ولدي
البراء كحيل
في يومٍ اكتست فيهِ الدنيا أجملَ الحُللِ وتزّينتِ السماءُ بضياءٍ مُزركشِ الألوانِ غمرتنا يدُ اللهِ الحانية التي تُحوّلُ الظلامَ إلى نورٍ والجوعَ إلى شبعٍ والعطشَ إلى رواء, فتفضّلَ علينا اللهُ بهديةٍ من السماءِ طاهرةٍ نقيةٍ بريئة لم تعبثْ بها يدُ الدنيا الآثمة فما زالت على الفطرةِ الصافية, فأنعمْ بها من هديّة...... إنّهُ ولدي"حمزة".
سبحانَ من زرعَ ذلكَ الحُبَّ الغريبَ في صدرِ الآباءِ لأبنائهم بل جعلهُ زينةَ الحياةِ الدنيا ومِنْ خَيرِ متاعها, ذلك الحُبُّ الذي يدخلُ القلبَ بلا استئذانٍ أو تنبيه, حبٌّ لا مصلحة فيه ولا شهوة ولا نفاق, نقيٌ كنقاءِ المحبوبِ طاهرٌ كطهارةٍ جسدهِ وقلبه, حُبٌّ يُحوّلُ البؤسَ إلى سعادةٍ والحزنَ إلى فرحٍ ويمسحُ الهمومَ بمنديلِ البراءةِ ويزرعُ البسمةَ بنظرةٍ من عينيهِ, وكأنَّ الله قد حباهُ سحراً يملكُ به الألبابَ والأفئدةَ فكيفَ لرضيعٍ مازالَ لا ينطقُ ولا يتحركُ أن يُمسكَ بشَغافِ القلبِ ويتربّعَ على عرشِ المحبّة؟!
إنَّ الدنيا لتكونُ في نظري صحراءَ قاحلة فتغدو بنظرةٍ إليهِ روضةً غنّاء فيحاء, وبمداعبةٍ لهُ يجعلُ الشمسَ تُشرقُ من جديدٍ بعدَ يومٍ كالحِ الظلاَّم, أرى في صفحةِ وجههِ الجميل سطوراً مكتوبةً بماءِ الذهبِ تروي حكايةَ فرحٍ وبهجةٍ وأمل.
إنّهُ القلبُ الذي ينبضُ في صدري, والحُلمُ الذي أرسمُ في غدي, والضياء الذي ينيرُ دربي, والأمل الذي يعشعشُ في قلبي, إنّه المرهمُ الذي يداوي جراحي,والبلسمُ الذي يواسي أحزاني .. إنّه ولدي.
وكأنَّ القمرَ قد هجرَ منزلهُ الأوّلَ في السماءِ وجاءني لينيرَ منزلي, وكأنَّ الدنيا جمعتْ أفراحها وآمالها وجمالها وبهاءها لتستقرَ في ثَغْرِهِ, وكأنَّ النجومَ قد سكنتْ في بريقِ عينيه, ولكأنَّ الجُمانَ قدْ تربّع على خدّيه, وإنَّ الحريرَ لفي ملمسِ يديه, ولكأنَّ اللهَ قد أنزلهُ من الجنانِ فهو كالولدانِ المخلّدين إذا رأيتهُ حسبتهُ لؤلؤا منثوراً.
حمزَة البناءُ الذي أشيَّدهُ ليكونَ حصناً لي يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون, وهو الكنزُ الذي أدّخره ليومٍ ينقطعُ فيه عملي إلاَّ من ثلاث, هو المستقبلُ الذي أُعدّهُ ليكونَ لبنةً في صرحِ دينهِ ووطنه, ليكون الرايةَ التي تخفقُ في سماء العطاءِ, والخيرَ للعباد والبلاد.
أيا ولدي إنّي أُعدّكَ ليومٍ تضعني في حفرةٍ صغيرةٍ ثمَّ تحثو الترابَ عليَّ وتجلسُ على قبري فتسألُ اللهَ ليَ الثباتَ وتدعوهُ أن يغمرني برحمتهِ ويتكرّمَ عليَّ بجنَّته, فعساني أزرعُ صالحاً لأحصدَ خيراً
وما أجملَ ما قاله بدوي الجبل:
ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها *** أفض بركات السلم شرقا و مغربا
وصن ضحكة الأطفال يا ربّ إنّها *** إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا