تيسير جابر .. وداعاً يا حبيب الكل
محمد العجلة
كاتب صحفي/ غزة
رغم مكوثه في المستشفى بحالة صعبة بضعة شهور، إثر الجلطة التي أصابته دون استئذان، فإن خبر وفاة تيسير جابر صباح الجمعة 16/4/2010م، كان صادماً وفاجعاً لكل من عرفه، فضلاً عن أسرته وأصدقائه وزملائه. إنه ليس فقط الإعلامي الرياضي البارز ورئيس رابطة الصحفيين الرياضيين ومراسل الجزيرة الرياضي، وليس فقط الكاتب والناقد، ولكن أيضاً الإنسان والأخ والصديق الحميم.
قلما تجد إنساناً محبوباً من الناس، ومن فئات وشرائح مختلفة، بالحجم الذي كان عليه المرحوم تيسير جابر، لأنه على درجة كبيرة من التواضع والتسامح والوعي والصدق وبشاشة الوجه. ما أصعب أن يرحل شخص بمثل هذه الصفات في أوائل الخمسينيات من عمره، وهو في عز عطائه. مكانته في القلب كبيرة ومن الصعب أن يعوضها أحد غيره. لسانه عفيف لا يؤذي أحداً، اجتماعي من الدرجة الأولى وحنون وهادئ الطبع.
في صيف عام 1994، عاد تيسير جابر ابن قرية جبع قضاء جنين إلى أرض الوطن حيث مدينة غزة التي كانت المقر الرئيسي للسلطة الوطنية الناشئة. عاد بعد سنوات من الغربة والتنقل في المنافي والشتات. وسريعاً أحب غزة وخلال فترة زمنية قصيرة كانت له شبكة علاقات اجتماعية واسعة جداً. لم يعزل نفسه ولم يتقوقع في مجال ضيق، ولم يكتف بكونه ذا شأن لدى رجالات السلطة الوطنية. وحينما غادر غزة إلى الضفة، ترك وراءه أصدقاء ومحبين كثر. وقبل سنتين حينما تعرض لحادث دخل على إثره المستشفى، عبّر كل هؤلاء عن حبهم له وقلقهم عليه وتمنياتهم له بالشفاء والسلامة. وقد شفاه الله سبحانه وتعالى.
العلاقة الشخصية التي ربطتني ومجموعة من الأصدقاء بهذا الإنسان الكبير كانت قوية ومميزة، من هؤلاء المخرج سعود مهنا والصحفي المصري المرحوم د. صلاح عبد اللطيف والصحفي عادل الزعنون والصحفي علاء المشهراوي والصحفي نضال عيسى والمصور حسين منصور والصحفي ناهض منصور، ولا أنسى الفنانة ابنة الجليل عبير مخول. جزء من هذه العلاقة تم تسخيره مهنياً لتغطية شؤون الفن. أذكر ذلك المساء الماطر، في شهر ديسمبر من عام 1994، الذي توجهت فيه وتيسير وآخرون من غزة إلى موقع تصوير فيلم شاطئ الرعب في منطقة المواصي الواقعة على بحر خانيونس للمخرج سعود مهنا. بقينا مع طاقم الفيلم حتى الثالثة فجراً، ثم بتنا معهم لنستيقظ بعد ثلاث ساعات ونصف، لنكمل عملنا. شاهدنا راقبنا تحدثنا استمعنا سألنا ضحكنا كتبنا، كان تيسير والجميع في قمة السعادة، والممثلون المشاركون في الفيلم لا زالوا يتذكرون تلك الليلة الجميلة التي سهرناها وإياهم ومنهم الفنانة عبير مخول والفنان أسامة مبارك والفنان زياد نصر الله. امتزج في علاقتنا هذه، الشخصي بالاجتماعي بالمهني بالوطني، فعلى سبيل المثال كان هذا الفيلم الروائي يناقش قضية المخدرات، بما لها من آثار وأبعاد على جميع الصعد والمستويات.
ما لا يعرفه الكثيرون عن تيسير جابر، أنه ليس فقط إعلامياً رياضياً، بل هو ناقد مسرحي ومتذوق للأدب والفن من الدرجة الأولى، وربما استحوذ النشاط الإعلامي الرياضي على جل وقته وجهده على حساب الاهتمامات الأخرى، فكما أخبرني فهو حاصل على دبلوم في النقد المسرحي وإجازة في العلوم السياسية وليسانس لغة عربية، وله عدة دراسات نقدية أدبية منشورة، كما أنه مارس فن التمثيل حيث اشترك في أعمال تلفزيونية وسينمائية. ولا زلتُ أحتفظ بنص مقابلة صحفية منشورة بتاريخ 30/1/1995، أجريتها معه كناقد مسرحي (هو) وكانت آراؤه تعكس وعياً وثقافة جيدة بالمسرح الفلسطيني وواقعه ومشاكله واقتراحات للنهوض به.
فقدان تيسير جابر خسارة حقيقية للشعب الفلسطيني، وهي خسارة مؤلمة بشكل خاص لأسرته وأصدقائه ومحبيه ومعارفه ولكل من عرفه، فهو فعلاً حبيب الكل. رحمه الله.