إلى المهندس باسل نصر الله

د.جعفر الكنج الدندشي

إلى المهندس باسل نصر الله

د.جعفر الكنج الدندشي

[email protected]

نُشر هذا المقال في موقع الغلويون الأحرار بعد قرائتي لمقال السيد المهندس باسل قس نصر الله.

د. جعفر الكنج الدندشي

ستراسبورغ ـ فرنسا

سيدي المحترم (المهندس باسل قس نصر الله)،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأنا أقرأ مقالكم حول عيد الميلاد المجيد، ذكريات وتاريخ انتفضت في ذاكرتي، لا حصر لها، ولكن سأقتصر على جانبين منها، العائلي والتاريخي.

أما العائلي، فقد حصل في منزلنا الذي تفرّق أهله بين الحاجة والغربة...وكانت القصة عام 1965 للميلاد، عاد والدي إلى حمص حيث كنّا نسكن، مهموماً للغاية، وسألناه عن السبب فقال أنّ فلان استطاع أن يختلس من أملاكه ما يُعادل إحدى عشر هيكتاراً...فقال أخي الكبير: (وأستميحكم عذراً) لعنة الله على أبيه. فغضب والدي منه وقال كيف تشتم إماماً ؟ فضحك أخي وقال: كيف يكون أبوه إماماً وهو مسيحي وأبوه مسيحي؟ أجابه والدي بلهجة غاضبة: أبوه خوري والخوري بالنسبة لي هو أيضاً إمام. بقيت هذه الحادثة في ذاكرتي ولا زلت أرددها في كل مناسبة يفتح فيها الناس حديث الطائفية. كي أنبّه أنّ التربية في البيت هي أساس كل شيء.

أمّا عن الجانب التاريخي، فإنني على استعداد لأنّ أتحمّل نتيجة ما سأكتبه علمياً.

قبل الحروب الصليبية، أي أربعة قرون من بعد الهجرة النبوية، كان عدد المسيحيين يقارب 40 إلى 45 بالمئة من تعداد سكان بلاد الشام والعراق. ولكن حين دخل الصليبيون، أكثر ضحاياهم كانوا من العرب المسيحيين، ويشهد على ذلك مذبحة بيت المقدس، حيث كان المسيحيون يشكّلون ما يقارب 70 بالمئة من سكّان القدس والمعروف تاريخياً أن الصليبيين  قتلوا جميع سكان المدينة، وقال قادتهم تلك الكلمة التي عبرت التاريخ(الله سيعرف من هم أتباعه)(Dieu reconnaitra les siens) وكذلك فعلوا في أنطاكية وذبّحوا جميع أهاليها، عدا عن المدن الأخرى. فانحسر عدد المسيحيين إلى نسبٍ أقل. ولا أنسى ما كتبه الباحث الفرنسي جاك فوليغرس بكتابه: بلاد العلويين: إنّ الحروب الصليبية أيقظت لأول مرة في التاريخ التعصّب الإسلامي...

وفي الستينات من القرن التاسع عشر في أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، كان التحريض ين المارونيين من قِبل نابليون الثالث ، من جهة والدروز بتحريض من بريطانيا العظمى. وهنا بدأت الهجرة من المشرق نحو الأمريكيتين ...وبدأت نسبة المسيحيين تنقص من جديد. وهل يخفى علينا ما كانت نتيجة الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينات إلى الآن تقريباً، ومَن حرّض على تلك الحرب وبنى لنا هذا الفخ؟ أليس الغرب أيضاً؟ فوقعنا فيه من حيث لا ندري...

وأخيراً حرب العراق، كم بقي من المسيحيين في عراقنا نتيجة عدوان الغرب أيضاً. أنتم أعلم منّي بالأرقام.

أتمنى أن لا يأتي ذلك اليوم الذي سنسأل فيه في مشرقنا العربي: أين هم مسيحيو بلادنا، كما قال أحد المؤرّخين الإسبان: أين هم مسلمو بلادنا... مع فارقٍ بسيط أنّ الكنيسة الكاثوليكية مع الملك هم الذين كانوا السبب في حرمان إسبانيا من مسلميها، وهذا لا ينطبق كما تعلمون على مشرقنا العربي، أي ليست الحكومات العربية وليس وزارات الأوقاف، ولكن الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى والثانية.

وهنا لدي سؤال فلسفي وحضاري، ليس موجّه لكم كونكم تعرفون الجواب بأعماقه. وهو: هل فهمت أوروبا الديانات السماوية منذ اليونان حتى الآن؟ هذا السؤال يطرحه بعض كبار المفكرين في أوروبا منذ نهاية القرن التاسع عشر، ولكن فقط أريد أن أذكّر كلّ من يتطلع على رسالتنا المتواضعة هذه، بأنّ فرنسا تقول أنها الابنة البكر للكنيسة، لكن كبار رجال الدين فيها ينسون أنّ أم الكنيسة هي سورية، فو أسفاه أن تنسى الحفيدة كيف تحترم جدتها، والتي لم ولن يصيبها الخرف. ألا ننتظر جميعاً عودة المسيح عليه السلام، ليملأ الأرض عدلاً وأنه سيظهر حيث أمّ الكنيسة، أي في الشام وليس في لندن ولا روما ولا واشنطن.

مع فائق احترامي؛ آملاً أن يستمر هذا الحوار الحضاري بيننا مع الأخ الفاضل سام ومع أمثاله من أولئك الذين لا يرجون  أجراً إلاّ من الله في سبيل الوحدة الوطنية، والسلام..