أخي عصام قصبجي

أخي عصام قصبجي

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

إنا لله وإنا إليه راجعون

رحمك الله يا أخي الحبيب وأسكنك جنات النعيم مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا

تمر الأيام سراعاً فيكبر الصغير ، ويشيخ الشاب ، ويودع الشيخ . هذه سنة الله في عباده إذ ابتلاهم بالحياة ، وقهرهم بالموت .

يخبرني أخونا الأستاذ الشاعر يحيى حاج يحيى بوفاتك - أخي عصام – اليوم  حين أرسل الخبر على الهاتف برسالة صغيرة آلمتني ، فبكيت كثيراً .... لم أبك لفراقك فحسب ، إنما لأن الزمن الكئيب فرّقنا أشتاتاً ، فبعد أن كنا على مقاعد الدراسة الجامعية أواخر الستينات في ريعان الصبا نروح ونغتدي ننظر إلى الدنيا بأعين الشباب وقلوبهم لا تعرف الهموم إلينا سبيلاً أبعدتنا أيدي الطغاة ، وفرقت بيننا . بعدت عن عينيّ أكثر من اثنين وثلاثين عاماً  ولكنك في القلب والضمير.

مئات الصور والأحداث تتراءى لناظريّ بل آلافها غير مبالغ ، وبعض طلاب كلية اللغات التي جمعتنا ابتداء العام الدراسي 1966 1967 في افتتاحها الأول أنت منهم ومحمد رشيد عويّد ويحيى حاج يحيى وعثمان مكانسي وزهير سالم وأحمد الخراط ومروان خصيّم وبدر الدين القصاص و.... لا يكادون يفترقون .. الحياة جميلة في اجتماعهم في الكلية أو في بيت أحدهم يتدارسون كتب العلم والأدب والدين أو في رحلة إلى ساحل البسيط أو في دكان أبي حسن الفوّال في الجميلية . أو ...  يلتزمون الجد في الدرس ، والفكاهة في الحديث ، والود والحب في المعاملة ، كانوا إخواناً وخلانا ..

وتمر الأيام طويلة أو قصيرة ، ويبقى خيط الود متيناً ، ثم يتسابق الجميع في الزواج ويحثّون المتباطئ ... وينشغلون بأسرهم إلا أن لقاءاتهم الروحية تتسلسل بطريقة حلوة محببة .

وينعب بوم الفراق عام ثمانين من القرن الماضي ، فيخرج بعضهم إلى أرض الله الواسعة ... إنما الأخبار بين الأحباب لا تنقطع .. ويكبر الأولاد وتكثر المشاغل ، فتبقى الاتصالات الهاتفية الملاذ الأول لهؤلاء الفتية بل الرجال ، فقد تسارعت السنون ووخط الشيب رؤوسنا ، ثم .. يفاجأ بعضنا في غربته بانفراط العقد شيئاً فشيئاً ... إذا ينتقل أولنا إلى رحمة الله الواسعة ، فيعتصر الألم قلوبنا ونحن نعلم أن الفراق قصير ، فكلنا سنجتمع في رحمة الله الواسعة  إن شاء الله ، هذا قدر البشر ، بل قدر المخلوقات كلها ، ولا يبقى إلا وجه الله الكريم ، يسبقنا عدنان شيخوني و فاروق الغباري ، وحسني ناعسة ، ثم محمد رشيد الطويل .... واليوم يلحق بهم عصام قصبجي .. ولا أدري متى يأتيني الدور إلا انني أنتظره ، فالموت سبيل كل حي ،ولقاء الله حتم لازم ورحمته بالمؤمنين عزاؤنا وأملنا ....

فإلى رحمة الله أخي الحبيب ..

اللهم اغسله بالماء والثلج والبرَد ، ونقّه من الخطايا كما يُنقذى الثوب الأبيض من الدنس ، وتقبّله بغفرانك العميم ، واحشره مع من أكرمتهم من عبادك في عليين .

اللهم وارحمنا إذا صرنا إلى ما صار عصام إليه بفضلك ومنّك ورحمتك يا أرحم الراحمين

وأنتم يا أهله وأحبابه وإخوانه عظّم الله أجركم  ، ورحم ميتكم . واللبيب من عمل لما بعد الموت ، وآثر الآجلة على العاجلة .

راجي عفوه سبحانه : عثمان قدري مكانسي.