ليتك تشفى حبيبي

إيمان شراب

[email protected]

إذا اغْتَسل، الحمامُ بعدَه يصبح كبُحَيْرة ! وإذا أراد أن يرتدي شيئًا، تنهار الملابس كلُّها على الأرْض! وإذا استعمل الحاسوب، فأجهزة كثيرةٌ تعمل، وأسلاك متشابِكة تجاهد؛ لتظلَّ موصلاً جيِّدًا كما هو معروف عنها، أما طقم فناجين القهوة، فبأكْمله ينتشر في كلِّ زوايا الغرفة، والوسائد مقلوبة تنتظر مَن يرفع الإهانةَ عنها، ويُعيدها إلى مكانتها المرمُوقة على مقاعِدها !  

وكلَّ يوم أنظِّم ما أَفْسَده محمَّد في صمْتٍ غاضِب أحيانًا ، وقد أفعل وأنا أُتمتِم لأسمعَه ، وربما اعترضتُ بشكل مباشِر وموجَّه أحيانًا.

أمَّا العَجَب، فعندما أرْكب سيارته فأَجِدُني أجلس فوقَ أكوام من الورق، فيُفاجئني: انتظري يا أمِّي من فضلك ، فقد جلستِ فوقَ العِلْم !

فأقول: وأين أجلس يا بني ، فالمقاعِدُ كلها مفروشة بالكُتُب والعلم ؟! لِمَ لا تُنظِّم سيارتك يا حبيبي ؟ إذا عزمتَ لن يأخذَ منك الأمر سوى رُبُعِ ساعة لا أكثر.

فيهزُّ رأسه موافقًا ، ويُسكِّتني بعَذْب كلامه : أبْشِري يا أمِّي الحلوة ، لا أدري عندما تُزوِّجينني ، هل سيكون نصيبي زوجةً منظِّمة مثلك ؟ لا أعتقد، فأنت المرأة الأكثر نظافةً ونِظامًا، وجمالاً وذكاءً، فأضحك وأهزُّ رأسي ؛ عجبًا من قدرته على امتصاصِ غضبي !

وأُجيبه: اسمع يا محمد، سأزوِّجك في أسرع وقت - إنْ شاء الله - اسألِ الله فقط أن يَهديَنا لعروس مناسبة ، ويبتسم ويقول: تُريدين أن ترتاحي مني؟ وأين أجِدُ مَن تتحمَّلني مثلك يا ستَّ الكل؟

ويتابع: على كلِّ حال، أقترح أن تَبْحثي لي عن عروس من أهمِّ مواصفاتها بَعْدَ الدِّين والجمال،، والعلم والذكاء والأدب، أن تكون مُحِبَّةً للفوْضى، ما رأيك يا أمِّي؟!

أبدًا لن يتغيَّر، هدَاه الله !

ازدادتْ هِمَّتي في البحث له عن ابنة الحلال، لعلِّي أرتاح من مسؤولياته ، ومِن فوضاه ، ومن أطنان الكُتب التي أثْقَل بها الجدران والرفوف ، والمقاعد والطاولات.

في إِحْدى ساعات ليلٍ قاس ، أيقظَنِي محمَّد ؛ ليشكوَ من حَكَّة غزَتْ كلَّ جسمه، لم تهدأْ ولم يهدِّئْها شيءٌ من الأدوية والوصفات التي وصفَها الأطباء.

ثم قرَّروا أن يبقَى في المشفى أيامًا للتحاليل والصور، وتوالتِ المفاجآت!

سيولة في الدَّم !

جَلْطة! جلْطة ؟! كيف وهو شابٌّ ؟! كيف وهو لم يُدخِّن قطُّ ؟!

وتدهورتْ حالته سريعًا ، فاشْتكى من آلام وتنميل في ذِراعيه ورِجليه ، ولم يعد قادرًا على المشي على إحْدى رِجْليه !

وبعد العشرات من التحاليل والصور، قرَّر الأطباء أنَّ مرَضه نادر، ولا يصيب إلا واحدًا في كل مائة ألف إلى المليون! جليان بري!

الله أكبر! مرَض ابني نادر، وهو المصاب مِن المليون، وقد يشفَى أو ربَّما يموت !

لم تتحسَّنْ حالُه قطُّ بعد جميع العلاجات ! بل ازدادتْ سوءًا ، فلم يعد قادرًا على المشي نهائيًّا ، وجلس على كرسيٍّ بعجلات، ولم يكن قادرًا على دفْعه ، فآلام يديه ورِجليه أعجزتاه عن ذلك وحرَمَتاه النوم .

يئس الأطباء، ونصحونا بإحضارِ شيخ؛ ليقرأَ عليه !

ومَن قال: إنَّنا كففْنا عن قراءة القرآن والدعاء له ؟! وكنت أتساءَل: لماذا يَبكي عندما نَقرأ عليه؟ ولماذا ينتفض أحيانًا؟

جاء الشيْخ، فقرأ عليه، وسمعتُ أصوات آلامه ، لم يتحمَّلْ والده ولا إخوته المنظر، وسمعتُ من حُجرة مجاورة أصواتَ نحيبهم.

لماذا يبكون؟ الرِّجال يبكون؟! يا ويلي! ماذا حدَث لولدي؟ ماذا حدَث لحبيبي؟

وجاءتْني الأخبارُ سريعًا قبل أن أهجُمَ عليهم : إنَّه مسحور!!

سحور! مَن الذي سحَره؟ إنه شابٌّ متديِّن، عذْب الأخلاق، مَن يكرهه؟

مَن يَكيد له؟ ألهذه الدرجة يَصِل الحقدُ بالناس، إلى السِّحْر؟!

ودخلْنا في مرحلة أخرى، وطريقة أخرى للعلاج: قراءة مستمرَّة للقرآن، ورُقية شرعية ، ودهْن بزيت مقروء عليه ، واغْتسال بماء السِّدْر، وماء زمزم، ووو.........!

والألَم يشتدُّ ولا يخِفُّ إلا بالمورفين، والنوم لا يحصُل إلا بمنوِّمات.

ولَدِي أمامي يتلوَّى مِن شدَّة الألم ، فلا أملك ولا نملك إلا الدعاءَ ، والتضرُّعَ والقرآن.

ناجيتُ الله بأسمائه وصفاته، وعرَفتُ معانيَها ، فهو الكريم الذي سيُكرمني بشِفاء ولدي ، وهو الرحمن الرحيم الذي سيرحم ولدي ، وهو السميع الذي يسمع دعاءَنا ويرفع عن ولدي، وهو القادر القهَّار القوي العظيم الذي سيقهر آلامَ ولدي وأوجاعه، وهو الشافي الحنَّان المنَّان.

وأعجب ما في الأمر أنَّ أملَه في الله بالشفاء يُعطيني الأمل ، وصَبْره العظيم يقوِّيني ، وابتسامته ترسم ابتسامةً على وجهي رغمًا عني ، وحديثه القيِّم العَذْب يَزيدني يقينًا في الله بشفائه.

ليتَك تشفى يا حبيبي، ولتشعلِ الفوضى في البيت كلِّه، فلن أزعِجَك باعتراضي !

لا تنظِّفْ سيارتك ولا تنظِّمها ، لن أهتمَّ !

انشرِ البيتَ كلَّه بالحواسيب والأسلاك ، لن أكترِثَ !

لينهدم البيت رأسًا على عقِب ، سأحتمِل كلَّ الفوضى !

ليتك تشفى حبيبي ، وتسير على قدميك ، وتعود يداك كما كانتَا تعزف بهما على الحروف والكلمات ، فتكتبانِ المقالاتِ والقصائدَ الرائعة.

ربِّ، إنَّ ابني محمدًا قد مسَّه الضُّـرُّ شهورًا، وأنت أرحم الرَّاحمين.