رسائل من أحمد الجدع ( 73 )

أحمد الجدع

إلى الدكتور عبد الوهاب عزام – مصر .

هذه رسالتي الثانية إليك ، أريد أن أستكمل بها وقفات مهمة في مسيرتك ، فقد كانت مسيرتك حافلة وعطاؤك وافراً .

لقد كنت شاعراً ، ولك اهتمام عظيم بالشعراء الكبار ، وقد نوّهت باهتمامك الواسع بشاعر الإسلام محمد إقبال ، وأشرت إلى كتابك عن المتنبي (ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام) ، وقد أثار هذا الكتاب مناقشات واسعة حين صدوره عام 1936م وبعد صدوره ، ولهذا عدت إلى المتنبي مرة أخرى ، فتناولت ديوانه بالشرح والتعليق والتحقيق ، وصدر هذا الجهد المقدر في كتاب عام 1944م بعنوان (ديوان المتنبي : شرح وتحقيق) ، ولم يطبع ثانية حتى هذا التاريخ الذي أكتب فيه هذه الكلمة (20 يناير 2012م) ومن الصعب الآن الحصول على نسخة من هذا الكتاب لتقادم الزمن وندرة النسخ !

وأما ميلادك فكان في قرية تسمى "الشوبك الغربي" تابعة لمركز العياط بمصر ، وذلك في الثامن والعشرين من أغسطس عام 1894م ، ومن اسم قريتك "الشوبك الغربي" نعلم أن هناك قرية أخرى باسم "الشوبك الشرقي !" وفي الأردن أيضاً قرية باسم "الشوبك" .

عندما ذكرت في رسالتي السابقة أنك اجتمعت مع الشاعرين عمر الأميري ومحمد محمود الزبيري في كراتشي في باكستان (وكانت العاصمة آنذاك) وقد اجتمعتم ثلاثتكم على حب شاعر الإسلام محمد إقبال ، كنتم تتطارحون القصائد ، وقلت إن الأميري أخبرني بذلك ، وقال لي إن هذه القصائد كانت تزيد في بعض الأحايين على مئتي بيت ، وأن الأميري قد جمع قصائده مع الزبيري وقصائد الزبيري معه في كتاب بعنوان "مع القاضي الزبيري" وقد وَهِمَ بعض من قرأ ذلك أن هذا الكتاب قد طبع ، فإني أقول هنا أن هذا الكتاب لا زال مخطوطاً ولعله بين يدي أبنائه ، فإن كان كذلك فإني أناشدهم أن يطبعوه ، أو أن يدفعوا به إلى أحد الناشرين فيتبنى طباعته ، محبو الأميري والزبيري كثر وهم بالأشواق إلى مثل هذا الكتاب .

ولم يذكر الأميري رحمه الله إن كان قد جمع قصائدك مع قصائد الزبيري ، ولعل قصائدك لا تزال موجودة عند ورثتك ، أعني قصائد المطارحات مع هذين الشاعرين الكبيرين .

وقد ذكرت أنك عربت نظماً ونثراً بعض دواوين إقبال ، أما الزبيري فقد عرب بعضها شعراً ، وظهرت في ديوانه المطبوع ، وهي لا تتعدى أبياتاً ، ولعل هناك أخرى ضاعت في مسيرة الشاعر الجهادية المتنقلة بين الأقطار العربية والإسلامية فاراً بروحه من مطاردة الظالمين ، أما الأميري فقد أنشدني بعض ترجماته عن إقبال وهي أيضاً قليلة لا ترقى إلى أعمالك الواسعة في نقل أعمال إقبال إلى العربية ، وقد زدت على ذلك كله أنك ترجمت لحياة إقبال في كتاب مستقل صدر عام 1954م ولهذا الاهتمام بإقبال الذي كان شعره في معظمه باللغة الفارسية ، وعنها ترجمت ، فقد منحتك الحكومة الإيرانية "النيشان العلمي" .

أما عن أسرتك فقد عرفنا من أبنائك "محفوظاً" ، وهو أحد رجالات مصر ، فقد كان رئيس حزب العمل بعد وفاة رئيسه السابق إبراهيم شكري ، وحزب العمل هذا كان حزباً اشتراكياً ، أسسه (أحمد حسين) ثم نقله إبراهيم شكري إلى حظيرة الإسلام فأصبح في عهده حزباً إسلامياً ، وقد كان محفوظ أحد رجالات القضاء بمصر ثم عمل بالمحاماة .

وعرفنا من أبنائك أيضاً ابنتك "أميمة" التي أنجبت أيمن الظواهري الثائر المشهور الذي جاهد في أفغانستان زمناً طويلاً ، وورث الشيخ أسامة بن لادن في قيادة ما يعرف بالقاعدة .

وأنت بهذا جدّ أيمن الظواهري لأمه .

لقد كان نشاطك العلمي أهم كثيراً من نشاطك السياسي وأوسع ، لهذا اخترت عضواً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1949م ، ثم عضواً بالمجمع العلمي بدمشق ، ومجمع اللغة العربية ببغداد ، ومجمع اللغة بإيران .

وأريد أن أشير هنا إلى أنك ابن عم عبد الرحمن عزام الذي اختير أول رئيس لجامعة الدول العربية .

لم تحظ باهتمام كبير من أمتك العربية ، فلم يصدر عن حياتك سوى كتاب واحد بعنوان "عبد الوهاب عزام رائداً ومفكراً" من تأليف السباعي محمد السباعي .

العالم الشاعر الأديب المفكر السياسي المترجم الأستاذ الجامعي عبد الوهاب عزام ، سلام الله عليك ، وجزاك عن أمتك خير الجزاء ، ورحمك الله وأنا معك .


 

رسائل من أحمد الجدع ( 74 )

-- ----------------

إلى الأخ محمد مصطفى المجذوب .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

امتاز علماء الدين المسلمين بأنهم بالإضافة إلى علمهم الشرعي كانوا أدباء وشعراء ، وقلما وجدت عالماً مسلماً إلا وقد تحلى بالشعر ، مكثراً أو مقلاً ، وكنت يا أخي من هؤلاء العلماء ، وقد أبدعت شعراً كان له صدى بين المسلمين لأنك ضربت على على وتر المآسي والنكبات التي انهالت على المسلمين في هذا العصر الجبري الذي ساد فيه التحوت والروابض ، فتداعت الأمم كلها علينا تنهش لحومنا وتقضم أوطاننا وتنهب خيراتنا ... ولا من يئن أو يتأوه أو ينبض له عرق !!

كان أول كتاب قرأته من كتبك "قصتان من الماضي" وكان هذا الكتاب مقرراً على المرحلة الإعدادية في دولة قطر ، كان ذلك في مطلع السبعينيات من القرن الميلادي الماضي ، أما أول قصيدة قرأتها لك فقد كانت بعنوان "اللعين الأول" وهي قصيدة رمزية عن الظلم والظالمين ، قرأتها في مجلة "المسلمون" الصادرة في جنيف بسويسرا في العدد الأول من المجلد العاشر ، المؤرخ في ربيع الثاني من عام 1386هـ الموافق لشهر آب لعام 1966م أي قبل خمسة وأربعين عاماً ، وعندما ألفت كتابي أجمل مائة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر اخترتها في الجزء الأول الصادر عام 1999م ، بمعنى أن هذه القصيدة بقيت في ذاكرتي ثلاثة وثلاثين عاماً ، ولا تبقى قصيدة في الذاكرة هذه المدة الطويلة إلا إذا كانت قصيدة رائعة ومتفوقة .

برزت في الدعوة الإسلامية مبكراً ، وذلك عندما كانت الدعوة تحبو ، وتتلمس طريقها بين أمواج من الدعوات المنحرفة التي لاقت قبولاً لدى الجماهير ، واندفعت تحطم كل شيء في طريقها كالثور الهائج ، وكان على الدعاة أن يصبروا ويصابروا ويثبتوا ، وكنت من الأوائل في الصبر والمصابرة والثبات .

كتبت الكتب ، والدراسات ، والقصص ، والشعر ، ودرّست في المساجد والمدارس والجامعات وامتد بك العمر حتى تجاوزت التسعين ، ولم تتوقف عن البذل حتى آخر يوم في حياتك .

أصدرت أول دواوينك بعنوان "نار ونور" الصادر في دمشق ، ثم أتبعته بديوانك "همسات قلب" وقلت إنه مختارات من أشعارك ، وهذه المختارات ملأت أربعمئة وأربعين صفحة من القطع الكبير ، وهذا الديوان عندي في طبعته الأولى الصادرة عام 1390هـ 1970م أي قبل أكثر من أربعين عاماً ، وقد كتب له مقدمة ضافية بلغت ثلاثين صفحة الأستاذ عبد العزيز الربيع مدير التعليم في المدينة المنورة .

أما ديوانك الثالث فهو بعنوان "آلام وأحلام" الصادر عن نادي المدينة المنورة الأدبي عام 1413هـ 1992م ، وهو في مكتبتي ، وقد ذكرت في مقدمته أنه أيضاً مختارات من شعرك .

إذن لك أشعار لم تنشر بعد ، وكنا نحب لو نشرتها في حياتك ، فهيهات هيهات أن نجد من ينشرها بعد رحيلك .

أما ابنتك نعماء زوجة صديقنا وأخينا محمد نعسان عرواني المكنى بأبي العز والذي بدأت معرفتي به في قطر فقد اشتهرت بكتابتها للقصص القصيرة والروايات الطويلة .

وقد سعدت بطباعة قصصها ورواياتها في دار الضياء للنشر والتوزيع التي أملكها ، وهذه القصص والروايات هي :

1- جلنارا – مجموعة قصصية .

2- الزمن المفقود – رواية .

3- مارد في صدري – رواية .

وقد قرأت على موقع رابطة أدباء الشام أن لها رواية بعنوان "الزمن الجريح" ولعلها هي نفسها الزمن المفقود ، كانت قد عزمت على أن تسميها "الزمن الجريح" ثم عدلت عن ذلك إلى "الزمن المفقود" .

عندما كنت أعمل في قطر صليت في مسجد في ضاحية من ضواحي الدوحة تدعى الغرافة ، وبينما كنت خارجاً رأيت لوحة علق عليها مجلة حائطية ، وفيها قصيدة لك تمتدح فيها عالم أهل السنة في الحديث "ناصر الدين الألباني" فأعجبني فيها قولك :

فما عسى أن يقول الشعر في رجل

 

 

يدعوه حتى عداه ناصر الدين

 

وهذا الملمح لا يقع عليه إلا شاعر فحل ، لماح للمعاني الدقيقة ، وقد وقعت أنت على هذا المعنى الدقيق والرائق والرائع : يدعوه حتى عداه ناصر الدين !

ولجمال هذه القصيدة فإني أثبتها هنا حتى أمتع القارئ بجمالها :

قالوا ألا كلمة في الشيخ تنصفه
شُنت عليه حروب لا يسوغها
فقلت: فوق ثنائي ما يبلغه
ورده الجيل للوحي الجليل يد
وحسبه أنه هز العقول وقد
فأصبحت ذات وعي ليس يعجزه
والدين سر من الرحمن بيَّنه
والجامدون حيارى ليس في يدهم
فما عسى أن يقول الشعر في رجل
وأي ضير إذا فرد تجاهله

 

 

فقد طغى الجور حتى في الموازين
عقل يرى الحق في ظل البراهين
محمد الشام عن خير النبيين
ما إن يكابر فيها غير مفتون
باتت من الحَجر والتقليد في هون
التمييز ما بين مفروض ومسنون
رسوله وسواه محض تخمين
إلا رواية مجروح لموهون
يدعوه حتى عداه ناصر الدين
وقد فشا  فضله بين الملايين؟

 

ولمن لا يعرفك ، فإنك ولدت في مدينة طرطوس بسورية عام 1907م ، وفيها انتهى أجلك عام 1999م .

عملت مدرساً في طرطوس واللاذقية ، ثم مدرساً في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، ونشرت فكرك في صحف ومجلات العالمين العربي والإسلامي وألفت العشرات من الكتب الإسلامية .

الأخ محمد مصطفى المجذوب ، نذكرك بعطائك ، ونبتهل إلى الله أن يجزل لك المثوبة وأن يشملك ويشملني بفضله العظيم ... آمين .