لا تحزني

أبو البراء شكارنه

أبو البراء شكارنه

Iba86@hotmail.com

عبر أثير القلوب ... جاءني خبر ميلادك يا بنيتي وأنا في سجني -  بعد أيام -  فغمرني السرور ... حتى أنه من فرط محبتي وسعادتي دمعت عيناي ... وعم الفرح أرجاء فؤادي .... ولهج اللسان والفؤاد شكراً للمنان.

أعلم يا ابنتي أنك فتشتِ عني بين الحاضرين مذ ولجت الدنيا ... فلم تجديني ...  وكأني بك لا زلت تبحثين بعينيك الحالمتين بين القادمين للتهنئة بميلادك كل يوم ... ولم يسعفك أحد ... فلا تحزني يا مهجة القلب ، ويا حبات العيون ... فأنا هنا أتوشح قيدي ... وأحمل قلبي ... وترحل روحي ... كي تقر عيني بك وبإخوتك يا محبوبتي ... فلست أرضى لكم غير حياة عزيزة كريمة ... ندفع ثمنها من حياتنا وأوقاتنا .. وأعمارنا .. وأموالنا ... ودمائنا ... فلا تحزني.

 نعم يا جميلتي .. ويا بعضي الذي أرحل عنه كي أحبه ... ويَرغم أنف سجاني ... فأنا أرحل عنك إليك يا روحي ... فلا تحزني .... فهناك في هذا العالم من لا يحب سعادتنا ... ويسهر كي يلف أيامنا بالحزن والألم ... واليأس .... لكن أنَّى لهم ذلك يا غاليتي .... فلا السجن يرهبنا .... ولا القيد يتعبنا ... ولا الجدران تُبعدنا ... فأرواحنا وقلوبنا شَبَّت عن الطوق .... والإيمان راسخ يا محبوبتي بعدالة فعلنا وثباتنا وشموخنا وحقنا الذي نفديه بأيامنا وآلامنا ودمائنا .... كي يعود.

لا تحزني يا صغيرتي ... سنلتقي بإذن الله ... فأنت تسكنين القلب والروح من قبل أن تأتي إلى الوجود .

يا نور العين ... أحبك كي تكوني قرة عين لنا ... ولرسالتنا ...ولقدسنا .... فأنت يا بعضي ... وإخوتك... ونحن معكم ... نحمل رسالة خيرٍ للناس ... نحب الحياة ... لكنا نحبها عزيزة كريمة ...كحياة العوالي ....

تلك وصيتي الأولى لك يا مهجة القلب ...

وإلى لقاء يا صغيرتي .... قريب بإذن الله  ... أضمك يا بعضي إلى قلبي ... فانتظريني ......لكن لا تحزني.

سجن النقب الصحراوي / فلسطين

1:56 فجر السبت

3/8/2008م

قلبي دون قلبكِ

" طفلتي التي ولدت وأنا لا زلت في السجن ... ولمَّا تبلغ الشهر بعد .... يشك الأطباء بخلل في قلبها ... فجاءني الخبر مؤلماً ... مع رضى وتسليم لأمر الله ... فكانت هذه الكلمات ... حيث عشت الأمر أسبوعاً... قبل أن يتبين بعد ذلك سلامة قلبها ولله الحمد  "

* *

حين ترحل روحك تبحث عن روحك ْ...

وحين تتجول الأحزان في مساحات قلبك ...

وحين يعتمل الألم في جرك الغائر ...

وحين تعبُرُ العَبَراتُ حدود بئركَ ......

وحين يُثقِلُكَ الألم وأنت لست عندَكَ ...

وحين يصيب لهيبُ الشمس ربيع عمرِكَ ... فتكادُ تذبلُ زهراتُ فؤادك .... ورياحين روحكَ ..... وأقحوان عينيك ... وتكاد تُجفَّف خضرةَ الطريق الموصل الى هناك ..

حينها يكاد قلبك ينخلع منك ...كي يرحل الى بعضك الباكي ألماً .... وتكاد تطير بكلك – ولو شظايا – كي تُزيل الألمَ عن مهجة قلبك التي لم تَرَها بعد ... ولم ترسم على جبهتها الملائكية قبلة ناعمة ... وقد أحاط بها ساعداك .

 بُنيتي ... وحبيبتي .... من تلك اللحظة التي صخَّ أذني خبر تعبك وألمك ... وما كان خلال الأيام الماضية ... وقلبي يلح علي بمغادرتي إليك .... كي تنعمي بصحتك ... ويذهب ألمك .... وتقر عيني بك .... يا سعادتي وبهجتي التي لم أمتع ناظري بها ولو لحظات ..... فجدران السجن تحجب حتى ضياء الشمس التي تملأ الصحراء  ....

 ليتني يا محزونة العينين ألقاك ولو للحظات .... كي أمسح عن عينيك الناعستين دموع الحزن ... وأنفخ في قلبك أملي الصاعد ... يفتش عنك عبر كل المسافات ...

 قلبي دون قلبك يا صغيرتي وملاكي .... ونفسي دون نفسك يا حباة عيوني .... وروحي دون روحك يا جنتي وبستاني ....

لم أرَكِ بعدُ بعيني ... غير أنك تملئين ناظري وقلبي وخاطري ....

 ما لامسْ كفي المثقلة بالألم جسدَكِ الوردي الناعم ..... يا زهرةً في بستان قلبي المورق أملاً .... غير أني أجد ذلك بين كفَّيَّ

ويسأل قلبي ... هل تُرانا نلتقي ...؟

نعم سنلتقي يا ابنتي بإذن الله .... فلا تحزني

لنا يا ابنتي رب كريم رحيم رؤوف ودود ... أرحم بنا من أنفسنا ... سيشفيك يا محبوبتي بإذنه ... وسيجمعنا معاً ... فهو ربنا ... نرجوه وندعوه ... فيستجيب لنا ... كذا ظننا بربنا جل في علاه ...

 فتماسكي يا زهرتي ... وانظري إلى هناك .... ستجدينني معك ... رغم سجني وبُعدي وقيدي ... فلا تحزني .

سجن النقب الصحراوي / فلسطين

12:42 من فجر السبت

24/5/2008م

رفقاً بي يا حبيبتي

" يمان هي طفلتي التي ولدت وأنا في السجن دون أن أراها ... عمرها حين كتابة هذه الكلمات 15 شهراً ، حيث كبرت في غيابي ... جاءتني مع أمها لزيارتي في السجن ... فلم تعرفني ... ولم تتقبلني ... حاولت معها فلم أنجح ... أثَّر فيَّ الموقف كثيراً ... فكانت هذه الكلمات ... "

* *

يمانُ يا مهجة قلبي ... يا نبض روحي .... وتراتيل فؤادي ...

أدرك أنك لم تتعرفي علي ... حاولت معك ... دون جدوى ... فما تَعَوَّدْتِ وجودي بينكم ... أبصرتِ الحياة في غيابي ... وفتشتِ بين الحضور فلم تجديني .... انتظرتني فلم أحضر ... تأخرتُ في رحلتي رغماً عني ...

أعذركِ يا نور عيني ... فما كنت أعلم كيف يُنكر القلبُ نفسه .... أو كيف تُنكر الروحُ الجسد ... أو كيف تُنكر العين نورها .... إلا حين حاولت أن أضمك يا حبيبتي ... فلم تتقبليني ..... قاسية تلك اللحظات ... مؤلمة موجعة .... عميقٌ جرحها في النفس ... لكنه الثمن ..... ثمن الطريق الذي سلكناه ... وارتضيناه ...

 بنيتي ... حبيبتي .... رفقاً بأبيك ... رفقاً بهذا القلب الذي تسكنين ... فما غبت عنكِ بإرادتي ... كم كنت أتمنى أن أكون أول من تُبصرين من الدنيا ... وأول من تسمعين آذاناً علوياً يرسم لك الطريق .... لكني يا مهجتي أرحل عنك كي أحبك أكثر ... ولكي أصنع لك عزاً ومجداً ... وأشق لك ولإخوتك وللسائرين طريقاً نحو العُلى ... ولأنصب لكم شارات على الطريق تل على صحة المسار .... فحياة العزة لها ثمن ... وطريق المجد ليست بالمجان ...

 بنيتي ... ربما كان بإمكاني أن أكون بينكم ... لا أغيب عنكم ...بلا سجن ولا معاناة ... وحياة خالية من المحن ... وسلمٌ مع الظلام ... وأخلام وأيام بلا تعب ...

ربما كان بإمكاني ذلك أو أكثر ... لو لم أخترْ طريق الخير والنور .... لكن كيف سيكون لون تلك الأيام لو لم نخترْ هذا الطريق ؟؟...... كيف سننظر لأنفسنا ؟؟..... وكيف ستنظرين وإخوتك لأبيكم ؟؟.... إذ الظالمون يحرقون خضرة الطريق من حولنا ... ويقتلعون شجرة الحياة من أرضنا ... ويجففون نبع مائنا ... ويخرقون الأرض تحت أقصانا ... أي رجولة حينها  ستبقى ؟؟.... وأي حياة تلك التي يُطبق عليها الظلام ... ويحجب عنها الشمس ... وأي لقمة عيش وشربة ماء تلك المغمسة بالذل ؟؟؟ ......

  أنا يا بنيتي الحبيبة ما قبلت ذلك ...وها أنا أوقد شمعتي أضمها لشموع تكاد تملأ الأفق... كي تكسر عتمة الليل ... وتبشر بغدٍ قادمٍ قريب مشرقٍ بهيًّ ... يطرد الظلام .... وينشر الضياء ... فتشرق الشمس ... ويرحل الغراب عن أرضنا ... فتخضر وتربو ...

  نحن يا مهجتي لا نقبل أن نحيا بلا هدف ... نأكل ونشرب ونلهو وننام ... في دوامة قاتلة ... لا تليق ببشر ... تُحيل صاحبها إلى ذليلٍ عاجزٍ  ... يهادن الباطلَ ... ويموت ألف مرة خوفاً من الموت ..

 بل نحن يا حبيبتي نَكْبُرُ ونسموا مع علو غاياتنا وأهدافنا... فتغدو حياتنا ممتدة .... بامتداد أهدافنا وفكرتنا ... جذورها ضاربة في الأرض عمقاً .... وأغصانها تمتد في السماء علوّاً وارتفاعاً ....

فاعذريني على الغياب يا ابنتي .... وحين تكبرين ستدركين ما أقول .... لكن أرفقي بأبيك يا مهجة القلب.

سجن عوفر / فلسطين

2:52 فجر الجمعة

7/8/2009م