للعزيز الصديق عبد الكريم الضحاك.. تحية
عقاب يحيى
دوماً أبو سليمان يؤكد أنه ما يزال شاب الروح والهمة.. رغم أن العمر يمضي، لكن روحه تأبى الشيخوخة، إنه ذاك الذي عرفناه صاحب النكتة، الكثير النشاط والحركة، المتواجد حيث يجب أن يكون المناضلون الحقيقيون الذي ما هانوا رغم الزمن، وما واجههوه على مختلف الأصعدة.. وها هو في القدموس يزور الشجرة التي غرسها... قبل/ سبعين عاماً/ أي كان ما يزال طفلاً بعمر بضع سنوات : خمس كما أتذكر..ويراها شجرته الباسقة .. وتخاطبه وهي تقاوم أسوار الإسمنت المحيطة بها والمنذرة :
ـ تقول له وهوم معجب بصمودها وشراسة قتالها للباطون والموت : وأنت ؟؟...
ـ فقلت (والبرد ينخر عظامي)..
(لعلك يا موت والحرس القبلي سيقتادني في الدروب الكئيبة تبقى حبيبي )
- ردت بشراسة وعزم التمسك بالحياة : (يؤلفونك ...فانفر) اقترب مني
*****
أبو سليمان قامة وطنية كبيرة، تعرفه سورية سنوات عمره الكفاحي الطويل.. منتسباً لمدرسة البعث مبكراً، وناقداً بقوة، وبطريقته للسلبيات، وناقماً على حل الحزب في الوحدة، فمشاركاً في تنظيم" القطريين".. ومتلكئاً كثيراً حين قرر رفاقه العودة للتنظيم بعد نجاح حركة آذار ووصول البعث، شكلياً، للحكم.. ثم.. دخوله البيت الذي يألف، مناضلاًً شرساً، وقريبا حميماً من أجيال الشباب المتلاحقة..فمديراً للمركز الثقافي في سلمية الذي أعطاه الكثير من روحه، وثقافته الواسعة، المتنوعة...حتى صار أحد أهم المراكز الثقافية في سورية بما يقيمه من ندوات وأنشطة وحوارات تجاوزت مراراً الخطوط الحمراء لنظام الطغمة..
******
طبيعي أن يتخذ أبو سليمان موقفاً معارضاً لانقلاب الطاغية الأكبر على " الحزب" ورفاقه، رغم أنه كان يحمل الكثير من النقد على المسيرة والممارسة، ويشرح الفجوات والظواهر النقدية بمبضعه الخاص..
ـ كان محط لقاء عديد القوى السياسية المعارضة، يجتمعون عنده . يتحاورون ويفكرون بالممكن، وكثيرهم يحاول " كسبه" في تنظيمه.. وما كانوا يعلمون أن أبا سليمان عضو في المكتب السياسي للتنظيم السري للبعث المعارض للطاغية، وأنه نجح في تغطية وضعه على الجميع، رغم تكليفه وعدد من رفاقه في مهمة التواصل مع " التجمع الوطني الديمقراطي" بعد قيامه كمندوب للتنظيم ..
ـ في حملة الاعتقالات الشرسة التي طالت ذلك التنظيم، الشهر الأول منن عام 1980، وكان لدى قيادة القطر اجتماعاً مهماً لتقويم عمل التجمع، وتقديم مقترحات لحركته.. تم اعتقاله في البيت المركزي/ الوكر/ ولم ينتبه إلى أن إشارة الإنذار موجودة، وأن عليه ألا يقترب من البيت، فوجدهم بالانتظار داخله..
ـ تعرض لتعذيب شديد في التحقيق.. وكان ـ كعادته ـ سنديانة باسقة تستقي من البلعاس شموخه وصلادته.. فأصيب في عينيه التي يعاني منهما بالأصل، وبعديد الأمراض..
وبعد حوالي 15 سنة أفرج عنه.. لكنه لم يترك العمل السياسي. لم ييأس، ويقعد في البيت.. كان دائب الحركة والبحث عن سبيل لمواجهة النظام الطاغية، وحفر مجرى الحرية بالتضحية، والمخاطرة..وحين قام إعلان دمشق كان عضواً ـ وما يزال ـ في أمانته العامة..وحين قامت الثورة ـ حلم عمره ـ التحق بها جندياً يقدم ما يستطيع ..
كشجرته هو تماماً التي زرعها.. يوم كان طفلاً... مقاوماً لا يلين، ولا يخاف الموج والريح العاتية، صافياً كهوائها، باشقاً رغم العمر.. معطاء.. شاباً يدرك أهمية تطور الأفكار والأساليب فيحاول جهده كي يبقى شاباً، وأبو الشباب كما كان هو عمره..وهو كذلك...
له التحية... / عمنا/ أبو سليمان .. شيخ الشباب ..