الدكتور شاكر الفحام وذكريات طالب

الدكتور شاكر الفحام وذكريات طالب

خليل الصمادي

[email protected]

عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ الرياض

تعود بي الذكرى في معرفة الدكتور شاكر الفحام إلى عام 1976 يوم كان وزير للتربية في سورية يومها قرأت اسمه موشحا على قرار تخرجي في دار المعلمين ، ظل هذا الاسم عالقا في ذاكرتي حتى دخولي جامعة دمشق ففي السنة الثالثة أدرج اسمه ضمن أساتذة السنة لتدريس الأدب الأندلسي.

في الحقيقية ولم أرتح كثيرًا فظننت في بادئ الأمر أنه من السياسيين المتقاعدين الذين يحبون أن يشغلوا أنفسهم  بعد الخروج من الوزارة بإعطاء بعض الساعات في الجامعة كنوع من التسلية أو ملء الفراغ، ولكن يبدو أن هذه النظرة تغيرت من المحاضرة الأولى إذ أيقنت أنني ظلمت الرجل، وفي المحاضرة الثانية والثالثة وما بعدهما عرفت أن الرجل عالم كبير يستحق أن يتربع على عرش الجامعة وأنه فحل من فحول اللغة والأدب ، كان يجول فينا وكأننا نعيش في الأندلس مع ابن حزم الظاهري وابن دراج القسطلي وابن زيدون وغيرهم ، كان يرحمه الله يمتاز بأسلوب متميز في محاضراته يشارك الطلاب ويسألهم ويتفاعل معهم ويشجعهم على القراءة والتبحر في العلم.

ازداد إعجابي بالرجل يوما بعد يوم ونقلت الصورة للوالد الكريم ، فطلب مني أن يعطيني ترجمة للمرحوم العلامة الهندي المجمعي عبد العزيز الميمني الراجكوتي ويومها سمعت بهذا الاسم لأول مرة وحتى لا أنساه كتبته على كراستي ، وبعد محاضرة الأستاذ الفحام قلت له الوالد يسألك عن ترجمة للميمني ، فسر أشد السرور واهتم بالأمر كثيرا وصار يسألني عن الوالد واهتماماته وكأنه استغرب أن يسأل عن أحد علماء الهند ، وفعلا في اليوم التالي أحضر لي عددا من مجلة مجمع اللغة العربية خصص عن حياة الشيخ الميمني ، وبعد أن اطلعت على العدد عرفت مكانة الأستاذ الفحام الذي كتب قي هذا العدد عن الشيخ ما يسر محبي العربية كما أنني عرفت أن في الهند رجالا بحبون العربية أكثر من العرب أنفسهم أخلصوا لها وأنشؤوا الكليات العربية وأسسوا مجمعا للغة العربية وغيرها .

.تحرج في جامعة دمشق وظلت ذكريات الأستاذ الفحام لا تفارقني وكأن أرواحنا جنود مجندة فالتقيت معه عدة لقاءات واحدة بموعد والباقي بمحض الصدف.

فالذي بموعد أظن أنه عام 1988 بومها قرأت في الصحف أن الأستاذ الفحام استحق جائزة الملك فيصل عن الدراسات الأدبية فاتصلت بفندق الخزامى بالرياض وتكلمت معه وأخذت موعدا للقائه وكانت فرحة الأستاذ الفحام لا توصف مع أصحابه وأحبابه بالرياض، وأما لقاءات الصدف فكثيرة ، أذكر منها واحدة في صيف 1984 قرب وزارة الثقافة بدمشق وكنت مع والدي فسلمنا عليه وقلت له هذا هو الوالد الذي طلب تر جمة للشيخ عبد العزيز الميمني فسر كثيرا وأخذا يتحدثان في الطريق عن مآثر الرجل وفضله ، وتبع ذلك بعد أعوام عدة لقاءات إحداها قرب جامعة دمشق ومرة في المزة ومرة في أبي رمانة، ولم أنس اللقاء الذي تم في الرياض أظن عام 1992 يومها كنت أستمع إلى خطبة الجمعة في جامع العز بن عبد السلام بحي السليمانية  فنظرت يميني فإذا الأستاذ الفحام ، قلت في نفسي لعله شبيه الرجل فما الذي سيأتي بالدكتور الفحام إلى هنا؟ انتظرت بعد الصلاة فأقبلت عليه ولما تأكدت منه أقبلت عليه مسلما ومرحبا وسألته عن سبب حضوره للرياض فقال لزيارة الشيخ حمد الجاسر ، حاولت دعوته للبيت فقال أنني انتظر سائق الشيخ حمد فإن لم يأت سأزورك، فدعوت الله ألا يحضر سائق الشيخ حتى أتبارك بزيارته، ولكن خاب ظني فما هي إلا دقائق وإلا سائق الشيخ حمد الجاسر يحضر ويخطف الأستاذ ، لكنه أعطاني عنوانه في الفندق فزرته مساء واستمتعت بحديثه العذب.

بعد هذه الذكريات التي أعادتني إلى أكثرمن ربع قرن يرحل الأستاذ العلامة تاركا وراءه علما غزيرا وكتبا مفيدة وقبل ذلك ترك أثرا حميدا في أخلاقه الطيبة فلم يبخل على طلابه بأي مرجع أو مصدر أو فائدة ، وكان رحمه الله يبعث روح الحماسة في طلابه يشجعهم على البحث وأصوله ، تتلمذ على كبار علماء العربية أمثال أبي فهر محمود محمد شاكر وصحب كبار العلماء في مصر وسورية والسعودية .

يرحل الأستاذ الفحام رئيس مجمع اللغة العربية ولم بذكر رحيله إلا بعض وسائل الإعلام على استحياء ، ولو أن الراحل لاعبا أو مطربا لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، يرحل الأستاذ الفحام أو يترجل في عصر كثر  فيه الهرج والمرج ، وفي زمن ضاع فيه الكبار ولا سيما إن كانوا من محبي اللغة والأدب .

رحمك الله يا أستاذنا فكم من أياد بيضاء لك في أعناق طلابك الذين أظن أن أكثرهم لم يدر إلى اليوم بوفاتك كما حصل معي فلم أعلم بالخبر إلا قبل ساعتين.