سميح القاسم من المنفضة إلى الخلود
جميل السلحوت
رحل شاعرنا الكبير سميح القاسم وهو في عزّ العطاء، رحل جسدا لكن ذكراه باقية ما بقيت حياة على هذه الأرض، وخسارة ثقافتنا العربية كبيرة بفقدان "شقّ البرتقالة الثاني" واذا كان"وجع ضربتين في الرأس كبير جدا" فرحيل محمود درويش وبعده سميح القاسم موجع والخسارة كبيرة.
والراحل الكبير سميح القاسم واحد ممن أسسوا لشعر المقاومة الفلسطيني منذ نعومة أظفاره، ويشاركه في ذلك آخرون مثل محمود درويش، توفيق زياد، راشد حسين، سالم جبران وآخرين. وقد ترك القاسم إرثا شعريا يشكل مدرسة للشعراء الذين عاصروه ولمن سيأتون بعده.
وسميح القاسم تخطى الشعر المحلي والعربي إلى العالمية. وقد كان سفيرا لقضيته ولشعبه في العديد من المحافل الدولية، فهو كما فعل زميله وصديقه محمود درويش حمل هموم شعبه ووطنه، وكان بحسّه القومي أيضا حاملا لقضايا الوطن العربي الكبير.
والقاسم الذي انحاز منذ بداياته الى الكادحين والمناضلين من أبناء شعبه وأمته، تجلى بانسانيته الكبيرة في أشعاره وفي ثقافته الواسعة. وعدا عن ريادته الشعرية فقد كان قائدا جماهيريا، يشارك في مختلف المناسبات الوطنية بدور فاعل، ففي يوم الأرض عام 1976 ألهب حماس الجماهير العربية التي ثارت غاضبة لسلب أراضيها بقصيدته التي مطلعها:
"يمّا مويل الهوى يمّا مواليا
ضرب الخناجر ولا حكم النذل بيّا"
وفي الانتفاضة الفلسطينية الأولى كتب نشيد الانتفاضة:"رسالة الى غزاة لا يقرأون" فانتشرت بين صفوف المنتفضين كما النار في الهشيم.
وسميح القاسم الذي تقبل المرض الخبيث بوعي كاف، كان يدرك أن هذه الحياة فانية، وأن الموت نهاية حتمية، وأبدع في سيرته الذاتية التي أسمى فيها الحياة الدنيوية بـ" انها مجرد منفضة"، وفيها كتب فلسفته عن الحياة وعن الموت.
والقاسم الانسان والشاعر الكبير كان يؤمن بحتمية انتصار شعبه لعدالة قضيته، وقد كانت أمنيته أن يرى شعبه وقد تحرّر وأقام دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، ورحل وهو على ثقة تامة بأنه سيأتي اليوم الذي ستتحقق فيه هذه الأمنية.
فالى جنات الخلود يا "جرمق" الشعر. وذكراك باقية الى أبد الآبدين.