رحيل المناضل والكاتب محمد سعيد طالب..

عقاب يحيى

ما أكثرهم أحبتنا وأصدقائنا الذين يرحلون ولم تتكحل عيونهم برؤية الحلم الذي عاشوا له عمرهم.. وعديدهم دفه مهره غالياً.... قرابة ربع قرن في معتقلات النظام.. وإرادة على التمسك بالجوهر : سورية الموحدة، المتحررة من الاستبداد والفئوية.. والطغيان.. في دولة التعددية والمساواة ..

كنت في مقتبل العمر، رئيساً لاتحاد الطلاب في سلمية، اللجنة التنسيقية/ حين جاءنا ذلك الشاب الأسمر، مربوع القامة قادما من مدينة القنيطرة.. مديراً للتربية.. يحمل أحلاماً كبيرة يحاول صياغتها بطريقة تجذب الشباب، والفارق العمري ليس كبيراً بينه وبينهم.. وكان المرحوم محمد عيد عشاوي هو المحافظ، وحين صار في القيادة.. تولى الأستاذ محمد سعيد مكانه محافظاً لحماه، ونحن نمور بالنقد، واليسار، ولا يعجبنا ما يجري، وهو يستمع لنا، ويحاول فهم اندفاعاتنا، فلا يصطدم معنا.. خاصة والأحلام كبيرة، والشعارات كثيرة، ونحن نرى أن الأدوات دونها، والواقع أعمق وأكثر تعقيداً..

ـ وكأن من كان يتحمل مسؤولية في حماة.. طرقه سالة إلى القيادة والوزارة.. بالنظر لقوة الحزب فيها.. وطبيعتها.. فلم يمكث طويلاً كمحافظ، وبات في القيادة القطرية.. ثم وزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل ..

ـ حين قام الطاغية الأكبر بانقلابه التفحيحي.. كان بديهياً ان يتخذ/ ابو طالب/ شأن معظم أعضاء القيادة، موقفاً معارضاً.. رغم الإغراءات التي تقدّم، ورغم عديد الملاحظات على مسار" الصراع" مع الطاغية ونهاياته.. بتلك الطريقة المأساوية التي فتحت الشهية لكثير الأسئلة التي لم تجد أجوبتها الشافية ..

ـ قرابة ربع قرن ـ أحلى وأغزر فترات العمر ـ قضاها، ورفاقه في المعتقل. وحين خرج.. كان الكتاب والتأليف ديدنه.. فغاص عميقاً في التحليل لموضوعات مهمة، انتج فيها عديد الكتب القيّمة.. وتناول كثير الظاهرات الاجتماعية برؤية نقدية، منهجية تدل على سعة اطلاعه، وعمق نظرته للظزاهر والموضوعات..

ـ واقترب الحلم من أعين التحقيق.. فانضوى ابو طالب جندياً / مجهولاً/ في صفوف الثورة.. يمنحها ما يقدر.. وكان له دوره في تأسيس التيار العربي الديمقراطي.. كمحاولة لتوحيد صفوف القوميين الديمقراطيين من مختلف المدارس والاتجاهات.. بينما ظلت الكتابة مرتعه، واهتمامه الأكبر.. إلا أن أصيب قبل مدة وجيزة بجلطة دماغية..أنهت ذلك المشوار الطويل من النضال والعمل والأمنيات التي لم يتحقق كثيرها..

ـ اكيد والحلم بانتصار الثورة يراود الجميع.. ان الفقيد ابو طالب أغمض عينيه في لحظاته الأخيرة عليه.. رغم إدراكه لكمّ التحديات والمخاطر التي ركبت عليه، والتي تحاول تغليفه بطبقات مختلفة المصادر، والألوان.. وصباغته بغير لونه الحقيقي..

ـ رحل العزيز أبو طالب وسورية في عزاء مفتوح.. والشباب يبذل كل ما يقدر لوضع حلم الجيال موضع التحقيق..فيدفع أغلى هر.. لأغلى قضية.. وبلد ..

ـ له الرحمة المناضل المفكر محمد سعيد طالب.. ولذويه ورفاقه العزاء...