مرثية للشاعر كمال رشيد
مرثية للشاعر كمال رشيد
د. كمال رشيد رحمه الله
أ.د.عماد الدين خليل
في عام 1990 اسعدني ان يطلب مني الاخ الاديب الشاعر كمال رشيد كتابة مقدمة لديوانه(القدس في العيون)
قبلها كنت قد تعرفت على ابنه(بلال)طالبا بقسم اللغة العربية في كلية اداب جامعة صلاح الدين في اربيل يوم كنت ادرس فيها.لفت نظري اتزانه الملحوظ واخلاقه العالية وتوقه الملهوف لان يوظف الكلمة في خدمة الايمان،تماما كما فعل ابوه
من بلال نفسه بعدما يقرب من العشرين عاما تلقيت النبأ المفجع بوفاة ابيه..كان النبأ نصلا حادا اخترق على حين غفلة جملتي العصبية ورشقني بدفقات من الحزن العميق..تماما كما حدث مع داود معلا ومحمد الحسناوي والكيلاني والاميري قبله
اعرف ابا بلال جيدا..التقيته مرارا في عمان..وقضيت في داره هناك بصحبة ثلة من الاخوة الادباء والشعراء..ساعات طيبة تكررت في معظم الزيارات
الان يخبرني بلال انه غاب،فماالذي استطيع ان اقول وسيال التداعيات ينهمر علي كالمطر قبالة لحظة الموت التي تسدل الستار على مسرحية الحياة
كلنا ممثلون عابرون..ظلال عابرة..تتحرك مسرعة على شاشة الزمان..تملك طولا وعرضا ولكنها لاتملك عمقا تستحق من اجله البقاء
الحياة الحقيقية المكثفة ذات العمق..(الحيوان)بالتعبير القراني هي هناك في الاخرة..اما هنا في(الدنيا)ولننتبه الى دلالة الكلمة كي لا يضيعنا الامل الكاذب والغرور..فما نحن سوى ممثلين عابرين في مسرح رخيص
والرجل الرجل من ياخذ معه الزاد الذي يعينه على رحلة العبور الصعبة بين الحياة والموت..وبين الارض والسماء..وبين الدنيا والاخرة
واقول في نفسي محاولا الخروج من دائرة الحزن..التحرر من ضغطه القاسي:نحن بالمنحة الايمانية التي اعطانا الله اياها،نفرح بالموت مرتين..مرة لانه ينقلنا من ضيق الدنيا الى سعة الملكوت..ومرة لاننا اذا كنا قد قلنا شيئا..كتبنا كلمات اريد لها ان تسبح بحمد الله وتنتصر لشريعته في الارض،فان حياة اخرى تنتظرنا،اكثر كثافة وعمقا وحضورا وامتدادا من حياتنا الاولى
انت يا ابا بلال ومعك الكيلاني ومعلا والحسناوي والاميري وكل ادباء الاسلامية الذين رحلوا حاضر بكلماتك..الان وعبر كل الازمان القادمة وخاطئ من يقول انك مت،فما انت بميت وشجرتك الطيبة تتجذر في الارض وتوغل بفروعها في السماء
لقد بدأت رحلتك الطويلة،المترعة خصبا وعطاء،باسم الله..وها انت ذا تنتهي اليه،فما تلبث كلماتك ان تنهض قائمة لكي ترفع الينا مع فجر كل يوم قادم،خطابها الايماني الوضئ.