أخي الراحل أبا عامر

د. منير محمد الغضبان

عدنان سعد الدين رحمه الله

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية

د. منير محمد الغضبان *

[email protected]

لقد فوجئت برحيلك عن هذه الدنيا بعد عدة أيام ، فما تمالكت أن أمسكت القلم لأسجل ما في نفسي عنك ، طبت حيا وميتا إن شاء الله .

1-لا بد من العودة ثلاثين عاما إلى الخلف في أول لقاء لي معك . وأنت في موقع القيادة العليا للجماعة . وكلانا أعجب بالآخر والذي يدعوني إلى هذه الذكرى هو إعادة الفضل لأهله . فأنت من رشحتني لمواقع القيادة المتنوعة في الجماعة . وأنت الذي قدمتني لها . وعرفتني قيادة الجماعة آنذاك من ترشيحك لي .و تزكيتك لي . بعد أن أقنعتني بالتفرغ للعمل لها . وأُخذ بتزكيتك لأكون مع إخواني في القيادة. والله يعلم لولا تلك التزكية لبقيت في الصفوف الخلفية لا يدري عني أحد - والله أعلم أي ذلك خير- وأحس من واجبي ومن الدين في عنقي أن أعترف بهذا الفضل لك .

ولن أتحدث لإخوانك عن فضلك ، فهم أعلم مني بك ، لكني أحرص على أن أسجل هذه المعاني التي أنا أعرف الناس بها من غيري . والتي هي حبيسة بين وبين ذاتي .

2- لقد حلمتُ قبل الانضمام للعمل مع إخواني المتفرقين أن لا أنضم إليهم إلا وهم مجتمعون ويشهد الله أنك لم ترض أو تحبذ فقط هذا الحرص ، بل دفعتني إليه بكل ما تملك من طاقة وتكللت المساعي بالنجاح . وتمت وحدة الجماعة في بداية الثمانينيات في جماعة واحدة ، وهذا ما لا يمكن أن أنساه لك ، واسأل الله تعالى أن يكون في صحيفة حسناتك .

3- ولا أزال أذكر تلك الخلوة الخاصة ، وقد بلغت قضية وحدة الجماعة عنق الزجاجة ، واستشرتني ماذا نفعل ؟ وقلت : لا شيء يعلو وحدة الجماعة . وقلت على بركة الله ، وتحملت مسوؤلية القرار آنذاك ، لقد كنت رجلا في الساعة العصيبة ، التي يفقد فيها الرجال أعصابهم وتجاوزنا الأزمة ، وأعلنا تلك الوحدة التاريخية .

4- ومر الزمن والتقينا ، وافترقنا ، واتفقنا واختلفنا ، وهذه طبيعة العمل فليس الرجال نسخة واحدة ولكن الشيء الذي تميزت به هو أنك لم تقطع حبل الود بيني وبينك ، فكنت أحس في كل لحظة أن الباب مفتوح ، لأصله بك بعد أن افترقت بنا الطريق لفترة مؤقتة ومن واجبي أن أعترف أن أكثر الأحيان كانت المبادرة لك ، في الصلة والحوار والتشاور ، أسبغ الله عليك شآبيب رحمته .

4- وفي لحظة عاصفة عاتية من تاريخ الجماعة ، حيث كان مصير بعص الإخوان مرهونا لديك فأخذت بتلابيبك قائلا : يا أبا عامر لا أعرف أحدا ينقذ هذا الأخ غيرك ، رغم شديد بعدك عنه ، وقلت لك : أنا أكلم الرجال والرجال في اللحظات التاريخية قليلون .. أريده منك .

ولم يمر أسبوع بعد عهدك لي بذلك إلا وكان الأخ مفرجا عنه يتنعم بالأمن بين إخوانه. .

فرج الله كربتك يوم القيامة كما فرجت كربته .

5- ولقد أتاحت لك عزلتك عن العمل العام حينا من الدهر ، أن تفرغت لذاتك ، وكتبت في أمور التربية النفسية والروحية للأمة ، ما لم يوجد في صفوف الجماعة إلا عندك وعند أخويك الراحلين الشيخ أبي زاهد عبد الفتاح أبي غدة ، والشيخ الرائد سعيد حوى ، ومن كتب بعدكم في هذا المجال في الصف الإخواني فهو عوال عليكم ، أسبغ الله عليكم جميعا فيوض رحمته ورضوانه .

6- وانتقلت من العمل الحركي إلى العمل الفكري ، وكتبت في البعد الإنساني للإسلام , وهو الجانب الذي نفتقر إليه في تقديم رسالة الإسلام للبشرية ، وتحاورت مع أكبر فلاسفة هذا العصر – روجية غارودي- وكنت قمة لا تبارى .

7- وحققت حلمك الأكبر ،و لم توافك المنية إلا وقد قدمت للأمة وللجماعة مذكراتك فهي تاريخك ، وهي تاريخ الجماعة ، وهي تاريخ البلد الحبيب سورية ، في خمسة أجزاء غنية بالكنوز والثروات ن ولن توجد إلا عندك لأن الكثير منها صفحات مخفية أنت الذي عاينتها وأنت الذي سطرت تاريخها مع إخوانك العاملين معك .

8- وبقي حنينك إلى العمل العام في خلجات قلبك ، وتخشى أن توافيك المنية وأنت لست جنديا في صف الإخوان المسلمين في سورية ، وحقق إخوانك حلمك على غير طلب منك وعدت إلى قلوب وصدور إخوانك ومحضنك العظيم . وساهمت على رغم شيخوختك ومرضك العضال في الحضور لمجلس الشورى الذي هو حق دائم لك بصفتك مراقبا عاما سابقا للإخوان المسلمين .

9- ولا أدل على ذلك من حضورك الجلسة الأخيرة لمجلس شورى الجماعة ، وظني أنك قد حققت حلمك في القيادة الجديدة للجماعة . وقبل ساعات من موافاة الأجل المحتوم . ( فإذا جاء أجلهم فلا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون )

10- ويشهد الله ما علمت بالوفاة إلا متأخرا جدا فقد كنت بعيداً عن وسائل الإعلام والقنوات الفضائية حتى جاءني هاتف من أهلي وأنا في الجزائر ، أن الأخ عدنان سعد الدين قد وافته المنية بعد ساعتين من قدومه من سفره وبعد حضوره لمجلس شورى الجماعة .

نم قرير العين ، وكأني أرى أحلامك في دنياك قد تحققت إلا حلم العودة للوطن الحبيب في عزة وكرامة وسيادة لشريعة الله ، والذي حال الطغاة بيننا وبينه ، وأرجو الله تعالى أن يكون قد حقق لك آخر أحلامك بدخول جنة الخلد ،، غفر الله لك ذنبك وأجزل مثوبتك وحشرك مع الشهداء والأنبياء والصالحين ، تحت راية سيد المرسلين ، وجبر الله مصيبة الجماعة بفقدانك ،، وإنا لله وإنا إليه راجعون ،،

أخوك أبو عامر

د.منير محمد الغضبان

               

* باحث إسلامي سوري