إلى الأخ الشاعر العاطفي عبد الخالق فريد
رسائل من أحمد الجدع
( 4 )
الأخ الشاعر العاطفي عبد الخالق فريد - العراق
أحمد الجدع
عندما طلب أحد الأمراء من عمر بن أبي ربيعة المخزومي أن يمدحه بقصيدة كان جوابه : أنا لا أمدح الرجال ولكني أمدح النساء .
وأنا على يقين من أن عمر بن أبي ربيعة لو حاول أن يصوغ مدحاً في ملك أو أمير فإنه لن يجيد، ولعله لا يستطيع لأن الموهبة التي أعطيها والشعر الذي مرن عليه طوال حياته هو : مدح النساء كما قال ، وكان حرياً به أن يقول أمدح نفسي إرضاء للنساء ومحاولة لإغرائهن .
لقد كنت أنت من هذا الصنف من الشعراء الذين أوتوا موهبة شعرية تبرع في تصوير العواطف المتعلقة بالنساء، وقد مرنت على ذلك طوال أكثر من نصف قرن ، وأصدرت خمسة عشر ديواناً كلها غزل رقيق تعبر فيها عن نفسك وتحاول أن تغوص في عواطف النساء وتخرج لنا من ذلك هذه الدرر الشعرية الرقيقة .
أقول تحاول ... وإلا فالمرأة بحر لجيّ فيه تتلاطم العواطف كالعواصف ، فتعصف بالرجال كما يعصف الموج الهادر بالسابحين .
حاولت أن أحنف بوصلتك عن هذا الخط الأعوج ، ألم تخلق المرأة من ضلع أعوج ؟
حاولتُ .... ووعدتَ ، ولكنك بقيت شاعراً عاطفياً لأنك خلقت كذلك، وسرت في درب أولئك الشعراء المشاهير في تاريخ الشعر العربي الذين اتخذوا الغزل منهجاً وأسلوباً وهدفاً ؛ امرؤ القيس ، عمر بن أبي ربيعة ، العرجي، قيس المجنون بليلى ، جميل بن معمر صاحب بثينة، كثير الخزاعي صاحب عزة، أحمد رامي من المعاصرين ... وأسألك : هل تستطيع أن تقول : أحمد رامي صاحب أم كلثوم ؟!
لقد اشتهر من بين كل شعراء العربية قيس وصاحبته ليلى، وأصبحت ليلى رمزاً لكل محبوبة، حتى إنهم قالوا : لكل شاعر غزل ليلاه ، فمن ليلاك يا شاعر الوجدان ؟
لو عرفك الناس معرفتي بك لعرفوا ليلاك ، الشاعرة المؤمنة التي رافقت مسيرة حياتك واقتبست منك حب الشعر حتى نظمته، ولكنها نظمته إيماناً وصوفية رقيقة ومناجاة سامية للرسول الذي كانت تهفو إلى زيارته فأبدعت قصائدها في حبه ومناجاته .
استشف أنا في أعماق قصائدك عاطفة فوارة، ولكن يخفي هذه العاطفة هدوء وسكون ، ولعلهما هما اللذان يقفان دون تفجير هذا الفوران الذي تمور به نفسك .
أخي الشاعر المبدع ، عبد الخالق فريد، أنت اليوم فريد العراق في فن الغزل ، وإن كان العراق يغرق الآن في ( فن الفوضى) ألم يقل أعداؤنا إن لهم سياسة في إدارة العراق يسمونها ( الفوضى الخلاقة) ، وهي الفوضى التي تسيل دماء العراقيين أنهاراً في الشوارع ، ولعلك تذكر أن التتار قد أسالوا الفرات بأحبار الكتب التي أحرقوها وألقوها فيه، أما أصحاب الفوضى الخلاقة فقد أسالوا الفرات بدماء العراقيين ...
وللحديث شجون .... وما أخرجني من الحديث عن غزلك إلا هذه الشجون العراقية .
عبد الخالق فريد شاعر العواطف .... نعم إنك يا أخي كذلك، ويؤكد ما أقول ديوانك الأخير الذي ملأته غزلاً وأنت تدلف إلى الثمانين .
أخي الشاعر العراقي الصديق ..... سلام عليك .... وسلام على العراق الجريح .