رسائل المراقب العام
رسائل المراقب العام – الرسالة التاسعة عشرة
بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك
29 شعبان 1425 الموافق 13 تشرين الأول 2004
علي عيسى
من المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية إلى إخوته وأخواته أبناء الجماعة وأنصارها وأصدقائها، حَمَلَة رسالة الإسلام العظيم، داخلَ بلدنا الحبيب وخارجَه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحمد الله إليكم، وأصلّي وأسلّم على حبيبنا وقدوتنا سيدنا محمدٍ الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين، ومن سار على دربهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.. وأسأل الله عز وجل أن يفرّج كروبَ أمتنا، ويحفظها من كيد أعدائها، وأن يُلهمَنا رشدَنا،ويعيذَنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ويرزقَنا صدقَ التوجّه إليه والاعتصامَ بحبله، إنه سميعٌ مجيب.
أما بعد أيها الإخوة الأحبة والأخوات: فها هو ذا شهرُ رمضانَ قد أقبل، وها هي ذي بشائرُه تلوحُ في الأفق، تحمل للمؤمنين نسماتِ القبول والرضى من الله عز وجل، فلنستعدّ لاستقباله كما وجّهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: أتاكم رمضانُ شهرُ بَرَكة، يغشاكم الله فيه، فيُنزِلُ الرحمة، ويَحُطّ الخطايا، ويستجيبُ فيه الدعاء، ينظرُ الله تعالى إلى تنافُسِكم فيه، ويُباهي بكم ملائكتَه، فأرُوا الله من أنفسِكم خيراً، فإنّ الشقيّ من حُرِمَ فيه رحمةَ الله عزّ وجلّ.
فما أحرانا أيها الأحبة – ونحن نستعدّ لاستقبال هذا الشهر الكريم – أن نتذكّر أنه شهرُ الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وأنه شهرُ الإخلاص والتقوى والعبادة، وأنه شهرُ التلاوة والضراعة والدعاء، وأنه شهرُ الخير والجود والبذل والتراحم والتكافل، وأنه شهرُ الأخوّة والمحبة والتآلف والتعاون، وأنه شهرُ الصبر والجهاد: جهادِ النفس وجهادِ الأعداء، كما أنه فرصةٌ للمراجعة والتغيير والتصحيح والارتقاء، ومناسبةٌ لاستنهاض الهمم وشحذ العزائم والتنافس في الخير، للانطلاق بدعوتنا ورسالتنا، وأداء مهمّاتنا وواجباتنا، نحو أنفسنا وإخواننا، ومجتمعاتنا ووطننا وأمتنا، بخطىً ثابتةٍ واثقة، وعزائمَ قوية، وهممٍ عالية، ورؤيةٍ واضحة، مستعينين بالله عز وجل، متوكّلين عليه، واثقين بوعده ونصره وتأييده، محتسبين عنده كلّ ما يصيبنا في سبيله، ليكونَ لنا رمضانُ في كل عام، محطةً نتزوّد منها بكلّ ما نحتاجه لمتابعة السير على هذا الطريق.
أيها الإخوة الأحبة والأخوات: يقبل علينا شهر رمضان، وأمتنا تتعرّض لأقسى هجمةٍ عرفها تاريخها المعاصر، فلنذكر في هذا الشهر الكريم معاناة الملايين من إخواننا الذين يسومهم الاحتلال سوء العذاب، يقتّل أبناءهم ونساءهم وشيوخهم، ويدمّر بيوتهم ومساكنهم ومزارعهم، ويشرّد أطفالهم، فنقوم بما تمليه علينا حقوق الدم والأخوّة والعقيدة، ونقدّم لهم ما نستطيع، مما يعينهم على الثبات والصمود ومواصلة المقاومة والجهاد..
كما يقبل علينا شهر رمضان، وبلدنا الحبيب تحيط به الأزمات والمخاطر، وشعبنا المصابر ما زال يرزح تحت نير القمع والتسلّط والاستبداد، فلنذكر في هذا الشهر الكريم، معاناة المقهورين من إخوتنا وأهلنا وأبناء شعبنا، في أعماق السجون وخارجَها، داخلَ الوطن الحبيب وخارجَه، مدركين أنّ العملَ لنصرتهم وإنقاذهم واجبٌ شرعيّ ووطنيّ وإنسانيّ، يحتاج إلى استنهاض الهمم، وبذل كلّ الجهود، واستنفار جميع الطاقات. فهذه ليست قضيتَنا وحدَنا، بل هي قضيةُ كلّ المواطنين على اختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم، ولا بدّ أن نتعاونَ جميعاً على القيام بأعبائها، في مختلف الميادين والمجالات والساحات.
أيها الإخوة الأحبة والأخوات: إنّ العالم اليومَ أحوجُ ما يكونُ إلى الإسلام ودعاته، وإنّ أمتنا أحوجُ ما تكونُ إلى العودة الصادقة إلى ربها ودينها، ونحن أبناءَ جماعة الإخوان المسلمين، نحملُ لواءَ هذه الدعوة المباركة، مع إخواننا من العاملين للإسلام، فلنستشعرْ عِظَمَ المسئولية وثِقَلَ الأمانة، ولنتابع الطريقَ مستعينين بالصبر والصلاة والصيام، متعاونين مع كلّ الصادقين من أبناء شعبنا وأمتنا، متجاوزين كلّ الصعوبات والعقبات، فهذا هو قدَرُنا ومَبعَثُ فخرنا واعتزازنا، وسبيلُ نجاتنا وسعادتنا، ولن يتحقّق لنا ذلك إلاّ أن نكونَ إخواناً مسلمين حقّاً، فمجرّدُ الانتماء دونَ أن يصدّقَه العمل، لا يُغني من الحقّ شيئا. وشهرُ رمضان - أيها الأحبة – فرصةٌ عظيمةٌ للتجديد والتطوير والارتقاء، وحتى يكونَ لنا كذلك، لا بدّ أن نستقبلَه ونتعاملَ معه كما أمَرَنا ربّنا عزّ وجلّ، وكما أرادَ لنا قائدُنا وقُدوتُنا سيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فنصومَه ونقومَه إيماناً واحتسابا، مؤدّينَ حقّ الله فيه، مُدرِكين حقيقةَ الصوم المطلوب، وطبيعةَ القيام المندوب، مؤدّين حقوقَ العباد من التحابب والتآلف والتعاطف والتكافل والتراحم، ليكونَ مجتمعُنا هو المجتمعَ الإنسانيّ الأمثل، ونحيى حياةً طيبةً في الدنيا، ونسعدَ سعادةً أبديّةً في الآخرة. والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبُلَنا، وإنّ الله لمع المحسنين.
ختاماً أهنئكم أيها الإخوة الأحبة والأخوات، بحلول شهر رمضان المبارك، سائلاً المولى عز وجل، أن يعيننا جميعاً على صيامه حقّ الصيام، وقيامه حقّ القيام، وأن يتقبّل منا طاعاتنا، وأن يعيده علينا وعلى أمتنا، وقد صحَت من كبوتها، وعرفت طريقها، وتخلّصت من قيودها، وحرّرت إرادتها وأراضيها، واستعادت كرامتها وعزتها..
وإلى رسالةٍ قادمةٍ بإذن الله، أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه. وكلّ عامٍ وأنتم بخير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لندن في 29 شعبان 1425 الموافق 13 تشرين الأول 2004