية لا يستنطقها صف الكلام دون الإحساس به وعيشه بالعمل الجاد دون تملقٍ أو زيفٍ.. وكن على يقين تام يا غالي متى ما كنت صادقاً مع ربك أثرت بكل أرضٍ تمشي عليها؛ فكيف بالورد والأزهار التي هي من حولك؟
خاتمة:
وثقوا أنفسكم وفي عيالكم حب العطاء والصفاء..
فظهراني الأرض لا تدوم، وكلام الأمس لا يعوم إلا بالنوايا الصادقة..
فكم هو تعداد من عاش بيننا؛ فخطفه منون زماننا بالآهات وهتون الوجع؟!
وسوم: العدد 905