شُكر وعِرفان
فيصل بن محمد الحجي
في جلسة أخوية هادئة حدثني الشيخ عبد الله الخلف عن صديقه الأثير الأستاذ صالح التويجري ،وما يتحلى به هذا الرجل الفاضل من الحرص على العمل الجاد المثمر ، ووضوح الرسالة ، ودقة الهدف ، وسرعة الإنجاز ، مع حُسن في الخلق و أمانة و إخلاص نحسبه عليها ....! كان الحديث شائقاً يبعث على التفاؤل ، وضعوا- أيها الإخوة - تحت كلمة (التفاؤل) عدّة خطوط حمراء لأهمّيته عندي ، فأنا عندي إحساس مُزمِن بالمرارة من استمرار تخلف العرب خاصّة والمسلمين عامّة ، فهذه دول شرق آسيا التي كان كثير من شعوبها إلى وقت قريب من سكان الغابات و مع ذلك تقدّمت و صارت تسمّى نمور آسيا ، لنبقى نحن نِيام آسيا أو سلاحف آسيا مع وجود الكم الهائل من المدارس والمعاهد و الجامعات منذ قرن من الزمان التي يتحوّل مُعظم خِرِّيجيها إلى جيش من الموظفين ، و من أبى إلاّ الإبداع ذهب إلى بلاد الغرب ليُسهمَ في دعم الحضارة الغربية ، ولنبقى نحن أمّة ً صامدة في خندق التخلف ، زاهدة بالصناعة و الاختراعات ، قانعة بالاستيراد و الاستهلاك ، أجل ! كان حديث الشيخ عبد الله الخلف عن صديقه الأستاذ صالح التويجري شائقاً يبعث على التفاؤل حين أخذ يشرح الخطوات العملية الجريئة التي كان يطبقها في مجال التعليم ومنها افتتاح مدارس حكومية خاصّة بالموهوبين ( ثمّ أراني الشيخ خطاباً جاءه من الأستاذ صالح التويجري بمناسبة إحالته على التقاعد )، وفيه يودِّع الشيخ عبد الله وداعاً مؤثراً ويثني عليه ثناءً عاطراً ، لو كان هذا الثناء موجّها إلى الشيخ عبد الله من أمثالي لكان كلاماً عاديّاً و مألوفاً ، أمّا أن يكون موجّهاً من الأستاذ صالح بعد ما عرفنا من صفاته ما عرفنا ، فذلك تفضُّل من أهل الفضل ، ثمّ التفت إلي الشيخ عبد الله ناظراً و كأنه يخاطب فيّ ما عرفه من عادتي في قول الشعر ، أجل ! التفت إليّ و كأنه يقول : ماذا تقول يا أبا أنس في الأستاذ صالح ، فعرفتُ عندئذٍ أنني لن أقول شيئاً ....! و لكن صفات الأستاذ صالح هي التي سوف تتكلم :
لولا الصوت ما عُرف الصدى ؟ و لولا نور الشمس لكان القمر جرماً مُظلماً لا يعرفه أحد و لا يذكره أحد ؟ و ما قيمة المفضول بلا فضائل أهل الفضل ؟ ومن يستطيع أن يُجاري الجواد حين يخلع ثوب الفضل ليُلبسه مَن لا يستحقه ؟
يـا مَـنْ يُـكرِّمُني بحُسْن ِ صِفاتٍ يُـضْـفـي عَليَّ مِنَ الثناءِ تكرُّماً يـا نـاظِـرَ الـمِرْآةِ يَرْقبُ وَجْهَهُ مِـنْ جُـودِهِ زانَ الـجَمِيعَ بجَودِهِ يـا رائِداً في الفضْل ِ يَرْفعُ رايَة ً يـا رائِـداً فـي العِلم ِ أفنى عُمْرَهُ يا مَنْ أضاءَ رُبا ( القصِيم ِ) بنهْضَةٍ فـزَهـا بـها الإبداعُ حِينَ مَنحْتها وَ رَأى بها ( المَوْهوبُ ) ظِلَّ عِنايَةٍ مَـنحَته ُ أسْرارَ العُلوم ِ وَ نشَّطتْ وَ مَشى بهِ قبَسُ الطمُوح ِ إلى العُلا وَ نمَتْ بُذورُ الخيْر ِ حِينَ زَرَعْتها وَ تـفـتـحتْ أزْهارُ جُهدٍ صالِح ٍ قـدْ كـنـتَ لِلأجْيال ِ أفضلَ قدْوَةٍ أنـى لـهمْ في الخيْر ِ إلاّ (صالِحا) وَ هـوَ (التوَيْجرُ) فاقَ كلَّ مُتاجر ٍ أنـا واثِـقٌ أنّ ( التقاعُدَ ) خطوَة ٌ فـالرَّاحَة ُ العظمى لدَيْكَ هِيَ العَنا الـفـخـرُ أدْنـى ما نحِسُّ بهِ إذا لـكَ في صَميم ِ القلبِ نبْضُ مَحَبَّةٍ لـمّـا عَـجزْتُ عَن ِ الوَفاءِ بحَقهِ يـا رَبَّـنـا احْفظهُ وَ سَدِّدْ خطوَهُ لِـيَـنـالَ فـي دُنياهُ فيْضَ سَعادَةٍ | مُـتـفـضـلاً مِـنْ ذاتِهِ في لِـيَـزيـدَ مِـنْ حَـسَناتِهِ حَسَناتي فـيَـخـالُ بَـرْقَ سِماتِهِ قسَماتِي حَـتـى أعـارَ الـجُـودَ لِلمِرْآةِ ! فـمَـشَـتْ تـلِيْهِ قوافِلُ الرّاياتِ فـي نـشْرهِ في السِّهْل وَ الفلواتِ عِـلـمِـيَّـةٍ وَثـابَـةِ الخطواتِ كُـلَّ الـجُـهـودِ بـهمَّةٍ وَ ثباتِ صَـعَـدَتْ بـهِ لِشَوامِخ الدّرجات تـفـكـيـرَهُ في صُنع مُخترعاتِ لِـيَـنـالَ فـيـهـا أنبَلَ الغاياتِ بـرعـايَـةِ الـمَـأثور وَ الآياتِ لِـنـرى البَشَائِرَ في الزّمان الآتي بـالـجـدِّ وَ الإخلاص وَ الإخباتِ يَـنـبُـوع خـيْـر دافِق كفراتِ فـي الخيْرِ.. يَعْقِدُ أرْبَحَ الصًّفقاتِ لِـمُـهمَّةٍ أُخرى .. بغيْر سُباتِ(1) فـي طـاعَةِ المَوْلى مَعَ الطاعاتِ أحْـصَـيْـتُ أعْـمالاً وَ مُبتكراتٍ تـشْـدو بـكلِّ جَوانِحي وَ جهاتي بـادَرْتُ لِـلإكـثـار في الدَّعَواتِ وَ لـسَـوْفَ أدْعُو اللهَ طولَ حَياتي وَ يَِـنـالَ في الأُخرى رُبا الجَناتِ | ذاتي
1) السُّبات : الراحة