قصّة القصّة: "عرس الشّهيد"

ميزوني محمد البنّاني

قصّة القصّة: "عرس الشّهيد"

أو "سهام ذهني" بين الفنّ و الواقع

ميزوني محمد البنّاني

[email protected]

الأخت الفاضلة: سهام ذهني                

في البداية، عذرا عن تأخّري في الرّدّ على كلماتك الغالية التي تركتني أعيش أجمل اللّحظات و أعقدها، و تملّكت لساني، و عطّلت كلماتي، فاضطررت إلى ترك مسافة بيني و بين أهمّ حدث عشته هذه السّنة في مجال الكتابة. إنّه ردّك المفاجئ على قصّتي : " عرس الشّهيد" المنشورة ضمن منتدى " إنانا " الإلكتروني منذ تاريخ 24 مارس 2008 على السّاعة العاشرة و 22 دقيقة صباحا

 و قصّتي مع انتظار هذا الرّدّ الذي صنّفته منذ سنوات ضمن " انتظار الذي لا يأتي.. " بدأت منذ أكثر من سبع عشرة سنة ..

كنت وقتها خارجا من تجربة وجوديّة عكستها مجموعتي القصصيّة الأولى : " حمّى الأرض " الصّادرة عن دار النّورس بتونس سنة 1989 ، و على تخوم تجربة أخرى تتّصل بالالتزام و علاقة الكتابة بالجبهة و ميادين الصّراع العربي الصّهيوني و قضايا الرّاهن و المسكوت عنه و كنت أثناء ذلك أقرأ قصصا و روايات للمراسل الصّحفي و الكاتب العالمي المشهور : " أرنست همنغواي " أذكر منها : " وداعا للحرب – الشّيخ و البحر – لمن تقرع الأجراس – سيول الرّبيع " .

وهي أعمال كتب جلّها – إن لم نقل كلّها – من قلب المعارك و من داخل الخنادق ، وتحت طلعات الطّائرات المقاتلة ، و أصوات المدافع ، و رائحة الأجسام المتفحّمة .

وكنت، وقتها، أعثر بين الحين و الآخر على بعض الأصوات النّقديّة التي تتساءل: إلى متى سيضلّ الكتّاب العرب يكتبون عن المقاومة و الثّورة و الحرب من أفخم النّزل دون أن ينزلوا و لو مرّة واحدة إلى الجبهة مثل غيرهم من مشاهير الكتّاب في العالم.

وكانت الرّدود وقتها متباينة فمنها ما أيّد الفكرة وشدّد على ضرورة التحام الكاتب بالميدان ، ومنها ما رفض أن يكون النزول إلى الميدان شرطا من شروط كتابة المقاومة ، ومنها ما بيّن حاجة بعض الكتابات الملتزمة إلى الصّدق الفنّي و الجماليّة و الإلمام بتفاصيل المشهد ، و النّفاذ إلى نفسيّة الثّائر أو المقاوم أو المحارب و تعرّف الذّهنيّة التي يتحرّك وفقها ..

وكنت من بين الذين يميلون إلى الرّأي الأخير لذلك عملت أكثر على مزيد التّسلح بأدوات الكتابة الملتزمة ، و غوصا في نفسيات الشّخصيات المقاومة و الإلمام بتفاصيل الأماكن و جبهات الصّراع العربي الصّهيوني التي لم تكن نشرات الأخبار العربيّة ، وقتها ، قادرة مثل اليوم على تغطيتها ، وتصوير معاناة الشّعب العربي في فلسطين على المعابر و خلف الأسلاك الشّائكة ، فاستعضت عنها بمجموعة من كتب التّاريخ و الدّراسات و المجموعات القصصيّة و الشّعريّة و الرّوايات التي اقتنيتها خصّيصا للغرض نفسه أذكر جلّها :

" هذه هي الحرب " لـ : غاستون بوتول .

" تاريخ الفنون العسكريّة " لـ : فرنان شنيدد .

 " إيديولوجيات الحرب و السّلم " لـ أندريه كلوكان و كريستيان ديكان .

 " علم نفس المعركة الحديثة " لـ : مكسيم كوروبينيكوف .

 " العسكريّة العربيّة الإسلاميّة " لـ : اللّواء الرّكن : محمود شيت خطّاب .

 " السّلم و الحرب في الإسلام " لـ : الهاشمي الجمني .

 " الانتفاضة " لـ: صالح عوض.

 " الانتفاضة طريق التّحرير " لـ : محمّد يونس عمر .

 " أدب الحرب " لـ : د.نجاح العطّار و حنّا مينا .

 " أدب المقاومة في فلسطين المحتلّة ( 1948 – 1966 ) " لـ : غسّان كنفاني .

 " 88 يوما خلف متاريس " لـ : معين بسيسو .

 " شعر الحرب عند العرب " لـ : نوري حمّودي القيسي .

 " الأرض في شعر المقاومة الفلسطينيّة " لـ : د.مجمّد القاضي.

 " الشّعر في المعركة " لـ : حسن النّجّار .

 " ديوان إبراهيم طوقان "

 " مفكّرة عاشق: قصائد للقدس " لـ: هارون هاشم رشيد.

 " ثورة الحجارة " : شعر : هارون هاشم رشيد.

 " العصافير تموت في الجليل " : محمود درويش .

 " الثّورة في شعر محمود درويش " تأليف ياسين أحمد فاعور.

 " الحرب في القصّة العراقيّة " لـ : د.عمر محمّد الطّالب .

 " العشّاق " لـ: رشّاد أبو شاور.

 " حكاية النّاس و الحجارة " لـ: رشّاد أبو شاور.

 " آه يا بيروت ! " لـ: رشاد أبو شاور.

 " عائد و حفيظة " لـ : محمّد علي طه .

 " بوصلة من أجل عبّاد الشّمس " لـ : ليانة بدر .

 " كوشان و قصص أخرى " لـ : محمّد نفاع.

 " دفاعا عن الشّمس " لـ : حكم بلعاوي .

 " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النّحس : المتشائل " لـ : أميل حبيبي .

 " طريق العودة " لـ: يوسف السّباعي.

 " ابتسامة على شفتيه " لـ: يوسف السّباعي.

 " الرّصاصة لا تزال في جيبي " لـ : احسان عبد القدّس .

 وأذكر أنّ أحد أفراد العائلة تأمل هذه العناوين الحربيّة فخاطبني مازحا: هل أعلنت الحرب ؟ فرددت قائلا بنفس الرّوح المازحة : الحرب تصنع السّلام .

 وأفضت أولى مطالعاتي لمختارات من هذه الكتب إلى ولادة دراسة اخترت لها من العناوين:" أدب الحرب.. الحدود و الإشكاليات " ألقيتها سنة 1988 بدار الشباب بالقصرين أغضبت ، وقتها، اليمين و اليسار على حدّ السّواء ، ولم تجد بعدها سبيلا للنّشر لا في المجلاّت و لا في الصّحف و الملاحق الثقافيّة فتركتها جانبا وشرعت في بلورة ما تجمّع لدي من أفكار خلال مطالعتي لبعض الكتب السّابقة عن المعاناة اليوميّة للأسر الفلسطينيّة ، ومظاهر المقاومة للاحتلال الصّهيوني ، وجبهات الصّمود و الثّورة ، وتجلّيات الأوضاع الفريدة في العالم التي فرضها المحتلّ الغاصب على الأرض و الزّرع و الحجر و البشر .

 بعدها أخذت أبحث عن الشّخصيات المنشودة ، و أشكّل ملامحها و أتعرّف همومها على ضوء خصوصيات جبهات المقاومة ، و اليومي الفلسطيني المعيش و التّاريخ النّضالي للشّعب العربي في فلسطين .

 وخلال بحثي هذا وقع بين يدي العدد 382 من مجلّة " سيّدتي " ، وأثناء تصفّحي لها لفت انتباهي تحقيق صحفي ميداني مرفق بصور تبيّن بعدها أنّها لأمّهات شهداء أوتوبيس مفاعل ديمونة النّووي .

 أذكر ، وقتها ، و أنا أتأمّل تلك الصّور ، و أقرأ تفاصيل الأحداث أنني أحسست ّ بعذابات أمّهات الشهداء تنتقل إلي في " عدوى شعورية " كاسحة و بأنّي أعرف أمّ الشّهيد : "محمّد حنفي " ، و أراها و أرى دموعها ، و أعيش لوعتها و حرقتها كما لو كنت أمامها في رفح فلسطين .

 منذ تلك اللّحظة أدركت أنّني وجدت ضالّتي كما لم أجدها في أي كتاب و أحسست بأنّ القصّة المنشودة قد بدأت تكتبني و تكتب نفسها . و أحسست بأنّ العالم القصصي بأماكنه و حواجزه ( أسلاك شائكة ) ، و أوضاعه الفريدة (مدينتان و الاسم واحد : رفح ) و شخصياته ( أمّهات الشّهداء – الجيران –الصّحفيّة سهام ذهني – المصوّر حسام ذياب ..) قد بدأ يتشكّل بداخلي .. ولم أخلد إلى الرّاحة إلاّ بعد أن انتهيت من كتابة قصّة: "عرس الشّهيد".

 وأذكر أنّني أرسلت نسخة منها إليك على عنوان مجلّة سيّدتي مصحوبة برسالة تبيّن فضل تحقيقك الصّحفي الميداني على وجود هذه القصّة ، و ربّما عبّرت لك فيها عن رغبتي في معرفة رأيك في الشّخصيات و الأحداث ، و كيف وجدت نفسك و زميلك المصوّر حسام ذياب و قد صار كلّ واحد منكما شخصيّة من شخصيات القصّة ؟ وهل أنت راضية عنها ؟ و هل لك مقترحات ؟ و ما تعليقك ..؟ و غيرها من الاستفسارات التي لم تعد ذاكرتي المزدحمة تستحضرها.

 كما أذكر أنني أرسلت نسخة أخرى منها إلى الشّاعر الفلسطيني : أحمد دحبور على عنوان أحد أعمدته الأسبوعيّة بجريدة " الصّدى " أيام إقامته بتونس، منتظرا منه بعض الإفادات بخصوص مدى مراعاة هذه القصّة لخصوصيات التّاريخ و الجغرافيا في فلسطين المحتلّة ، وخاصّة لواقع المعابر، ووضع مدينتي رفح الفريد من نوعه في العالم .

 وبقيت أنتظر الرّدّ طويلا، دون جدوى ، لكنّه لم يأت من طرف سهام ذهني و لا من طرف أحمد دحبور، بل جاء بعد ،ما يناهز العقدين ، من أهل غزّة ليعيد المكان و الزمان نفسيهما إلى واجهة الأحداث .

 و رأيت يوم 23/01/2008 بأمّ عيني ،على الفضائيات ، إرادة أهل رفح فلسطين و روح المقاومة المتناميتين فيهم تتغّلبان على ذلك السّلك الشّائك البغيض ، و تجتثّانه من أسسه ، فإذا هو كما تصوّرته في القصّة على لسان شخصيّة أمّ الشّهيد : عبد اللّه كلاّب لما تحدّثت عنه قائلة : " حكم علينا ألاّ نتحادث أو نتقابل إلاّ على السّلك ..الذي ينغرس في أيدينا و شفاهنا ووجوهنا كلّما أردنا أن نتلامس أو نتعانق .. السّلك يا مهجتي ينغرس حتّى في حلوقنا و قلوبنا فتخرج كلماتنا دما حارقا من شدّة الشّوق .." ( قصّة عرس الشّهيد – المجموعة القصصيّة: مواويل عائد من ضفّة النّار – دار نقوش عربيّة – تونس1996).

 و تأمّلت على الشّاشة سكّان رفح فلسطين يعبرون إلى رفح مصر منتصرين على الأسلاك ، و تفحّصت الوجوه العابرة بلهفة علّي أشاهد ،بين العابرين ، أمّا من أمّهات الشّهداء : عبد اللّه كلاّب ، محمّد حنفي و محمّد الزّلف .

 تأمّلت العابرين وفي ذهني تتدفّق الأسئلة: ترى هل لازلن على قيد الحياة بعد 17 سنة ؟ هل مازالت أمّ الشّهيد محمّد حنفي الحقيقيّة حيّة ترزق ؟ هل مازالت تحتفظ بصحن الشّمّام (البطّيخ الأصفر) وفنجان القهوة على أمل عودة ابنها ؟ وماذا ستقول في نفسها عندما ترى ذلك السّلك الشّائك قد هوى ؟ هل ستتولّى الذّهاب بنفسها إلى أهلها في مصر لتسألهم عن ابنها الغائب ؟ و هل مازالت الصّحفيّة : سهام ذهني تذكر تحقيقها الصّحفي ذاك ؟

 و أحسست بأنّ قصّة عرس الشّهيد رغم مرور ما يناهز العقدين من الزّمن على كتابتها لا تزال تنبض بواقع أهل فلسطين في رفح و همومهم ومعاناتهم ، و هو ما حفّزني على إرسالها إلى منتدى " نشيد الجبّار لأدب المقاومة ( موقع إنانا بإدارة الشّاعر التّونسي مراد العمدوني)" أين وجدت طريقها إلى النّشر.

 و بدأت ردود أعضاء المنتدى تتوارد على صندوق استقبال الرّسائل الإلكترونيّة .

 كانت جلّها تتّفق على إنها مؤثّرة ، وهو ما يعتبره كلّ كاتب مؤشّر نجاح في تبليغ مراده ،و بقدر ما شعرت بالارتياح ، شعرت أيضا ببعض الذّنب تجاه القرّاء الذين نقلت لهم القصّة عدوى شعوريّة ، أذكر منهم الروائيّة التّونسية فتحيّة الهاشمي ( مشرفة الرّواية بمنتدى إنانا) التي كتبت يوم 14/03/2008 تقول :" .. و اللّه بكيت حتّى تقاطرت أدمعي على لوحة المفاتيح أنا من تكره لحظات الضّعف تلك..واللّه ملامح أمّ محمّد لم تفارقني حتّى بعد أن غادرت النّصّ و كأنّني أعرفها حقّ المعرفة.." فرددت عليها في نفس اليوم –كما تعلمين- معتذرا لها و لغيرها من القرّاء عمّا يمكن أن تسبب لهم القّصّة من عذابات شتّى ، وسردت لها قصّة هذه القصّة و حكاية الرّسالة التي لم أتلق ردّها منك ..

 إلى هذا الحدّ مضت الأمور عادية، إلى أن جاء يوم الثّلاثاء 25/03/2008 ( السّاعة 08 و 18 دقيقة صباحا ) بأغرب حدث و أجمله في حياتي الأدبيّة.

 وقع ذلك لما فتحت صندوق بريدي الإلكتروني لأقرأ ردّا جديدا على قصّتي:" عرس الشّهيد".

 لم يكن ردّا عاديا بالمرّة لأنه، وبكل بساطة، صادرا عن: " سهام ذهني " صاحبة ذلك التّحقيق الصّحفي.

 تسمّرت للحظات أفكّ حروف الاسم، ثمّ مضيت أقرأ نصّ الرّسالة التي تقول:

الأخ الفاضل محمد ميزوني البنانى .

تأثرت إلى درجة لا تتخيلها بقصة "عرس الشهيد" .

أسلوبك رائع واستنتاجك أو تخيلك للمشاعر الإنسانية تؤكد موهبتك الأصيلة.

أحتار بشدة حول الصياغة التي أخبرك بها حول وقع قراءتي لهذه القصة التي تأخرت قراءتي لها على مدى 20 عاما، والتي حين أرسلتها لي لم تصلني، ثم حين لم ترسلها لي وصلتني.

ليست فزورة ، إنما أنا "سهام ذهنى" ، لم تصلني رسالتك التي ذكرت عبر المنتدى أنك قد أرسلتها لي على عنوان مجلة "سيدتي" منذ عمر مضى .

 أما كيف وصلتني الرسالة بالصدفة هذه المرة ، فإن سيناريو عثوري عليها كان محفوفا بحالة جميلة استيقظت عليها صباح يوم الأمس حيث تواصل رنين الهاتف في بيتي لتهنئتي بجائزة لم أتقدم لها ، هي جائزة :"مصطفى أمين" ، وهى جائزة يتم منحها عن مجمل أعمال الصحفي دون أن يتقدم الصحفي بأحد أعماله كي ينالها.

ولما أردت أن أقرأ المنشور عن الجائزة عبر مختلف الصحف فقد دخلت على موقع" جوجل "وعملت بحث على إسمى ، فظهرت لي مختلف الوسائط التي تم عبرها ذكر اسمي ، وكان من بينها المنتدى الذي يتضمن هذه القصة . تأثرت بشدة عبر قراءة أسلوبك المرهف إلى درجة أن تررقت الدموع فى عينى ، وتأثرت من ناحية أخرى لشعوري بأن الله قد استجاب لدعائي له منذ بدأت الإمساك بالقلم و الكتابة للناس حيث دعوته أن يكون ما يخطه قلمي هو كلمة طيبة كشجرة طيبة تؤتي أكلها بإذن الله و لو بعد حين ، وقد ظهر لى هذا الحصاد اليوم عبر جائزة مصطفى أمين ، وأيضا عبر القصة التي قرأتها بقلمك ، والتى جعلتنى أشعر أن ما أكتبه لا يذهب هباء بل من الممكن أن يوقظ شيئا ما بداخل ناس لا أعرفهم ، ولا يعرفوني شخصيا . بالتالي فما قرأته بقلمك هو بالنسبة لي جائزة أخرى تلقيتها اليوم.

الحمد لله.

عقبال حصولك أنت أيضا على الجائزة إن شاء الله.

سهام ذهني "

 و أنا أعيد قراءة تعليقك على القصّة بشيء من الذّهول و الدّهشة ، حضرتني شذرات من دروس كنت قد تلقيتها ، منذ ثلاثة ، عقود من أستاذ العربية ، في المرحلة الثانوية ، الشّاعر: "محمّد الطاهر السّعيدي" ..

 تذكّرت ، بالصّورة و الصّوت ، كيف كان ، في جلّ الحصص ، يشدّد على الفرق بين الشّخصيّة (مفرد شخصيات) و الشّخص (مفرد أشخاص) ، بين المخلوق الفنّي الذي يطلق على المنتسب إلى عالم الأدب أو الفنّ أو الخيال ، و المنتسب إلى عالم النّاس ، عالم الحياة ، ذي الهويّة الفعليّة ، ضمن واقع محدّد زمانا و مكانا.

 كما حضرتني أسطورة ببجماليون ذلك النّحات اليوناني الذي نحت تمثالا فوق العادة في الإتقان و الجمال فعشقه و ترجى من الآلهة أن تبعث فيه الرّوح فاستجابت لرجائه .

 لكن الإحساس الذي اعتراني و أنا انتهي من القراءة الثانية لكلماتك، خلط الأوراق و عبث بتلك الحدود الفاصلة بين الشّخص و الشّخصيّة التي تعب أستاذي في رسمها في الأذهان منذ ثلاثين سنة خلت..

 لقد أحسست بأنّ الرّدّ صادر ، في الآن نفسه ، عن سهام ذهني الصّحفيّة و القاصّة وصاحبة ذلك التّحقيق الصّحفي الميداني الذي أجرته منذ عقدين مع أمهات شهداء عمليّة ديمونة ، وعن سهام ذهني الشّخصيّة القصصيّة و المخلوق الفنّي الذي ينتمي إلى العالم القصصي لقصة "عرس الشّهيد".

 ليست "فزّورة" - كما قلت في ردّك المؤثّر- ، فكلانا يعرف أنها حقيقة ومطمح الفنّ في علاقته بالواقع منذ أن تشكّلت أسطورة ببجماليون إلى يومنا هذا .

 و من المؤكّد أنّك قرأت ، في هذا المجال ، قصصا و روايات و أشعارا تتحدّث عن رسّامين تخرج لهم مخلوقاتهم الفنّية من قماش لوحاتهم لتصبح شخصا من الأشخاص منتسبا إلى عالم النّاس .ويمكن أن أذكر،في هذا الصّدد ،على سبيل المثال رواية : "حروف الرّمل " للروائي التونسي : د.محمد آيت ميهوب..

 إنّه مطمح تنزيل الفنّ من كونه الدّلالي إلى الواقع المعيش بإسفافه و إرهاصاته ..

 هذه، إذا، قصّة القصّة "عرس الشّهيد"، أقصّها عليك و على القرّاء ليعيشوا معي تفاصيل أروع ما عشته صباح تلقي ردّك ذاك، وأثمن ما حزت عليه من جوائز طيلة مسيرتي الأدبيّة المتواضعة..

 فألف مبروك بمناسبة حصولك على الجائزة .

 وكيف وجدت " سهام ذهني " الأخرى ، و أمّهات الشّهداء الأخريات في القصّة ؟

 هل قابلتهن مرّة ثانية ؟

 هل لديك أخبار عنهنّ بعد أحداث غزّة يوم 23/01/2008 ؟

 هل مازلت تحتفظين بصورهنّ ؟ هل تفكّرين في الرّجوع إليهنّ ؟ ومازال للحديث بقيّة .. مع تقديري واحترامي.. والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته..