الأخ أبو فاتح ياقتي في ذمة الله
الأخ أبو فاتح ياقتي في ذمة الله
د. محمد ناجي الصافي
زارني في ثالث أيام عيد الفطر السعيد الأخ المرحوم أبو فاتح ياقتي وكنت جارا له نتزاور بين الحين والآخر ،ونلتقي في المسجد وخاصة في صلاة الصبح وكنت أنعم بسلامه المحبب وبابتسامته الهادئة وبكلمات أخوية قريبة من النفس والقلب تناسب أجواء اللقاء السريع في المسجد أما زيارة العيد فكان لها طعم خاص بها، جرى فيها نقاش حول وضعنا في سورية ومستقبل العلاقة مع النظام، وسمعت منه كلاما حريصا ومسؤلا وغيورا ،وقد أشار في بعض ما تفضل به أن الأخوان الذين خرجوا من سورية شبابا في عام 1980 وما بعدها تملؤهم الحماسة وتشغلهم المبادئ والقيم ويؤرقهم الظلم الذي حاق بهم ،وقد غصت بهم المعتقلات ،وذاقوا ويلات التعذيب فلهم بعض الحق في خروجهم عن النظام وانسياحهم في الأقطار ،أما الآن أصبحوا شيوخا وأنا واحد منهم (يقصد هو)شاب الشعر ودب في الأوصال المرض ووهن العظم وأرهق القلب .....فماذا بعد أيها الأخوان ،فقد مضى على غربتنا ثلاثون عاما ،طوفنا في ساحات عدة ومارسنا أعمالا شتى ،ما هي طلباتكم ماذا تريدون ، ما هي شروطكم لمعالجة هذه الأزمة .وامتتد الحديث لساعات طوال وشارك فيه الأخوة زوار العيد وطرحت العديد من الأفكار الموافقة والمعاندة ،وكان مما طرح في هذه الجلسة أنه ليس في بنية النظام أن يحل المشكلة بيننا وبينه ولكن المستقبل لصالحنا ،ونحن أبناء البلد ونشكل سواده الأصيل ،وأفكارنا هي السائدة والباقية فيه رغم الاضطهاد والظلم ،وأن الأغلبية هي صاحبة المستقبل في بلادنا وأن مهما طال الزمن فدورة التاريخ تدور لصالحنا ولا مكان في بلدنا للأقليات المتسلقة والمتسلطة .
وانتقلت الجلسة إلى بيته في المساء ،وضمتنا جلسة أخرى هادئه واستمر الحديث ،فقال يا أخي أليس لديكم ما تقولونه غير الكلام الضبابي الذي لا يقنع الآخرين وأنا واحد منكم فقلت يا أبا فاتح أنت تعلم نحن لنا أخوة كبار يفكرون في مصلحتنا ومصلحة البلد وما يقررون نرضى به وقد طلب هؤلاء الفضلاء في الماضي معالجة القضايا الإنسانية فهي مفتاح الحل بيننا وبين النظام ،فهل يناسبنا أي حل دون إلغاء القانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل منتسب لهذه الجماعة ولا زال ساري المفعول ،هذا الكم الهائل من المهجرين وأولادهم وأحفادهم اليس له من حل ،هذه الإعدامات التي نفذت في سجن تدمر وغيره من السجون السورية ألا يبلغ أهلهم لتسوى أوضاعهم المدنية هذا بعض ما نريده من حل للمشكلات والمعضلات الإنسانية ،عرضت كلها على النظام ولم يعر هذه المشكلات اهتماما ولم يجد لها حلا ،وغض النظر عنها حتى الآن فقال هذه بدهيات ولا بد من معالجتها ،ويبدو أن الأمل لنا في العودة إلى بلدنا في ظل هذا النظام، والأمل أن يفسح لنا مكانا لقبر يضمنا بعد فوات الأوان
وقد نزل الأخ إلى سورية بعد أن صلى عليه إخوانه في مسجد زكي أبو عيد في المدينة الرياضية الذي كنا نلتقي فيه معه والذي كان دائم التردد عليه ودعناه وقد حمله ذووه إلى سورية الساعة الرابعة مساءبعد العصر والحسرة تملؤ قلوبنا وقلوب محبييه على فقده ووداعه وقد لبث في الحدود السورية بضع ساعات رغم أن أوراق نزوله جاهزة مسبقا وسمعت أنهم دفنوه في قبر أمه التي فارقته منذ ثلاثين عاما والتقييا معا في قبر واحد ،وكانت أمه في حياتها امرأة صالحة أكرمها الله في جوار ابنها الحبيب بعد عشرين عاما من وفاتها .
نسأل الله لهما الرحمة والغفران
والعزاء الجميل موصول إلى أولاده وأخوانه في الأردن فقد خطفه الموت فجأة من بينهم فحزنوا وتأثروا لفقده وقد كان قبل وفاته بساعات قليلة يصلي العصر في المسجد ذاته وبعد المغرب سلم روحه إلى بارئها دون عناء ومقدمات ،رحم الله أبا فاتح وأسكنه فسيح جناته مع محمد وصحبه من الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا وإلى أخوان حلب جميعا الذين التقينا بهم في مجلس العزاء الذي يليق بالفقيد العزيز ومما يجدر ذكره بهذه المناسبة الأليمة أن هذا المجلس امتد ليتسع أكثر من عزاء فقد قبل الأخوان العزاء بالأخ الغالي أبي أدهم الذي توفي في اسطنبول وتحدث الخطباء عن الفقيدين وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله .