الشيخ محمود عمر المشوّح "أبو طريف"
سورية تفقد علماً من علمائها
الشيخ محمود عمر المشوّح "أبو طريف"
بقلم: فاروق مشوّح
في الذكرى الرابعة لوفاة العالم الخطيب المفكر الشيخ محمود مشوّح
"بمناسبة مرور الذكرى الرابعة لوفاة الخطيب المحاضر الأديب الشيخ محمود مشوّح رحمه الله تعالى رحمة واسعة، نقدّم ما وصل إلينا عن هذا العالم الجليل الذي ظُلم حيّاً، وظُلم ميتاً".
بقلوب يملؤها الحزن والأسى، ونفوس راضية بقضاء الله تعالى وقدره، نعى المسلمون في سورية، والجاليات السورية في الأقطار العربية الأخرى فضيلة الشيخ الجليل مفتي منطقة "الميادين" في سورية محمود عمر المشوح، الذي توفاه الله تعالى في مدينة الميادين شرق سورية مساء يوم السبت 23 من شوال 1420هـ الموافق 29 كانون الثاني 2000م عن عمر يناهز السبعين عاماً..
رحم الله الفقيد، وأجزل له المثوبة والرضوان، وللمسلمين وإخوانه وعشيرته وآل بيته وجميع محبيه العزاء والصبر الجميل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وُلد الفقيد الشيخ محمود عمر المشوّح في مدينة الميادين شرق سورية عام 1929، وتلقى علومه الابتدائية في مدارسها، ثم أخذ طرفاً من العلوم الشرعية على يد والده، الشيخ عمر المشوح الذي كان مفتياً للمنطقة قبله وعالماً من علمائها، حيث انتقل الشيخ محمود بعدها إلى دمشق عاصمة سورية لدراسة العلوم الشرعية في مدارسها المختصة، وقبل إكمال دراسته المتوسطة توفي والده الشيخ عمر رحمه الله عام 1945، فاضطر إلى ترك الدراسة النظامية، وقفل راجعاً إلى بلده حيث استلم منصب الإفتاء في المنطقة، ولما يبلغ السن الرسمي للوظيفة، فأصبح مفتي المنطقة وعالمها الأول بعد أن انكبّ على تحصيل العلم بجهده الشخصي، ومتابعته الخاصة، ومثابرته المستمرة الدؤوب، وكان له من ذكائه المشهور، وحبه للعلم، ونهمه للمطالعة، ما أعانه على تحصيل ما فاته من علم المعاهد والجامعات، حيث تبحر في كثير من مجالاته الشرعية، واللغوية، والفكرية المختلفة، وظهر ذلك جلياً في خطبه العامة والخاصة، حيث كان من ألمع الخطباء ليس في منطقته فحسب بل في سورية كلها، وما سمع به أحد ممن يهتمون بالعلم وأهله، والبلاغة وأساليبها، والحديث وبيانه وطلاوته، إلا قصده وأحب سماع تلك الخطب والأحاديث، التي ترك منها تراثاً طيباً من الأشرطة المسجلة يشرح بها أفكاره وآراءه في مناحي الإسلام المختلفة، وشعاب الفكر المتعددة.
كما كان رحمه الله مرجع الفتيا في المنطقة بشكل عام وبلده بشكل خاص، وكثير من الناس لا يطمئن في هذا الأمر إلا إلى فتواه، حيث العلم الواسع، والرأس القاطع، والحجة الناهضة، وقلما تدخل إلى بيته إلا وتجد مجموعة من الناس تسأل عن شأن من شؤون دينها، أو تحتكم إليه في أمر شجر بين أفرادها، أو تطلب منه رأياً في قضية من قضاياها.
كان بيته –رحمه الله تعالى- مقصد الشباب، على الخصوص من جميع الأنحاء في المنطقة وغيرها من المحافظات السورية لحضور خطبه، وسماع آرائه، والاستزادة من علمه، ولقد شغله همُّ المسلمين وواقعهم المؤلم عن الجلوس للكتابة، وتأليف الأسفار والكتب، فكان دائم الحديث في هذا الهمّ، ومن الحق أن نقول: إن هذا الأمر وما يتطلبه من كلام وتحليل وتفكير مستمر طغى على ملكة الكتابة عنده حتى بدا وكأنه يجد صعوبة في التأليف والتصنيف، كان يلاحق الأخبار والأنباء التي تتحدث عن مستقبل الأمة ونهضتها، وعن واقعها وتطلعاتها، ويجري في ذلك التحليلات المسهبة، ويعطي الآراء الناضجة لفحوى هذه الأخبار، ودلالات أحداثها من أجل الخروج من هذه الحالة البائسة التي وقعت فيها الأمة، وشقيت بها شعوبها، حيث كانت تأخذ منه الكثير من وقته وجسمه وجهده فلا عجب أن تراه مريض الجسم، منهك القوى، وقد لحقت به أشد الأدواء والآلام.
اهتم الفقيد بتاريخ الأمة الإسلامية، وتراثها الباذخ، وحضارتها الزاخرة، كما شغف بلغتها العربية الشريفة، فحفظ كثيراً من دواوين الشعر العربي كما استظهر الكثير من النثر البليغ لعلماء العربية وخطبائها وبلغائها، هذا علاوة على تمكنه من قضايا الفقه والأصول وعلوم الدين، حيث كان يراجع هذه المدونات الطويلة والأسفار الكبيرة في كل سنة من سني عمره قبل أن يقعده المرض عن ذلك وكان يتحدث في مسائل التراث هذه على اختلاف علومها، وضروب مواضيعها كأحسن المختصين فيها، أو المهتمين في واحدة من علومها، كما درس الفكر الغربي ومدارسه المختلفة دراسة واسعة وعميقة، حيث كان يشرح مسائلها، ويفصل في قضاياها وكأنه واحد من أصحاب تلك المدارس أو منظر من منظريها، ولذا تراه لا يطرح مسألة إلا ويضع لها كل الأسس التي انطلقت منها، والقواعد التي قامت عليها، بحيث لا تجد في بحثه في تلك الأمور أي ثغرة أو استدراك، وتصور معي كيف ترى لوامع الفكر مع جوامع الكلم، وبلاغة الحديث في طلاوة وبيان..
لقد اهتم شيخنا رحمه الله كثيراً في شرح القرآن الكريم، وفصَّل في مقاصده وأسهب في تفسيره وكشف عن كثير من لطائفه بخطب طوال قضى بها ردحاً كبيراً من أيام حياته، وله سلسلة من الخطب في موضوع القرآن الكريم على حسب ترتيب السور في المصحف ثم أتبعها بسلسلة ثانية في التفسير بحسب نزول الآي الكريم، لكن ليس له من المطبوعات سوى تعليقات قليلة على هامش القرآن الكريم وهو مطبوع ومعروض في الأسواق.
كان رحمه الله تعالى أبيّ النفس، عالي الهمة، شديد الاعتزاز بالكرامة، مهيب الشخصية، سريع البديهة، واسع الثقافة، كثير المطالعة، حاد الذكاء، حاولت السلطة استمالته كثيراً لكنه أبى عليها وقضى الفترة الأخيرة حبيس بيته، ورهين منزله، لا يقابل إلا من جاء قاصداً متعمداً بحاجة، أو سؤال شرعي، هذا بالإضافة إلى زوّاره من الشباب الظامئ للمعرفة والعلم، حيث تكون لقاءاتهم به على شكل ندوات يديرها بنفسه وليس لهم فيها إلا السؤال والاستفسار وهو يتحدث في الشؤون العامة وما يهم المسلمين من أمر دينهم ودنياهم.
كان تطلعه إلى المستقبل دائماً، ونظرته إلى الغد المرتقب يملؤها الأمل، ويرى أن مستقبل البشرية في هذا الدين، وليس لها من طريق إلا ما تركه محمد وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ويحمل مسؤولية هذا المستقبل على المسلمين من أجل فهمه وتبليغه للناس بالوسيلة التي تلائم العصر، وتحقق الغاية، وله من الجرأة في أفكاره، والإحاطة في معارفه، والعمق في تفكيره، ما يعينه على تحديد الهدف بشكل واضح وقاطع ومحدد حتى أصبح بيته في الآونة الأخيرة محجة لأولئك الشباب يوجههم إلى أساليب الدعوة الناجعة، ووسائلها الناجحة، وطرائقها المناسبة في العمل الإسلامي.. وفي هذا المجال لا بد لنا أن نذكر بأن الشيخ الجليل رحمه الله قدم للحركة الإسلامية أكثر من دراسة ومشروع للعمل الإسلامي يعرفها إخوانه القريبون منه، والمتصلون به وكثير من قادة الحركة الإسلامية، ولا ينسى هؤلاء وأولئك مسودة المشروع المعروف "منهاج الثورة الإسلامية في سورية" الذي أرسله في بداية الثمانينيات ومع بوادر الحركة ونشاطاتها في تلك المرحلة، حيث ظهرت نسخة المنهاج بطبعته المعروفة والمعروضة لدى الإخوان.
قضى الشيخ الجليل السنوات الأخيرة لا يخرج من بيته، وقد جثم المرض على صدره في السنتين الأخيرتين شديد الوطأة ثقيل الألم.
وفي يوم وفاته –رحمه الله رحمة واسعة وجعل مأواه الجنة- كان هادئ البال، رضي النفس طلق الوجه قد اختفت كثير من ظواهر الألم والأوجاع عن محياه فأخبر أولاده وهو يودعهم أن الأمر قد انتهى وأنه يسلم روحه لله تعالى راضياً مرضياً، فقال أحدهم:
- توكل بالله.
قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
ثم اضطجع ضجعة النائم وخرجت روحه إلى بارئها راضية مرضية – عليه من الله الرحمة والرضوان – وذكر مشاهدو حالته هذه أنهم رأوا وجهاً مطمئناً وبسمة راضية لم يروها على وجهه في سنوات المرض الأخير. (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
دفن الشيخ الجليل في بلده وقد ذكر الحاضرون لموكب جنازته أن المنطقة لم تشهد مثل هذه الجنازة في تاريخها كله فلقد بكاه بألم وحسرة كل من عرفه أو سمع به، أو سمع له جزاه الله خيراً وعوض المسلمين عنه خير العوض وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الشيخ محمود مشوح في موكب العلماء الراحلين إلى الله
بقلم: عبد العزيز المشوح
كان مساء السبت الثالث والعشرين من شوال 1420هـ مساءً حزيناً على بلدة الميادين الجاثمة على نهر الفرات في سورية الحبيبة الصابرة المحتسبة.
حزناً يقطر أسى، ويفيض عبرات، وكيف لا.. وقد فقدت المنطقة الشرقية أعزّ أبنائها، وخيرة علمائها، وشيخاً من شيوخ الصحوة الإسلامية فيها، ومؤسساً من مؤسسي الحركة الإسلامية بين ظهرانيها.
لقد كان المصاب عظيماً، والخطب جللاً، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نقول إلا ما يرضي الله عز وجل.
أيها العم الفاضل، والعالم الجليل، حزني وحزن أبناء منطقتي، أبناء الفرات جميعاً وأبناء سورية أجمع، وأبناء العالم الإسلامي أجمعين، لا ينقطع ولا ينفد، كنعيم أهل الجنة كلما نفد تجدد..!! ذلك أنهم فقدوا فيك العالم النحرير، والخطيب المصقع، والأب الحاني الرؤوف، والمصلح الاجتماعي، والعاقل الحكيم، والمفكر المبدع، والسائر على سنن الأنبياء من لدن إبراهيم إلى نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وما يبكون مثلَ أبي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي
فقدوا فيك عصاميتك، وهمتك ودأبك، فقد استلمت إفتاء المنطقة ولما تبلغ العشرين ربيعاً، فأوقدت سراج عقلك من نور عينيك، وغُصْتَ في بطون الكتب تطالع وتبحث، حتى أنرتَ السبيل للتائهين فكنتَ منارة على شاطئ الفرات، تهدي العابرين، وتضيء ليل السارين.
فقدوا فيك الداعية إلى الله على سنة الأنبياء، ونهج السلف، بعيداً عن البدع والضلالات، مترفعاً عن الصغائر والترهات، تدعو إلى الله على بصيرة أنت، ومن اتبعك وسبحان الله وما أنت من المشركين.
فقدوا فيك الخطيب المصقع، صاحب العقل المتنور، واللسان البليغ، فإذا خطبت فللمنابر هزّة، وإذا تكلمت فللكلمات وقع الماء البارد على قلوب المؤمنين، ونزول الصواعق على قلوب الكفرة والظالمين.
فقدوا فيك الجرأة والشجاعة تتصدع جنبات المنابر من وقعها، وتتصدع القلوب والعقول لهولها، فما أخافتك سجونهم وقلاعهم، ولا حرسهم وأسلحتهم، ويوم كانت الأحداث على أشدها واستدعاك أعلى رأس في هرم السلطة، وأرغى وأزبد، وتهدد وتوعد، قلت له بكل جرأة:
"إن التاريخ والواقع لا يؤيدان موقفك، فقد فعل (غيرك) أكثر من ذلك، فأعدم وقتل، وسجن وشرد، وبعد ثمانية عشر عاماً عادت هذه البذرة للنماء والارتفاع، لأن التربة تلائمها، والجو يساعدها، فالأولى أن تحقن الدماء، ويتعايش الجميع لبناء هذا البلد ورفعته".
نعم يا أبا طريف.. فقد فيك الجميع حكمة في عقل، وبلاغةً في لسان، وشجاعة في جنان، وفكراً منيراً، ورؤية بعيدة، ونظرة صادقة أخذتها من كتاب ربك الذي فسرت كلماته، وشرحت معانيه، ووقفت فوق المنبر على مدى ثلث قرن أو يزيد، تجلي الغامض فيه، وتوضح ما استعجم
على الألسن، واستغلق على العقول، فتركت وراءك مئات الأشرطة المسجلة في التفسير، والتاريخ، والأدب، والسياسة، والاجتماع، نسأل الله أن يهيئ لها من ينشر عرفَها، ويعلي ذكرها، ويجليها للمسلمين، لتكون صوّة على طريق الدعاة إلى الله، تبدد حجب الليل وتنير ظلام العقول.
فإن بكيناك أيها الشيخ الجليل، فليس ذلك بمستغرب، ونحن نرى المنية تتخطف الدعاة والعلماء والمصلحين، واحداً تلو الآخر، تقبضهم فينقبض علمهم عن الناس، فيتخذ الناس علماء جهالاً يفتون بغير علم، فيضلون ويضلون، كما أخبر نبينا الكريم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وما كان قيس هُلْكُه هُلْكُ واحدٍ ولكنه بنيان قوم تهدّما
شيخنا أبا طريف..
بكاك بلدك الذي عايشته نصف قرن، وألفك سبعين عاماً، فكنت هادياً مهدياً، وعالماً تقياً، وشجاعاً أبيّا، وزعيماً روحياً.
بكاك الفرات وكأني به يئن، وقطرات مائه بطعم الدموع، فقد كان يشمخ ويفخر، وأنت تسمعه كلماتك الربانية من فوق منبر مسجدك، ومسجد أجدادك، فينتفض إباءً، ويهتز فخراً وطرباً.
بكاك مصحفك الذي ألفاظه تترى على لسانك شراباً سائغاً للشاربين.
بكاك إخوانك على شاطئ الفرات من طرابلس إلى شط العرب، وفي دمشق ومدن سورية المجاهدة، وحيثما كانوا، في مكة، والمدينة، وجدة، والرياض، وعمان، واليمن.. صابرين محتسبين، يسألون الله لك المغفرة والرضوان وفسيح الجنان، وينتظرون الفرج والتمكين.
بكاك المشيعون لجنازتك، مصدقين قول السلف: "بيننا وبينهم الجنائز" فما شهدوا أعظم، ولا أضخم من ذلك الحشد، ولا أخفّ ولا ألطف من ذلك النعش، ولا أطهر وأكرم من ذلك الجسد.!
مضى طاهر الأثواب لم تبق روضة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
رحمك الله عمّنا أبا طريف: في الأولين، ورحمك الله في الآخرين، وأسكنك جنة النعيم، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
"يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم".
نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً.
أيها القراء، أيها المسلمون، ارفعوا أيديكم وقولوا: آمين.
أيها الراحل عذراً
بقلم: نسيبة عبد مشوح
"خاطرة حزينة بمناسبة وفاة جدي الشيخ: محمود مشوح وهو أحد شيوخ الحركة الإسلامية في سورية، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته".
يا سيدي.. للعالم لون السواد.. ورائحة الليل.. وللنهار صمت مقبرة بعيدة.. تقبع في أعلى سفح أخضر، وللدنيا طعم الدموع في قلب إلف ساكنك خمسين عاماً أواه خمسون عاماً.. وأنت غيمة تحمل الغيوث للعقول، والأرواح..!! غيمة تهطل حباً وتحناناً وإيماناً.. هناك على ضفاف الفرات، وفي قمة سفح، وفي مدينة رفعت ذكرها عالياً بعد أن كانت منسياً، فأصبحت بك في ذاكرة التاريخ، وغدت بك عدوة قصوى للأجيال.. تنطلق زاحفة نحو النصر الذي علمتنا كيف نغزله..!!
يا سيدي ربما لا يعرفك كثير ممن لم يروك، ولكن:
حسبك أن تعرفك منابر ومآذن هززتها فتساقطت رطباً جنياً.
وحسبك أن تعرفك آيات وسور كانت في شفاهك نشيداً سماوياً.. تفسيراً ينقلنا إلى هناك.. إلى سدرة المنتهى.. إلى حيث يجتمع رواد قافلة قادمة.. من مسارب التاريخ وسائرة إلى الأعالي..
وحسبك أن تعرفك صحائف طويت فيها جُلّ أيامك..
يا سيدي.. يا لؤلؤة في عقد انفرط.. فلم تتساقط حبّاته، وإنما تطايرت تُرصّع السماء بالحنين، وترصّعنا بالأنين..
وحسبك أن يعرفك ظالمون.. قتلت الأمن في حناياهم فأصبحوا يرونك وأنت رهين حجرتك.. ناراً تحرق باطلهم.. شهاباً يمزق كيدهم.. فخافوك وأنت الأعزل كما لو كنت جيشاً مدججاً باللهيب.. وهل جيش مدجج باللهيب أقوى من قلب مدجج بالإيمان واليقين..؟!
ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى أن الثرى يعلو على الأطواد
يا سيدي.. تبكيك منابر ومآذن.. وتبكيك محاريب ومحابر.. ويبكيك طلبة وكهول ونساء وعجائز.. وتبكيك جموع عادت من وداعك تلتحف اليتم.. تبكي بعدك غربة الأبوين..
وتبكيك نفوس كنت لها دفئاً في عالم زمهريري الأجواء.. ودنيا قارسة المعاني..
يا ساكن القلب.. البشائر تترى.. ونحن نتلوى أسى.
من رُؤى تراك راحلاً إلى عالم الصفاء.. إلى جنازة مهيبة.. أولها على حافة قبرك، وآخرها عند أبواب بيتك.. وجموع هطلت دماً.. ودمعاً وشوقاً.. وأشياء أخرى.. إلى وجه تسكن في تقاطيعه السكينة، وابتسامة لقاء لم نشهده..
ترى يا سيدي لماذا تبتسم هكذا؟.. ومن رأيت يا جدي..؟! هل وجدت ما وعدك ربك حقاً..؟!
اللهم عوّضنا منه كما عوّضته منا.. اللهم اغفر له وارحمه.. وتجاوز عن سيئاته، وزد في حسناته، وألحقه بالذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
ورحل شيخ الفرات
بقلم: جمال المعاند
الموت غاية كل حي، وأقدار الله سبحانه - ليست عبئاً من العبث، بل هي حكم بالغة، تقدير محكم.. وفي خضم الحياة، وصخبها الموار، يبدو لنا الموت حدثاً غريباً، بل إيقاع حاد يكسر رتابة الحياة، ويغير من استمرارها الممل.. نرى المغادرين منا يسيرون حثيثاً إلى آجالهم، والموتى يفدون سريعاً إلى قبورهم، فتقف هنيهة تسترجع ما حدث وتحوقل وتتأمل، ولعلنا نبسم ساخرين.. ثم ما نلبث أن نعود إلى ما كنا فيه، وننخرط في خضم ما تركناه، ونرجع إلى ما غادرناه بل قليل، ونحن في هذه الحالة جاءتنا لحظة عبوس مكفهرة، وساعة ذهول فاجعة، خيم فيها علينا سكون، وأطبق على الأفئدة منا ظلام، وكأن الدنيا أصاخت لتسمع نعي عالم جليل، تلك كانت أنباء وفاة شيخنا أبي طريف رحمه الله تعالى ونحن بين مصدق ومكذب، هل حقاً رحل الشيخ؟ وما مدى صحة تلك الأنباء؟
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
لكنها الحقيقة التي ليس بعدها حقيقة، والحدث الذي يدمغ كل زيف أو تجاهل... ويظهر بارزاً صادقاً- في هذه اللحظات العصيبة- قوله تعالى:
(كل نفس ذائقة الموت...) ...(وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
وشكلاً آخر كأن لم يمر علينا قبل، موت الآباء والأبناء والأحباب ... لقد رأينا الأموات يوارون التراب، ويمضون -بسنة معهودة- من ظاهر الأرض إلى باطنها، ومن عالم الشهادة إلى عالم الغيب... أما أن نراه يعلو ويرتفع على طود شامخ، وجبل باذخ، فتلك حقيقة يعسر على المرء تخيلها؛ وإن بدت لنا كالشمس وضوحاً، لكننا ونحن في حالة ذهول؛ لم تستطع القوى احتماله، ولا الجوارح ارتياضه، ولا العقول تصديقه... إنها مصيبة الموت، وفقد الأحباب، وغياب العلم، ومواراة العلماء؛ في زمن اشتدت الحاجة إليهم، وعظمت المصيبة بهم، وانحسر عن جانب من الكون نورهم... أي غصص ذلك الذي يتجرعه الحب من فقد الحبيب، وأي مرارة يحسها في حلقه من غيابه، وأي لهيب يجتاح جوانحه حين يطلبه فلا يلقاه... لكنه أمر الله والله غالب على أمره.هكذا... وفي الثلث الأخير (23) من شهر شوال 1420هـ. الموافق (29) من شهر شباط 2000م، وفي أمسية ظللتها الكآبة، ولفّها الحزن، وخيّم عليها السكون؛ غادرنا إلى لقاء ربه عالم كان قبل زمن ملء السمع والبصر، وبحراً زاخراً لا ساحل له من الفضائل والمكارم، ووعاء جامعاً من المعرفة الراسخة، والإيمان الثابت، والدعوة المستبصرة، قلما يجتمع لإنسان مثلها في هذه الأيام بل تضن الليالي- التي يقال عنها حبالى - بشبيه له، ومن هنا كان العلماء ورثة الأنبياء، والعلم خير عطاء يمنحه الباري لعبدٍ من عبيده،...
لقد فجعت سورية بأحد أفذاذها من العلماء وأهل الفرات-بخاصة- بهذا المصاب الجلل، وكادت النفوس تذهب عليه حسرات؛ لأنه كان من آخر علمائهم، والبقية الباقية من سلفهم الطيب علماً وفهماً ودعوةً...
لقد بدأت تلك الفترة برحيل عالم كان يحلو - للإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله- أن يسميه فيلسوف الفرات، ذلكم هو الشيخ العالم العامل" محمد سعيد العرفي" رحمه الله الذي ذرع العالم الإسلامي طولاً وعرضاً، من سورية إلى مصر إلى اليمن؛ طالباً للعلم حيناً، وداعية حيناً، ومنفياً من قبل أعداء الإسلام -المحتل الفرنسي - حيناً آخر.
ثم تبعه عالم مدينة دير الزور ومربيها الشيخ سعيد المفتي رحمه الله.
وتلاه الشيخ العلامة حسين الرمضان الذي عمَّ بفقده الحزن، وخيَّم الألم على أهل المدينة جميعاً، لأنهم فقدوا فيه الأثر النافع في الدين، والقدوة المثلى في التربية.
وكادت نفوسهم تيأس من مرجعٍ يعودون إليه في معرفة دينهم، ودليل هداية إلى طريق ربهم... حتى ظهرت بشائر النور من شرق فراتهم، ولمع الأمل من أحد جوانب منطقتهم، فكان شيخنا وفقيدنا العلامة أبو طريف رحمه الله علماً يهدي إلى النور المبين، ومشكاة ساطعة تهدي السائلين من أهل الإيمان بما وهب من قلب عقول، ولسان قؤول وعلم نافع، ومعرفة راسخة، وذكاء وقاد، وغيرة صادقة على الإسلام وأهله؛ فأضحى واحة خضراء على ساحل الفرات الخصيب، وديمة وطفاء في صحراء باديته الواسعة، أطفأ ذبالة عمره، وأحرق عنفوان شبابه، ومنح حشاشة قلبه، للعلم والتربية والدعوة، يهدي النفوس، ويثقف العقول، ويرشد الحائرين إلى مسائل دين الحق؛ اطمأن الناس إلى علمه، وقرت النفوس بفتياه، وركنت العقول إلى حججه وأفكاره؛ نشر في الناس نهجاً من العلم لاحباً، وطريقاً إلى العلم واضحاً، وسلوكاً للدعاة وأصحاب الدين مهاباً وراسخاً؛ مهما قلنا فيه فلن نوفيه حقه، ولن نقدره حق قدره؛ لكنه جهد المقل ما نرفع به الحرج عن أنفسنا، علّنا نؤدي شيئاً مما نراه واجباً ويسيراً مما يجب أن نقدمه حقاً لازباً...
كيف لي أن أفي بحق رجل عالم مثل أبي طريف رحمه الله، الذي كان مثالاً يحتذى، وأليفاً يجتبى... ولا عجب في ذلك فهو سليل دوحة كريمة في العلم، وعائلة معروفة بالفضل، شهد لها الناس في منطقتنا بعلمها الموصول، وتوارثها المكانة فيه كابراً عن كابر، فوالده-رحمه الله-كان مفتياً لمنطقة الميادين، وجده هبط المنطقة قادماً من العراق فأنشأ فيها المسجد، وبناه بجهده ومن نفقته، وجلس فيه لتعليم الناس القرآن الكريم وأمور الدين وعائلته لها في بلدته الآن مسجدان باسمها، أحدهما على شاطئ الفرات مباشرة باسم مسجد المشوح - أبو بكر الصديق- لاحقاً، ومسجد الحاج عبد الله المشوح من الجنوب في البلد ولم يعرف عن عائلة الشيخ هذه إلا العلم والتدين وعمل الخير...
لقد أجمع من عاصر الشيخ وخالطه أنه سمح الطباع، كريم النفس، سليم الصدر، محب للناس عطوف عليهم يخضع للحق ويعز على الباطل ولا تأخذه في الله لومة لائم، لم يخضع للأجواء التي مرت بها البلاد، ولا ساير الأهواء التي خاضت بها العباد، ما داهن على دين، ولا استهوته الدنيا الفانية بمباهجها وإغراءاتها الزائلة، فلم يهجر مدينته الصغيرة الوادعة على ضفاف الفرات طلباً لعيشٍ رغيد، أو صيت ذائع أو رفاهية خادعة. ويعترف الكثيرون ممن عملوا في الحقل الإسلامي بفضله وجهده ورأيه الصائب في كل الأمور وشتى المعضلات، وتحت كل الظروف التي مر بها العمل الإسلامي في طول البلاد وعرضها...
وما يلفت النظر ويشد الانتباه ثناء جمهور الناس عليه في فكره ورأيه ومسعاه، وذلك ممن شاءت الأقدار لهم أن يعيشوا معه، أو يحيطوا به أو يصحبوه في كافة أحواله حيث لم يأل جهداً في أمانة الدعوة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، تدريساً وتعليماً وفتوى؛ حتى انداح سعيه ذلك إلى تربية ثلة من الشباب لازموه لفترات مختلفة أخذوا عنه المنهج القويم في التفكير، والرأي السديد في المحاكمة، والحكم على الأمور. وكأني بلسان حالهم الآن يقول:
أأبكيك أم للدين أبكي تأسفاً فليس لنا بعد الفراق قرين
كان مجلسه - رحمه الله - متميزاً بالعلم النافع، والفكر العميق الواسع، والدعوة المستمرة للعمل الدائب، ولقد كرَّس جهده لتنشئة جيل من الرجال يحملون الفكر والدعوة وذلك ما صرفه عن تأليف الكتب والأسفار، فلم يخلف وراءه ما يعين على دراسة فكره ومنهجه في العمل بشكل واضح ومفيد...وأخيراً هل يستطيع القلم أن يسطر تاريخ رجل بهذا العلم العميق والدعوة الراسخة؟ لا أعتقد ذلك، ولا أستطيع، وما هي إلا ومضة من تلك الشخصية العظيمة التي نسأل الله سبحانه أن يعوض المسلمين عنها خير العوض ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا أبا طريف لمحزونون ونسأل الله أن يرحمه ويعفو عنه ويكرم وفادته ويلهمنا - نحن أحباءه - الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
كلمات في رثاء العلامة الشيخ الجليل أبي طريف
شعر الأستاذ: زياد الأحدب
تهيم إلى ربا الشيشان روحي ففي وهج الجهاد الحر عزمي كلا النارين من زند شريف بشرياني صحا حب المعالي وما غير الجهاد لذي علاء تولى شيخنا السامي حميداً فهل من بعده نحيا عيوناً له في أسطر العلماء غوص كأن الله قدر في فؤادي يعير بيانه للصمّ سمعاً ومن يلق الضيوف بخير وجه إلهي فاجعل الجنات مأوى واخلف أمة الإسلام براً فشمس المهتدين إلى كسوف ورمل الفاسدين له ربيع فأمددنا بألف أبي طريف |
|
فيقعدها رحيل أبي طريف وَفقْدُ العالم الهادي نزيفي وكم للروح من شوق شريف وهام القلب بالرأي الحصيف سوى علم لذي لبّ ثقيف مضى الحاني وذو القلب العطوف تراقب عين مشغوف عكوف وعود من جناهم بالقطوف تولهه بذي قدر منيف ونوراً فيه أبصار الكفيف وقول مهذب شهم لطيف له واجعله في الظل الوريف من العلماء في الزمن المخيف وبدر الصالحين إلى خسوف وربع الصادقين إلى خريف وجدِّدْ علمه بين الخلوف |
في مناسبة رحيل الشيخ الجليل:
محمود عمر المشوح (أبو طريف)
عَبرة البعيد المحزون في موكب الشيخ الجليل
أمهلونا ساعةً.. لا تدفنوا جسد الشيخ الجليلْ أمهلونا برهةً.. نلحق الرَّكبَ، فما يُجدي العويلْ بيننا دهر من الأزمان، لم تقطعه أنفاس الصهيل قد لوينا لجمها، نستحث الخطو: نرجو المستحيل لم تجبنا، غضب الشيخ، وملَّ المكث، ولباه الرحيل * * * غضب الشيخ، فقد طال انتظارك يا أخيّا كنت أدعوك فتجتاز المسافات وإن طالت إليا كنت ألقاك صباحاً ثم عصراً، وعشيا لا تملّ البوح، واللقيا، وإن ملت ندامى من حميا صوَّحت أيامنا، أقفرت ساحاتنا ودَّعَ القوم النديا * * * رجع الأصحاب، بعد أن واروا حبيباً في التراب كيف يعلو الترب أجبالاً من العلم، وللحق غضاب كيف يرضى القوم أن يلقوا كنوز العلم في أرض يباب أي نفس طاوعت.. أي عزم قد تثنّى فاستجاب لا تقل ما يغضب الديان، مال بالشيخ لقاء فاستطاب * * * أمس في وصل من النجوى بعيد قد لقيتك سمعت أذناي شجواً، بل رأت عيناي قوتك شبحاً من جسمك الناحل قد تبدَّى فيه موتك لم أصدِّق، وتجاهلتُ ولكن حفر الهاتف لحدك هذه خاتمة الأيام والأحلام لم تعبأ بودك * * * أيُّ قلبٍ كان في صدرك فيّاضَ الحنانْ كان ينبضُ بالحبِّ، وللحبِّ، وفي الحبِّ افتتانْ حبُّ منْ!؟.. حب دنيا.. سقطتْ أشلاؤهُ منذُ زمانْ حبّ خُودٍ مائِلاتٍ.. تَعِسَ الحب وبانْ حبّ هذا الدين، نِعمَ الدينُ، نهجٌ وبيانْ حبُّ خلق الله للهِ، وللحق المبين الصولجانْ شرفاً نلتَ على الأيام، يزهو بين عِطفَيكَ المكانْ * * * أي نفسٍ حَملتْ أحناءُ صدرِك في جسمٍ نحيلْ درج المجدُ عليها، وزهى المجد بها أصلٌ أصيلْ هي للحقِ عطاءٌ واتساعٌ، هي للنور دليلْ لم تُهِنها، هانتِ الأعداءُ فيها وترامتْ في ذبولْ * * * أيّ عُقلٍ حمل الرأس بلاغاً وبياناً من كتابْ جاوزَ الآمادَ والآفاقَ، واجتاز السحابْ أرشدَ السارين ليلاً، وهدى الحيرى جوابْ لم تَخنهُ الذاكرة، لم يُشككْ أو يُلَجلِجْ في ارتيابْ سطع النور بعقلٍ وبقلبٍ، وجَنانٍ لا يُعابْ هِبَةُ الفهم من الله، نجاةٌ وفلاحٌ وصوابْ * * * أيُّ روحٍ ذلك الشيخُ مثالَ العلماءْ لم يهادنْ باطلاً لم يلنْ إلا لحقٍ في انحناءْ عاشَ فقراً، عزّةُ العلمِ بفقرٍ في إباءْ عاشَ قهراً، موكب الحقِ يُثيرُ الجبناءْ عاشَ ظُلماً –جيلنا نحنُ دعاةَ الله- ربَّاه البلاءْ حسبُهُ في هذه الدنيا بلاغاً، ومع الله اللقاءْ |
المحزون عليك حتى يلقاك: أبو سعيد
أوقفوا الشمس
شعر: عبد العزيز المشوح
أوقفوا النعش، بل أوقفوا الشمس إنه سر "يوشعٍ" في بنيه نشرت تبرها على الكون وأغفت لملمت من الشعاع خيوطاً مالها، غربت عجلى إلى الأفق صامتاً منبرُ الرسولِ حزيناً ومياه الفرات شحت وغاضت ودَّعَ القومَ عالمٌ وبليغٌ إنه موت واحدٍ بألوفٍ لو تمهّلتَ يا أبا طريف قليلاً أنت من زرع الحبَّ، وروى النبت أنت من فجَّرَ اللفظ في الحنايا أنت من فسَّرَ الذكر فروى أنت ناديت صارخاً ومغيثاً إن في هجعة الليل للمؤمنين سهاماً إن للصبح إشراقة الحق قم أبا الصبح والإشراق أيها "المفتي" في زمن الجهل، والجريء امسح الرانَ عن قلوب الغفاةِ ساكباً من الكلام البليغ المحلى وارقد اليوم هانئاً وسعيداً |
|
فهي في رأد الضحى تحيينا أوقفوها فنورها يهدينا فالمحيا، باسم الشفاه يقينا وطوتها في النفس سراً دفينا وما زال يومنا الطويل سجينا حنَّ للذكر، صوته يشجينا ما لأشجاره تنوح حنينا ومن الفكر معلمٌ يهدينا رُفع العلمُ، فَقْدُه يُبكينا لرأيت الضياء في وادينا فاستوى على سوقه يعطينا رعداً وبروقاً فغيثُها يسقينا منه العيون دمعاً سخينا أوقفوا الظلم، ناره تكوينا تبعث العزة فينا ومن الصبح ما يداوي القرينا واهباً عطاياك للغافلينا في زمن الجبن، والعالم المفوّه فينا وأوقد في عيون النيامِ ما يعلينا دُرَر الفكر، تبعثُ التمكينا واسأل الله صحوة تحيينا |