إبراهيم العلي .. عالم عامل في ذمة الله

إبراهيم العلي .. عالم عامل في ذمة الله

ياسر الزعاترة 

صلينا يوم الجمعة الماضي صلاة الجنازة على العالم الجليل والداعية المعروف الشيخ إبراهيم العلي، وذلك في المسجد الذي كان إماماً له منذ ربع قرن (مسجد مدرسة الأمير حسن في جبل الجوفة في عمان). وقد كانت جنازة حاشدة اجتمع فيها تلامذة الشيخ وأصدقاؤه ومحبوه وما أكثرهم، حيث لم يتسع المسجد وساحات المدرسة للجماهير التي جاءت تودع الرجل الذي طالما عرفته وألفت صوته خطيباً وواعظاً ومفتياً يحبه سامعوه أيما حب. وقد تذكرت في سياق الجنازة مقولة الإمام أحمد بن حنبل "بيننا وبينكم الجنائز يا أهل البدع".

هي خمسون عاماً لا غير قضاها الشيخ في هذه الحياة، لكنه كان خلالها يصل الليل بالنهار في طلب العلم ودفع زكاته تأليفاً وخطابة وتدريساً ووعظاً وإفتاءً وتربية للجيل المؤمن الذي وعاه رجلاً يحمل العلم من دون زهو ولا مباهاة، بل حباً في الخير وطلباً لرضا الله عز وجل.

عرفته رحمه الله لسنوات من خلال عملي رئيساً لتحرير مجلة )فلسطين المسلمة( التي كتب لها سلسلة طويلة من المقالات عن فلسطين والجهاد في السنة النبوية، قدم من خلالها نماذج الجهاد والاستشهاد منذ عهد الصحابة والتابعين وصولاً إلى أيامنا هذه. وقد كانت للشيخ رؤاه الفقهية القوية والمقنعة في الرد على قصار النظر ممن تحفظوا على العمليات الاستشهادية أو أفتوا بعدم جوازها، فيما كانت فلسطين حاضرة في روحه بقدسيتها وشهدائها وتأثيرها الحيوي الرائع في وعي جماهير الأمة.

كان رحمه الله مبشراً بقدرة هذه الأمة على الصمود والانتصار، واثقاً ببشارات حبيبه صلى الله عليه وسلم، ولطالما ردد تلك الأحاديث التي يبشر فيها المصطفى المؤمنين بالنصر والتمكين جيلاً بعد جيل.

كثيرة هي المناقب التي حملها الشيخ إبراهيم العلي إضافة إلى علمه الغزير الذي شهد له به القاصي والداني، لعل أهمها تلك الميزة التي بدونها لا يكون للعلم أدنى ذكر في وعي الأمة وتاريخها، ممثلة في الموقف المبدئي الذي ينتصر للأمة وقضاياها.

نتذكر على هذا الصعيد كيف أن العلماء الذين احتفظت لهم الأمة بالمكانة الكبيرة هم الذين انتصروا لقضاياها وجاهدوا في سبيل عزتها، وليس أولئك الذين لم يعيشوا إلا بين الكتب والمؤلفات، على أهمية ما كانوا يفعلون.

في هذا السياق ظلت أسماء الكبار من أمثال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل والعز بن عبد السلام وابن تيمية، وسواهم من الذين قدموا جهاداً بارزاً، أكان في مواجهة فساد السلطة، أم في جهاد الأعداء .. ظلت حاضرة لا تغيب عن وعي الأمة في مختلف الحقب.

نتذكر ذلك، سيما ونحن نسمع ونشاهد أقواماً يدعون العلم وطلب العلم فيما لا تجدهم إلا في ميادين التخذيل وهجاء المجاهدين ومن يواجهون الظلم بمختلف أشكاله، فهؤلاء لن يذكرهم التاريخ إلا في صفحات بائسة تليق بوقوفهم في خنادق الهجاء للمجاهدين والدعاة العاملين. وقد كان للشيخ الراحل دوره في مواجهة هؤلاء بالعلم والمنطق.

رحم الله الشيخ العالم إبراهيم العلي رحمة واسعة وعوّض الأمة عن خسارته بمزيد من العلماء العاملين الذين يدافعون عن الأمة ويدعون إلى الجهاد دفاعاً عن دينها وهويتها، ويصبرون ويصابرون حتى يلقوه سبحانه وهم على ذلك، كما كان حال شيخنا عليه رحمة الله.