شكراً لك
عبير الطنطاوي
أشكرك أختي الكاتبة : (سمية الإبراهيم) على مقال (والدي .. يا قلباً عطوفاً احتواني) ..
أشكرك حق الشكر فقد أجريت مني الدمع وذرفت عيوني الكثير الكثير من الدموع وأسرعت أكتب لك الشكر لأنك حفزت قلمي على الخط بعد جفاف سنين ..
ما رفعت قلمي إلا لأكتب هذا الشكر لك .. وهذا الامتنان لوالدي.. فأنا قد أنعم الله عليّ بوالد أكبرمن أن يوصف بقلم أويخط الأديب أو الشاعر الأبيات والدواوين عنه ..
فضله عليّ وعلى أولادي وعلى حياتي لا يوصف ولا يمكن أن يثمن بثمن ....
فأي ابتسامة ترتسم على وجهي أو وجه ولد من أولادي وراءها الله عز وجل ثم والدي الحنون العطوف ..
رباني باحترام ..
عاملني باحترام ..
وما أعظم الاحترام عندما يكون ممزوجاً بالعاطفة والحب وخاصة في زمن فقدت فيه المرأة الاحترام والحب والعطف !!!
كتبت ـ مرات عديدة ـ في وصفه وخجلت من نفسي لأني لا يمكن أن أوفي حساباً لهذا الغالي الكريم المعطاء الجواد وفي كل مرة أحتفظ بما كتبت لنفسي ولكني لما رأيت مقالتك تشجعت روحي وأخذت المشاعر تخط الكلام خطاً ويا ليته يفي بالغرض ..
منذ سنتين ومنْ حولي يتذمر من جفاف قلمي فأنا بهذه الكلمات ربما بدأت أعود إلى الأدب كما يطالبني كل أحبابي والفضل لله ثم لحبي لهذا الوالد النبيل ...
وجدته معي في أصعب لحظات العمر ..
في الدراسة والامتحانات كانت صورته أمامي ..
كنت أراه يهدس بنجاحي وكأني أول أولاده مع أن رقمي في البيت هو السابع ..
كنت أدرس وأنجح وأقول سأقدم نجاحي له فهو معي في كل لحظة .. رغم أشغاله في سبيل الله إلا أن يده الحانية كانت تسقيني حباً وحناناً وغذاءً ..
في وقت المرض كنت أراه معي .. يأتي من عمله ليلاً إلى غرفتي يغطيني .. يلمس وجنتي .. يطمئن علي .. كأنه الملاك فوق رأسي ..
عندما أرى دمعة حانية تهرب من عينيه الحنونتين أقول في نفسي : لابد لي أن أقوم من هذا المرض لأن الغالي دمعه غالي .. وفعلاً يصح عزمي وأصحو بإذن الله .. الآن حين أمرض أحن إلى صوته وهو يسأل :
ـ ماذا أحضر لك يا روحي ؟ ماذا تأكلين ؟ الدجاج المشوي ؟ أم الكيك ؟
حتى أولادي اعتادوا حنان وكرم أبي إذا مرضوا يأتي إليهم ويسألهم نفس السؤال ..
آآآآه يا حنون ما تغير كلامك منذ وعيت على هذه الدنيا ... أدامك الله لنا ولأولادنا عمراً وعمراً وعمراً مديداً قوياً هنيئاً ..
كم كانت رفيقاتي في المدرسة يحسدنني عليه حين يجدونه في البرد والحر واقفاً بسيارته تاركاً أشغاله ليعيدني إلى البيت وهن أباؤهن في المنازل ولا يكلفون أنفسهم إعادة أولادهم ، أو الاهتمام بعودة البنت إلى البيت .. حتى أولادي إلى الآن يفرح الحنون قلوبهم الصغيرة عندما ينتظرهم على باب المدرسة ليعيدهم إلى البيت ..
وجدته معي عندما دخلت الجامعة وواجهتني المشاكل الجديدة .. كم كنت أرى نظرات الحسد في عيون من حولي بأن والدي معي في الجامعة ييسر كل عسيرعلي ...
وجدته في زواجي .. وجدته رؤوماً في ولاداتي .. كنت أصحو من المخدر على دمعة حانية تسقط فوق وجنتي ما شككت يوماً أن هذه الدمعة لأحد سوى دمعة أبي : عبدالله الطنطاوي أحن أب في الدنيا كلها .. كنت أقاوم آلامي أمامه حتى تهدأ عاطفته ويرتاح قلبه الحنون ..
لا أدري كيف أودع الله هذا القلب الصغير كل هذا الحنان .. حتى الأطفال في حينا يعرفون من هو هذا العظيم .. حتى أطفال الأصدقاء يحبونه دون إرادتهم فهذا على ما أعتقد قد نادى الله في أهل الأرض أن يحبوه ففيه شيء من قبس روح ملائكي .. فأنا أراه مقتدياً بسيد الناس محمد صلى الله عليه وسلم وهذا الاقتداء قد تحول إلى تقمص لشخصيته عليه أفضل صلاة وسلام..
أراه يذكرني ويذكر أولادي في السراء فإذا رأى حديقة حدث نفسه أن سيأتي اليوم الذي يأخذنا إليها .. إذا أكل في مطعم أتخيله وهو يغص في كل لقمة لأولاده وأحفاده وزوجته ..
يعرف من نظرة عيني إذا كنت في ضيق أو حرج أو جاءني ضيف فجأة واحتجت إلى ضيافة عاجلة فأجده يسعفني بما لذ وطاب ..
لا يكاد يغيب عن مسمعي دعاء السائلين والشحاذات له بما يحب كل مسلم سماعه ..
كلما شعرت أنا وغيري بحاجة محتاج ما قصرت في طلب العون منه لأن له يداً معطاء..
كرموه كأديب وإن كان يستحق منا نحن الأولاد والأحفاد كل التكريم .. في كل يوم من العطاء يخجلنا ويخجلنا بل ونذوب حياء في ظل كرمه وعطفه وحنانه ..
وقف معي في كتاباتي الأدبية علمني ويعلمني كيف أكتب ..
علمني ويعلمني كيف أعيش بين الناس بوجه بشوش مبتسم ..
علمني ويعلمني أن أرى الجانب الخير في كل الناس ..
حبيبي علمني ويعلمني وأرجو من الله أن يطيل عمره لنظل ننهل من بحر علمه وأدبه وعطائه ورحمته .
أخيراً .. قلت وما أديت حقه من المقال .. أقول كما كما قالت حفيدته نور ابنة أختي الكبرى غرناطة في حفل تكريمه في رابطة الأدب الإسلامي العالمية في عمّان :
ـ هذا هو جدي .. فأين أجدادكم من جدي .
أقول :
ـ هذا أبي الغالي فأين آباؤكم من أبي .............؟