ما قلّ ودل
ما قلّ ودل
يحيى السَّماوي
يحيى السَّماوي
سعد البواردي
لا أدري لماذا أنا متعاطف مع هذا الرجل إلى درجة الإنصهار الوجداني .. وإلى درجة الانبهار الإنساني أكثر من غيره ..
ألأنه طير مهاجر رغم أنفه يستظل بخيمة دون وطن ..؟ أم لأنه غرّيد شجي يسبح
في فضاءات الغربة في الأقصى البعيد البعيد من جنوب القارة الجديدة استراليا ..؟
مأساة أن تهاجر العقول عن أوطانها ..كل أوطانها .. حيث ولدت .. ثم حيث وجدت دون أن يشفع لها انتماء لا حدود له .. وارتماء لا مساحة له .. وعطاء أشبه بزخات المطر ..
كان حضوري يوم تكريمه في جامعة الدول العربية مع آخرين ، لحظة استذكار ويقظة ضمير بأن الغربة لا مكان لها لفكر حتى وإن حملت معها الجسد .. إلآ أنها لا تقوى على الطرد لما هو أنقى وأبقى من الجسد .
كان يحيى حيّا كإسمه .. سماويا كنبض مشاعره وشعره يوم أن حلق بنا على أجنحة مفرداته في حيرة متسائلة بين خيارات الحقل والشجرة والثمرة والماء أيها يكون معها وأيها تكون معه .. وعلى وقع كلماته وإيقاع نبراته الحزينة غالبني الكثير من الشجن .
لماذا السماوي الشريد الطريد من أرض يقطنها مائتا مليون من البشر دون أجنحة في معظمها تحلق .. ودون أخيلة ترسم ملامح الصورة المثلى ؟!
لماذا ضاقت به الارض .. وضاق به الصدر وهوالذي بنى من شعره أرضاً .. ووطناً.. وأملاً .. وفتح صدره سكنا ً لكل جراحات وعذابات أمته ؟!
ليلة أن صدح بشكواه في بيت العرب نثرا ً شاعرا ً .. وشعرا ً ناثرا ً ، أحسست أنه من خلال منبر عروبته يستفز غيرتها .. يستفز نخوتها .. يستفز غفلتها .. يستفز سلبيتها ..
كانت كلماته تحترق وسط فمه .. أحسست بلهيبها يصهرني .. ينهرني .. يزجرني .. لماذا كتب على عقولنا أن تهاجر ؟ أن يطردها الهجر ونحن في حاجة الى إطلالة فجر .. فجر فكر .. وفجر احتضان .. وفجر تسامح وحب .. ؟
تحية لمن كرّم في شخصه طهارة قلم .. وعصارة ألم .