مناجاة مع نبع الحنان
فياض العبسو
ما أجمل اللقاء !
وما أمر لوعة الفراق ...
فلقاء الأحباب ... لقاح الألباب ...
ولقاء الأحبة ... أنفع من دواء الأطبا ...
أحب لقا الأحباب في كل ساعة = لأن لقا الأحباب فيه المنافع
كم كان جميلاً وممتعاً وسعيداً ...
لقائي بأمي الحبيبة ... وأهلي وإخواني ...
لقد أنساني هذا اللقاء آلام السفر ومشقته ...
وكم كان صعباً ومراً ذاك الفراق ...
لقد هطلت من عيني الدموع غزيرة ...
وأنا أودع إخوتي وأمي الحنون ...
تركتها في المستشفى على فراش المرض
كلمتها فلم تجبني
لأنها لا تستطع الكلام
قالت لي أول مرة:
لا تسافر حتى أخرج من المستشفى
وفي المرة الثانية قالت:
ألم تسافر حتى الآن!
وفي المرة الثالثة لم تستطع الكلام
ودعتها بالدموع وأنا أقبل رأسها ويديها
خنقتني العبرات
فلم أستطع أن أكلمها طويلاً
فأخذ الأهل بيدي وقالوا: اذهب
إلى أين أذهب ؟
لقد كرهت الغربة والسفر
وتساقطت دموعي كالمطر
وأدركت معنى قول سيدنا علي بن أبي طالب
رضي الله عنه ، وما فيه من العظات والعبر:
من سعادة الإنسان أن يعيش في بلده .
بين أهله وناسه ...
فالغربة كربة ...
والغريب من ليس له حبيب ...
وفي الغربة يبتعد الإنسان عن أحبابه
اللهم ارحم غربتنا يا رب ...
ودعته وبودي لو يودعني = صفو الحياة وأني لا أودعه
يا من يعز علينا أن نفارقهم = وجداننا كل شيء بعدكم عدم
ولكن .......................
أخي صبراً على ألم الفراق = كلانا للنوى والشوق باق
إذا ابتعدت هياكلنا وبانت = فروحي نحو روحك في عناق
ما أصعب فراق الأحبة والأصدقاء ...
ولكن عزاؤنا أن لنا معهم لقاء
إن لم يكن في الدنيا دار الفناء
ففي الآخرة دار الخلد والبقاء
إن رضي الإله وشاء ...
أماه ...
يا نبع الحنان
يا من رضاك من رضا الرحمن
وطريق موصلة إلى الجنان
وبرك يزيد في العمر والرزق والإحسان
ودعاؤك فيه السكينة والاطمئنان
في حضنك الأمان ..
في قلبك الحنان ..
في كفك الإحسان ..
أماهُ...
يا نبعَ العطاء الدائم
وبلسماً للجراحِ أبداً قائمْ
أمي الحبيبة .. أحبك يا أمي .. وكذلك أحب أبي
فلطالما أحطتماني بالرعاية والحنان .. فلكما علي من الفضل الشيء العظيم ..
كيف لا ؟!! وقد كنتما السبب بعد الله تعالى في وجودي في هذه الحياة ..
يا أمي أنت سقيتيني لبن التوحيد مع الفطرا
وغرست حنانك في صدري من أول رشفي للقطرا
لقد قدمت لنا الكثير
حملت ووضعت وأرضعت
وتعبت وسهرت ومرضت
وكل ذلك من أجلنا
وأنت تتمنين البقاء لنا
فماذا قدمنا لك
لقد لوعناك بغربتنا وبعدنا عنك
لقد قصرنا في حقك
لقد حرمنا من النظر إلى وجهك الباسم
ومن تقبيل رأسك ويديك
ومن قربك والإحسان إليك
لقد شعرت باليتم يا أماه وأنا أدلف إلى الأربعين ببطء
لقد أصبحت جداً ...
ولكن ما زلت أرى نفسي صغيراً بوجودك
أما وقد حان الوداع ...
وربما كان الوداع الأخير ...
فلقد كرهت الحياة ...
وأحببت الموت لألقاك وألقاه: أي أبي
كنت أجد الأنس بك وبأبي ...
حينما آتي لرؤيتكما
وأسمع دعاءكما
وأحظى برضاكما
وبعد فراقكما لقد كرهت ذلك البيت الذي كان يحتضنكما
ومع ذلك سأذهب إليه لأشم رائحتكما
وأسترجع ذكراكما
وأسأله عنكما ... لعله يجيب فيخبرني بشيء عنكما
رحماك يا رباه بمن كانت بنا رحيمة
وبعطائها كريمة
والراحمون يرحمهم الرحمن
كما قال النبي العدنان
وأنت الكريم تحب الكرم
خفف عنها الألم
واختم لها بحسن العاقبة والعمل
وأدخلها الجنة بغير حساب
فقد كانت تعطينا بغير حساب
واجزها ووالدنا عنا خير الجزاء
رب اغفر لي ولوالدي رب ارحمها كما ربياني صغيراً