كتبتُ لكِ
د.جعفر الكنج الدندشي
كتبتُ لكِ مرّةً:
أنا الـمثشتاقُ يا أمّي أعيشُ مُشتّتَ القدمِ
حصادي جُملةَ الندمِ طريقي غربةُ الألـمِ
ويسلو وحشتي قلمي
أنا يا أُمّ أوسطُهُم يَراعي مُخبرٌ عنهمْ
أُلِمُّ بحالِ حاضرِهم فأوٌلجه بماضيهـمْ
وعهدٍ راحَ يصحبُهم
فأحلامٌ تداعبنا وآمالٌ تـصاحبنا
وهجرانٌ يباعِدنا وبـلدانٌ تُـفرّقنا
ونارُ الشوق تلذعُنا
جموعٌ أقبلتْ رتلا من الذكرى أتت تُتْلى
رقيقُ غنائها أمْلى عـليَّ الشوقَ مُرتجلا
ليسري الدمعُ منهملا
أيا أمّاهُ أفديكِ بصدرِ البيتِ أُوصيكِ
أبـي قد جـاوز الأعـمار يا أمـاهُ أُوصيك
وداريهِ بعينيكِ
1984
وكتبت لك مرّة أخرى
أمّاهُ من جوف الحنين عاقٌ مضى، يحيا كئيباً شارداً فأنا الذي في الشوق أدمن قلبهُ أمـاه لا أبـغـي بذلك أدمعاً الشِعر من جهل الحياة يحثّني لـكـنّني في الضفّتين مسافرٌ |
شُكاتيتُـبـكـي أزاهيرُ اللقاء حزنٌ طوى آمال بعض صفاتي ثـمّ ارتمى في ألطَفِ النسماتِ بـل فارسلي من رقّة البسماتِ لـقـصائدِ البسمات والعبراتِ بـين الدموع وبسمة الوجناتِ | الآتي
1981
وكتبتُ لك في عيد أمٍّ آخر:
مـساء الخير يا
أمّي
حـنانكِ لم يغبْ عني
فـيالله مـن زمـني
ويـصرخُ شاكيّاً لمّا
* * *
عُدِمت الرأفةَ الكبرى
فـمـا للرأفةِ الكبرى
كـأنّـي أبـتغي أبداً
فهاكِ الهجر يلذعني
* * *
هجرتُك طائعاً طمعي
لأَبكي البعد فالتمسي
فما قدري سوى أدبي
سأمضي تاركاً وطنيوشـوقكِ غائرٌ بدمي
ومـرّ البٌعدِ يا ألَمي
يـنـادي دائماً قلمي
أقـول أقول يا أمّي
* * *
وغابتْ بعدها حِكَمي
أزيد بهجرها سقَمي
لـنـفسي قمّةَ الألمِ
وأصـرخُ: آهِ يا أمّي
* * *
لتسري غُربَتي بدمي
لي الغفران، لا تلُمي
وما أدبي سوى ألمي
وأُبكي دائماً … أمي
1976
وكتبت لكِ هذه القصيدة وكانت أوّل قصيدةٍ من الغربة:
أمّـاه، أبـكـانـي الـتـنائي مثلما أمّـاه أعـلـم أنّ دهـرك مـفـعمٌ أمّـاه دمـعـي لا يـراعي يشتكي أشـكـو إلـيـكِ بـعد ربّي مُرَّ ما الـهـجـر طـوراً والـتذكّر والبكا أنـتِ الـحقائق، والحقائق قد بدتْ وأقـول أمـي، لا لـغـيـرك قلتُها يـأتي شعاع الشمس من شرقي كما يـا أمّ أبـكـتـنـي الحياة وما بدا عـهـدي إلـيـكِ أن تظلّي تذكري يـكـفـي حنانك مُهجتي ومسامعي لـمـحت عيوني، بل حنانك قد غدا فـلـسـوف نرجعُ يا خليلة مولدي ولـربـمـا نـأتـي جميعاً للحمى |
أبـكـى عيونك حيث قلبكِ قد ولـو انّ ظُـلم الدهر أضحى مُبهماً أمّـاه قـلـبـي في حنانك قد هما ألـقـى وألـقـى من حنينٍ أفحما والـشـدو حيناً للتلاقي في الحمى دمـعـاء تـبحر في فؤادي فاغتمى أمـي.. وأمـي.. والـحنين لها كما يهوي شعاع الشمس في غرب السما أمـل الـحـيـاة يـلـومني متألّما بـرّي إلـيـك، ذاك يـكفي مثلما - ومـنـاقبي وملامسي بل حيثما - فـوق الـمـشارق والمغارب هائما ولـربـمـا تـشـدو الحياةُ ترنّما فـلـتـسـألـي ربّـاً رحيماً دائما | دمى
آذار/مارس 1973
وكتبتُ أيضاً وقد اختطفتُ دقيقتين في العمل:
أعود بوحشتي للشامِ عدوا وأنظر حيثُ تُطلَقُ منكِ شدوا
فأرشف من حنايا الهجر دمعاً وأنتظر التلاقي..دون جدوى
أيار 1974
وعن مرارة الغربة شدوتُ لكِ
سـجـالاً أدمع الهجران
صُبّي
وهـبّـي يا رياح الشوق هبّي
أيـا أمـيّ، تـقرّحني دموعي
وسـيـطـكِ "أمّ همّامٍ" يداوي
نـداءً ، فاغفري لي واذكريني
بـحـقّـكِ، ما لثديك أرضعنّي
وعـهدي، ليس لي عهدٌ لأنّيعـلـى سـقَمٍ من الدنيا بقلبي
وعـن جـنـحٍ كسيرٍ لم تَذبّي
وهـل أشكو لغيركِ بعدربّي ؟
جـروحاً بالقروح ولا يُلبّي -
كـطـفـلٍ يـخبرنَّ ولا يُخبي
دمـوعاً تحتوي شوقي وحبّي
أُقاد من المصائب دون صحبي.
نيسان 1977
وفي أحد الأيـام، كنتِ تنظرين إليّ بحسرةٍ والحزن يملأ عينيك، تحاولين أن تحبسي دموعك، فما استطعتِ، وقدرتِ الموقف الذي كنت فيه خلال تلك اللحظات، ولكنّ سعادة أحفادك طغت على أن تقولي كلمة حقٍّ، فتملّكتِ نفسك، وشعرتُ بكلِّ ما يؤلم أعماقها فالتجأت إلى مكتبي وأسلمت مشاعري للقلم فكتبت القصيدة الوحيدة التي لم أقرأها لك:
صـدّقيني، كلّما هبّ صـدّقيني، أنتِ مازلتِ معي صـدّقـيني، كلّما الدمع هما لـيـس لي إلاّ سواك نغمةً لا تـظنّي أنّ في النفس جفا أنـا يـا أماه جُرحي لا يُرى من ضياع الروح أغدو شبحاً قـد عرفتيني وإن لم تُدركي صدّقيني، إنْ أتى الدهر على طـالما الهجر يداري مقلتي |
الشجايـحفر الحزن بقلبي بـيـن آلامـي لتغدو أبهجا كـنـتِ يا أمّ طريقي للرجا ملؤها الحزن فأين المُرتجى لـم أجد مأوى ليحلو المُلتجا شرّح الهجر بنفسي وسجى إذ رأيـتيني غريب المرتجى فضياع اليوم في ديني التجا جـملةَ العمر، فعمري للشجا خـافتٌ ضوءُ عيوني للرجا | منهجا
كانون أوّل/ديسمبر 1997
وفي إحدى اللحظات القاسية شروداً كتبت:
جـبـلٌ من الشعر الذي في حَوذتي أنـا فـي الـحـياة كماردٍ متواضعٍ أنـا فـي الـحياة زهيرةٌ ولها الربا فـلـمـا سأمضي في التكبّر جانحاً عُـدْ لـلـقـوافي يا يراعي حاصداً فـهـنـاك حـقـلٌ للخطيئة مشبعٌ وهـنـاك آفـاق الـبـراري كلّها لِـنَـرِد إلـيـها، روضُها من ملكنا فـيـهـا استقيتُ من الحياة حقائقاً وكـذا الـدمـوع إذا ذكرتُ طفولةً هي في الصباح وفي المساء تحيطني هـي عـنـد كـلّ هنيهةٍ ترنو إلى هـي إن رمـرت نحو النجوم بنظرةٍ أنـا يـا خـليلة كلّ نبضٍ في دمي أنـا مَن يذُبْ في الدمع إن لا حَت له جـفّـتْ بـقـابا ما اختزنت بمقلتي فـاجـنـحْ فـؤادي بالقصائد وافياً |
لـك يـا يراعي، لاتسل عن وحشتي الـحـبّ زيّـنَ مـا يـكلّل مهجتي سـكَـني، وقبريَ في الربى لبقيّتي أخـتـال بـيـن مـسيئةٍ ومليحةِ كـلّ الأغـانـي شـاديـاً بمسيرتي بـحـديـث كـلّ مـنافقٍ أو ممقتِ مُـلأت بـزهـر الحبّ تزكي واحتي أحـكـي لـها مما خفى عن مهنتي مـنـهـا الـوفاء لموطني ولأُمّتي ذكـرى حـنـان الأمّ مـنبع دمعتي بـدعـائـهـا وبعطفها في غربتي يـوم الـلـقـاء لتستريح بعودتي كـي تـسألنّ: هل استفاقت لوعتي؟ آتٍ إلـيـكِ بـكـلّ وهـج محبّتي ذكـرى الطفولةِ فاغفري لي هفوَتي مـن أدمـع الصبر العنيد بوحشتي عـلّ الـقـصائدَ تستجيب لحاجتي. |
1980
وفي عيد الأم السادس الذي أمضيته في الغربة كتبت لـكِ:
ريـح البعدان فـالشوق كأحراشٍ نبتتْ فـي عـيدكِ يا أمُّ أصافي فـكـأنّي عاقٌ، لا تسلي فـأُسـافر من دون إيابٍ والـروح تمزّق أوصالي تسألُ عن شجَنٍ يوصلُها أمـاه أعـيـش لمغفرةٍ فـعـتاب الشام يُلاحقني وأنـا مـا زلتُ أمدّ يدي يـا أمّ يذوب مع الذكرى عـفـرانكِ لا تبكي بعدي غـفـران حنانك يتبعني ليُخفّفَ من وطىء مصيرٍ |
تحاصرنيأمّـاه وهـجري تُـسقى بالدمع وتسقيني أطـياف الذكرى بشجوني عـنّي فالعيش يصارعني سـنوات الهجر تشرّدني فـي الليل تهيم وتتركني بـعهودٍ غارت في الزمنِ سمحا والأخرى من وطني مـادام الـبدر يسامرني لـيراعي فشدا لي لحني عـمري وشبابي يهجرُني قـدَري يـرميني لجنوني ومـع الآلام يـلازمـني يـمـضي بعذابٍ عانَقني | يُلهِمُني
1979
وكتبت إلى كلّ أمٍّ قبل أن أتّخذ الغربة طريقاً لي
أرضـعتِ أبطال الأنام كـم غـرّدت نفَحات قلبك حِنّةً يتجاهلون حنان قلبكِ بعض مَن |
شجاعةًوسـقيتِ أرباب العقول رجاحةً فـزرعت أرجاء الحياة سلامةً ذاقوا الأمومة في الحياة جهالةً |
حمص، آذار 1972,
وكتبت لك مرّةً في عيد الأم
سـلامٌ وشـوقٌ وحبٌّ فـديـت بعمرك كلّ البنين أحـدّق دومـاً بـيوم اللقا لـعـلّـي أٌقـبّل كلتا يديكِ لأُصغي بروحي لكلّ الحديث أتـى الـعيد عيدك كم مرّةٍ أتـى عـيدك الآن أين أبي يـخيّل لي، نحن دوماً معاً ولـم يـلتق الجمع لم يلتقِ |
غداإلـيـك يُـقدّس روح وبـنتٌ وزوجٌ بطول المدى لـعـلّ الـلقاء يكون غدا قـريـبـاً يكون لنا موعدا حـديـثـك يا أمّ لحنٌ شدا مـضـى دون أيّ لقاء بدا وأنـتِ وهُـمْ والزمان عدا ولكن من الدهر دهرٌ مضى ولن يسمع اليأس منّا صدى | الفدا
1985
وكلّ ما كتبت لك ليس إلا قطرة في محيط حنانك، فسامحيني سامحيني سامحيني...